في عام 1948، عندما تقدم الفيلق العربي نحو فلسطين، كان اكثر جيش احترافي في الشرق اﻷوسط. كان الجيش اﻷردني مدربا و تحت قيادة بريطانية او تحت امرة ضباط اردنيين تلقوا تدريبا بريطانيا. و كان كل الضباط باستثناء 5 من رتبة عميد فأعلى من اﻹنجليز، و يشمل ذلك غلوب Glubb الذي كان القائد العام. حرص اﻹنجليز على ان يكون الجيش مستعدا بشكل جيد للعمليات الحربية التقليدية. و خلال اول 24 عام من تأسيسه، كان الجيش مسؤولا عن امن اﻹمارة الداخلي و الخارجي. و بغض النظر عن عن مسؤوليات الجيش، كان الضباط و الجنود يتدربون بشكل مستمر على العمليات الحربية التقليدية. و زاد هذا التركيز اكثر اثناء الحرب العالمية، حيث احتلت سيناريوهات مثل مواجهة جيش فيشي في سوريا أو قتال قوات المحور أهمية اكبر من قتال القبائل.
المحصلة كانت ان بريطانيا انشأت الجيش اﻷردني على صورة مصغرة من الجيش البريطاني، أو بشكل ادق على صورة القوات التي كانت تتبع للجيش البريطاني في المستعمرات. و مثلما كانت سياسة بريطانيا في اﻹعتماد على جيش صغير محترف يخدم فيه اﻷفراد لفترات طويلة، كانت اﻷمور بالنسبة للجيش اﻷردني مشابهة. و مثلما ركز البريطانيون على نوعية الجنود على حساب العدد، كان هو الحال مع الجيش اﻷردني. و مثلما ركز البريطانيون على مهارات الجنود الفردية و التي يتم صقلها بتدريبات مستمرة على مدار اﻷعوام.
القوات المسلحة اﻷردنية على أعتاب الحرب
نتيجة للتحكم المباشر للانجليز، كان الفيلق العربي (استخدم لفظ فيلق ليدل على جمع و ليس على مجموعة جيوش و مرادفها اﻹنجليزي Legion، و ذلك للتفريق بين هذه القوات و الجيش اﻷردني بعد تعريبه عام 1956) عام 1948 قوة نخبة من الجنود اصحاب الخدمة الطويلة. اصر الجنرال غلوب على بقاء القوات كلها على اساس التطوع للحرص على بقاء مستوى القوات مرتفعا. في عام 1948، كان اﻷردن من اكثر مناطق العالم العربي رجعية اقتصادية. و كان راتب الجندي مرتفعا إضافة لتمتعه بمركز اجتماعي متميز بين البدو. هذه الحوافز ادت لسنوات خدمة طويلة بين الجنود. أضافة لذلك، ادى ابقاء عدد الجيش منخفضا الى ابقاء معظم افراده من البدو، الذين وثق اﻹنجليز بولائهم اكثر من الحضر.
و كان للفيلق العربي مشاكله طبعا. و معظمها مرتبط بالتخلف اﻹقتصادي للبلاد. و بسبب تفضيل غلوب للبدو، كانوا يمثلون اكثر من 50% من قوة الفيلق بينما هم لم يزيدوا عن 30% من السكان. و لسوء الحظ، كان نصيب معظم البدو من التعليم معدوما، و كان اﻷمر اسوأ بالنسبة للخبرة التقنية باﻷليات. و طبعا كان للحضر مستوى اعلى من المعرفة و الثقافة و كانو موجودين بنسب اعلى في اﻷسلحة المساندة و لكن هذا كان نسبيا فقط، فالقليل منهم كان يملك تدريبا تقنيا عاليا. و كان هناك مشاكل مستمرة بين البدو و الحضر، اﻷمر الذي اجبر غلوب على فصل الطرفين بوحدات مستقلة.
في بداية الحرب في مايو 1948، كان الفيلق العربي يتكون من:
1- حوالي 8000 رجل.
2- 50 سيارة مدرعة.
3- و حوالي 20 قطعة مدفعية.
و على صغر هذه الترسانة، كانت اكثر مما تملكه عصابات الهاجانه اﻹسرائيلية التي قاتلتهم. على سبيل المثال، في المعارك اﻷولية حول القدس، حيث وضع الجيش اﻷردني نصف قوته، كانت اثقل اسلحة اﻹسرائيليين مدفعين رشاشين متوسطين، و سلاحي Piat مضاد للدبابات يطلق من الكتف. و للقتال في الحرب، اعاد غلوب تشكيل القوات لتصبح فرقة واحدة بلوائين: كل لواء يحوي كتيبتين من المشاة و عدد من السرايا المستقلة. و كل كتيبة ملحق بها سرية مدرعة. المدفعية كانت منظمة بشكل كتيبة مستقلة مكونة من 3 بطاريات. أخيرا كان هناك لواء ثالث - وهمي - صمم لخداع اﻹسرائيليين بوجود لواء ثالث احتياط ليمنعهم من الهجوم على امارة شرق اﻷردن. كانت اهم مشاكل القوات هي نقص الذخيرة. و قبل بدء الحرب، قدر غلوب ان لديه ذخيرة تكفي لمعركة واحدة قصيرة تشمل كل قواته.
ضد هذه القوات، حشد اﻹسرائيليون 50000 مقاتل بتسليح ضعيف و تدريب ضعيف. و كانت نصف هذه القوات تنتظم في تسع كتائب بالماخ و هاجاناه جاهزة للانتشار في طول البلاد و عرضها. و كان النصف الباقي عبارة عن ميليشيا تستخدم فقط في الدفاع عن مدنها و مستوطناتها. و عند بدء الحرب، لم تكن اسرائيل تملك سلاح مدرعات حقيقي، أو مدفعية، أو طيران، أو سلاح ثقيل يذكر. إضافة لذلك، اضطر اليهود لنشر قواتهم لدفع 5 جيوش عربية اضافة للقوات اﻷردنية.
أهداف اﻷردن و استراتيجيته
هناك قدر كبير من عدم اليقين حول نوايا الملك عبد الله عندما امر قواته بالتوجه لفلسطين في مايو عام 1948. فقد كان من الواضح انه لم يكن ينوي ان يمحو الدولة اليهودية، و ذلك على عكس نوايا المصريين و العراقيين و السوريين و الفلسطينيين. على اﻷقل مبدأيا في عام 1947، يظهر ان عبد الله اراد فقط ان يسيطر على مناطق معينة من فلسطين التي اعطتها اﻷمم المتحدة للفلسطينيين بقرار التقسيم و ضمها لدولته. و في نفس الوقت، ففتح الملك مفاوضات سرية مع اﻹسرائيليين بهدف تقسيم هذه المناطق بدون نزف دماء. و مع مرور الوقت، يبدو ان سقف طموح الملك قد ازداد، حيث بدأ يفكر يفكر في ان تكون الدولة اﻹسرائيلية عبارة عن سلطة حكم محلية لليهود ضمن اﻷردن. و بالتالي بدا يأمل ان يزيد مساحة المناطق الخاضعة للأردن و ان يسيطر على القدس بدل ان يتركها كمدينة دولية كما نص عليه قرار التقسيم. و قد يكون دقيقا ان نقول ان خطة عبد الله كانت في السيطرة على الضفة الغربية و اي مناطق اخرى تسنح الفرصة لضمها.
هذه الطموحات كانت تصطدم بمحدودية القوات و بولاء القيادة البريطانية لقواته. فمن ناحية، لم تكن القوات العربية اﻷردنية بحجم كاف لاحتلال كل فلسطين، بل انها لم تكن بحجم كاف لبسط سيطرتها على المناطق التي اعطيت للفلسطينيين في تقسيم اﻷمم المتحدة. و من ناحية اخرى، كان من المتوقع ان تحارب اسرائيل حتى اخر رجل، و لم يكن اﻷردن يثق في رد فعل حلفائه العرب على نوازعه الفردية في ضم اﻹقليم للأردن. اضافة لذلك، كان عبد الله يعتمد بشمل تام على غلوب و غيره من الضباط البريطانيين الذين كان ولاؤهم موزعا بين عمان و لندن. و قد كان موقف الحكومة البريطانية واضحا في انهم لن يتسامحوا في تجاوز قرار التقسيم للأمم المتحدة. و قد امرت بريطانيا ضباطها بشكل محدد بترك وحداتهم لو هاجمت المناطق اليهودية.
في النهاية، حاولت اﻹستراتيجية اﻷردنية التوفيق بين المحاذير السابقة. فكانت خطة غلوب:
1-الاندفاع داخل الضفة مباشرة و احتلالها لغاية حدود التقسيم.
2- بعدها ينتقل الفيلق العربي للدفاع بأقصى سرعة لتجنب استفزاز اليهود و لتأمين المناطق الفلسطينية التي تم ضمها.
3- شيء اخير تنبه له غلوب: تقليل خسائر قواته. حيث ان من مشاكل وجود قوات قليلة العدد من الجنود المحترفين اصحاب الخدمة الطويلة هو ان الخسائر في اﻷرواح لا يمكن تعويضها بسهولة. و عليه قرر غلوب تجنب المعارك الدموية بأي ثمن، و باﻷخص في شوارع القدس، حيث ستقل فعالية حرفية القوات اﻷردنية و قد يتم خسارة قوات كبيرة في قتال الشوارع من بيت لبيت.
سير العمليات
اول العمليات القتالية اﻷردنية جرت قبل بدء الحرب يوم 15 مايو 1948. حيث بدأ اﻹسرائيليون من 4 مستوطنات عتصيوني خارج القدس بالتحرش بالتحركات العربية العسكرية في شهر ابريل 1948. اعتبر البريطانيون هذه الحركات غير مقبولة و ارسلوا قوات بريطانية مدعومة بالدبابات مع سرية معززة من الفيلق العربي اﻷردني مع بعض المتطوعين العرب لمهاجمة هذه المستوطنات اوائل شهر مايو. و بشكل مدهش، فقد صمدت المستوطنة امام هذا الهجوم، و اكتفى البريطانيون بهذا اﻹجراء التأديبي و قرروا سحب قواتهم. و قد بقيت القوات اﻷردنية و المتطوعين على امل ان ترسل عمان اشارة باستكمال الهجوم.
مر اسبوع دون اوامر من عمان. و في يوم 11 مايو قام قائد السرية العقيد عبد الله التل بمبادرة فردية و اصدر امر الهجوم على المستوطنة. كان لدى اليهود حوالي 500 شخص قادر على حمل السلاح في المستوطنات اﻷربع لكن سلاحهم كان خفيفا. و كانت القوة العربية اقل عددا، كانت القوة اساسا من سرية الجيش العربي مدعومة بكتيبة مدرعة مع سناد مدفعي و مدفعية ميدان. و في 3 ايام من القتال، نجح العرب في عزل المستوطنات اﻷربع و هاجمت السرية المستوطنة الرئيسية مع اسناد ناري قوي. و استخدم العرب جزءا من قواتهم لتثبيت مقاتلي المستوطنة على خط الدفاع الرئيسي و ارسلوا قسما اخر مع السيارات المدرعة لتطويق القوات المدافعة. و في يوم 13 مايو نجح الفيلق العربي في اخذ المستوطنة الرئيسية في كفر عتصيون مما ادى لاستسلام المستوطنات الثلاث اﻷخرى.
عبرت القوات اﻷردنية الرئيسية نهر اﻷردن نحو فلسطين صباح يوم 14 مايو 1948. و هناك اتصلت القوات مع القوات اﻷردنية الموجودة جنوب القدس و احتلت مناطق دفاعية ممتازة حول مرتفعات السامرة (شمال الضفة). وضع غلوب احدى الويته لتغطي المنطقة من جنين حتى شمال رام الله، اﻷمر الذي سمح له بتركيز اللواء اﻷخر - مع بعض السرايا المستقلة - في القدس و حولها و اقام مركز قيادة اللواء في رام الله.
معركة القدس
في يوم 17 مايو، امر الملك عبد الله غلوب بالهجوم على القسم اليهودي من القدس. كان هذا خرقا واضحا لقرار التقسيم و اوامر الحكومة البريطانية. و رغم ذلك، انصاع غلوب للاوامر، و برر ذلك بأن التدخل بقوة سوف ينهي اﻹضطراب الناتج عن القتال بين الطرفين في المدينة لمدة 3 ايام.
1- ارسل غلوب احدى الكتائب المرسلة الى السامرة شمالا - الكتيبة الثالثة مشاة - من اللواء اﻷصلي و تم ارسالها لجنوب القدس للمشاركة في الهجوم على المدينة. اﻷردنيون قاموا بهجوم منسق من الشمال و الجنوب مع اندفاع مساند ضد الحي اليهودي في القدس القديمة. من الشمال ارسل غلوب الكتيبة الثالثة مشاة مدعمة بسيارات مدرعة و مدفعية ميدان الى منطقة الشيخ جراح شمال شرق القدس.
2- في الوسط هاجمت عدة سرايا اردنية مع متطوعين فلسطينيين الحي اليهودي مع اوامر باقتحامه او حصاره.
3- في الجنوب حاولت القوات التي سيطرت على كفر عتصيوني - و التي اصبحت قوة بحجم كتيبة - حصار القدس من الجنوب عن طريق الهجوم على مستوطنة بنات راحيل على الطريق لبيت لحم.
صادف الهجوم الشمالي نجاحا مبدئيا و لكنه توقف بسبب المقاومة الشرسة من الطرف اليهودي. و كان للجانب اﻹسرائيلي 70 مقاتل من ميليشيا اﻷرغون بقيادة مناحيم بيغين في الشيخ جراح. و هذه القوة الصغيرة تم التغلب عليها بسهولة من قبل الفيلق العربي و بالتالي تم محاصرة الحامية اليهودية في جبل سكوبس. قرر اﻷردنيون بعدها الدفع غربا من بوابة مندلباوم لمحاصرة القدس القديمة و فصلها عن المناطق اليهودية. و رغم الميزة الكبيرة للفيلق العربي في القوة النارية - حيث امتلك المدافعون فقط مدفعين رشاشين متوسطي الحجم و سلاحين مضادين للدبابات - فلم يستطيعوا اختراق الدفاعات اليهودية. و بعد هذا التوقف في الشمال، غير اﻷردنيون تركيز الهجوم ليصبح نحو المدينة القديمة. قام اﻷردنيون باستخدام اﻷسلحة المشتركة بشكل ممتاز و ذلك بتحريك الدروع مع المشاة مع نيران مساندة من مدفعية الميدان و حتى المدفعية عندما تكون الظروف مواتية. و رغم ذلك فقد كان التقدم صعبا جدا امام عدو قليل السلاح لكنه واسع الحيلة. و في النهاية تركز القتال حول موقع اسرائيلي عند دير الروتردام شمال شرق المدينة القديمة. و رغم ان عدد المدافعين اليهود عنها كان لا يزيد عن حفنة مع مدفع Piat مضاد للدبابات و عدد قليل من القذائف، لم يستطع اﻷردنيون اخذ الموقع. و خسر اﻷردن عدة سيارات مدرعة بسبب المدفع المضاد للدبابات و زجاجات المولوتوف، و خسرت الكتيبة 50% من قوتها. و في نهاية 24 مايو اوقف غلوب الهجوم خوفا من المزيد من الخسائر. و توقف العمل العسكري اﻷردني على المحور الشمالي للمدينة حتى الهدنة اﻷولى يوم 10 يونيو.
الهجوم الجنوبي ضد رامات راحيل تم بالتعاون مع الجيش المصري و كان اقل نجاحا من الهجوم الشمالي. حيث كانت القوات المصرية قد تقدمت من صحراء النقب الى بئر السبع و من ثم نحو القدس حيث اتصلت بالفيلق العربي جنوب المدينة. في يوم 21 مايو قامت قوات الجيشين بهجوم مشترك على الحامية اﻹسرائيلية الصغيرة التي تدافع عن القرية و تم دفع المدافعين بالقوة العددية. و لكن في نهاية اليوم قامت سرية من لواء الهاجاناه بتعزيز الدفاع اﻹسرائيلي و تم استعادة القرية بهجوم مضاد. و خلال اﻷيام الثلاث هاجم العرب المستوطنة المرة تلو المرة و لكن كان يتم خسارة المستوطنة لليهود في الليل. و يوم 24 مايو اتت تعزيزات اردنية لرامات راحيل لبدء هجوم كبير. و في اثناء المعركة نجح اﻷردنيون و المصريون في اقتحام المستوطنة و لكن اﻹسرائيليين اتوا بتعزيزات و استعادوها في اليوم التالي. و قد نجح الهجوم اﻹسرائيلي في اﻹستيلاء على دير قريب كان مطلا على المنطقة و كان يستخدم كمنصة هجوم للعرب. و بعد خسارة هذا الموقع المهم اوقف الأردنيون و المصريون هجومهم و تحصنوا في مواقع دفاعية، منهيين جهودهم لحصار القدس من الجنوب.
فقط في المحور اﻷوسط، المواجه للمدينة القديمة من الغرب، تمكن الفيلق العربي من تحقيق اهدافه. كان الحي اليهودي محاطا بالمناطق العربية و كان مفصولا عن القسم اليهودي من القدس الجديدة و هي كانت ميزة للجانب اﻷردني. و على الجانب اﻷخر كان يتمتع بكونه مبني على الطراز القديم الذي تتشابك فيه البيوت و تتعرج فيه الشوارع الضيقة اﻷمر الذي جعل الدفاع عنه اكثر سهولة. و في اثناء الوجود البريطاني، تمكن اﻹسرائيليون من تهريب كمية صغيرة من السلاح و بعض جنود الهاجاناه و اﻷرجون للمدينة القديمة بحيث تتمكن من الصمود في وجه هجمات و الحصار المتوقع عند خروج البريطانيين. هاجم الفيلق العربي المدينة القديمة من كل الجوانب يوم 16 مايو و ببطء تمكن من التغلب على المدافعين و اجبارهم على التراجع. حوال اﻹسرائيليون ارسال تعزيزات ليلة 17-18 مايو. و هذا المجهود تم بصورة خاطئة ليتجول لهجوم تعرضي مباشر على مواقع الفيلق العربي. أثبت اﻷردنيون انهم يمتلكون مهارات فردية ممتازة باستخدام السلاح و الحقوا خسائر ثقيلة باﻹسرائيليين. و رغم ذلك، فأن هذا الهجوم شتت انتباه القوات اﻷردنية بحيث تمكنت قوة اخرى مفاجأة القوات العربية على جبل صهيون و التغلب عليها و اقتحام بوابة صهيون نحو الحي اليهودي. و رغم تفاجئ القوات اﻷردنية بالعملية، فقد استعادوا رباطة جأشهم بسرعة و هاجموا القوة اليهودية التي تحمي بوابة صهيون. و بعد قتال قصير و شديد تمكن اﻷردنيون من هزيمة القوة المدافعة و اغلاق البوابة من جديد و اعادة حصار الحي اليهودي. و خلال العشرة ايام القادمة، حاول اﻹسرائيليون فتح هذا الطريق بدون اي نجاح. حيث استعملت القوات اﻷردنية تكتيكا فعالا بالسماح للاسرائيليين باﻹختراق حتى يصلوا البوابة و من ثم حصرهم في جيب ناري. و في تلك اﻷثناء، و في البلدة القديمة، قامت القوات اﻷردنية بعمل فعال في تطهير الحي من القوات اليهودية. و استخدم الأردنيون بشكل ممتاز السيارات المدرعة بالتعاون مع اﻷسلحة الفردية و مدافع الميدان. و تم التقدم على عدة مراحل داخل الحي اليهودي و بعد صد عدة محاولات اغاثة من اﻹسرائيليين استسلمت الحامية يوم 28 مايو.
معركة اللطرون اﻷولى
بموازاة الجهود اﻷردنية للسيطرة على كامل القدس، حاول غلوب ان يحاصر المدينة بقطع الممر الضيق الذي يصل المدن اليهودية على الساحل بالقدس. هذه الطرق المتعرجة حول التلال كانت مركز قتال مستمر اثناء اﻹنتداب البريطاني، و لكن في نهاية شهر مايو حاول الفيلق العربي ان يقطع هذا الطريق كليا. امر غلوب الكتيبة الثانية مشاة - و التي كانت موجودة شمال غرب القدس - ان تتقدم جنوبا و انت تأخذ مواقع دفاعية في تل الرادار، حيث تستطيع اعتراض طريق القدس تل ابيب. و على الغرب من هذا التل، استغل قائد الكتيبة الرابعة مشاة - المقدم حابس المجالي - الفرصة لقطع طريق القدس تل ابيب عند قلعة اللطرون الحصينة. حيث كان اﻹسرائيليون قد طردوا حامية القلعة العربية اول الحرب و لكنهم اضظروا لسحب قواتهم منها لمواجهة الهجوم اﻷردني المصري عند رامات راحيل. و على مسؤوليته، تقدم المجالي و اخذ الموقع يوم 20 مايو، و بالتالي قطع الطريق الى القدس من مكان يصعب تلافيه عند الرغبة في الذهاب للمدينة.
احتلال الفيلق العربي للطرون وضع السيطرة اﻹسرائيلية على القدس في خطر حقيقي. و قررت تل أبيب عمل هجوم معاكس بشكل فوري لاستعادة الموقع. و كان الهجوم مقررا ان يتم بواسطة اللواء السابع حديث التشكيل. كان للواء 3 كتائب: الكتيبة 79 كانت اول كتيبة مشاة ميكانيكية، و كان سلاحها الرئيسي هو سيارات M-3 تم ملئها بضباط تم تجميعهم على عجل من الوية اخرى. و كانت الكتيبتان اﻷخريان: 71 و 72 مشكلتان حديثان من مهاجرين اوروبيين بالكاد وصلوا البلاد. و كان جنود تلك الكتائب يتكلمون 8 لغات مختلفة و باكاد كان يفهم عليهم الضباط الذين ولدوا في اسرائيل. على العموم، كانت القيادة اﻹسرائيلية في عجلة لاستعادة اللطرون لدرجة ان اللواء لم يحصل على اكثر من اسبوع للتمرين قبل ارساله للمعركة. و جدير بالذكر ان الخطة اﻹسرائيلية لم تعتمد فقط على اللواء 7. بل كان المجهود الرئيسي يقع على الكتيبة 32 المخضرمة من اللواء اﻹسكندروني للهجوم على الجهة الغربية للطرون بينما يقوم اللواء 7 بهجوم معزز من الجهة الشرقية.
كانت قلعة اللطرون ، التي بنيت على مرتفع صخري يطل على الطريق من هضاب السامرة المحيطة بها، موقعا حصينا. وضع المجالي كتيبته داخل القلعة و ركز قواته للجهة الغربية حيث كان انحدار المرتفع اقل قليلا. و بهذا الترتيب كان في موقع مناسب لصد الهجوم اﻹسرائيلي الرئيسي ضد اﻷجناب. الهجوم اﻹسرائيلي نفسه كان سيئا. حيث بدأ في منتصف ليلة 24-25 مايو بقصف قصير من عدة مدافع قديمة من عيار 65 ملم. و ما لبث بعدها الهجوم ان وقع في مشاكل، حيث كانت بعض الوحدات متأخرة 4-6 ساعات عن مواعيد الوصول مما اخر الهجوم بشكل كبير. و بالتالي لم يقم القصف التمهيدي بغير تنبيه اﻷردنيين و لم يتم هجوم الكتيبة اﻹسرائيلية قبل طلوع الشمس. أما الكتائب المكونة من المهاجرين فقد تعثر تقدمها وسط العتمة قبل ان تثبتهم النيران اﻷردنية عندما طلعت الشمس. هذا الهجوم الضعيف من اللواء السابع امكن المجالي من تركيز قواته على هجوم كتيبة اﻹسكندروني القادم من اليمين. كان اﻷردنيون محميون داخل القلعة و محصنين داخل التل. و كانت نيرانهم مركزة للغاية و دقيقة للغاية ضد هجوم اسرائيلي مكشوف و ضعيف مما حول المعركة لمذبحة. و حطم اﻷردنيون الهجوم بحلول الظهر و خسر اﻹسرائيليون حوالي 2000 قتيل (اتصور هناك خطأ في هذا الرقم - 200 بين قتيل و جريح هو الانسب).
في مايو 30 حاول اﻹسرائيليون شن هجوم ثان. و لكن كان سوء التخطيط اللذي لازم الهجوم اﻷول حاضرا مرة اخرى. تم هذا الهجوم بكتيبتين: المشاة المدرعة من اللواء السابع و كتيبة من لواء جيفاتي التي تم احلاها بدل اللواء اﻹسكندروني الذي تم ضربه بقوة في الهجوم السابق. هذه المرة هاجمت كتيبة جيفاتي من الجنوب، و رغم نجاح الكتيبة في اﻹستيلاء على قرية دير ايوب اسفل اللطرون، فإن النيران اﻷردنية تمكنت من بعثرة التقدم و تم صد الهجوم. و مرة اخرى، ادى تقهقر الهجوم الثانوي المساعد للسماح للمجالي بتركيز قواته على الهجوم اﻷساسي، اي الهجوم الدي تقوم به الكتيبة 79 المدرعة. هاجم اﻹسرائيليون بشجاعة المواقع الدفاعية اﻷردنية، و لكن اﻷردنيون صمدوا في مواقعهم و كانت كمية النيران و دقة التصويب قاتلة. و بالتحديد، وجد المجالي انه بتعزيز قواته على قمة القلعة، يمكن للجنود اﻷردنيين المعروفين بدقة التصويب تركيز نيرانهم على السيارات المدرعة و سيارات نصف النقل اﻷسرائيلية التي لم تملك اي حماية من اﻷعلى. و مرة اخرى، هزم اﻷردنيون اﻹسرائيليين و بخسائر كبيرة للطرف المهاجم.
الهزيمتان عند اللطرون كانتا حاسمتان لدرجة ان اسرائيل قررت ان تبني ممر حول اللطرون للسماح لحركة السيارات بين تل ابيب و القدس دون الحاجة لاستخدام الطريق الرئيس. و لكن القيادة اﻹسرائيلية بقيت مصممة على استعادة الموقع و خططت لهجوم جديد. في ليلة 8-9 يونيو، قامت كتائب مخضرمة من لوائي حاريل و يفتاخ بالتخطيط للهجوم من جانبي المرتفع، و لكن هذه المرة من الجهة الشمال شرقية. و لم يكن اﻹسرائيليون يعلمون ان غلوب قد عزز مواقعه في اللطرون بإضافة الكتيبة الثانية مشاة و مدفعية. و بقيت الكتيبة الرابعة لحماية القلعة و اﻷجناب و قامت الكتيبة الثانية بالدفاع عن الكوة المودية للقلعة. و بالتالي، ما تصور اﻷسرائيليون ان يكون تطويقا من الجانبين للكتيبة الرابعة، و حصارها من أﻷجناب و قطعها عن مرتفعات السامرة، تحول لتعرضين مباشرين للكتيبة الثانية في مواقعها الدفاعية. و كما حصل سابقا، ركز اﻷردنيون نيرانا ثقيلة على محوري الهجوم اﻹسرائيلي. و هاجمت الوحدات اﻹسرائيلية بمجهود كبير و تصميم و تمكنوا من اختراق المواقع اﻷردنية من الجهتين. و لكن تم هذا اﻹختراق بخسائر كبيرة بسبب دقة النيران اﻷردنية و تم صدهم بهجوم مرتد اردني عنيف و دقيق التوقيت. حاول اﻹسرائيليون مرة اخرى في الليل، لكن احدى الكتيبتين ضاعت في الظلمة بينما تلقت الكتيبة الاخرى خسائر كبيرة قبل ان تحقق تماسا مع القوات اﻷردنية.
هجوم الأيام العشرة اﻹسرائيلي و معركة اللطرون الثانية
في 11 يونيو وضع وقف اطلاق النار حدا لمعركة اللطرون. خلال الهدنة، قامت الجيوش المتحاربية بإعادة تنظيم صفوفها تمهيدا لاستئناف القتال. جهز اﻹسرائيليون و دربوا تشكيلات جديدة، بينما عززت معظم الجيوش العربية تواجدها في فلسطين. تلقى الفيلق العربي اﻷردني ضربة قوية عندما امرت لندن كل ضباطها في الجيش اﻷردني بالعودة للوطن بسبب خرق عبدالله قرار التقسيم بالهجوم على الحي اليهودي في القدس و على الممر اليهودي الذي يوصل للمدينة. و على رغم بقاء الضباط اصحاب العقود مع الجيش ( و من ضمنهم غلوب) فقد حرمت الخطوة البريطانية الجيش من قادة كلا اللوائين، و من قادة 3 كتائب من اصل 4. و تم ترفيع ضباط اخرين لشغل هذه المناصب (اغلبهم بريطانيون) لكن استغرق اﻷمر وقتا حتى تم ترتيب نظام القيادة و السيطرة.
على اي حال، اعطت المهلة القوات الأردنية فرصة للاستراحة و اعادة التنظيم و لتحسين دفاعاتهم. تم دمج السرايا المستقلة في كتيبتين جديدتين: الخامسة و السادسة. و قام الأردنيون بتحصين مواقعهم حول اللطرون. و تم كذلك اعادة صيانة المركبات المدرعة التابعة للجيش اﻷردني. و اﻷهم، ان الملك عبد الله تمكن من احضار ذخائر كان يحتاجها غلوب بشدة. و فيما يخص اﻹستراتيجية، استنتج غلوب ان قواته تغطي مساحات اكبر من قدراتها، و تم تقرير حصر العمليات الهجومية بما يحسن فقط من الموقف الدفاعي العام. و تم تحسين الموقف الدفاعي العام بوصول القوات العراقية شمال الضفة. اﻷمر الذي مكن غلوب من سحب قواته الباقية في نابلس و تعزيز دفاعاته في اللطرون، حيث توقع الهجوم اﻷسرائيلي القادم. و في المحصلة - في نهاية الهدنة - اصبح للأردن 3 كتائب مدعومة بالمدرعات و المدفعية و مدفعية الميدان حول اللطرون.
بعد انتهاء مهلة وقف اطلاق النار يوم 9 يوليو، قام اﻹسرائيليون بشن هجوم رئيسي ضد القوات اﻷردنية المدافعة عن القدس و عن الممر المؤدي للمدينة. في داخل المدينة، هاجم اﻹسرائيليون جنوبا نحو المدينة القديمة لتأمين الجانب اﻷيمن من قواتهم و شمال شرق ﻹعادة السيطرة على الشيخ جراح و اعادة اﻹتصال بالحامية في جبل سكوبس. كان الهجوم الجنوبي هو اﻷكثر نجاحا للجانب اﻹسرائيلي و اخرج الحامية العربية الصغيرة من جبل هرزل اﻷمر الذي عزز موقف الجناح اﻷيمن اللقوات العبرية. أما في الوسط فكان الهجوم نحو المدينة القديمة سيئا و تم ايقافة بسرعة بعد حصول خسائر كبيرة. و في الشيخ جراح، لم يكتف اﻷردنيون بإيقاف الهجوم اﻹسرائيلي، بل شنوا هجوما مضادا نجح في اخذ عدة مناطق صغيرة كانت خاضعة للسيطرة اﻹسرائيلية.
أشد القتال جرى مرة اخرى عن منطقة اللطرون. حيث بقي اﻹسرائيليون مصممين على اعادة فتح طريق تل أبيب - القدس. الخطة كانت بتنفيذ عملية على مستوى فرقة لتقليل المناطق الواقعة تحت سيطرة اﻷردنيين حول اللد و الرملة شمال اللطرون (حوالي 10 كم من وسط مدينة تل ابيب). هذا سيؤدي لتخفيف المخاطر على تل ابيب و سوف يسمح للهاجاناه للهجوم على اللطرون من الشمال. تعمد غلوب تخفيف الدفاع عن اللد و الرملة للسماح لتركيز اكبر للقوات حول اللطرون. حيث كانت تلك البلدتان بعيدتان في المقدمة و مكشوفة ﻷي عملية تطويق اسرائيلية و لم يكن بالمقدور الدفاع عنها بدون استخدام قوات كبيرة. اضافة لذلك، لم تكن التضاريس الصعبة تسمح للاسرائيليين بتطوير اي نجاح في اللد و الرملة لهجوم على شمال الضفة بدون اﻹستيلاء على موقع اللطرون. و بالتالي بقي اللطرون هو مفتاح الدفاع اﻷردني حيث ركز غلوب على قواته، و ترك اللد و الرملة لقوات من المتطوعين بقيادة القاوقجي مدعومة بقوة بسيطة من الجيش اﻷردني.
في ليلة 9-10 يوليو بدأ الهجوم اﻹسرائيلي على اللد و الرملة. و قد ضم الهجوم 3 الوية (تضم اللواء المدرع الثامن الجديد، الذي ضم 13 دبابة امريكية و بريطانية و فرنسية من موديلات الحرب العالمية الثانية). كان الهجوم اﻹسرائيلي مخططا بدقة و شمل عملية تطويق من الجانبين، و نتج عنه دفع العرب لمرتفعات السامرة. قام المتطوعين العرب ببعض المقاومة، و كانت المرة الوحيدة التي توقفت فيها القوات المهاجمة هي عند صدت القوات اﻷردنية اللواء الثامن عند دير طريف قبل ان ينجح اﻹسرائيليون في هجومهم. و بحلول يوم 12 يوليو، تمكن اﻹسرائيليون من اﻹستيلاء على اللد و الرملة التي كانت تهدد خاصرة اسرائيل، و اصبح لهم اﻷن موقع متقدم يسمح لهم بتهديد المواقع اﻷردنية في اللطرون من الشمال. امر غلوب قواته في اللطرون باﻹستعداد لهجوم اسرائيلي بدى وشيكا.
شن اﻹسرائيليون هجومهم ليلة 14-15 يوليو. حيث ارسلوا كتيبة من لواء حاريل لعمل هجوم تمويهي ضد المواقع اﻷردنية على تل الرادار. و في تلك اﻷثناء يقوم باقي اللواء بالهجوم على اللطرون من الجنوب. و يقوم لواء يفتاخ بالهجوم من الشمال الغربي. لم يكن اﻹسرائيليون على علم بحجم التعزيزات التي ارسلها غلوب للقوات اﻷردنية حول اللطرون. و لم يعلموا انه امر بتوسيع رقعة انتشار القوات شمالا و شرقا لحماية اجناب قواته. و مرة اخرى، هاجم اﻹسرائيليون و هم يعتقدون انهم يملكون افضلية عددية كبيرة ضد اجناب اردنية غير محمية جيدا، بينما الواقع انهم يهاجمون قوات متحصنة امامهم مباشرة. و مرة اخرى كان ميزان القوى شبه متعادل (3 كتائب اردنية متحصنة مع مدفعية و سيارات مدرعة امام 5 كتائب اسرائيلية مع عدد قليل من المدافع و السيارات المدرعة). كان اﻷردنيون متحصنين في مواقع قوية و كان الهجوم اﻹسرائيلي اقرب للتعرض المباشر من كونه عملية تطويق.
و طوال ثلاثة ايام، جرت معارك شرسة حول اللطرون. فقد تفاجأ اﻹسرائيليون باﻹردنيين في مواقعهم الجديدة شمال و شرق اللطرون . و بالتحديد، شن اﻷردنيون هجوما مضادا بالسيارات المدرعة و ببضعة مدافع مضادة للدبابات. و في عدة مواقع تفاجأ اﻷردنوين بالتقدم اﻹسرائيلي في الليل و بالهجوم المفاجئ الذي تبع ذلك. ورغم المفاجأ، استعاد اﻷردنيون رباط جأشهم و قاموا بهجوم مرتد عنيف "لم يسبق له مثيل" حسب وصف المقدم ناتانيل لورش Nathanel Lorch. و كانت المعارك شديدة تأرجح التقدم فيها بين كلا الطرفين. و في وقت معين، اجبر اﻹسرائيليون اﻷردنيين على التراجع عن قرية مهمة عن طريق محاولة تطويق القرية. و شن اﻷردنيون بعدها هجوما مرتدا باستخدام المدرعات و المدفعية الميدانية ادت ﻹخراج اﻹسرائيليين من قرية اخرى مهمة. و في نهاية يوم 17 يوليو، نجحت المقاومة اﻷردنية العنيدة في ايقاف الهجوم التطويقي اﻹسرائيلي المزدوج، و قد كان بين فكي الكماشة اﻹسرائيلية حوالي 3 كم فقط قبل اتمام الحصار على اللطرون.
في 18 يوليو قام اﻹسرائيليون بمحاولتهم اﻷخيرة. هذه المرة كان الهجوم بالتعرض المباشر ضد قلعة اللطرون نفسها على امل ان الهجمات السابقة قد اضعفت حامية القلعة بحيث تسقط بهجوم اخر. سحب اﻹسرائيليون سرية من لواء يفتاخ المرهق. و مشاة ميكانيك و دبابات من اللواء الثامن المدرع. كان اﻷردنيون مرهقين ايضا، و على ما يبدو قد سحبوا معظم قواتهم خارج القلعة لصد الهجوم على اجنابها. و على الرغم من ما سبق، صبّت المدفعية اﻷردنية نارا مكثفة على الدروع اﻹسرائيلية اثناء تقدمها نحو المواقع اﻷردنية. و قد حقق اﻹسرائيليون تقدما جيدا بداية اﻷمر حتى ادى خلل في اﻹتصال في ايقاف الهجوم و البدء باﻹنسحاب. و ادى انسحاب الدروع لسحب المشاة اﻹسرائيليين ايضا خوفا من النيران اﻷردنية. و قبل ان يستدرك اﻹسرائيليون هجومهم دخلت الهدنة الثانية حيز التنفيذ، و كان اﻹسرائيليون وصلوا الى ماقبل الطريق الذي يربط قلعة اللطرون بباقي الضفة، و لولا وقف اطلاق النار، لكن باستطاعة اﻹسرائيليين قطع كل امداد عن القلعة حتى تستسلم.
عند انتهاء الهدنة الثانية نهاية اغسطس، لم تملك عمان او تل ابيب اي رغبة لاستئناف القتال ضد الطرف الثاني. فقد ادرك غلوب ان الموقف العسكري قد اصبح اقرب للتعادل دون ان يكون اي طرف قادر على اختراق خطوط الطرف الاخر، و ان اي محاولة لتحريك خط الجبهة ستكون مكلفة جدا. اضافة لذلك، فإن القتال الشرس في اللطرون قد استنزف المخزون اﻷردني من القذائف و القذائف مضادة الدروع و القنابل اليدوية. و من ناحية الملك عبد الله، و رغم خيبته من عدم امكان تامين كل القدس، كان عنده امور اخرى ليهتم بها. تحديدا، اراد الملك ان يؤمن باقي مناطقي الضفة الغربية تحت السيطرة اﻷردنية. حيث كان هناك وجود عسكري عراقي في شمال الضفة و كان للمصريين وجود قوي في اريحا. اراد الملك عبد الله ان يركز جهوده لضمان سيطرته على هذه المناطق بدل تبذير القوات و السلاح في معارك لا فائدة منها امام اﻹسرائيليين. و نتيجة لتوافق المصالح، خف القتال بشكل تدريجي على جبهة اﻷردن - اسرائيل. حث القادة الميدانيون جنودهم من كلا الطرفين على القنص و التحرش بالنيران لكن لم يتم عمل اي عمليات كبيرة. و في نوفمبر قال الملك عبد الله ببدء مفاوضات فردية مع الجانب اﻹسرائيلي و تم اﻹتفاق على وقف اطلاق النار في اﻷول من ديسمبر.
الفعالية العسكرية للجيش اﻷردني في حرب عام 1948
كانت عمليات القوات اﻷردنية ضد الجيش اﻹسرائيلي المبتدئ عام 1948، و بدون شك، افضل اداء ﻷي جيش عربي ضد عدو له في العصر الحديث:
1- وحده من ضمن الجيوش العربية، تصرف اﻷردنيون و حاربوا كجيش حديث، محترف.
2- ابدت الوحدات الأردنية تماسكا متميزا، و تشبثت الوحدات في مواقعها تحت اشد الضغوط (مثل معركة اللطرون الثانية).
3- و قد اظهر الجنود مرارا و تكرارا مستوى عال من الشجاعة و هناك قصص لا تعد في هذا الصدد مصدرها الجانبين.
4- و قد اظهر اﻷردنيون فهما جيدا للعمليات المشتركة، و اعتادوا الدمج بين المشاة و الدروع و المدفعية بشكل افضل من اﻹسرائيليين.
5- كانت دقة التصويب للأردنيين عالية جدا، و هجومهم المضاد حسن التوقيت و عنيفا.
6- قامت الوحدات اﻷردنية بحراسة اجنابها بشكل جيد و لم تقع تحت شلل الصدمة عندما نجح اﻹسرائيليون في اختراق اجنابهم.
7- قامت القوات اﻷردنية بالدوريات بشكل مستمر و تحوطوا للمفاجآت اﻹسرائيلية و فجأوهم مرات عديدة.
8- اظهر الضباط اﻷردنيون الصغار مبادرة حقيقية، و استغلال للفرص (مثل احتلال قلعة اللطرون عندما تركها اﻹسرائيليون تحت حراسة خفيفة) اﻷمر الذي اثر في مجرى الحرب بشكل حاسم.
9- قام القادة الميدانيون بعمل هجمات معاكسة بتوقيت جيد و بشكل فعال مما كان عاملا حاسما في كثير من المعارك.
10- اخيرا اظهر القادة قدرات عالية في المناورة بالقوات لتحصيل اي ميزة في مسرح العمليات، رغم ان معظم الهجمات اﻷردنية كانت بالتعرض المباشر.
و رغم كل هذا اﻷداء الجيد، فإنه يجب اخذ عاملين باﻹعتبار عند تقييم الجيش اﻷردني في هذه الحرب:
أولاً، رغم التقدير بأن الجيش اﻷردني حارب افضل من أي جيش عربي اخر خلال الحرب، و في احيان كثيرة حارب بنفس مستوى الجيش اﻹسرائيلي ان لم يكن أفضل، فإننا يجب ان لا نندفع باﻹشادة كثيراً. فاﻷردنيون لم يواجهوا خصما قديرا و كان هناك عدة عوامل تلعب في مصلحتهم اثناء الحرب. و لو تجاوزنا عن (اسطورة الجيش اﻹسرائيلي)، فإن اداء الهاجاناه كان سيئا عام 1948 بشكل عام و ان كانت قدرات وحداتها متباينة. و كان تسليح اﻹسرائيليين و تدريبهم سيئا و الخصومة بينهم موجودة. و كان عندهم مشكلة في اللغات المختلفة للمقاتلين و ضعفهم في استخدام سلاحهم الضعيف اصلا. بعض وحدات الهاجاناه لم تهتم باﻹستطلاع و تفاجات من بعض تحركات اﻷردنيين بشكل كان يمكن تجنبه بسهولة. و تمكن اﻷردنيون من الدفاع عن مرتفعات الضفة الحصينة، بينما كان اﻹسرائيليون مضطرين للهجوم من الساحل للمرتفع. و أخيرا كان اﻹسرائيليون مضطرين لمواجهة 5 جيوش عربية مختلفة، اﻷمر الذي منعهم من تركيز قواتهم على اﻷردنيين.
و رغم كل ما ذكر من ميزات للأردنيين، فأنهم لم يحصلوا على أكثر من التعادل مع اﻹسرائيليين. و قد هزم اﻷردنيون مرارا و تكرارا الهجوم اﻹسرائيلي على مواقعهم الحصينة. و كان معظم النجاح اﻹسرائيلي الهجومي (في اللد و الرملة و القدس) هو ضد قوات اردنية صغيرة العدد، بينما صمدت القوات اﻷردنية الكبيرة في اللطرون و القدس القديمة ضد هجمات اسرائيلية عنيفة و متعددة. و في كل تلك الهجمات تقريبا، كان التقدم اﻷسرائيلي عبارة عن تعرض مباشر سيء التنفيذ اوقع المهاجمين تحت رحمة النيران اﻷردنية. النجاح اﻷردني الدفاعي لم يوازيه نجاح في الجانب الهجومي. فقط 3 قصص نجاح اردنية في الناحية الهجومية: مستوطنات عتصيوني، الحي القديم في القدس، و منطقة الشيخ جراح. و تمت هذه النجاحات الثلاث أول الحرب و قبل الهدنة اﻷولى و كلها كانت انجازات صغيرة لم يواجه فيها اﻷردنيون قوات كبيرة مدربة و مسلحة. فعلى سبيل المثال في الشيخ جراح: هزمت كتيبة اردنية معززة بالمدفعية و السيارات المدرعة 17 جندي مشاة من اﻷرغون. و حتى لو كان الموقع لمصلحة المدافعين الصهاينة، كان الفارق العددي كبيرا لمصلحة اﻷردنيين، و لا يمكن اخذ النصر كدليل على قوة الأردنيين الهجومية. و على العكس، عندما واجه اﻷردنيون قوات اكثر عددا و افضل تدريبا - مثل بوابة المندلباوم عند النوتردام في القدس - لم يؤدي الهجوم ﻷي نتيجة.
عامل اخر يجب اﻹشارة اليه عند ذكر التميز اﻷردني في تلك الحرب: هو دور التدريب و القيادة البريطانية. يوجد اجماع بين الخبراء في الجيش اﻷردني و في حرب 1948 على ان الدور البريطاني كان اهم العوامل في الفعالية العسكرية اﻷردنية. على سبيل المثال يذكر العقيد اﻹدروس El-Edroos و دوباي Dupuy ان الفضل يعود في تميز الجيش اﻷردني الى سنوات من التدريب و اﻹشراف البريطاني. ويمكن اعادة النظر لكل ما تميز به المقاتل اﻷردني من مهارات قتالية الى سنوات الخدمة الطويلة و التدريب المتواصل، و اعتبار النجاحات للضباط الميدانيين في امور مثل التصرف الفردي عند الضرورة و اتقان المناورات و الهجوم المرتد امتدادا للإشراف البريطاني المستمر على الجيش منذ تأسيسه.
الملك عبدالله برفقة غلوب باشا |
المحصلة كانت ان بريطانيا انشأت الجيش اﻷردني على صورة مصغرة من الجيش البريطاني، أو بشكل ادق على صورة القوات التي كانت تتبع للجيش البريطاني في المستعمرات. و مثلما كانت سياسة بريطانيا في اﻹعتماد على جيش صغير محترف يخدم فيه اﻷفراد لفترات طويلة، كانت اﻷمور بالنسبة للجيش اﻷردني مشابهة. و مثلما ركز البريطانيون على نوعية الجنود على حساب العدد، كان هو الحال مع الجيش اﻷردني. و مثلما ركز البريطانيون على مهارات الجنود الفردية و التي يتم صقلها بتدريبات مستمرة على مدار اﻷعوام.
القوات المسلحة اﻷردنية على أعتاب الحرب
نتيجة للتحكم المباشر للانجليز، كان الفيلق العربي (استخدم لفظ فيلق ليدل على جمع و ليس على مجموعة جيوش و مرادفها اﻹنجليزي Legion، و ذلك للتفريق بين هذه القوات و الجيش اﻷردني بعد تعريبه عام 1956) عام 1948 قوة نخبة من الجنود اصحاب الخدمة الطويلة. اصر الجنرال غلوب على بقاء القوات كلها على اساس التطوع للحرص على بقاء مستوى القوات مرتفعا. في عام 1948، كان اﻷردن من اكثر مناطق العالم العربي رجعية اقتصادية. و كان راتب الجندي مرتفعا إضافة لتمتعه بمركز اجتماعي متميز بين البدو. هذه الحوافز ادت لسنوات خدمة طويلة بين الجنود. أضافة لذلك، ادى ابقاء عدد الجيش منخفضا الى ابقاء معظم افراده من البدو، الذين وثق اﻹنجليز بولائهم اكثر من الحضر.
و كان للفيلق العربي مشاكله طبعا. و معظمها مرتبط بالتخلف اﻹقتصادي للبلاد. و بسبب تفضيل غلوب للبدو، كانوا يمثلون اكثر من 50% من قوة الفيلق بينما هم لم يزيدوا عن 30% من السكان. و لسوء الحظ، كان نصيب معظم البدو من التعليم معدوما، و كان اﻷمر اسوأ بالنسبة للخبرة التقنية باﻷليات. و طبعا كان للحضر مستوى اعلى من المعرفة و الثقافة و كانو موجودين بنسب اعلى في اﻷسلحة المساندة و لكن هذا كان نسبيا فقط، فالقليل منهم كان يملك تدريبا تقنيا عاليا. و كان هناك مشاكل مستمرة بين البدو و الحضر، اﻷمر الذي اجبر غلوب على فصل الطرفين بوحدات مستقلة.
في بداية الحرب في مايو 1948، كان الفيلق العربي يتكون من:
1- حوالي 8000 رجل.
2- 50 سيارة مدرعة.
3- و حوالي 20 قطعة مدفعية.
و على صغر هذه الترسانة، كانت اكثر مما تملكه عصابات الهاجانه اﻹسرائيلية التي قاتلتهم. على سبيل المثال، في المعارك اﻷولية حول القدس، حيث وضع الجيش اﻷردني نصف قوته، كانت اثقل اسلحة اﻹسرائيليين مدفعين رشاشين متوسطين، و سلاحي Piat مضاد للدبابات يطلق من الكتف. و للقتال في الحرب، اعاد غلوب تشكيل القوات لتصبح فرقة واحدة بلوائين: كل لواء يحوي كتيبتين من المشاة و عدد من السرايا المستقلة. و كل كتيبة ملحق بها سرية مدرعة. المدفعية كانت منظمة بشكل كتيبة مستقلة مكونة من 3 بطاريات. أخيرا كان هناك لواء ثالث - وهمي - صمم لخداع اﻹسرائيليين بوجود لواء ثالث احتياط ليمنعهم من الهجوم على امارة شرق اﻷردن. كانت اهم مشاكل القوات هي نقص الذخيرة. و قبل بدء الحرب، قدر غلوب ان لديه ذخيرة تكفي لمعركة واحدة قصيرة تشمل كل قواته.
مدفع بيات المضاد للدبابات |
ضد هذه القوات، حشد اﻹسرائيليون 50000 مقاتل بتسليح ضعيف و تدريب ضعيف. و كانت نصف هذه القوات تنتظم في تسع كتائب بالماخ و هاجاناه جاهزة للانتشار في طول البلاد و عرضها. و كان النصف الباقي عبارة عن ميليشيا تستخدم فقط في الدفاع عن مدنها و مستوطناتها. و عند بدء الحرب، لم تكن اسرائيل تملك سلاح مدرعات حقيقي، أو مدفعية، أو طيران، أو سلاح ثقيل يذكر. إضافة لذلك، اضطر اليهود لنشر قواتهم لدفع 5 جيوش عربية اضافة للقوات اﻷردنية.
أهداف اﻷردن و استراتيجيته
هناك قدر كبير من عدم اليقين حول نوايا الملك عبد الله عندما امر قواته بالتوجه لفلسطين في مايو عام 1948. فقد كان من الواضح انه لم يكن ينوي ان يمحو الدولة اليهودية، و ذلك على عكس نوايا المصريين و العراقيين و السوريين و الفلسطينيين. على اﻷقل مبدأيا في عام 1947، يظهر ان عبد الله اراد فقط ان يسيطر على مناطق معينة من فلسطين التي اعطتها اﻷمم المتحدة للفلسطينيين بقرار التقسيم و ضمها لدولته. و في نفس الوقت، ففتح الملك مفاوضات سرية مع اﻹسرائيليين بهدف تقسيم هذه المناطق بدون نزف دماء. و مع مرور الوقت، يبدو ان سقف طموح الملك قد ازداد، حيث بدأ يفكر يفكر في ان تكون الدولة اﻹسرائيلية عبارة عن سلطة حكم محلية لليهود ضمن اﻷردن. و بالتالي بدا يأمل ان يزيد مساحة المناطق الخاضعة للأردن و ان يسيطر على القدس بدل ان يتركها كمدينة دولية كما نص عليه قرار التقسيم. و قد يكون دقيقا ان نقول ان خطة عبد الله كانت في السيطرة على الضفة الغربية و اي مناطق اخرى تسنح الفرصة لضمها.
هذه الطموحات كانت تصطدم بمحدودية القوات و بولاء القيادة البريطانية لقواته. فمن ناحية، لم تكن القوات العربية اﻷردنية بحجم كاف لاحتلال كل فلسطين، بل انها لم تكن بحجم كاف لبسط سيطرتها على المناطق التي اعطيت للفلسطينيين في تقسيم اﻷمم المتحدة. و من ناحية اخرى، كان من المتوقع ان تحارب اسرائيل حتى اخر رجل، و لم يكن اﻷردن يثق في رد فعل حلفائه العرب على نوازعه الفردية في ضم اﻹقليم للأردن. اضافة لذلك، كان عبد الله يعتمد بشمل تام على غلوب و غيره من الضباط البريطانيين الذين كان ولاؤهم موزعا بين عمان و لندن. و قد كان موقف الحكومة البريطانية واضحا في انهم لن يتسامحوا في تجاوز قرار التقسيم للأمم المتحدة. و قد امرت بريطانيا ضباطها بشكل محدد بترك وحداتهم لو هاجمت المناطق اليهودية.
في النهاية، حاولت اﻹستراتيجية اﻷردنية التوفيق بين المحاذير السابقة. فكانت خطة غلوب:
1-الاندفاع داخل الضفة مباشرة و احتلالها لغاية حدود التقسيم.
2- بعدها ينتقل الفيلق العربي للدفاع بأقصى سرعة لتجنب استفزاز اليهود و لتأمين المناطق الفلسطينية التي تم ضمها.
3- شيء اخير تنبه له غلوب: تقليل خسائر قواته. حيث ان من مشاكل وجود قوات قليلة العدد من الجنود المحترفين اصحاب الخدمة الطويلة هو ان الخسائر في اﻷرواح لا يمكن تعويضها بسهولة. و عليه قرر غلوب تجنب المعارك الدموية بأي ثمن، و باﻷخص في شوارع القدس، حيث ستقل فعالية حرفية القوات اﻷردنية و قد يتم خسارة قوات كبيرة في قتال الشوارع من بيت لبيت.
سير العمليات
اول العمليات القتالية اﻷردنية جرت قبل بدء الحرب يوم 15 مايو 1948. حيث بدأ اﻹسرائيليون من 4 مستوطنات عتصيوني خارج القدس بالتحرش بالتحركات العربية العسكرية في شهر ابريل 1948. اعتبر البريطانيون هذه الحركات غير مقبولة و ارسلوا قوات بريطانية مدعومة بالدبابات مع سرية معززة من الفيلق العربي اﻷردني مع بعض المتطوعين العرب لمهاجمة هذه المستوطنات اوائل شهر مايو. و بشكل مدهش، فقد صمدت المستوطنة امام هذا الهجوم، و اكتفى البريطانيون بهذا اﻹجراء التأديبي و قرروا سحب قواتهم. و قد بقيت القوات اﻷردنية و المتطوعين على امل ان ترسل عمان اشارة باستكمال الهجوم.
مر اسبوع دون اوامر من عمان. و في يوم 11 مايو قام قائد السرية العقيد عبد الله التل بمبادرة فردية و اصدر امر الهجوم على المستوطنة. كان لدى اليهود حوالي 500 شخص قادر على حمل السلاح في المستوطنات اﻷربع لكن سلاحهم كان خفيفا. و كانت القوة العربية اقل عددا، كانت القوة اساسا من سرية الجيش العربي مدعومة بكتيبة مدرعة مع سناد مدفعي و مدفعية ميدان. و في 3 ايام من القتال، نجح العرب في عزل المستوطنات اﻷربع و هاجمت السرية المستوطنة الرئيسية مع اسناد ناري قوي. و استخدم العرب جزءا من قواتهم لتثبيت مقاتلي المستوطنة على خط الدفاع الرئيسي و ارسلوا قسما اخر مع السيارات المدرعة لتطويق القوات المدافعة. و في يوم 13 مايو نجح الفيلق العربي في اخذ المستوطنة الرئيسية في كفر عتصيون مما ادى لاستسلام المستوطنات الثلاث اﻷخرى.
عبرت القوات اﻷردنية الرئيسية نهر اﻷردن نحو فلسطين صباح يوم 14 مايو 1948. و هناك اتصلت القوات مع القوات اﻷردنية الموجودة جنوب القدس و احتلت مناطق دفاعية ممتازة حول مرتفعات السامرة (شمال الضفة). وضع غلوب احدى الويته لتغطي المنطقة من جنين حتى شمال رام الله، اﻷمر الذي سمح له بتركيز اللواء اﻷخر - مع بعض السرايا المستقلة - في القدس و حولها و اقام مركز قيادة اللواء في رام الله.
معركة القدس
في يوم 17 مايو، امر الملك عبد الله غلوب بالهجوم على القسم اليهودي من القدس. كان هذا خرقا واضحا لقرار التقسيم و اوامر الحكومة البريطانية. و رغم ذلك، انصاع غلوب للاوامر، و برر ذلك بأن التدخل بقوة سوف ينهي اﻹضطراب الناتج عن القتال بين الطرفين في المدينة لمدة 3 ايام.
1- ارسل غلوب احدى الكتائب المرسلة الى السامرة شمالا - الكتيبة الثالثة مشاة - من اللواء اﻷصلي و تم ارسالها لجنوب القدس للمشاركة في الهجوم على المدينة. اﻷردنيون قاموا بهجوم منسق من الشمال و الجنوب مع اندفاع مساند ضد الحي اليهودي في القدس القديمة. من الشمال ارسل غلوب الكتيبة الثالثة مشاة مدعمة بسيارات مدرعة و مدفعية ميدان الى منطقة الشيخ جراح شمال شرق القدس.
2- في الوسط هاجمت عدة سرايا اردنية مع متطوعين فلسطينيين الحي اليهودي مع اوامر باقتحامه او حصاره.
3- في الجنوب حاولت القوات التي سيطرت على كفر عتصيوني - و التي اصبحت قوة بحجم كتيبة - حصار القدس من الجنوب عن طريق الهجوم على مستوطنة بنات راحيل على الطريق لبيت لحم.
صادف الهجوم الشمالي نجاحا مبدئيا و لكنه توقف بسبب المقاومة الشرسة من الطرف اليهودي. و كان للجانب اﻹسرائيلي 70 مقاتل من ميليشيا اﻷرغون بقيادة مناحيم بيغين في الشيخ جراح. و هذه القوة الصغيرة تم التغلب عليها بسهولة من قبل الفيلق العربي و بالتالي تم محاصرة الحامية اليهودية في جبل سكوبس. قرر اﻷردنيون بعدها الدفع غربا من بوابة مندلباوم لمحاصرة القدس القديمة و فصلها عن المناطق اليهودية. و رغم الميزة الكبيرة للفيلق العربي في القوة النارية - حيث امتلك المدافعون فقط مدفعين رشاشين متوسطي الحجم و سلاحين مضادين للدبابات - فلم يستطيعوا اختراق الدفاعات اليهودية. و بعد هذا التوقف في الشمال، غير اﻷردنيون تركيز الهجوم ليصبح نحو المدينة القديمة. قام اﻷردنيون باستخدام اﻷسلحة المشتركة بشكل ممتاز و ذلك بتحريك الدروع مع المشاة مع نيران مساندة من مدفعية الميدان و حتى المدفعية عندما تكون الظروف مواتية. و رغم ذلك فقد كان التقدم صعبا جدا امام عدو قليل السلاح لكنه واسع الحيلة. و في النهاية تركز القتال حول موقع اسرائيلي عند دير الروتردام شمال شرق المدينة القديمة. و رغم ان عدد المدافعين اليهود عنها كان لا يزيد عن حفنة مع مدفع Piat مضاد للدبابات و عدد قليل من القذائف، لم يستطع اﻷردنيون اخذ الموقع. و خسر اﻷردن عدة سيارات مدرعة بسبب المدفع المضاد للدبابات و زجاجات المولوتوف، و خسرت الكتيبة 50% من قوتها. و في نهاية 24 مايو اوقف غلوب الهجوم خوفا من المزيد من الخسائر. و توقف العمل العسكري اﻷردني على المحور الشمالي للمدينة حتى الهدنة اﻷولى يوم 10 يونيو.
الهجوم اﻷردني على القدس في مايو 1948 |
الهجوم الجنوبي ضد رامات راحيل تم بالتعاون مع الجيش المصري و كان اقل نجاحا من الهجوم الشمالي. حيث كانت القوات المصرية قد تقدمت من صحراء النقب الى بئر السبع و من ثم نحو القدس حيث اتصلت بالفيلق العربي جنوب المدينة. في يوم 21 مايو قامت قوات الجيشين بهجوم مشترك على الحامية اﻹسرائيلية الصغيرة التي تدافع عن القرية و تم دفع المدافعين بالقوة العددية. و لكن في نهاية اليوم قامت سرية من لواء الهاجاناه بتعزيز الدفاع اﻹسرائيلي و تم استعادة القرية بهجوم مضاد. و خلال اﻷيام الثلاث هاجم العرب المستوطنة المرة تلو المرة و لكن كان يتم خسارة المستوطنة لليهود في الليل. و يوم 24 مايو اتت تعزيزات اردنية لرامات راحيل لبدء هجوم كبير. و في اثناء المعركة نجح اﻷردنيون و المصريون في اقتحام المستوطنة و لكن اﻹسرائيليين اتوا بتعزيزات و استعادوها في اليوم التالي. و قد نجح الهجوم اﻹسرائيلي في اﻹستيلاء على دير قريب كان مطلا على المنطقة و كان يستخدم كمنصة هجوم للعرب. و بعد خسارة هذا الموقع المهم اوقف الأردنيون و المصريون هجومهم و تحصنوا في مواقع دفاعية، منهيين جهودهم لحصار القدس من الجنوب.
فقط في المحور اﻷوسط، المواجه للمدينة القديمة من الغرب، تمكن الفيلق العربي من تحقيق اهدافه. كان الحي اليهودي محاطا بالمناطق العربية و كان مفصولا عن القسم اليهودي من القدس الجديدة و هي كانت ميزة للجانب اﻷردني. و على الجانب اﻷخر كان يتمتع بكونه مبني على الطراز القديم الذي تتشابك فيه البيوت و تتعرج فيه الشوارع الضيقة اﻷمر الذي جعل الدفاع عنه اكثر سهولة. و في اثناء الوجود البريطاني، تمكن اﻹسرائيليون من تهريب كمية صغيرة من السلاح و بعض جنود الهاجاناه و اﻷرجون للمدينة القديمة بحيث تتمكن من الصمود في وجه هجمات و الحصار المتوقع عند خروج البريطانيين. هاجم الفيلق العربي المدينة القديمة من كل الجوانب يوم 16 مايو و ببطء تمكن من التغلب على المدافعين و اجبارهم على التراجع. حوال اﻹسرائيليون ارسال تعزيزات ليلة 17-18 مايو. و هذا المجهود تم بصورة خاطئة ليتجول لهجوم تعرضي مباشر على مواقع الفيلق العربي. أثبت اﻷردنيون انهم يمتلكون مهارات فردية ممتازة باستخدام السلاح و الحقوا خسائر ثقيلة باﻹسرائيليين. و رغم ذلك، فأن هذا الهجوم شتت انتباه القوات اﻷردنية بحيث تمكنت قوة اخرى مفاجأة القوات العربية على جبل صهيون و التغلب عليها و اقتحام بوابة صهيون نحو الحي اليهودي. و رغم تفاجئ القوات اﻷردنية بالعملية، فقد استعادوا رباطة جأشهم بسرعة و هاجموا القوة اليهودية التي تحمي بوابة صهيون. و بعد قتال قصير و شديد تمكن اﻷردنيون من هزيمة القوة المدافعة و اغلاق البوابة من جديد و اعادة حصار الحي اليهودي. و خلال العشرة ايام القادمة، حاول اﻹسرائيليون فتح هذا الطريق بدون اي نجاح. حيث استعملت القوات اﻷردنية تكتيكا فعالا بالسماح للاسرائيليين باﻹختراق حتى يصلوا البوابة و من ثم حصرهم في جيب ناري. و في تلك اﻷثناء، و في البلدة القديمة، قامت القوات اﻷردنية بعمل فعال في تطهير الحي من القوات اليهودية. و استخدم الأردنيون بشكل ممتاز السيارات المدرعة بالتعاون مع اﻷسلحة الفردية و مدافع الميدان. و تم التقدم على عدة مراحل داخل الحي اليهودي و بعد صد عدة محاولات اغاثة من اﻹسرائيليين استسلمت الحامية يوم 28 مايو.
معركة اللطرون اﻷولى
بموازاة الجهود اﻷردنية للسيطرة على كامل القدس، حاول غلوب ان يحاصر المدينة بقطع الممر الضيق الذي يصل المدن اليهودية على الساحل بالقدس. هذه الطرق المتعرجة حول التلال كانت مركز قتال مستمر اثناء اﻹنتداب البريطاني، و لكن في نهاية شهر مايو حاول الفيلق العربي ان يقطع هذا الطريق كليا. امر غلوب الكتيبة الثانية مشاة - و التي كانت موجودة شمال غرب القدس - ان تتقدم جنوبا و انت تأخذ مواقع دفاعية في تل الرادار، حيث تستطيع اعتراض طريق القدس تل ابيب. و على الغرب من هذا التل، استغل قائد الكتيبة الرابعة مشاة - المقدم حابس المجالي - الفرصة لقطع طريق القدس تل ابيب عند قلعة اللطرون الحصينة. حيث كان اﻹسرائيليون قد طردوا حامية القلعة العربية اول الحرب و لكنهم اضظروا لسحب قواتهم منها لمواجهة الهجوم اﻷردني المصري عند رامات راحيل. و على مسؤوليته، تقدم المجالي و اخذ الموقع يوم 20 مايو، و بالتالي قطع الطريق الى القدس من مكان يصعب تلافيه عند الرغبة في الذهاب للمدينة.
حابس المجالي (1960) |
احتلال الفيلق العربي للطرون وضع السيطرة اﻹسرائيلية على القدس في خطر حقيقي. و قررت تل أبيب عمل هجوم معاكس بشكل فوري لاستعادة الموقع. و كان الهجوم مقررا ان يتم بواسطة اللواء السابع حديث التشكيل. كان للواء 3 كتائب: الكتيبة 79 كانت اول كتيبة مشاة ميكانيكية، و كان سلاحها الرئيسي هو سيارات M-3 تم ملئها بضباط تم تجميعهم على عجل من الوية اخرى. و كانت الكتيبتان اﻷخريان: 71 و 72 مشكلتان حديثان من مهاجرين اوروبيين بالكاد وصلوا البلاد. و كان جنود تلك الكتائب يتكلمون 8 لغات مختلفة و باكاد كان يفهم عليهم الضباط الذين ولدوا في اسرائيل. على العموم، كانت القيادة اﻹسرائيلية في عجلة لاستعادة اللطرون لدرجة ان اللواء لم يحصل على اكثر من اسبوع للتمرين قبل ارساله للمعركة. و جدير بالذكر ان الخطة اﻹسرائيلية لم تعتمد فقط على اللواء 7. بل كان المجهود الرئيسي يقع على الكتيبة 32 المخضرمة من اللواء اﻹسكندروني للهجوم على الجهة الغربية للطرون بينما يقوم اللواء 7 بهجوم معزز من الجهة الشرقية.
الهجوم اﻷسرائيلي (اﻷزرق الغامق) على اللطرون يوم 25 مايو و الدفاع اﻷردني (البني) و اﻹنسحاب اﻹسرائيلي (ازرق فاتح) |
كانت قلعة اللطرون ، التي بنيت على مرتفع صخري يطل على الطريق من هضاب السامرة المحيطة بها، موقعا حصينا. وضع المجالي كتيبته داخل القلعة و ركز قواته للجهة الغربية حيث كان انحدار المرتفع اقل قليلا. و بهذا الترتيب كان في موقع مناسب لصد الهجوم اﻹسرائيلي الرئيسي ضد اﻷجناب. الهجوم اﻹسرائيلي نفسه كان سيئا. حيث بدأ في منتصف ليلة 24-25 مايو بقصف قصير من عدة مدافع قديمة من عيار 65 ملم. و ما لبث بعدها الهجوم ان وقع في مشاكل، حيث كانت بعض الوحدات متأخرة 4-6 ساعات عن مواعيد الوصول مما اخر الهجوم بشكل كبير. و بالتالي لم يقم القصف التمهيدي بغير تنبيه اﻷردنيين و لم يتم هجوم الكتيبة اﻹسرائيلية قبل طلوع الشمس. أما الكتائب المكونة من المهاجرين فقد تعثر تقدمها وسط العتمة قبل ان تثبتهم النيران اﻷردنية عندما طلعت الشمس. هذا الهجوم الضعيف من اللواء السابع امكن المجالي من تركيز قواته على هجوم كتيبة اﻹسكندروني القادم من اليمين. كان اﻷردنيون محميون داخل القلعة و محصنين داخل التل. و كانت نيرانهم مركزة للغاية و دقيقة للغاية ضد هجوم اسرائيلي مكشوف و ضعيف مما حول المعركة لمذبحة. و حطم اﻷردنيون الهجوم بحلول الظهر و خسر اﻹسرائيليون حوالي 2000 قتيل (اتصور هناك خطأ في هذا الرقم - 200 بين قتيل و جريح هو الانسب).
قلعة اللطرون في العصر الحديث
في مايو 30 حاول اﻹسرائيليون شن هجوم ثان. و لكن كان سوء التخطيط اللذي لازم الهجوم اﻷول حاضرا مرة اخرى. تم هذا الهجوم بكتيبتين: المشاة المدرعة من اللواء السابع و كتيبة من لواء جيفاتي التي تم احلاها بدل اللواء اﻹسكندروني الذي تم ضربه بقوة في الهجوم السابق. هذه المرة هاجمت كتيبة جيفاتي من الجنوب، و رغم نجاح الكتيبة في اﻹستيلاء على قرية دير ايوب اسفل اللطرون، فإن النيران اﻷردنية تمكنت من بعثرة التقدم و تم صد الهجوم. و مرة اخرى، ادى تقهقر الهجوم الثانوي المساعد للسماح للمجالي بتركيز قواته على الهجوم اﻷساسي، اي الهجوم الدي تقوم به الكتيبة 79 المدرعة. هاجم اﻹسرائيليون بشجاعة المواقع الدفاعية اﻷردنية، و لكن اﻷردنيون صمدوا في مواقعهم و كانت كمية النيران و دقة التصويب قاتلة. و بالتحديد، وجد المجالي انه بتعزيز قواته على قمة القلعة، يمكن للجنود اﻷردنيين المعروفين بدقة التصويب تركيز نيرانهم على السيارات المدرعة و سيارات نصف النقل اﻷسرائيلية التي لم تملك اي حماية من اﻷعلى. و مرة اخرى، هزم اﻷردنيون اﻹسرائيليين و بخسائر كبيرة للطرف المهاجم.
الهجوم اﻹسرائيلي الثاني (السهم اﻷزرق الغامق) على اللطرون اوخر مايو على المواقع اﻷردنية (مخطط بني) و اﻹنسحاب اﻹسرائيلي (السهم اﻷزرق الفاتح) |
الهزيمتان عند اللطرون كانتا حاسمتان لدرجة ان اسرائيل قررت ان تبني ممر حول اللطرون للسماح لحركة السيارات بين تل ابيب و القدس دون الحاجة لاستخدام الطريق الرئيس. و لكن القيادة اﻹسرائيلية بقيت مصممة على استعادة الموقع و خططت لهجوم جديد. في ليلة 8-9 يونيو، قامت كتائب مخضرمة من لوائي حاريل و يفتاخ بالتخطيط للهجوم من جانبي المرتفع، و لكن هذه المرة من الجهة الشمال شرقية. و لم يكن اﻹسرائيليون يعلمون ان غلوب قد عزز مواقعه في اللطرون بإضافة الكتيبة الثانية مشاة و مدفعية. و بقيت الكتيبة الرابعة لحماية القلعة و اﻷجناب و قامت الكتيبة الثانية بالدفاع عن الكوة المودية للقلعة. و بالتالي، ما تصور اﻷسرائيليون ان يكون تطويقا من الجانبين للكتيبة الرابعة، و حصارها من أﻷجناب و قطعها عن مرتفعات السامرة، تحول لتعرضين مباشرين للكتيبة الثانية في مواقعها الدفاعية. و كما حصل سابقا، ركز اﻷردنيون نيرانا ثقيلة على محوري الهجوم اﻹسرائيلي. و هاجمت الوحدات اﻹسرائيلية بمجهود كبير و تصميم و تمكنوا من اختراق المواقع اﻷردنية من الجهتين. و لكن تم هذا اﻹختراق بخسائر كبيرة بسبب دقة النيران اﻷردنية و تم صدهم بهجوم مرتد اردني عنيف و دقيق التوقيت. حاول اﻹسرائيليون مرة اخرى في الليل، لكن احدى الكتيبتين ضاعت في الظلمة بينما تلقت الكتيبة الاخرى خسائر كبيرة قبل ان تحقق تماسا مع القوات اﻷردنية.
هجوم الأيام العشرة اﻹسرائيلي و معركة اللطرون الثانية
في 11 يونيو وضع وقف اطلاق النار حدا لمعركة اللطرون. خلال الهدنة، قامت الجيوش المتحاربية بإعادة تنظيم صفوفها تمهيدا لاستئناف القتال. جهز اﻹسرائيليون و دربوا تشكيلات جديدة، بينما عززت معظم الجيوش العربية تواجدها في فلسطين. تلقى الفيلق العربي اﻷردني ضربة قوية عندما امرت لندن كل ضباطها في الجيش اﻷردني بالعودة للوطن بسبب خرق عبدالله قرار التقسيم بالهجوم على الحي اليهودي في القدس و على الممر اليهودي الذي يوصل للمدينة. و على رغم بقاء الضباط اصحاب العقود مع الجيش ( و من ضمنهم غلوب) فقد حرمت الخطوة البريطانية الجيش من قادة كلا اللوائين، و من قادة 3 كتائب من اصل 4. و تم ترفيع ضباط اخرين لشغل هذه المناصب (اغلبهم بريطانيون) لكن استغرق اﻷمر وقتا حتى تم ترتيب نظام القيادة و السيطرة.
على اي حال، اعطت المهلة القوات الأردنية فرصة للاستراحة و اعادة التنظيم و لتحسين دفاعاتهم. تم دمج السرايا المستقلة في كتيبتين جديدتين: الخامسة و السادسة. و قام الأردنيون بتحصين مواقعهم حول اللطرون. و تم كذلك اعادة صيانة المركبات المدرعة التابعة للجيش اﻷردني. و اﻷهم، ان الملك عبد الله تمكن من احضار ذخائر كان يحتاجها غلوب بشدة. و فيما يخص اﻹستراتيجية، استنتج غلوب ان قواته تغطي مساحات اكبر من قدراتها، و تم تقرير حصر العمليات الهجومية بما يحسن فقط من الموقف الدفاعي العام. و تم تحسين الموقف الدفاعي العام بوصول القوات العراقية شمال الضفة. اﻷمر الذي مكن غلوب من سحب قواته الباقية في نابلس و تعزيز دفاعاته في اللطرون، حيث توقع الهجوم اﻷسرائيلي القادم. و في المحصلة - في نهاية الهدنة - اصبح للأردن 3 كتائب مدعومة بالمدرعات و المدفعية و مدفعية الميدان حول اللطرون.
بعد انتهاء مهلة وقف اطلاق النار يوم 9 يوليو، قام اﻹسرائيليون بشن هجوم رئيسي ضد القوات اﻷردنية المدافعة عن القدس و عن الممر المؤدي للمدينة. في داخل المدينة، هاجم اﻹسرائيليون جنوبا نحو المدينة القديمة لتأمين الجانب اﻷيمن من قواتهم و شمال شرق ﻹعادة السيطرة على الشيخ جراح و اعادة اﻹتصال بالحامية في جبل سكوبس. كان الهجوم الجنوبي هو اﻷكثر نجاحا للجانب اﻹسرائيلي و اخرج الحامية العربية الصغيرة من جبل هرزل اﻷمر الذي عزز موقف الجناح اﻷيمن اللقوات العبرية. أما في الوسط فكان الهجوم نحو المدينة القديمة سيئا و تم ايقافة بسرعة بعد حصول خسائر كبيرة. و في الشيخ جراح، لم يكتف اﻷردنيون بإيقاف الهجوم اﻹسرائيلي، بل شنوا هجوما مضادا نجح في اخذ عدة مناطق صغيرة كانت خاضعة للسيطرة اﻹسرائيلية.
أشد القتال جرى مرة اخرى عن منطقة اللطرون. حيث بقي اﻹسرائيليون مصممين على اعادة فتح طريق تل أبيب - القدس. الخطة كانت بتنفيذ عملية على مستوى فرقة لتقليل المناطق الواقعة تحت سيطرة اﻷردنيين حول اللد و الرملة شمال اللطرون (حوالي 10 كم من وسط مدينة تل ابيب). هذا سيؤدي لتخفيف المخاطر على تل ابيب و سوف يسمح للهاجاناه للهجوم على اللطرون من الشمال. تعمد غلوب تخفيف الدفاع عن اللد و الرملة للسماح لتركيز اكبر للقوات حول اللطرون. حيث كانت تلك البلدتان بعيدتان في المقدمة و مكشوفة ﻷي عملية تطويق اسرائيلية و لم يكن بالمقدور الدفاع عنها بدون استخدام قوات كبيرة. اضافة لذلك، لم تكن التضاريس الصعبة تسمح للاسرائيليين بتطوير اي نجاح في اللد و الرملة لهجوم على شمال الضفة بدون اﻹستيلاء على موقع اللطرون. و بالتالي بقي اللطرون هو مفتاح الدفاع اﻷردني حيث ركز غلوب على قواته، و ترك اللد و الرملة لقوات من المتطوعين بقيادة القاوقجي مدعومة بقوة بسيطة من الجيش اﻷردني.
في ليلة 9-10 يوليو بدأ الهجوم اﻹسرائيلي على اللد و الرملة. و قد ضم الهجوم 3 الوية (تضم اللواء المدرع الثامن الجديد، الذي ضم 13 دبابة امريكية و بريطانية و فرنسية من موديلات الحرب العالمية الثانية). كان الهجوم اﻹسرائيلي مخططا بدقة و شمل عملية تطويق من الجانبين، و نتج عنه دفع العرب لمرتفعات السامرة. قام المتطوعين العرب ببعض المقاومة، و كانت المرة الوحيدة التي توقفت فيها القوات المهاجمة هي عند صدت القوات اﻷردنية اللواء الثامن عند دير طريف قبل ان ينجح اﻹسرائيليون في هجومهم. و بحلول يوم 12 يوليو، تمكن اﻹسرائيليون من اﻹستيلاء على اللد و الرملة التي كانت تهدد خاصرة اسرائيل، و اصبح لهم اﻷن موقع متقدم يسمح لهم بتهديد المواقع اﻷردنية في اللطرون من الشمال. امر غلوب قواته في اللطرون باﻹستعداد لهجوم اسرائيلي بدى وشيكا.
شن اﻹسرائيليون هجومهم ليلة 14-15 يوليو. حيث ارسلوا كتيبة من لواء حاريل لعمل هجوم تمويهي ضد المواقع اﻷردنية على تل الرادار. و في تلك اﻷثناء يقوم باقي اللواء بالهجوم على اللطرون من الجنوب. و يقوم لواء يفتاخ بالهجوم من الشمال الغربي. لم يكن اﻹسرائيليون على علم بحجم التعزيزات التي ارسلها غلوب للقوات اﻷردنية حول اللطرون. و لم يعلموا انه امر بتوسيع رقعة انتشار القوات شمالا و شرقا لحماية اجناب قواته. و مرة اخرى، هاجم اﻹسرائيليون و هم يعتقدون انهم يملكون افضلية عددية كبيرة ضد اجناب اردنية غير محمية جيدا، بينما الواقع انهم يهاجمون قوات متحصنة امامهم مباشرة. و مرة اخرى كان ميزان القوى شبه متعادل (3 كتائب اردنية متحصنة مع مدفعية و سيارات مدرعة امام 5 كتائب اسرائيلية مع عدد قليل من المدافع و السيارات المدرعة). كان اﻷردنيون متحصنين في مواقع قوية و كان الهجوم اﻹسرائيلي اقرب للتعرض المباشر من كونه عملية تطويق.
و طوال ثلاثة ايام، جرت معارك شرسة حول اللطرون. فقد تفاجأ اﻹسرائيليون باﻹردنيين في مواقعهم الجديدة شمال و شرق اللطرون . و بالتحديد، شن اﻷردنيون هجوما مضادا بالسيارات المدرعة و ببضعة مدافع مضادة للدبابات. و في عدة مواقع تفاجأ اﻷردنوين بالتقدم اﻹسرائيلي في الليل و بالهجوم المفاجئ الذي تبع ذلك. ورغم المفاجأ، استعاد اﻷردنيون رباط جأشهم و قاموا بهجوم مرتد عنيف "لم يسبق له مثيل" حسب وصف المقدم ناتانيل لورش Nathanel Lorch. و كانت المعارك شديدة تأرجح التقدم فيها بين كلا الطرفين. و في وقت معين، اجبر اﻹسرائيليون اﻷردنيين على التراجع عن قرية مهمة عن طريق محاولة تطويق القرية. و شن اﻷردنيون بعدها هجوما مرتدا باستخدام المدرعات و المدفعية الميدانية ادت ﻹخراج اﻹسرائيليين من قرية اخرى مهمة. و في نهاية يوم 17 يوليو، نجحت المقاومة اﻷردنية العنيدة في ايقاف الهجوم التطويقي اﻹسرائيلي المزدوج، و قد كان بين فكي الكماشة اﻹسرائيلية حوالي 3 كم فقط قبل اتمام الحصار على اللطرون.
في 18 يوليو قام اﻹسرائيليون بمحاولتهم اﻷخيرة. هذه المرة كان الهجوم بالتعرض المباشر ضد قلعة اللطرون نفسها على امل ان الهجمات السابقة قد اضعفت حامية القلعة بحيث تسقط بهجوم اخر. سحب اﻹسرائيليون سرية من لواء يفتاخ المرهق. و مشاة ميكانيك و دبابات من اللواء الثامن المدرع. كان اﻷردنيون مرهقين ايضا، و على ما يبدو قد سحبوا معظم قواتهم خارج القلعة لصد الهجوم على اجنابها. و على الرغم من ما سبق، صبّت المدفعية اﻷردنية نارا مكثفة على الدروع اﻹسرائيلية اثناء تقدمها نحو المواقع اﻷردنية. و قد حقق اﻹسرائيليون تقدما جيدا بداية اﻷمر حتى ادى خلل في اﻹتصال في ايقاف الهجوم و البدء باﻹنسحاب. و ادى انسحاب الدروع لسحب المشاة اﻹسرائيليين ايضا خوفا من النيران اﻷردنية. و قبل ان يستدرك اﻹسرائيليون هجومهم دخلت الهدنة الثانية حيز التنفيذ، و كان اﻹسرائيليون وصلوا الى ماقبل الطريق الذي يربط قلعة اللطرون بباقي الضفة، و لولا وقف اطلاق النار، لكن باستطاعة اﻹسرائيليين قطع كل امداد عن القلعة حتى تستسلم.
النطاق الدفاعي اﻷردني (مخطط بني) و النطاق الهجومي اﻹسرائيلي (مخطط ازرق) حول اللطرون نهاية الهجوم اﻹسرائيلي يوم 19 يوليو 1949 |
عند انتهاء الهدنة الثانية نهاية اغسطس، لم تملك عمان او تل ابيب اي رغبة لاستئناف القتال ضد الطرف الثاني. فقد ادرك غلوب ان الموقف العسكري قد اصبح اقرب للتعادل دون ان يكون اي طرف قادر على اختراق خطوط الطرف الاخر، و ان اي محاولة لتحريك خط الجبهة ستكون مكلفة جدا. اضافة لذلك، فإن القتال الشرس في اللطرون قد استنزف المخزون اﻷردني من القذائف و القذائف مضادة الدروع و القنابل اليدوية. و من ناحية الملك عبد الله، و رغم خيبته من عدم امكان تامين كل القدس، كان عنده امور اخرى ليهتم بها. تحديدا، اراد الملك ان يؤمن باقي مناطقي الضفة الغربية تحت السيطرة اﻷردنية. حيث كان هناك وجود عسكري عراقي في شمال الضفة و كان للمصريين وجود قوي في اريحا. اراد الملك عبد الله ان يركز جهوده لضمان سيطرته على هذه المناطق بدل تبذير القوات و السلاح في معارك لا فائدة منها امام اﻹسرائيليين. و نتيجة لتوافق المصالح، خف القتال بشكل تدريجي على جبهة اﻷردن - اسرائيل. حث القادة الميدانيون جنودهم من كلا الطرفين على القنص و التحرش بالنيران لكن لم يتم عمل اي عمليات كبيرة. و في نوفمبر قال الملك عبد الله ببدء مفاوضات فردية مع الجانب اﻹسرائيلي و تم اﻹتفاق على وقف اطلاق النار في اﻷول من ديسمبر.
الموقف العسكري بعد انتهاء الهدنة الثانية اكتوبر 1948 |
الفعالية العسكرية للجيش اﻷردني في حرب عام 1948
كانت عمليات القوات اﻷردنية ضد الجيش اﻹسرائيلي المبتدئ عام 1948، و بدون شك، افضل اداء ﻷي جيش عربي ضد عدو له في العصر الحديث:
1- وحده من ضمن الجيوش العربية، تصرف اﻷردنيون و حاربوا كجيش حديث، محترف.
2- ابدت الوحدات الأردنية تماسكا متميزا، و تشبثت الوحدات في مواقعها تحت اشد الضغوط (مثل معركة اللطرون الثانية).
3- و قد اظهر الجنود مرارا و تكرارا مستوى عال من الشجاعة و هناك قصص لا تعد في هذا الصدد مصدرها الجانبين.
4- و قد اظهر اﻷردنيون فهما جيدا للعمليات المشتركة، و اعتادوا الدمج بين المشاة و الدروع و المدفعية بشكل افضل من اﻹسرائيليين.
5- كانت دقة التصويب للأردنيين عالية جدا، و هجومهم المضاد حسن التوقيت و عنيفا.
6- قامت الوحدات اﻷردنية بحراسة اجنابها بشكل جيد و لم تقع تحت شلل الصدمة عندما نجح اﻹسرائيليون في اختراق اجنابهم.
7- قامت القوات اﻷردنية بالدوريات بشكل مستمر و تحوطوا للمفاجآت اﻹسرائيلية و فجأوهم مرات عديدة.
8- اظهر الضباط اﻷردنيون الصغار مبادرة حقيقية، و استغلال للفرص (مثل احتلال قلعة اللطرون عندما تركها اﻹسرائيليون تحت حراسة خفيفة) اﻷمر الذي اثر في مجرى الحرب بشكل حاسم.
9- قام القادة الميدانيون بعمل هجمات معاكسة بتوقيت جيد و بشكل فعال مما كان عاملا حاسما في كثير من المعارك.
10- اخيرا اظهر القادة قدرات عالية في المناورة بالقوات لتحصيل اي ميزة في مسرح العمليات، رغم ان معظم الهجمات اﻷردنية كانت بالتعرض المباشر.
و رغم كل هذا اﻷداء الجيد، فإنه يجب اخذ عاملين باﻹعتبار عند تقييم الجيش اﻷردني في هذه الحرب:
أولاً، رغم التقدير بأن الجيش اﻷردني حارب افضل من أي جيش عربي اخر خلال الحرب، و في احيان كثيرة حارب بنفس مستوى الجيش اﻹسرائيلي ان لم يكن أفضل، فإننا يجب ان لا نندفع باﻹشادة كثيراً. فاﻷردنيون لم يواجهوا خصما قديرا و كان هناك عدة عوامل تلعب في مصلحتهم اثناء الحرب. و لو تجاوزنا عن (اسطورة الجيش اﻹسرائيلي)، فإن اداء الهاجاناه كان سيئا عام 1948 بشكل عام و ان كانت قدرات وحداتها متباينة. و كان تسليح اﻹسرائيليين و تدريبهم سيئا و الخصومة بينهم موجودة. و كان عندهم مشكلة في اللغات المختلفة للمقاتلين و ضعفهم في استخدام سلاحهم الضعيف اصلا. بعض وحدات الهاجاناه لم تهتم باﻹستطلاع و تفاجات من بعض تحركات اﻷردنيين بشكل كان يمكن تجنبه بسهولة. و تمكن اﻷردنيون من الدفاع عن مرتفعات الضفة الحصينة، بينما كان اﻹسرائيليون مضطرين للهجوم من الساحل للمرتفع. و أخيرا كان اﻹسرائيليون مضطرين لمواجهة 5 جيوش عربية مختلفة، اﻷمر الذي منعهم من تركيز قواتهم على اﻷردنيين.
و رغم كل ما ذكر من ميزات للأردنيين، فأنهم لم يحصلوا على أكثر من التعادل مع اﻹسرائيليين. و قد هزم اﻷردنيون مرارا و تكرارا الهجوم اﻹسرائيلي على مواقعهم الحصينة. و كان معظم النجاح اﻹسرائيلي الهجومي (في اللد و الرملة و القدس) هو ضد قوات اردنية صغيرة العدد، بينما صمدت القوات اﻷردنية الكبيرة في اللطرون و القدس القديمة ضد هجمات اسرائيلية عنيفة و متعددة. و في كل تلك الهجمات تقريبا، كان التقدم اﻷسرائيلي عبارة عن تعرض مباشر سيء التنفيذ اوقع المهاجمين تحت رحمة النيران اﻷردنية. النجاح اﻷردني الدفاعي لم يوازيه نجاح في الجانب الهجومي. فقط 3 قصص نجاح اردنية في الناحية الهجومية: مستوطنات عتصيوني، الحي القديم في القدس، و منطقة الشيخ جراح. و تمت هذه النجاحات الثلاث أول الحرب و قبل الهدنة اﻷولى و كلها كانت انجازات صغيرة لم يواجه فيها اﻷردنيون قوات كبيرة مدربة و مسلحة. فعلى سبيل المثال في الشيخ جراح: هزمت كتيبة اردنية معززة بالمدفعية و السيارات المدرعة 17 جندي مشاة من اﻷرغون. و حتى لو كان الموقع لمصلحة المدافعين الصهاينة، كان الفارق العددي كبيرا لمصلحة اﻷردنيين، و لا يمكن اخذ النصر كدليل على قوة الأردنيين الهجومية. و على العكس، عندما واجه اﻷردنيون قوات اكثر عددا و افضل تدريبا - مثل بوابة المندلباوم عند النوتردام في القدس - لم يؤدي الهجوم ﻷي نتيجة.
عامل اخر يجب اﻹشارة اليه عند ذكر التميز اﻷردني في تلك الحرب: هو دور التدريب و القيادة البريطانية. يوجد اجماع بين الخبراء في الجيش اﻷردني و في حرب 1948 على ان الدور البريطاني كان اهم العوامل في الفعالية العسكرية اﻷردنية. على سبيل المثال يذكر العقيد اﻹدروس El-Edroos و دوباي Dupuy ان الفضل يعود في تميز الجيش اﻷردني الى سنوات من التدريب و اﻹشراف البريطاني. ويمكن اعادة النظر لكل ما تميز به المقاتل اﻷردني من مهارات قتالية الى سنوات الخدمة الطويلة و التدريب المتواصل، و اعتبار النجاحات للضباط الميدانيين في امور مثل التصرف الفردي عند الضرورة و اتقان المناورات و الهجوم المرتد امتدادا للإشراف البريطاني المستمر على الجيش منذ تأسيسه.
No comments:
Post a Comment