تشكل اﻹشتباكات الليبية المصرية عام 1977 مدخلا لدراسة تطور اداء الجيش المصري بعد حرب 1973. فبعد ان ساءت العلاقات المصرية الليبية بسبب توجه السادات للسلام مع اسرائيل، بدأت ليبيا بدعم المعارضة المصرية و التحرش بالجيش المصري عسكريا. و ردت القاهرة بدعم خصوم القذافي في حربه مع تشاد و بالرد على التحرشات الحدودية الليبية. و بدأ السادات يفكر بخطوات اكبر ضد القذافي في صيف عام 1976. فحرك فجأة فرقتين مشاة ميكانيك من القناة و الدلتا باتجاه الحدود الليبية. و وضع هناك حوالي 80 طائرة مقاتلة - من بينها طائرات ميغ 23 - في قاعدة مرسى مطروح. هذه الزيادة الملحوظة في القوات اثارت قلق الليبيين. حيث ان عدد القوات التي حركها السادات (25-30 الف) تساوي تقريبا عدد الجيش الليبي كله. و كان الرد ان حرك القذافي عدة الاف مقاتل مع 150 دبابة لمواجهة الحشود المصرية. و لفترة كان التوتر على الحدود مرتفعا و ظهر و كأن مصر على وشك غزو ليبيا. و بعد مرور عدة اسابيع دون اي تحرك عسكري مصري تراجع القلق الليبي من احتمال الغزو. الكثير من المراقبين ارجع سبب احجام السادات عن غزو ليبيا الى خوفه من مزيد من تدهور العلاقات مع الدول العربية و اﻹتحاد السوفياتي و التي كانت سيئة بسبب سياساته تجاه امريكا و اسرائيل. و لكن تقارير دبلوماسية كانت تشير الى وجود عزم حقيقي للسادات على الهجوم، لكن عدم جهوزية المصريين كانت هي المانع الرئيسي. حيث ان الجيش المصري لم يخطط لحرب مع ليبيا و لم يتمرن عليها، و كان هناك ضعف في الجانب اللوجستي، و وسائل النقل، و البنية التحتية اللازمة في الصحراء الغربية لشن هجوم كبير. و بدأت القيادة المصرية دراسة و وضع خطط عمل عسكري ضد ليبيا بعد تأزم الموقف السياسي عام 1976.
الحشد المصري المفاجئ على حدود ليبيا لم يغير من تصرفات القذافي. على العكس، فقد اعتبر احجام مصر عن الهجوم عام 1976 نوعا من الضعف، و زادت طرابلس من ضغطها على مصر في اﻹعلام و على اﻷرض. و في تلك اﻷثناء، استمر المصريون في اكمال حشودهم و تحضير خطط الهجوم. في ربيع عام 1977 و صلت للروس معلومات بنية مصر غزو ليبيا و ان اﻷمر جد هذه المرة. و حذر الروس الليبيين في مايو و دول عربية اخرى من ان عندهم ادلة على صدق هذا التوقع. تجاهل الليبيون النصيحة و ابقوا قواتهم على مستوى منخفض من الجاهزية مع استمرار المناوشات الحدودية المتبادلة بين الطرفين. اندلعت اشتباكات عنيفة بين 12 و 16 يوليو 1977، و تطورت لضرب مدفعي متبادل ﻷربع ساعات يوم 19 بين قوات بحجم كتيبة من كلا الطرفين. بعدها بيومين بدأ الهجوم المصري.
ميزان القوى
استمر السادات في تعزيز قواته على الحدود مع ليبيا منذ الحشد اﻷول قبل حوالي عام. و عندما بدأ الهجوم المصري اخيرا كان عنده ميزة عددية كبيرة. في بداية يوليو 1976 كان يوجد فرقتين مشاة ميكانيك وصلتا للتو للمنطقة، خلال عام اصبحت هذه القوات متكاملة العدد و العدة، و في مواضع حصينة، و جاهزة للحركة. و تم تعزيز الفرقتين بعدة كتائب صاعقة اضافة لتعزيزات اخرى. اضافة لذلك، خططت القاهرة لتحريك الجيش الثالث من القاهرة و عدة كتائب صاعقة اضافية لو احتاج الأمر. و خلال الأربعة ايام قتال في عام 1977 كانت مصر قادرة على زيادة عدد قواتها لتصل 40000 مقاتل من خلال 3 فرق معززة و 12 كتبية صاعقة، امام هذه القوات لم يكن عدد الجيش الليبي كله يزيد عن 32000 رجل. اكثر من ذلك، ان من هذا الجيش لم يكن يتواجد امام الجيش المصري غير 7-8 كتائب (5000 مقاتل) موزعة على 3 الوية.
غير الميزة العددية المهولة للجانب المصري، كان هناك ميزات اخرى:
1- شاركت مصر في حرب اكتوبر قبل 4 اعوام فقط. و كان هناك عدد كبير من المقاتلين اصحاب الخبرة في صفوف الجيش، خصوصا قوات الصاعقة. في المقابل لم يشهد الجيش الليبي اي معارك.
2- رغم وجود مشاكل للجانب المصري في تشغيل اسلحته التي تحتاج قدرات فنية عالية بطاقتها الكاملة، و في موضوع الصيانة المستمرة لهذه اﻷسلحة، الا ان هذه المشاكل تبدو صغيرة مقارنة بالجانب الليبي. على سبيل المثال، لم تكن ليبيا تملك طواقم دبابات ﻷكثر من 200-300 دبابة، و لم تكن القوات الجوية الليبية تحوي في صفوفها اكثر من 150 طيار. مستوى الصيانة بشكل عام كان مخزيا، و حتى قوات النخبة كان مستوى جاهزية السلاح فيها بحدود 50%.
3- كان الجيش المصري بشكل عام جيشا احترافيا. و قد استمرت السياسات التي ادت لنتائج ايجابية في حرب 1973. مثلا تم ترقية الضباط بناء على كفائتهم بدل الولاء السياسي، و كان كل هم الجيش هو العمل العسكري و لا يوجد تدخل في السياسة، و كان مستوى قيادة اﻷركان ممتازا. على الناجية اﻷخرى كان الجيش الليبي غارقا في الشؤون السياسية و غابت عنه معايير اﻹحتراف. و رفض القذافي تكوين وحدات عسكرية اكبر من كتبية، و وضع الضباط الموالين له مهما كان مستواهم العسكري. و كان يتم تغيير مراكز القيادات بشكل مفاجئ و مستمر لضمان عدم تكوين علاقات بين الضابط و قواته. اضافة لذلك ادخل القذافي موجهيين سياسيين في كل وحدات الجيش لإبقاء الرقابة على الجيش.
4- قد يكون العامل الوحيد الذي في مصلحة الجانب الليبي هو الروح المعنوية للجنود. بسبب اﻹعتقاد بخيانة السادات للعرب. بينما كان الجيش المصري غير مرتاح للحملة العسكرية كونها موجهة لدولة عربية و لكونها ناتجة عن سياسة السادات نحو عمل سلام مع اسرائيل.
خط سير المعارك
بعد اكتمال الحشد المصري و خطط القتال. جلس السادات ينتظر استفزازا ليبيا يبدأ به سير القتال. و حصل على مراده يوم 21 يوليو، حيث قامت كتيبة ليبية بغارة على مدينة السلوم المصرية. كانت الغارة شبيهة بغارة يوم 19 يوليو. و هناك وقعت الكتيبة التاسعة المدرعة الليبية في كمين مصري و حرك الكمين - كمان كان مخطط له مسبقا و متمرن عليه - هجوما مصريا مضادا بفرقة مشاة ميكانيك كاملة. خسرت الكتيبة الليبية نصف قوتها قبل ان تنسحب وراء الحدود. و قامت عدة طائرات ميراج ليبية بالمشاركة بالغارة و ضربت عدو مواقع مصرية بدون اي تأثير. و اعلن المصريون اسقاط طائرتين بمدفع مضاد للطائرات.
بعد عدة ساعات للتحضير و اعادة التجميع، انطلق الهجوم المصري المضاد. و بدأت العملية بضربات جوية من طائرات سوخوي 20 و ميغ 23 ضد قاعدة جمال عبد الناصر الليبية في اﻷدم، و هي القاعدة الجوي الليبية الرئيسية في الشرق. و قد حقق المصريون المفجأة الكاملة للطرف الليبي، الذي كانت كل طائراته على المدرجات و بشكل مكشوف. و لكن القوات الجوية المصرية اخفقت في تحقيق اي اضرار فعلية في الجانب الليبي. و قد نجح المصريون على العموم في ضرب عدة رادارات ليبية و لكن لم يتم تحقيق اكثر من اضرار طفيفة في الطائرات المقاتلة الليبية.
بعد الضربة الجوية انطلقت قوات تقدر بحوالي فرتي مشاة ميكانيك مصرية الى الساحل الليبي نحو بلدة مسعد. و بشكل عام هربت القوات الليبية باستثناء بعض اﻹشتباكات بين الدبابات. و قد بدا ان العملية اقرب للاستطلاع القتالي لتحديد حجم الدفاعات الليبية امام الحدود، و في نهاية اليوم انسحب المصريون وراء الحدود مرة اخرى بعد ان دخلوا حوالي 20 كيلو متر داخل ليبيا. و دمر المصريون 60 دبابة و مدرعة ليبية في معركتي السلوم و مسعد.
اليومين التاليين شهدا قصفا عنيفا متبادلا بين الطرفين و لكن بدون اي تغيير على اﻷرض. و كانت اضرار القصف طفيفة على الجانبين. و قامت القوات الجوية الليبية بغارات متواضعة لم تزد عن 10-20 غارة في المجمل ضد القوات المصرية المحتشدة في السلوم. و ادعى المصريون اسقاط طائرتين ليبيتين بالمدافع المضادة للطيران بينما قالت ليبيا ان الطائرتين سقطتا بنيران صديقة و بخطأ تقني. و في تلك اﻷثناء هاجم الطيران المصري مجددا قاعدة ناصر و قاعدة الكفرة و قواعد عسكرية اخرى و بلدات ليبية اخرى على طول الحدود. و ضد قاعدة ناصر كان الهجوم اكبر من الضربة اﻷولى (3 اسراب سوخوي-20 و ميغ 23) و لكن حجم اﻷضرار بقي طفيفا على الطائرات و المنشآت الليبية، و ذلك رغم بقاء الطائرات الليبية مكشوفة كما كان الحال بعد الغارة اﻷولى! و قام الطيران المصري بالتحليق بشكل منخفض فوق البلدات الليبية لبيان سيطرتهم على الجو. و قامت قوات الصاعقة المصرية بإنزالات جوية على مواقع الرادارات الليبية، و معسكرات تدريب المعارضة المصرية المسلحة، و منشات الجيش الليبي في الكفرة و جغبوب، و اﻷدم، و طبرق و غيرها من المواقع.
يوم 24 يوليو تصاعدت الهجمات المصرية كتحضير للهجوم البري. أولا، تم شن اكبر غارة جوية حتى تاريخه ضد قاعدة ناصر. هذه المرة تم عمل انزال نظلي بالمروحيات التي صاحبت الغارة الجوية. و رغم الهجوم المستمر من الجو لثلاثة ايام، لم يقم الليبيون بتوزيع قواتهم الجوية في تلك القاعدة و لم يتم عمل اي اجراء ﻹخفاء الطائرات او حمايتها. هذه المرة كان حالف الهجوم الجوي المصري بعض النجاح: حيث تم القاء قنابل على المدرجات لتعطيل الطيران و تم تدمير 6-12 طائرة ميراج ليبية على اﻷرض و تم تدمير عدة رادارات و الحاق بعض اﻷضرار ببطاريات سام. و لكن الليبين نجحوا في اسقاط طائرتين مصريتين على اﻷقل من طراز سوخوي 20 بواسطة المدافع المضادة للطيران. ضرب المصريون ايضا مطار الكفرة و لكن بدون اي ضرر مؤثر. و نجحت انزالات الصاعقة في تحقيق اضرار مهمة في مخازن الجيش الليبي المتقدمة في الجغبوب و الأدم.
و رغم النجاح المبدأي في غارات يوم 24، و رغم ان قوات الصاعقة المصرية كانت لا تزال في المطارات الليبية. اعلن الرئيس السادات وقف اطلاق النار بشكل فوري. و قد استغرب معظم المراقبين مثل هذا القرار. حيث عكفت مصر على ابلاغ القنوات الدبلوماسية ان العملية العسكرية ستستمر حتى اسقاط العقيد القذافي. و تشير بعض المصادر الدبلوماسية ان امريكا ضغطت على مصر بشكل كبير لمنع هذا الغزو. حيث علم اﻷمريكيون ان هدف السادات هو اسقاط نظام القذافي من المصريين مباشرة الذين توقعوا دعم امريكا ضد هذا العدو المشترك. و لكن الجانب اﻷمريكي رفض هذه المبادرة. و كانت انطباعات الجانب اﻷمريكي - على ما يبدو - ان الجيش المصري - قياسا على حرب اكتوبر و على محدودية البنية التحتية في الصحراء الغربية - سيكون معرضا للفشل لو اكمل الغزو المزمع. و هذا ليس بسبب ان المصريين لن يستطيعوا دحر الجيش الليبي، بل ﻷن قدرات الجيش المصري اللوجستية و التكتيكية لا تسمح بالتقدم لمسافة تزيد عن 1000 كم الى طرابلس. حيث توقع اﻷمريكان ان ينجح المصريون في اﻹنتصار على الجيش الليبي على الحدود و الجبهات القريبة من مصر، و لكن كانت لديهم شكوك جدية في قدرة القاهرة على دعم و تموين جيشها طوال اﻷسابيع التي سوف تستغرقها الحملة للوصول لطرابل. قياسا على اضطرار مصر لعمل وقفة تعبوية بعد 4 ايام فقط في حرب 1973. و كان هناك ايضا تخوف امريكي من انه حتى لو تمكنت مصر من التوغل عدة مئات من الكيلومترات نحو بنغازي على سبيل المثال، فلن يكون هذا كافيا لاسقاط القذافي. و هو ما قد يهدد مركز مصر في العالم العربي. و هو ما اعتبرته مصر امرا غير مقبول للحليف الجديد الذي تريد اﻹعتماد عليه في بناء معسكر السلام في الشرق اﻷوسط. حيث ان للسادات رصيدا كبير من "نصر" اكتوبر و لا يجب السماح له باستنفاذه قبل توقيع اتفاق السلام.
استمرت بعض اﻹشتباكات المتقطعة خلال يومين. و رغم عدم توقيع الطرفين اتفاقيات انهاء اشتباك او معاهدة سلام، حافظ كلا الطرفين على الهدنة. و تدريجيا بدأ الطرفان بسحب قواتهم، كون البنية التحتية في المنطقة صعبت من ابقاء اي حشود عسكرية كبيرة لفترة طويلة. و خسر الليبيون 10-20 طائرة ميراج مقابل 4 طائرات مصرية، و راح 400 جندي ليبي بين قتيل و جريح مقابل حوالي 100 جندي مصري. و خسرت ليبيا 30 دبابة و 30 مدرعة، و حصل تدمير معتبر للدفاع الجوي الليبي المتمركز حول حدود مصر و بعض التدمير في المطارات العسكرية.
الحشد المصري المفاجئ على حدود ليبيا لم يغير من تصرفات القذافي. على العكس، فقد اعتبر احجام مصر عن الهجوم عام 1976 نوعا من الضعف، و زادت طرابلس من ضغطها على مصر في اﻹعلام و على اﻷرض. و في تلك اﻷثناء، استمر المصريون في اكمال حشودهم و تحضير خطط الهجوم. في ربيع عام 1977 و صلت للروس معلومات بنية مصر غزو ليبيا و ان اﻷمر جد هذه المرة. و حذر الروس الليبيين في مايو و دول عربية اخرى من ان عندهم ادلة على صدق هذا التوقع. تجاهل الليبيون النصيحة و ابقوا قواتهم على مستوى منخفض من الجاهزية مع استمرار المناوشات الحدودية المتبادلة بين الطرفين. اندلعت اشتباكات عنيفة بين 12 و 16 يوليو 1977، و تطورت لضرب مدفعي متبادل ﻷربع ساعات يوم 19 بين قوات بحجم كتيبة من كلا الطرفين. بعدها بيومين بدأ الهجوم المصري.
ميزان القوى
استمر السادات في تعزيز قواته على الحدود مع ليبيا منذ الحشد اﻷول قبل حوالي عام. و عندما بدأ الهجوم المصري اخيرا كان عنده ميزة عددية كبيرة. في بداية يوليو 1976 كان يوجد فرقتين مشاة ميكانيك وصلتا للتو للمنطقة، خلال عام اصبحت هذه القوات متكاملة العدد و العدة، و في مواضع حصينة، و جاهزة للحركة. و تم تعزيز الفرقتين بعدة كتائب صاعقة اضافة لتعزيزات اخرى. اضافة لذلك، خططت القاهرة لتحريك الجيش الثالث من القاهرة و عدة كتائب صاعقة اضافية لو احتاج الأمر. و خلال الأربعة ايام قتال في عام 1977 كانت مصر قادرة على زيادة عدد قواتها لتصل 40000 مقاتل من خلال 3 فرق معززة و 12 كتبية صاعقة، امام هذه القوات لم يكن عدد الجيش الليبي كله يزيد عن 32000 رجل. اكثر من ذلك، ان من هذا الجيش لم يكن يتواجد امام الجيش المصري غير 7-8 كتائب (5000 مقاتل) موزعة على 3 الوية.
غير الميزة العددية المهولة للجانب المصري، كان هناك ميزات اخرى:
1- شاركت مصر في حرب اكتوبر قبل 4 اعوام فقط. و كان هناك عدد كبير من المقاتلين اصحاب الخبرة في صفوف الجيش، خصوصا قوات الصاعقة. في المقابل لم يشهد الجيش الليبي اي معارك.
2- رغم وجود مشاكل للجانب المصري في تشغيل اسلحته التي تحتاج قدرات فنية عالية بطاقتها الكاملة، و في موضوع الصيانة المستمرة لهذه اﻷسلحة، الا ان هذه المشاكل تبدو صغيرة مقارنة بالجانب الليبي. على سبيل المثال، لم تكن ليبيا تملك طواقم دبابات ﻷكثر من 200-300 دبابة، و لم تكن القوات الجوية الليبية تحوي في صفوفها اكثر من 150 طيار. مستوى الصيانة بشكل عام كان مخزيا، و حتى قوات النخبة كان مستوى جاهزية السلاح فيها بحدود 50%.
3- كان الجيش المصري بشكل عام جيشا احترافيا. و قد استمرت السياسات التي ادت لنتائج ايجابية في حرب 1973. مثلا تم ترقية الضباط بناء على كفائتهم بدل الولاء السياسي، و كان كل هم الجيش هو العمل العسكري و لا يوجد تدخل في السياسة، و كان مستوى قيادة اﻷركان ممتازا. على الناجية اﻷخرى كان الجيش الليبي غارقا في الشؤون السياسية و غابت عنه معايير اﻹحتراف. و رفض القذافي تكوين وحدات عسكرية اكبر من كتبية، و وضع الضباط الموالين له مهما كان مستواهم العسكري. و كان يتم تغيير مراكز القيادات بشكل مفاجئ و مستمر لضمان عدم تكوين علاقات بين الضابط و قواته. اضافة لذلك ادخل القذافي موجهيين سياسيين في كل وحدات الجيش لإبقاء الرقابة على الجيش.
4- قد يكون العامل الوحيد الذي في مصلحة الجانب الليبي هو الروح المعنوية للجنود. بسبب اﻹعتقاد بخيانة السادات للعرب. بينما كان الجيش المصري غير مرتاح للحملة العسكرية كونها موجهة لدولة عربية و لكونها ناتجة عن سياسة السادات نحو عمل سلام مع اسرائيل.
خط سير المعارك
بعد اكتمال الحشد المصري و خطط القتال. جلس السادات ينتظر استفزازا ليبيا يبدأ به سير القتال. و حصل على مراده يوم 21 يوليو، حيث قامت كتيبة ليبية بغارة على مدينة السلوم المصرية. كانت الغارة شبيهة بغارة يوم 19 يوليو. و هناك وقعت الكتيبة التاسعة المدرعة الليبية في كمين مصري و حرك الكمين - كمان كان مخطط له مسبقا و متمرن عليه - هجوما مصريا مضادا بفرقة مشاة ميكانيك كاملة. خسرت الكتيبة الليبية نصف قوتها قبل ان تنسحب وراء الحدود. و قامت عدة طائرات ميراج ليبية بالمشاركة بالغارة و ضربت عدو مواقع مصرية بدون اي تأثير. و اعلن المصريون اسقاط طائرتين بمدفع مضاد للطائرات.
بعد عدة ساعات للتحضير و اعادة التجميع، انطلق الهجوم المصري المضاد. و بدأت العملية بضربات جوية من طائرات سوخوي 20 و ميغ 23 ضد قاعدة جمال عبد الناصر الليبية في اﻷدم، و هي القاعدة الجوي الليبية الرئيسية في الشرق. و قد حقق المصريون المفجأة الكاملة للطرف الليبي، الذي كانت كل طائراته على المدرجات و بشكل مكشوف. و لكن القوات الجوية المصرية اخفقت في تحقيق اي اضرار فعلية في الجانب الليبي. و قد نجح المصريون على العموم في ضرب عدة رادارات ليبية و لكن لم يتم تحقيق اكثر من اضرار طفيفة في الطائرات المقاتلة الليبية.
بعد الضربة الجوية انطلقت قوات تقدر بحوالي فرتي مشاة ميكانيك مصرية الى الساحل الليبي نحو بلدة مسعد. و بشكل عام هربت القوات الليبية باستثناء بعض اﻹشتباكات بين الدبابات. و قد بدا ان العملية اقرب للاستطلاع القتالي لتحديد حجم الدفاعات الليبية امام الحدود، و في نهاية اليوم انسحب المصريون وراء الحدود مرة اخرى بعد ان دخلوا حوالي 20 كيلو متر داخل ليبيا. و دمر المصريون 60 دبابة و مدرعة ليبية في معركتي السلوم و مسعد.
اليومين التاليين شهدا قصفا عنيفا متبادلا بين الطرفين و لكن بدون اي تغيير على اﻷرض. و كانت اضرار القصف طفيفة على الجانبين. و قامت القوات الجوية الليبية بغارات متواضعة لم تزد عن 10-20 غارة في المجمل ضد القوات المصرية المحتشدة في السلوم. و ادعى المصريون اسقاط طائرتين ليبيتين بالمدافع المضادة للطيران بينما قالت ليبيا ان الطائرتين سقطتا بنيران صديقة و بخطأ تقني. و في تلك اﻷثناء هاجم الطيران المصري مجددا قاعدة ناصر و قاعدة الكفرة و قواعد عسكرية اخرى و بلدات ليبية اخرى على طول الحدود. و ضد قاعدة ناصر كان الهجوم اكبر من الضربة اﻷولى (3 اسراب سوخوي-20 و ميغ 23) و لكن حجم اﻷضرار بقي طفيفا على الطائرات و المنشآت الليبية، و ذلك رغم بقاء الطائرات الليبية مكشوفة كما كان الحال بعد الغارة اﻷولى! و قام الطيران المصري بالتحليق بشكل منخفض فوق البلدات الليبية لبيان سيطرتهم على الجو. و قامت قوات الصاعقة المصرية بإنزالات جوية على مواقع الرادارات الليبية، و معسكرات تدريب المعارضة المصرية المسلحة، و منشات الجيش الليبي في الكفرة و جغبوب، و اﻷدم، و طبرق و غيرها من المواقع.
يوم 24 يوليو تصاعدت الهجمات المصرية كتحضير للهجوم البري. أولا، تم شن اكبر غارة جوية حتى تاريخه ضد قاعدة ناصر. هذه المرة تم عمل انزال نظلي بالمروحيات التي صاحبت الغارة الجوية. و رغم الهجوم المستمر من الجو لثلاثة ايام، لم يقم الليبيون بتوزيع قواتهم الجوية في تلك القاعدة و لم يتم عمل اي اجراء ﻹخفاء الطائرات او حمايتها. هذه المرة كان حالف الهجوم الجوي المصري بعض النجاح: حيث تم القاء قنابل على المدرجات لتعطيل الطيران و تم تدمير 6-12 طائرة ميراج ليبية على اﻷرض و تم تدمير عدة رادارات و الحاق بعض اﻷضرار ببطاريات سام. و لكن الليبين نجحوا في اسقاط طائرتين مصريتين على اﻷقل من طراز سوخوي 20 بواسطة المدافع المضادة للطيران. ضرب المصريون ايضا مطار الكفرة و لكن بدون اي ضرر مؤثر. و نجحت انزالات الصاعقة في تحقيق اضرار مهمة في مخازن الجيش الليبي المتقدمة في الجغبوب و الأدم.
و رغم النجاح المبدأي في غارات يوم 24، و رغم ان قوات الصاعقة المصرية كانت لا تزال في المطارات الليبية. اعلن الرئيس السادات وقف اطلاق النار بشكل فوري. و قد استغرب معظم المراقبين مثل هذا القرار. حيث عكفت مصر على ابلاغ القنوات الدبلوماسية ان العملية العسكرية ستستمر حتى اسقاط العقيد القذافي. و تشير بعض المصادر الدبلوماسية ان امريكا ضغطت على مصر بشكل كبير لمنع هذا الغزو. حيث علم اﻷمريكيون ان هدف السادات هو اسقاط نظام القذافي من المصريين مباشرة الذين توقعوا دعم امريكا ضد هذا العدو المشترك. و لكن الجانب اﻷمريكي رفض هذه المبادرة. و كانت انطباعات الجانب اﻷمريكي - على ما يبدو - ان الجيش المصري - قياسا على حرب اكتوبر و على محدودية البنية التحتية في الصحراء الغربية - سيكون معرضا للفشل لو اكمل الغزو المزمع. و هذا ليس بسبب ان المصريين لن يستطيعوا دحر الجيش الليبي، بل ﻷن قدرات الجيش المصري اللوجستية و التكتيكية لا تسمح بالتقدم لمسافة تزيد عن 1000 كم الى طرابلس. حيث توقع اﻷمريكان ان ينجح المصريون في اﻹنتصار على الجيش الليبي على الحدود و الجبهات القريبة من مصر، و لكن كانت لديهم شكوك جدية في قدرة القاهرة على دعم و تموين جيشها طوال اﻷسابيع التي سوف تستغرقها الحملة للوصول لطرابل. قياسا على اضطرار مصر لعمل وقفة تعبوية بعد 4 ايام فقط في حرب 1973. و كان هناك ايضا تخوف امريكي من انه حتى لو تمكنت مصر من التوغل عدة مئات من الكيلومترات نحو بنغازي على سبيل المثال، فلن يكون هذا كافيا لاسقاط القذافي. و هو ما قد يهدد مركز مصر في العالم العربي. و هو ما اعتبرته مصر امرا غير مقبول للحليف الجديد الذي تريد اﻹعتماد عليه في بناء معسكر السلام في الشرق اﻷوسط. حيث ان للسادات رصيدا كبير من "نصر" اكتوبر و لا يجب السماح له باستنفاذه قبل توقيع اتفاق السلام.
استمرت بعض اﻹشتباكات المتقطعة خلال يومين. و رغم عدم توقيع الطرفين اتفاقيات انهاء اشتباك او معاهدة سلام، حافظ كلا الطرفين على الهدنة. و تدريجيا بدأ الطرفان بسحب قواتهم، كون البنية التحتية في المنطقة صعبت من ابقاء اي حشود عسكرية كبيرة لفترة طويلة. و خسر الليبيون 10-20 طائرة ميراج مقابل 4 طائرات مصرية، و راح 400 جندي ليبي بين قتيل و جريح مقابل حوالي 100 جندي مصري. و خسرت ليبيا 30 دبابة و 30 مدرعة، و حصل تدمير معتبر للدفاع الجوي الليبي المتمركز حول حدود مصر و بعض التدمير في المطارات العسكرية.