عندما شنت مصر و سوريا هجومهما المفاجئ المشترك على اسرائيل في السادس من اكتوبر عام 1973، و جد اﻷردن نفسه في موقف محرج: فمن جهة، لم تكن لعمان الرغبة في استفزاز اسرائيل بشكل غير ضروري. و قد ادرك اﻷردنيون التفوق العسكري اﻹسرائيلي و لم يكن لهم رغبة في تكرار ما حصل عام 1967. اضافة لذلك، فمنذ احداث عام 1970، فقد طور اﻷردن و اسرائيل علاقة تشاركية لم يرغب اي من الطرفين في تعطيلها. فقد دعم اﻹسرائيليون ملك اﻷردن عام 1970 عن طريق التهديد بالتدخل في الحرب ضد السوريين و هو ما ادى لتراجع السوريين عن تطوير هجومهم بعد 22 سبتمبر. و قد استفاد الطرفان من هذا السلام بعد خروج منظمة التحرير من عمان و لم ترد عمان ارجاع التوتر العسكري. و من الجهة الثانية، احس الملك حسين بالضغط الشعبي و الضغط العربي ليشارك اﻷردن بقواته مع العرب، و كان من بين الدول العربية الضاغطة من دعم اﻷردن ماليا و عسكريا. و في النهاية، وافق الملك على ارسال قوات للدفاع عن سوريا، و لكن دون ان يهاجم اسرائيل. و باﻹضافة لذلك، ارسل الملك رسالة سرية ﻹسرائيل لتوضيح ان اﻷردن لن يفتح جبهة ثالثة في الحرب.
و بما يشبه السماح الضمني من اسرائيل، ارسلت عمان اللواء 40 المدرع بقيادة العقيد خالد هجهوج المجالي لسوريا يوم 13 اكتوبر. في ذلك الوقت، كان الهجوم السوري على الجولان قد فشل. و كان اﻹسرائيليون قد بدأوا بالهجوم نحو دمشق يوم 11 اكتوبر، و لكن الفرقة الثالثة العراقية المدرعة وصلت يوم 12 اكتوبر و اقتربت من ميمنة الهجوم اﻹسرائيلي المكشوفة، مما اضطر اﻹسرائيليين ﻷخذ المواقع الدفاعية و إيقاف التقدم. و بناء عليه، عندما وصل اﻷردنيون جنوب سوريا ليلة 13-14 اكتوبر كانت الجبهة قد استقرت: فلا تهديد سوري للجولان، و التهديد اﻹسرائيلي على دمشق قد انحسر.
بدايةً، تم وضع اللواء اﻷردني تحت قيادة الفرقة العراقية المدرعة، و التي كانت بدورها تتبع لقيادة اﻷركان السورية. و خلال الأيام التالية، قام السوريون باستخدام هذه القوة المشتركة بهجمات سيئة التخطيط، و بدون دعم مناسب، و بدون تنفيذ مناسب من قبل هذه القوات ضد الجهة الجنوبية من اﻹختراق اﻹسرائيلي. و من الغير واضح اذا كان السوريون يأملون حقا في ان يتمكن العراقيون و اﻷردنيون من دفع اﻹسرائيليين للتراجع، أو انهم ارادوا ان يبقوا اﻹسرائيليين مشغولين و تحت الضغط حتى يتسنى للسوريين اعادة تنظيم قواتهم و تحضيرها. و رغم ان الهجمات العراقية اﻷردنية انتهت كلها للفشل، فإن اﻹسرائيليين لم يجددوا هجومهم نحو دمشق. و تمكن السوريون من اعادة تنظيم قواتهم و تسليحها بما احضره الروس من سلاح عبر البحر.
تم الهجوم العراقي الأردني المشترك اﻷول يوم 16 اكتوبر. كانت الخطة ان يهاجم اللواء 40 المدرع اﻷرني و اللواء 6 المدرع العراقي بالتزامن على الجيب اﻹسرائيلي من الجهة الجنوبية. و قد كان للاسرائيليين "عقدة" من 4 الوية مدرعة خاضت القتال من اول الحرب ووصل مجموع دباباتها 130 دبابة فقط. و كانت هذه الدبابات متوزعة على مجموعة تلال شرق القنيطرة. و كانت الخطة ان يدفع اﻹردنيون اﻹسرائيليين من تل المال شمالا لقطع طريق دمشق القنيطرة. و تم تخطيط الهجوم ليبدأ بالتزامن فجرا. لكن العراقيين لم يستطيعوا تنظيم قواتهم ليبدأ في ذلك الوقت. و بدل ان ينتظر اﻷردنيون العراقيين ليتم الهجوم بالتزامن، قرر العقيد المجالي ان يحافظ على التوقيت اﻷصلي و ان يهاجم وحده! قام اللواء 40 بهجوم بالتعرض المباشر باستخدام 80 دبابة سنتوريون و 40-50 مدرعة M113، و باسناد مدفعي عراقي و سوري و باسناد من قاذفات صواريخ اردنية ضد اللواء 17 المدرع اﻹسرائيلي (و الذي بقى له 30 دبابة فقط) في تل المال. و كان اﻹسرائيليون قد رصدوا الحشود العراقية شرق مواقع اﻷردنيين، و توجهت معظم تشكيلات العقدة اﻹسرائيلية نحو المواقع العراقية تحسبا. و بسبب كون اﻷردنيين قد هجموا لوحدهم، فقد قرر القائد اﻹسرائيلي توجيه كتائب اخرى لتعزيز تل المال. تقدم اﻷردنيون ببطء نحو التل، و عمد اﻹسرائيليون لتثبيتهم بالضرب المدفعي بعيد المدى (اضافة للمدفعية العراقية التي ضربت اﻷردنيين بالخطأ) و بعدها تحركت قوات لوائين اسرائيليين لعمل احاطة مزدوجة من جانبي القوات اﻷردنية المهاجمة. و تم حصار القوة اﻷردنية المهاجمة من 3 جهات ب 60-70 دبابة سنتوريون اسرائيلية و بدأت الخسائر الأردنية تزداد. حارب اﻷردنيون بشكل جيد كدبابات منفصلة، لكن المشاة الأردنيين لم يساهموا في المعركة بشكل فعال و لم يمكن توجيه القوات كمجموعة لعمل رد فعل مدروس للمناورة اﻹسرائيلية. و في النهاية تراجع اﻷردنيون بعد تدمير 28 دبابة بدون اي اضرار مهمة للاسرائيليين.
عندما قام العراقيون اخيرا بهجومهم صباح يوم 16 اكتوبر، كان اﻹسرائيليون قادرين على توجيه كل قوات عقدتهم ضدهم. و مع انتهاء التهديدي اﻷردني غربا، ارسلت قيادة العقدة اللواء 17 المدرع جنوبا و من ثم التف اللواء شرقا للهجوم على الجناح العراقي. و قد ضرب العراقيون بقوة و خسروا 60 دبابة من اصل 130.
بعد الهجوم يوم 16، انسحب اﻷردنيون لتصليح اﻷضرار و لتعويض الخسائر. و قد تركهم اﻹسرائيليون يومي 17 و 18 بسبب المشاغلة العراقية و السورية عن طريق المدفعية. اصلح اﻷردنيون ما امكن اصلاحه و احضروا تعزيزات لتعويض الخسائر. و طلب اﻷردنيون تغييرا في سلم القيادة، حيث لم يرغب اﻷردنيون في بقاء اللواء تحت قيادة الفرقة العراقية. حيث ان تأخر العراقيين في التحضير للهجوم، و ضرب المدفعية العراقية للمواقع اﻷردنية اثناء الهجوم اصاب اﻷردنيين بالضيق. و تم الحاق القوات اﻷردنية بالفرقة 5 مشاة السورية. و بعد كارثة الهجوم اﻷول، قرر الملك ارسال اللواء 92 مدرع لينضم للواء 40.
عاد اﻹردنيون للقتال يوم 19 اكتوبر. حيث خطط السوريون لهجوم جديد يتقدم فيه اللواء 40 كجناح ايسر للهجوم على الموقع اﻹسرائيلي شرق القنطرة. و مرة اخرى سيكون العراقيون هم الجناح اﻷيمن بينما تكون فرقة المشاة السورية (و التي ضربت بقوة في الحرب) احتياط لتعزيز الهجوم في حال نجاحه. لم يكن اللواء 92 قد وصل بعد، و بالتالي كان عاتق الهجوم يقع على اللواء 40 و الذي لم يعوض كل خسائره من الهجوم الأول (كان يملك 60 دبابة).
الهجوم العربي فشل مرة اخرى. و لكن ليس بسوء ما حصل في يوم 16. مرة اخرى، تم تخطيط الهجوم ليبدأ فجرا، و لكن هذه المرة لم يقم اﻷردنيون بالهجوم في الوقت المحدد! و بالتالي ركز اﻹسرائيليون كل قوتهم ضد الهجوم العراقي و تم ضرب الهجوم العراقي بقوة. تحرك اللواء 40 في حدود الساعة 9 صباحا بينما كان اﻹسرائيليون لا يزالوا مشغولين مع العراقيين، و بالتالي واجه اﻷردنيون اللواء 19 مدرع اﻹسرائيلي (و الذي كان بقي له 30-40 دبابة). قسم المجالي قواته لكتيبتين، و ارسل كل واحدة من جهة لتحيط بتل الحارة و ابقى المشاة الميكانيك كاحتياط. و اعطى المجالي صلاحيات ادارة المعركة لقادة الكتائب دون اي توجيهات اخرى.
كلا الكتيبتين ادت بشكل ضعيف. لكن هذه المرة - و بسبب دروس المعركة اﻷولى - كانوا حذرين جدا في التقدم و لم يتم ضربهم بقوة مثلما حصل المرة السابقة. الكتيبة الغربية وصلت لغاية طريق ام باطنه-جبه بسبب ان الكتيبة اﻹسرائيلية في ام باطنة ظنوهم اسرائيليين (بسبب تشابه المعدات) . و بمجرد ان ظهر الخطأ فتح اﻹسرائيليون النار، و قاتل اﻷردنيون بشكل جيد كدبابات منفردة و لكنهم لم يكونوا بقدرة اﻹسرائيليين و لم يكونوا جيدين كسرايا و ككتيبة. و بدا اﻷردنيون يخسرون الدبابات بسرعة اﻷمر الذي اوجب فصل اﻹشتباك و اﻹنسحاب. بينما تقدمت الكتيبة الشرقية بحذر شديد و وضعت قوات كشف في المقدمة و على اﻷجنحة حتى يمنعوا اﻹسرائيليين من تطويقهم كما حصل يوم 16. و لكن بعد اجبار الكتيبة الغربية على اﻹنسحاب، ركز اﻹسرائيليون كامل قوة لوائهم على الكتيبة الشرقية. و تم تثبيت اﻷردنيين من المقدمة و محاولة تطويقهم من الجانبين مثلما خشي اﻷردنيون، و بمجرد ان شعر اﻷردنيون بالكمين، انسحبوا بسرعة. و اثناء القتال لم تقم كتيبة المشاة الميكانيكية بغير اعمال ثانوية مثل اخلاء الجرحى دون اﻹشتراك في المعارك الفعلية ذلك اليوم. و في الحصيلة، خسر اﻷردنيون بين 17-20 دبابة مقارنة ب 4-5 دبابات اسرائيلية.
لم يشترك اﻷردنيون بعدها بأعمال قتالية بعدها على مستوى اعلى من اعمال القنص و التحرش الناري، و لم يدخل اللواء 92 في الحرب بصورة فعلية حتى توقف اطلاق النار يوم 24 اكتوبر. و كانت مجمل الخسائر اﻷردنية حوالي 54 دبابة و حوالي 80 قتيل.
الفعالية اﻷردنية خلال حرب اكتوبر
في عام 1973، ارسل اﻷردن فقط عينة من قواته للمشاركة في الحرب ضد اسرائيل، و كان ذلك فقط للدفاع عن سوريا. كان اﻷردنيون هناك فقط من باب المشاركة و كان اجتهادهم في الحرب ليس على الوجه الكامل. و بالتالي يجب الحذر من عمل استنتاجات كبيرة على اﻷداء اﻷردني في تلك الحرب. عموما، ادى اﻷردنيون كأفراد و اطقم افضل من غيرهم من الجيوش العربية، لكنهم لم يكونوا على مستوى كاف لهزيمة اﻹسرائيليين. و في كل مرة تواجه الطرفان، لم يواجه اﻹسرائيليون صعوبة كبيرة في دحر اﻷردنيين.
العقيد المجالي و قادة الكتائب كانوا سيئين لعدة اسباب: اولا، المجالي لم يبدو انه فهم حقيقة ارسال اﻷردن لقواته للجبهة السورية. فعمان لم ترد ﻷفضل لواء في الجيش اﻷردني ان يتم تدميره من قبل اﻹسرائيليين، بل ارادوا ان يشارك اللواء في اﻷعمال الدفاعية عن القطر السوري مع تجنب الخسائر. و لكن قرار المجالي الهجوم و لوحده يوم 16 كان قرارا غبيا و ضد توجيهات القيادة العليا. الهجوم لوحده مكن اﻹسرائيليين من تركيز كل قوتهم عليه و تدميره مما ادى لفقدان ثلث قوة اللواء من الدروع. و يبدو منطقيا توقع ان المجالي سمع كلاما لم يسره من القيادة بعد فشل الهجوم، و بالتالي كان حريصا على عدم التقدم يوم 19 حتى تحقق من ان الهجوم العراقي قد بدأ. و في المعركة الثانية ايضا، كان اداء العقيد المجالي سيئا: فقد قسم قواته ل 3 اقسام و ترك لقادة الكتائب التصرف لوحدهم دون اي اشراف و دون اي تنسيق بين الكتائب الثلاث. و لم تستطع الكتائب الثلاثة القيام بجهد منسق او مساعدة بعضهم البعض في المعركة الثانية. و اخيرا، ترك السماح للكتيبة الثالثة في اللواء - كتيبة المشاة الميكانيك - بعدم المشاركة بالقتال بشكل فعلي علامات استفهام كثيرة حيث كان من الممكن لها مساعدة الكتيبتين المدرعتين اثناء اشتباكهم مع العدو.
تشير هذه الأخطاء لمشاكل اخرى عانى منها اﻷردنيون. فبينما كان اﻹسرائيليون دائما يشيدون بحرفية الجندي اﻷردني و مهارة طاقم الدبابات اﻷردني، فإنهم لم يكونوا بمثل قدرات الجانب اﻹسرائيلي. و بشكل اهم، كان هناك مشاكل في خوض المعارك على مستوى التشكيل كاملا. كدبابات فردية، كان اﻷردنيون ممتازين، اما على مستوى السرايا و الكتائب فكان التنسيق مفقودا. و باستثناء الكتيبة الشرقية في المعركة الثانية، لم يهتم اﻹردنيون بحراسة المقدمية و اﻷجناب للحماية من الكمائن، و لم ينجح اﻷردنيون بالمناورة في وجه التحركات اﻹسرائيلية و كان اغلب هجومهم بالتعرض المباشر و من ثم اﻹنسحاب في حال اكتشاف محاولة تطويق اسرائيلية.
كانت العمليات المشتركة بين مختلف اﻷسلحة للجانب اﻷردني سيئة جدا. فلم يستغل اﻷردن قاذفات الصواريخ لديه في بداية المعارك (كان لدية كتيبتين) و كان اﻹعتماد على المدفعية العراقية و السورية. و حتى عندما ارسل اﻷردن كتيبة مدافع 105 ملم للجبهة، كان تأثيرها على المعركة محدودا. و اﻷسوأ من ذلك، فقد فشل اﻹردنيون في تحريك المشاة الى جانب الدروع. كانت الوحدات اﻹسرائيلية في اغلبها تضم فقط الدروع مع دعم مشاة قليل و كانوا بالتالي معرضين لمشاكل كبيرة لو واجههم خصم يملك قدرة عالية في مجال اﻷسلحة المشتركة: دروع و مشاة مع مضادات الدبابات و المدفعية. و في بعض الحالات ضربت الدروع اﻷردنية بقوة من فرق صائدي الدبابات اﻹسرائيليين (و كانوا قليلي العدد) و كان يكفي عدد قليل من المشاة للتعامل معهم. بشكل عام، كان اﻷداء اﻷردني ضعيفا من الناحية التكتيكية.
المصدر:
K. Pollack, "Arabs at War", University of Nebraska Press
و بما يشبه السماح الضمني من اسرائيل، ارسلت عمان اللواء 40 المدرع بقيادة العقيد خالد هجهوج المجالي لسوريا يوم 13 اكتوبر. في ذلك الوقت، كان الهجوم السوري على الجولان قد فشل. و كان اﻹسرائيليون قد بدأوا بالهجوم نحو دمشق يوم 11 اكتوبر، و لكن الفرقة الثالثة العراقية المدرعة وصلت يوم 12 اكتوبر و اقتربت من ميمنة الهجوم اﻹسرائيلي المكشوفة، مما اضطر اﻹسرائيليين ﻷخذ المواقع الدفاعية و إيقاف التقدم. و بناء عليه، عندما وصل اﻷردنيون جنوب سوريا ليلة 13-14 اكتوبر كانت الجبهة قد استقرت: فلا تهديد سوري للجولان، و التهديد اﻹسرائيلي على دمشق قد انحسر.
بدايةً، تم وضع اللواء اﻷردني تحت قيادة الفرقة العراقية المدرعة، و التي كانت بدورها تتبع لقيادة اﻷركان السورية. و خلال الأيام التالية، قام السوريون باستخدام هذه القوة المشتركة بهجمات سيئة التخطيط، و بدون دعم مناسب، و بدون تنفيذ مناسب من قبل هذه القوات ضد الجهة الجنوبية من اﻹختراق اﻹسرائيلي. و من الغير واضح اذا كان السوريون يأملون حقا في ان يتمكن العراقيون و اﻷردنيون من دفع اﻹسرائيليين للتراجع، أو انهم ارادوا ان يبقوا اﻹسرائيليين مشغولين و تحت الضغط حتى يتسنى للسوريين اعادة تنظيم قواتهم و تحضيرها. و رغم ان الهجمات العراقية اﻷردنية انتهت كلها للفشل، فإن اﻹسرائيليين لم يجددوا هجومهم نحو دمشق. و تمكن السوريون من اعادة تنظيم قواتهم و تسليحها بما احضره الروس من سلاح عبر البحر.
تم الهجوم العراقي الأردني المشترك اﻷول يوم 16 اكتوبر. كانت الخطة ان يهاجم اللواء 40 المدرع اﻷرني و اللواء 6 المدرع العراقي بالتزامن على الجيب اﻹسرائيلي من الجهة الجنوبية. و قد كان للاسرائيليين "عقدة" من 4 الوية مدرعة خاضت القتال من اول الحرب ووصل مجموع دباباتها 130 دبابة فقط. و كانت هذه الدبابات متوزعة على مجموعة تلال شرق القنيطرة. و كانت الخطة ان يدفع اﻹردنيون اﻹسرائيليين من تل المال شمالا لقطع طريق دمشق القنيطرة. و تم تخطيط الهجوم ليبدأ بالتزامن فجرا. لكن العراقيين لم يستطيعوا تنظيم قواتهم ليبدأ في ذلك الوقت. و بدل ان ينتظر اﻷردنيون العراقيين ليتم الهجوم بالتزامن، قرر العقيد المجالي ان يحافظ على التوقيت اﻷصلي و ان يهاجم وحده! قام اللواء 40 بهجوم بالتعرض المباشر باستخدام 80 دبابة سنتوريون و 40-50 مدرعة M113، و باسناد مدفعي عراقي و سوري و باسناد من قاذفات صواريخ اردنية ضد اللواء 17 المدرع اﻹسرائيلي (و الذي بقى له 30 دبابة فقط) في تل المال. و كان اﻹسرائيليون قد رصدوا الحشود العراقية شرق مواقع اﻷردنيين، و توجهت معظم تشكيلات العقدة اﻹسرائيلية نحو المواقع العراقية تحسبا. و بسبب كون اﻷردنيين قد هجموا لوحدهم، فقد قرر القائد اﻹسرائيلي توجيه كتائب اخرى لتعزيز تل المال. تقدم اﻷردنيون ببطء نحو التل، و عمد اﻹسرائيليون لتثبيتهم بالضرب المدفعي بعيد المدى (اضافة للمدفعية العراقية التي ضربت اﻷردنيين بالخطأ) و بعدها تحركت قوات لوائين اسرائيليين لعمل احاطة مزدوجة من جانبي القوات اﻷردنية المهاجمة. و تم حصار القوة اﻷردنية المهاجمة من 3 جهات ب 60-70 دبابة سنتوريون اسرائيلية و بدأت الخسائر الأردنية تزداد. حارب اﻷردنيون بشكل جيد كدبابات منفصلة، لكن المشاة الأردنيين لم يساهموا في المعركة بشكل فعال و لم يمكن توجيه القوات كمجموعة لعمل رد فعل مدروس للمناورة اﻹسرائيلية. و في النهاية تراجع اﻷردنيون بعد تدمير 28 دبابة بدون اي اضرار مهمة للاسرائيليين.
عندما قام العراقيون اخيرا بهجومهم صباح يوم 16 اكتوبر، كان اﻹسرائيليون قادرين على توجيه كل قوات عقدتهم ضدهم. و مع انتهاء التهديدي اﻷردني غربا، ارسلت قيادة العقدة اللواء 17 المدرع جنوبا و من ثم التف اللواء شرقا للهجوم على الجناح العراقي. و قد ضرب العراقيون بقوة و خسروا 60 دبابة من اصل 130.
بعد الهجوم يوم 16، انسحب اﻷردنيون لتصليح اﻷضرار و لتعويض الخسائر. و قد تركهم اﻹسرائيليون يومي 17 و 18 بسبب المشاغلة العراقية و السورية عن طريق المدفعية. اصلح اﻷردنيون ما امكن اصلاحه و احضروا تعزيزات لتعويض الخسائر. و طلب اﻷردنيون تغييرا في سلم القيادة، حيث لم يرغب اﻷردنيون في بقاء اللواء تحت قيادة الفرقة العراقية. حيث ان تأخر العراقيين في التحضير للهجوم، و ضرب المدفعية العراقية للمواقع اﻷردنية اثناء الهجوم اصاب اﻷردنيين بالضيق. و تم الحاق القوات اﻷردنية بالفرقة 5 مشاة السورية. و بعد كارثة الهجوم اﻷول، قرر الملك ارسال اللواء 92 مدرع لينضم للواء 40.
عاد اﻹردنيون للقتال يوم 19 اكتوبر. حيث خطط السوريون لهجوم جديد يتقدم فيه اللواء 40 كجناح ايسر للهجوم على الموقع اﻹسرائيلي شرق القنطرة. و مرة اخرى سيكون العراقيون هم الجناح اﻷيمن بينما تكون فرقة المشاة السورية (و التي ضربت بقوة في الحرب) احتياط لتعزيز الهجوم في حال نجاحه. لم يكن اللواء 92 قد وصل بعد، و بالتالي كان عاتق الهجوم يقع على اللواء 40 و الذي لم يعوض كل خسائره من الهجوم الأول (كان يملك 60 دبابة).
الهجوم العربي فشل مرة اخرى. و لكن ليس بسوء ما حصل في يوم 16. مرة اخرى، تم تخطيط الهجوم ليبدأ فجرا، و لكن هذه المرة لم يقم اﻷردنيون بالهجوم في الوقت المحدد! و بالتالي ركز اﻹسرائيليون كل قوتهم ضد الهجوم العراقي و تم ضرب الهجوم العراقي بقوة. تحرك اللواء 40 في حدود الساعة 9 صباحا بينما كان اﻹسرائيليون لا يزالوا مشغولين مع العراقيين، و بالتالي واجه اﻷردنيون اللواء 19 مدرع اﻹسرائيلي (و الذي كان بقي له 30-40 دبابة). قسم المجالي قواته لكتيبتين، و ارسل كل واحدة من جهة لتحيط بتل الحارة و ابقى المشاة الميكانيك كاحتياط. و اعطى المجالي صلاحيات ادارة المعركة لقادة الكتائب دون اي توجيهات اخرى.
كلا الكتيبتين ادت بشكل ضعيف. لكن هذه المرة - و بسبب دروس المعركة اﻷولى - كانوا حذرين جدا في التقدم و لم يتم ضربهم بقوة مثلما حصل المرة السابقة. الكتيبة الغربية وصلت لغاية طريق ام باطنه-جبه بسبب ان الكتيبة اﻹسرائيلية في ام باطنة ظنوهم اسرائيليين (بسبب تشابه المعدات) . و بمجرد ان ظهر الخطأ فتح اﻹسرائيليون النار، و قاتل اﻷردنيون بشكل جيد كدبابات منفردة و لكنهم لم يكونوا بقدرة اﻹسرائيليين و لم يكونوا جيدين كسرايا و ككتيبة. و بدا اﻷردنيون يخسرون الدبابات بسرعة اﻷمر الذي اوجب فصل اﻹشتباك و اﻹنسحاب. بينما تقدمت الكتيبة الشرقية بحذر شديد و وضعت قوات كشف في المقدمة و على اﻷجنحة حتى يمنعوا اﻹسرائيليين من تطويقهم كما حصل يوم 16. و لكن بعد اجبار الكتيبة الغربية على اﻹنسحاب، ركز اﻹسرائيليون كامل قوة لوائهم على الكتيبة الشرقية. و تم تثبيت اﻷردنيين من المقدمة و محاولة تطويقهم من الجانبين مثلما خشي اﻷردنيون، و بمجرد ان شعر اﻷردنيون بالكمين، انسحبوا بسرعة. و اثناء القتال لم تقم كتيبة المشاة الميكانيكية بغير اعمال ثانوية مثل اخلاء الجرحى دون اﻹشتراك في المعارك الفعلية ذلك اليوم. و في الحصيلة، خسر اﻷردنيون بين 17-20 دبابة مقارنة ب 4-5 دبابات اسرائيلية.
لم يشترك اﻷردنيون بعدها بأعمال قتالية بعدها على مستوى اعلى من اعمال القنص و التحرش الناري، و لم يدخل اللواء 92 في الحرب بصورة فعلية حتى توقف اطلاق النار يوم 24 اكتوبر. و كانت مجمل الخسائر اﻷردنية حوالي 54 دبابة و حوالي 80 قتيل.
الفعالية اﻷردنية خلال حرب اكتوبر
في عام 1973، ارسل اﻷردن فقط عينة من قواته للمشاركة في الحرب ضد اسرائيل، و كان ذلك فقط للدفاع عن سوريا. كان اﻷردنيون هناك فقط من باب المشاركة و كان اجتهادهم في الحرب ليس على الوجه الكامل. و بالتالي يجب الحذر من عمل استنتاجات كبيرة على اﻷداء اﻷردني في تلك الحرب. عموما، ادى اﻷردنيون كأفراد و اطقم افضل من غيرهم من الجيوش العربية، لكنهم لم يكونوا على مستوى كاف لهزيمة اﻹسرائيليين. و في كل مرة تواجه الطرفان، لم يواجه اﻹسرائيليون صعوبة كبيرة في دحر اﻷردنيين.
العقيد المجالي و قادة الكتائب كانوا سيئين لعدة اسباب: اولا، المجالي لم يبدو انه فهم حقيقة ارسال اﻷردن لقواته للجبهة السورية. فعمان لم ترد ﻷفضل لواء في الجيش اﻷردني ان يتم تدميره من قبل اﻹسرائيليين، بل ارادوا ان يشارك اللواء في اﻷعمال الدفاعية عن القطر السوري مع تجنب الخسائر. و لكن قرار المجالي الهجوم و لوحده يوم 16 كان قرارا غبيا و ضد توجيهات القيادة العليا. الهجوم لوحده مكن اﻹسرائيليين من تركيز كل قوتهم عليه و تدميره مما ادى لفقدان ثلث قوة اللواء من الدروع. و يبدو منطقيا توقع ان المجالي سمع كلاما لم يسره من القيادة بعد فشل الهجوم، و بالتالي كان حريصا على عدم التقدم يوم 19 حتى تحقق من ان الهجوم العراقي قد بدأ. و في المعركة الثانية ايضا، كان اداء العقيد المجالي سيئا: فقد قسم قواته ل 3 اقسام و ترك لقادة الكتائب التصرف لوحدهم دون اي اشراف و دون اي تنسيق بين الكتائب الثلاث. و لم تستطع الكتائب الثلاثة القيام بجهد منسق او مساعدة بعضهم البعض في المعركة الثانية. و اخيرا، ترك السماح للكتيبة الثالثة في اللواء - كتيبة المشاة الميكانيك - بعدم المشاركة بالقتال بشكل فعلي علامات استفهام كثيرة حيث كان من الممكن لها مساعدة الكتيبتين المدرعتين اثناء اشتباكهم مع العدو.
تشير هذه الأخطاء لمشاكل اخرى عانى منها اﻷردنيون. فبينما كان اﻹسرائيليون دائما يشيدون بحرفية الجندي اﻷردني و مهارة طاقم الدبابات اﻷردني، فإنهم لم يكونوا بمثل قدرات الجانب اﻹسرائيلي. و بشكل اهم، كان هناك مشاكل في خوض المعارك على مستوى التشكيل كاملا. كدبابات فردية، كان اﻷردنيون ممتازين، اما على مستوى السرايا و الكتائب فكان التنسيق مفقودا. و باستثناء الكتيبة الشرقية في المعركة الثانية، لم يهتم اﻹردنيون بحراسة المقدمية و اﻷجناب للحماية من الكمائن، و لم ينجح اﻷردنيون بالمناورة في وجه التحركات اﻹسرائيلية و كان اغلب هجومهم بالتعرض المباشر و من ثم اﻹنسحاب في حال اكتشاف محاولة تطويق اسرائيلية.
كانت العمليات المشتركة بين مختلف اﻷسلحة للجانب اﻷردني سيئة جدا. فلم يستغل اﻷردن قاذفات الصواريخ لديه في بداية المعارك (كان لدية كتيبتين) و كان اﻹعتماد على المدفعية العراقية و السورية. و حتى عندما ارسل اﻷردن كتيبة مدافع 105 ملم للجبهة، كان تأثيرها على المعركة محدودا. و اﻷسوأ من ذلك، فقد فشل اﻹردنيون في تحريك المشاة الى جانب الدروع. كانت الوحدات اﻹسرائيلية في اغلبها تضم فقط الدروع مع دعم مشاة قليل و كانوا بالتالي معرضين لمشاكل كبيرة لو واجههم خصم يملك قدرة عالية في مجال اﻷسلحة المشتركة: دروع و مشاة مع مضادات الدبابات و المدفعية. و في بعض الحالات ضربت الدروع اﻷردنية بقوة من فرق صائدي الدبابات اﻹسرائيليين (و كانوا قليلي العدد) و كان يكفي عدد قليل من المشاة للتعامل معهم. بشكل عام، كان اﻷداء اﻷردني ضعيفا من الناحية التكتيكية.
المصدر:
K. Pollack, "Arabs at War", University of Nebraska Press