وجاء في حيثيات اعتقاله عقب حواره الهاتفي مع مذيع برنامج بانوراما على فضائية بردى، عن القبضة الأمنية التي تشتدّ من شهر إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى في سوريا.. وقال أن أحوالنا في هذا العام هي أسوأ من العام الماضي، فالاعتقالات تزداد.. وأشار إلى نهب المال العام والفساد المستشري، واعتقال زميله الأستاذ مهند الحسني لمجرّد رصده للمحاكمات التي كانت تصدر في محاكمات علنية فتضايق منه الأمن واعتقله؟!!
وأن إعلان دمشق مثلاً ينادي بالتغيير السلمي الديمقراطي المتدرّج، وأن القوانين لدينا في الكتب فقط، وأن الكتب على الرفّ منذ زمن بعيد، وأن هناك تدمير مُدَبَّر ومُمنهَج لدمشق.
كما قال أنه لا يعرف من بيده الأمر في هذا البلد من أجل حلحلة مشاكل الناس، ومن بيده مفتاح المستقبل؟!!
وقال أنه ليس من حق الدولة أن تمنع جريان نهر بردى؛ فهذه جريمة بحق دمشق... ولكن مَن يحاسب مَن في هذا البلد؟؟
واستغاث المالح قائلاً.. أن دمشق تسير نحو التصحّر وما من مجيب!!.
وفي نفس إطار الحديث عن أزمة العشوائيات، قال المالح أن سوريا دولة غنية، ولكنها ابتُليت بنهب المال العام وبالهَدْر والتبذير الذي يجري من قِبَل السلطة.
وعن حال القانون في سوريا، قال المالح أنه لا يُطبَّق إلا على الضعيف في هذا البلد، بينما القوي لديه عدة وسائط وطرق لعمل أي شيء!!
وبقي المالح متفائلاً في حديثه قائلاً أن المستقبل مرهون بيد الشعب، وأن على الناس أن تدافع عن مصالحها، وأنه على كل مواطن أن يعي حقوقه ويدافع عنها.
وفي أواخر الحوار أضاف المالح أنه يجب أن لا نتنكّر عن الحقّ وإلا تدمّر البلد؟؟
وحاليا تحرك الانترنت في كل العالم لنصرة هذا الرجل الشيخ مذكرا بسقراط الذي سممته أثينا، أما في دمشق فلا حاجة لسم الشوكران لوفرة أفاعي الصل والأناكوندا سما والتقاما.
وهو محظوظ حاليا بسبب هشاشة النظام البعثي المحتظر المحتضر، فهو في وقت شباب النظام المتوحش لبث في السجن بضع سنين، ويروي عن سجنه أنه لم يسأل كلمة في دخوله ولا كلمة في خروجه، بعد ثماني سنوات عجافا ذهبت هباء من حياته.
وأنا شخصيا لي تجارب في الاعتقالات تجعلني أفهم الأوضاع تماما؛ قبل أن أغادر ديار البعث إلى يوم البعث.فقبل أن أغادر جحور الأفاعي تم لدغي بالاعتقالات مثنى وثلاث ورباع!!
وكان الاعتقال الرابع لي أنا وداعية السلام جودت سعيد، في طريقنا لزيارة صديقنا الذكي المثقف خالد حسون في السلمية، وصدف أن تحركت مظاهرة اعتراض في حمص؛ فتم مسح المنطقة على قطر ألف كم، من حلكو وعامودة إلى سمنين وبير عجم، ومن الكلّة و(تركمان بارح) حتى نصيب ونصيبين.
تم اعتقال الآلاف على شكل (احترازي) وكان نصيبنا الفلق وتحطيم الأسنان بالبوكس الحديدي، حتى صلحت نابي المحطم في أرض الفرنسيس والجرمان.
وكان الشباب (الطيبة) يضربون بمتعة بالغة، وما زال في خيالي وجه جودت المحمر من صفعة هائلة!!
كان ذلك في قبو المخابرات العسكرية في القامشلي، وأنا أتهيأ لاجتياز أهم امتحان في حياة الطالب البكالوريا؛ فهي من تحدد مصير ومسار الطالب إلى أين؟
بعدها دخلت الطب وما زلت أمارسه حتى الساعة، فلا أمان للمفكر إلا في شاطئ المهنة، والويل للمفكر إن عول في رزقه على مهنة الكتابة وحرفة القلم والارتزاق منها، فمصيره في بطن حوت الدولة، أو سمك قرش أمير أو رفيق، أو أفعى أناكوندا من مؤسسة متهالكة، ومسئول فاسد متنفذ.
وأفرج عني قبل الامتحانات بـ43 يوما، فكنت أمر كل صباح بجنب قلعتهم وهم يلوحون لي بالقبضات العسكرية والبساطر!!
وفي مثل هذا الجو من الضغط النفسي، وتحت شعور المطاردة قدمت الامتحان في الحسكة، وكنت الأول في المنطقة؛ فتحركت إلى العاصمة الجميلة دمشق أدرس فيها الطب، ولم أعلم أن علي ثلاث زيارات منحوسات أخرى إلى فروعهم، التي تعطيك اليقين بوجود جهنم، وبذلك فقد أحيت لنا المافيا إيماننا بالقيامة وسقر؟؟
الأولى كانت حين تم اقتحام المسجد الأموي بالمصفحات والطبنجات والرصاص، وتم زرب خمسة آلاف شخص في المسكية، عند مدخل المسجد في مساحة تتسع لمائة نفر!! وساعدت طفلا من الاختناق حين رفعته فوق رأسي!!
وتعرفت يومها على معتقل الرعب الأول (سجن المزة العسكري) وقضيت فيه ثلاث أضعاف فترة القامشلي 39 يوما، ويومها فاجأنا (أمين الحافظ) أبو عبدو الملقب بـ (الجحش) فنظر في الزاوية؟ وقال من هؤلاء؟ قالوا له طلبة جامعة؟ قال يتحملوا لا تقصروا فيهم؟؟ فهجم علينا جلاد أول شيء فعله نتف لحية طالب شريعة فلسطيني ساقه حظه العاثر إلى هذه المزبلة.
أما الاعتقال الثالث فكان علي رؤية جلاد من كلاب جهنم هو الطحطوح؟؟
وكنت شاهدا في كراكون الشيخ حسن على حفلات تعذيبه الليلية، فالرجل (السيكوبات) أبو فواز ؟!! كان مولعا مثل دراكولا بالقدوم نصف سكران عند الفجر، فلا تطلع الشمس إلا على ملسوع أو مفجوج أو مفدوغ أو مهشم العظام مكسر الأسنان، أو واحدا مثلي مشبوحا إلى حائط يحمل على كتفيه دولاب سيارة في تعذيب مستمر لأيام؟؟
وسمعت عنه أنه هذه الأيام قد أصبح تاجر عقارات مرموق من أموال الضحايا؟؟ فقد خدم وتعب ويأكل رزقه من عرق الجبين والجلد؟؟
أما في سجن القلعة فله رواية رعب رائعة؛ فقد غنى المعتقلون يوما يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلاما!! فقدم مع الزبانية، فأخرج الجميع وحاجاتهم البائسة، ثم صب المازوت والكاز على أمتعتهم وطعامهم الهزيل، ثم أمرهم بالتدحرج والتقلب عليها مثل ألأفعوان، ثم أمسك بشاب راقه الضرب على رأسه، فما زال يضرب على اليافوخ، حتى فار الدم، ووقع في نوبة تشنج صرعية، فما زال يعاني منها حتى اليوم؟؟
وأبو فواز كان يحب الضرب على الرؤوس كما رأيت ذلك في حفلة أبو راكان في سجن الشيخ حسن.
بجنب مقبرة الدحداح اجتمعنا بالأموات الأحياء، وحشرت في انفرادية لمدة 54 بدون ذنب وجناية سوى التقارير السرية والشبهة والحكاية!!
إنها أيام خالدات لا تنس يجب رواياتها لأولادنا وأحفادنا وذرارينا من بعدنا، وتسجيلها وتوثيقها وإنشاء مركز استراتيجي لها، كما فعل وايزمان مع حكايات النازيين، والتقاطهم على مدار قطر الكرة الأرضية ولو بعد ثمانين عاما؟؟
يجب حفظها وروايتها حتى لا تُنس قط، وتعرف الأجيال ثمن الحريات!! فمسلسل الدياسبورا وروايات الفاشيين والنازيين البعثيين مع قصة المالح في ظل النظام الكالح لم تختم بعد؟؟
يجب نصب تذكاري لمصرع الألف في ليلة، في تدمر، وكما فعل الكنديون عند حدود بلجيكا فرفعوا نصبا هائلا يحمل جناحيه أسماء كل القتلى في الحرب الكونية، وكذلك يجب أن يفعل السوريون عند بقايا زنوبيا في تدمر؟؟
إن مشكلة الأنظمة الشمولية أنها تخضع لقوانين دول المخابرات وليس الدستور كما طالب المالح فتحول إلى قالب ملح في بطن الحوت؟
ولكن ما هي قوانين المخابرات؟
عندما اعتلى الثعلب (محمد علي باشا) كرسي الخلافة في مصر عام 1805 م طلب من وزيره الأرمني (آرتين) أن يترجم له من الإيطالية كتاب (الأمير ) لمكيافيللي.
وينقل (علي الوردي) في كتابه (تاريخ العراق الحديث) عن الوزير أنه كان يترجم له كل يوم عشر صفحات، حتى كان اليوم الرابع حينما استوقفني قائلاً:
"لقد قرأت كل ما أعطيتني إياه من مكيافيللي؛ فلم أعثر على شيء جديد يذكر في صفحاتك العشر الأولى، إلا أنني كنت آمل أن تتحسن الحال.
لكن الصفحات العشر الأخرى لم تكن أفضل. أما الأخيرة فليست سوى مجرد عموميات.
إنني أرى بوضوح أنه ليس لدى مكيافيللي ما يمكنني أن أتعلمه منه؛ فأنا أعرف من الحيل فوق ما يعرف. فلا داعي للاستمرار في ترجمته"
وفي كندا روت لي طالبة كانت تدرس العلوم السياسية في جامعة (مك جيل) في مونتريال، أن الأستاذ وقف يوما فقال هل تعلمون كيف يحكم فلانا وذكر أحد الأنظمة الاستخباراتية؛ فبدأ الطلبة الكنديون الأبرياء الذي عاشوا عمرهم في الديمقراطية يعصرون أدمغتهم في محاولة استحضار كل أساليب الشيطان الممكنة.
وفي كل مرة يضحك الأستاذ من سذاجتهم ويقول لا.. لا.. إنه أذكى منكم جميعا؟!!
ثم بدأ يشرح بشكل ماكينة الحكم والعبقرية الإستخبارتية التي وصل إليها قائد البلد المنكوب.
وكان تحت قانون التنين بسبع عشرة رأساً كما سوف أشرحها.
يجب فتح العين على حقيقة مفزعة أن المواطن وصل إلى مرحلة مطبقة من اليأس، وهو مستعد أن يتقبل أي وضع يغير وضعه، فلم تكن أمريكا لتأتي لولا ذلك، وحين يجتمع النمل أو تحلق النسور، فحول جثة ذبابة وجيفة بقرة، ولكن المشكلة أن هذه (غريزة) وليست (وعياً)؛ فعندما فرت الديناصورات من يوكوتان عندما ضربها المذنب قبل 65 مليون سنة، هلكت بالشتاء النووي.
وعندما زال (صدام) جلس (مصدوم) محله.
إنه من المهم أن يفتح المواطن عينيه على الواقع المدمر المليء بالإحباط فهذا وعي مقدس، وجميل أن يتعذب فيضرب ويهان على يد كلاب جهنم من الجلادين، وتكسر أسنانه وتطحن عظامه، لأنه لاشيء يبقى في الذاكرة مثل الألم. ولا شيء يطهر الإنسان مثل الألم. ولاشيء يحرض على تغيير الظلم مثل الألم.
والألم هو الذي غير غاندي حينما رمي في تلك الليلة الباردة من القطار لأنه جلس في مكان البيض درجة أولى؟!
ويجب استيعاب أن الوطن لا يبقى وطنا مع تبخر أمن المواطن، وإذا وصلت الأمور إلى هذه الحافة؛ فيجب على المواطن أن يوطن نفسه على أمرين: فإما غادر المكان وهاجر، والتحق بوطن جديد فيه حرية.
ولكن هاتفا هتف به أن يرفق بالرضيعة فنجت من الموت.
ثم ترك بيته وما يملك، وهرب مع تسعة من أفراد عائلته عبر جبال كردستان، وهو يردد لعنة لوط ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون.
ويجب أن لا نخش من السجن بل نعتمد استراتيجية تفجير السجن؛ فالنظام لا يمكنه أن يسجن عشر الأمة.
ويجب أن نعالج الأوضاع ليس بالكراهية؛ فالطبيب الذي يعالج مريضه يحقنه الدواء ولا يكرهه.
ولو فعلت المقاومة في الجزائر ضد الجنرالات المتفرنسين هذا لما مات عشر معشار ما مات حتى الآن.
والأهم ولادة الأمة على نحو سليم محررة من علاقات القوة. لأن من أخذ الأمور بالسيف بالسيف يهلك، ومن أزال القوة بالقوة سقط رهين القوة. ومن أزال اللاشرعية ونظام المخابرات استبدل السافاك بالساماك، كما فعل الملالي في إيران.
ويجب أن لا نراهن على المصالحة، لأنها تدخلنا اللاشرعية حيث نظام المخابرات يتغذى على الدماء مثل الدراكولا، بل يجب تغيير البنية الأساسية في الحكم والتربة الثقافية.
فهذه قوانين وجودية.
في العالم العربي قانونان الأول اسمه الدستور وهو مكتوب.
والثاني اسمه قانون المخابرات وهو خفي وعملي وغير مكتوب.
ولكن الحياة لها قوانين عملية ولا تأبه بالمكتوب، ولذا فإن حياة المواطن تخضع لقانون المخابرات، مثل قوانين القراصنة سابقاً، مع فارق أن القرصان الجديد إذا صعد إلى سطح السفينة تلوا عليه قانون القراصنة. والناس مثل المالح تتحدث عن القانون المكتوب؟؟
ينص قانون المخابرات (غير المكتوب ؟؟) على سبع فقرات مثل أبواب جهنم السبعة، لكل باب منهم جزء مقسوم. وهذا القانون غير المكتوب سوف نحاول كتابته.
(1) الفقرة الأولى:
اعتماد الكذب هادياً ودليلاً؟؟
فيجب أن يكذب العنصر على زوجته التي في حضنه. وتحت آلية الكذب؛ فيجب أن يكذب ولو لم تكن هناك حاجة للكذب. وفي يوم اعتقالي الرابع كانت زوجتي تسأل عن مصير زوجها؟ فقال لها المجرم عدنان الدباغ: هو بخير وسنفرج عنه بعد أيام؟!
ولكن لم يكن زوجها (بخير) قط بل كان يفلق ويحرق وتكسر أسنانه ولم يفرج عنه إلا بعد سنة.
والشاهد أن الجبار رئيس الفرع الأمني قوي، ولا يحتاج للكذب، ولكن الكذب أصبح في دمهم مثل الكريات الحمراء، فلا يتنفس ولا يزفر إلا كذبا.
وفي النهاية مات عدنان الدباغ الجبار رئيس فرع المخابرات العامة حتف أنفه مختنقا بسرطان الرئة، مثل أي كذاب أشر، ويوم القيامة هو من المقبوحين.
ومن الغريب أن رجل المخابرات يسّود وجهه مع الوقت، بما عانت نفوسهم، فطبعت النفس بصمتها على الجباه.
وهي ظاهرة يعرفها من رآهم وعرفهم.
وفي القرآن تغشى وجوههم قطعا من الليل مظلما...
وهي تحتاج لدراسة بذاتها.
(2) والفقرة الثانية من القانون الاستخباراتي تقول:
لا ضمانة لأي شيء أو إنسان في أي زمان ومكان.
وتطبيق هذه الفقرة هي استباحة المواطن في كل شيء، والمخابرات هنا ليست وظيفتها التجسس للخارج، بل التجسس على المواطن.
وفي ألمانيا الشرقية كان (الستازي STASI) جهاز الاستخبارات عنده عشرين ألف غرفت للتنصت على المواطنين. وزجاجات فيها روائح المعارضين فقد ثبت احتفاظها بالرائحة وصمودها وزيادة تركيزها مع الوقت، وليس أسهل من شمشمة الكلاب الرائحة ثم إطلاقها على المعارضة والمعارضين..
وهو يذكر بمرض خطير في الطب في التهاب اللوزات، تحت قانون حاميها حراميها؛ فهي بالأصل خلقت كجهاز للدفاع عن الجسم، ولكنها مع الوقت تتحول إلى وكر للجراثيم؛ فترسل الذيافين والسموم إلى كل الجسم فتلحس المفاصل وتعض القلب وتعطب الكلية.
والأطباء عندها يلجئون إلى الجراحة فيستأصلون اللوزات. وهو ما فعله الشعب الروماني مع السيكورتات التي خلقها تشاوسسيكو اللعين. بعملية جدا دموية
وتحت الفقرة الثانية يجب ترويض المواطن، وترويعه، واقتحام خصوصيته، والاستيلاء على الفاكس في بيته، ومصادرة سيارته (وموتورسيكله كما فعلوا معي) ونهب ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة، وإخضاعه للرب الأعلى الذي اسمه الحاكم لأنه ظل الله على الأرض. ويجب أن يرى المواطن المخابرات في المنام وأثناء مضاجعة زوجه تلوح في الأفق مثل ملائكة العذاب فتعكر كل حياته.
نعم يجب إدخال القلق وداء الرعاش وعدم الهدوء إلى ضمير المواطن، ويجب أن يشعر بهم، ولو هاجر إلى كندا، واختفى في غابات يوكوتان، وجزيرة كمشتكا وبتاغونيا.
وفي يوم اعتقالي وكنت طالبا جامعيا فقير الحال مع موتورسيكلي الذي أتنقل به، فلما أفرج عني لم أستطع المشي من تيبس المفاصل، فقد كنا مزروبين عشرة في غرفة لشخصين؟ وكان موتورسيكلي أشلاء فقد استعمله رجال الفرع بمتعة وتدمير طول فترة الاعتقال.
وإذا استبيح الإنسان فما معنى أغراضه التافهة؟
(3) والفقرة الثالثة:
تنص على استخدام أي أسلوب للوصول إلى المعلومة ولو تبق معلومة.
وتطبيق مبدأ (الحلاوة والكرباج)، أي (حلحلة) المواطن بين قطبين من الترغيب المعسول والتهديد الماحق. وأي أسلوب مشروع. وكل حديث عن القيم ليس بقيمة. وكل المحرمات مسوغة. وإذا تطلب اغتصاب زوجة المستجوب فعلوا ولم يترددوا، ويجب أن تكون بحضوره.
وكان لينين يعطي تعليماته بشنق المعارضين بعد انتقاء كرام القوم وبحضور الناس أجمعين.
وفي يوم طالب فرع الأمن السياسي مني مراجعته بورقة صفراء ممزعة قبيحة ناولوني إياها من بوابة المطار، لمراجعة الفرع 223 ؟!! والأرقام كثيرة؟؟!!
لاكتشف أن الأمر يعود إلى تقرير كيدي، من امرأة طلقها زوجها قبل عشرين سنة.؟!!
وعندما راجعتهم بدأوا من نقطة الصفر، فلعلهم يفوزون بشيء جديد ينافسون به الفروع الأمنية الأخرى، بعد أن تحول المواطن إلى حمار لم يبق على ظهره مكان للركوب.
بدأوا أولا في السؤال عن نوع الحليب الذي تغذيت به في الطفولة هل كان سيريلاك أو سيميلاك؟؟
وفي النهاية بعد مراجعة مضنية لمدة 17 يوما، قالوا لي كان بإمكاننا اعتقالك من الحدود؟ قلت نعم أشهد بذلك.
قالوا له إن الأمن في بلدنا مستقر!! يشهد بهذا القاصي والداني؟؟ قلت لهم نعم أشهد...
وهمست بيني وبين نفسي؛ إنه هدوء يشبه سكون المقابر؛ فلم يبق مواطن، بل قبور تبلع، وحفّار جاهز بالرفش وجثث تتوافد.
وعندما صعدت الطائرة وأنا أنفض عني غبار الاعتقال، كان بجانبي راكب باكستاني، قلت له ما الذي لفت نظرك في بلدنا؟
تردد الباكستاني ثم ابتلع ريقه وقال لم أر هدوءً وأمنا مثل هذا البلد!!
ثم تنحنح وتابع، ولكن صور الزعيم كثيرة جدا في البلد؟!
وفي صالة مستوصف حقير في خان أرنبة وهي قرية حدودية تافهة، كان على الجدران 17 صورة للقائد الأبدي وابنه، ولا ديمومة إلا لله، واليوم أصبح وجه القائد طعاما للدود؟؟
(4) الفقرة الرابعة:
الشك والشك بدون حدود.
وعندما انتشر تنظيم العباسيين في خراسان كان أبو مسلم زعيم عصابة المخابرات، وكانت التعليمات تقضي بأن يقضى على كل مشتبه به، ولو كان طوله خمس أشبار.
وفي يوم قال ضابط أمني لواحد، هل تعلم لماذا ضحك عليكم الزرزور وكان تاجرا جمع أموال الناس بدعوى الربح السريع الوفير؟!
وكان منهم قسم من أفراد عائلتي وضعت في يده مليون ريال!!
قال: لأنكم تثقون ونحن لا نثق بأحد، ولو زوجتي التي في حضني، وابنتي التي ربيت؟!!
إنها كائنات مشوهة، كما جاء في رواية التحول عند (كافكا) فأصبح الإنسان صرصورا بحجم فيل له خرطوم طويل وذيل وثيل؟؟
(5) الفقرة الخامسة:
مسك الناس بقانون الرعب!!
فيجب ضرب أبشار الناس، ونشر أخبار الضرب، وبكل سبيل يوعدون ويصدون عن سبيل الله، وعلى كل منبر ووحيا، من بين الأسطر والتعبيرات، ونقل هذه الأخبار عن طريق المجندين من خلاياهم السرية، ومن سار في دربهم إلى يوم الدين؛ فالأفعى تتغذى على هذا القانون. والضفدع الذي يرى الثعبان يتجمد من الرعب فيلتهمه الثعبان.
وعندما دخل المغول بغداد، كان الجندي المغولي يمسك العشرات لوحده فينبطح الناس للنطع والسيف.
وفي أحد الحفلات افتقد الجندي سلاحه فلم يكن على جنبه؟! قال لهم امكثوا ولا تبرحوا، قالوا سمعا وطاعة، فغاب ساعة، ولم يفكر أحد بالهرب. فعاد وذبحهم بشفرة حادة فلم يتألموا كثيرا.
وفي ألمانيا بعد أن عرض فيلم الهولوكوست عام 1982م ذكر يهودي تجربته، أنهم كانوا يؤخذون إلى خنادق الموت وحفر القبور الجماعية والرشاشات تحصد من قبلهم، وما زال فيهم ولو (جزيء Molecule) ـ شدد وعصّب عند هذه الكلمة ـ من أمل أنه ربما عفي عنهم؟!
ولم يتحولوا في معتقداتهم حتى أطبق عليهم اليأس.
ومن أساليب المخابرات قانون (الفنتيل) أي (التنفيس) وعدم إيصال الأمة إلى حافة اليأس، كما في مسرحيات الكوميديا للعظمة والطوشة، فهم يرتزقون، أما رياض الترك ففي الانفرادية 17 عاما، لأن بعدها الطوفان. وهو ما أشار له أتيين لابواسييه في بحثه عن جذور الاستبداد في كتابه العبودية المختارة أن أسلوب التلهية اعتمده أباطرة الرومان، ومن أجل هذا بني الكولوسيوم فقتل في مائة يوم خمسة ألف من الحيوانات الضواري ومعها عشرة آلاف مجالد؟؟ واليوم استبدلت بفرق كرة القدم؟؟
والمجرم يريد حلب الناس إلى يوم القيامة ولذا فهو يسمح بالتنفيس مثل المسلسلات المضحكة، أو الاستعراضات لمجالس شعبية، وانتخابات مزيفة، ومظاهرات مسيرة من الباب للمحراب، لصناعة مجالس قرود يمكن أن تغير الدساتير في اللحظة الحرجة في دقيقة أو دقيقتين، فهي لهذا صنعت، ومن أجل هذا بنيت، وهي ضحكة كبيرة يطلقها الطاغوت من فم ابتلع كل العباد.
(6)الفقرة السادسة:
الوصول بالمواطن إلى (التوبة النصوح) حسب شروط فقهاء العصر العباسي؟؟
بمعنى الندم عما فعل، والاعتراف بالخطأ، وأن لا يعاود النشاط للمستقبل، وأن يفتح كتاب (النبات) ويدرس (وظائف) النبات؛ فيكون النبات له قدوة؟!
مثل هل يتغذى النبات ويتكاثر؟ الجواب نعم.. إذا على المواطن أن يتغذى ويتناسل مثل الأرانب لإنتاج مزيد من العبيد.
ومثل هل يتحرك النبات أو يحرك؟ والجواب لا يتحرك ولكن يُحرَك مثل نقل النباتات من نافذة لأخرى. إذا على المواطن أن لا يتحرك في مظاهرة بل تحركه يد المخابرات.
ومثل هل يفكر النبات؟ والجواب لا النبات لا يفكر قط.
وعلى المواطن الصالح أن لا يفكر، لأن التفكير خطير، ومصيره أن يصبح نزيل أقبية المخابرات، يرفس بالغدو والآصال.
بمعنى خلق كائن أسطوري له تسعة عشر رأسا.
وفي مونتريال في كندا كان أستاذ العلوم السياسية يشرح للطلبة هذا القانون، وهو أن رئيس العصابة يسخر الفروع الأمنية، أن تعمل بشكل غير مركزي. وتتنافس فيما بينها. ولا يوجد تقاطع في المعلومات. ولا أحد يعطي معلومة لأحد. وكل يعمل بذراعه وحافره ورجله ومسدسه.
وكل يركب المواطن من الأمام أو الخلف بالطريقة التي يشتهيها.
وأن نسبة القتل المسموح بها 6%؟!
وأنه مسموح لهم باعتقال من يشاءون، بالكمية التي يرغبون، ولكن إطلاق عصفور ويعسوب تتم بيده ومذيلة بتوقيعه.
وبذلك يتحول البلد الواحد إلى 19 دولة، وينقلب الوضع إلى قبائل أمنية، بفارق أن القبيلة الأمنية مضاربها كل البلد، وشيخها يمسك أي مواطن، في أي لحظة؛ فيفعل به ما يشاء.
عندما سمع الطلبة الكنديون ذلك فتحوا أفواههم من الدهشة ولم يعقبوا.
يختلف العرب في كل شيء إلا الموضوع الأمني، ولذا تسامر وتحابب وتصاهر رؤوساء الفروع الأمنية في العالم العربي، ونشأت بينهم علاقات القربى الحميمة وزواج ومصاهرة مع الحريم والشيطان.
والكل معه جواز سفر كندي أو أوربي له ولذريته من بعده، تحسباً ليوم الزلزلة إذا زلزلت الأرض زلزالها؟
والكل عنده حسابات سرية بأسماء سرية للزوجة والذرية، في البحرين واليونان وليشتن شتاين، ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل.
ويل يومئذ للمكذبين.
والكل يرسل أبناءه إلى دول الاستعمار والرأسمالية، وهو يحارب الاستعمار والرأسمالية على الورق، وفي المظاهرت المزيفة.
وإذا وقع مواطن عربي في يد واحد منهم، قاموا بتسليمه لبعضهم بأريحية عربية وكرم حاتمي، ولا حرج من حفلة دربكة على جلده، كما فعل بعرار السوري الكندي، المشحون من أمريكا، عبر بوابة خلفية من نظام ملكي رجعي إلى نظام تقدمي ثورجي من جبهة الصمود؟!.
وبقدر اختلاف الأنظمة العربية ونزاعها، بقدر توافقها وتفاهمها الاستخباراتي.
فهي مسألة بقاء ونزع الروح؟؟
وفي يوم كنت على حدود بلد عربي، فأرادوا إلقاء القبض علي، فتعجبت وقلت لهم لعل في الأمر خطأ؟؟ قالوا لا ..
ثم قالوا لي ألست أنت خالص جلبي الملقب بكنجو، من أيام المدرسة الثانوي؟!
قلت نعم وأهنئكم على ذلك.
وقلت في نفسي إن ملفي لا شك أصبح عند الموساد.
بعد أن اغتال سليمان الحلبي الجنرال الفرنسي (كليبر) قلبوا مصر بحثاً عنه، حتى وجدوه بجانب جدار يصلي، ومعه المدية ملطخة بالدم. ولكن نهايته كانت عجيبة كما ذكر ذلك المؤرخ المصري (عبد الرحمن الجبرتي) في كتابه، فقد تمت محاكمته على الطريقة الفرنسية، ولكن تنفيذ الحكم تم بطريقة المماليك حرصا على التقاليد المحلية، فشويت يده، ثم وضع إسته على الخازوق بالطريقة العصملية؟؟
مع كل الظلام المطوق للضمير العربي فمن المهم أن نعرف ثلاث حقائق:
(1) الأولى أن عصر الجليد انكسر وذاب. وأن عصر الديناصورات انقرض وولى. وأنهم يكافحون حتى الرمق الأخير للاحتفاظ بامتيازاتهم.
وأنهم يشبهون ساحرات العصور الوسطى، فيقاتلون بمكانس القش الأطباق الطائرة من فوقهم، تطير بسرعة الضوء.
ومع أنهم ينفقون أموالهم لمراقبة الانترنيت، أكثر مما أنفقوا لبنائه، فسينفقون أموالهم للمخابرات، ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون.
(2) والحقيقة الثانية الاستعداد للمقاومة المدنية، وعدم اللجوء إلى استخدام القوة والسلاح والعنف، لأنهم يتمنون ذلك، ونكون بذلك دخلنا بطن الحوت من جديد، من حيث أردنا أن يلفظنا من جوفه، كما فعل مع النبي يونس.
(3) والحقيقة الثالثة أن هناك جوهر صاعق وسر مكنون في الإنسان، لا يمكن إطفاء سراجه.
وسحرة فرعون كانوا يريدون المال؟؟ فقالوا أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين؟ ولكن فرعون أضاف إليها المراكز الحزبية والنفوذ؟!! فقال نعم وإنكم لمن المقربين.
ولكن خلال لحظات انقلبوا سجدا لله رب العالمين، وقالوا لفرعون اقض ما أنت قاض إنما تقض هذه الحياة الدنيا.
فهذا السر الرائع من تمرد الإنسان، هو الذي يصنع التاريخ، وهو الذي نراهن عليه.
ولتعلمن نبأه بعد حين.
وفي النهاية فإن نظام المخابرات يشبه السرطان؛ فيقضي على نفسه بنفسه، حينما يبلغ الحجم المدمر، وهو ما أشار إليه فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ) أن النظام السوفييتي شعر بالخطر من جهاز الرعب، الذي يسمى الأمن مقلوبا، فعمد إلى تفكيكه، بعد أن أصبح يعيد قصة فرانكنشتاين.
وهذا المصير سيلحق جمهوريات البطالة والرعب والمخابرات، كما سيلحق أمريكا بأجهزتها التنينية، ولن ينجو من هذا المصير ملكيات وممالك ومشيخات وجمهوريات وجملوكيات المنطقة..
وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا. إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا..
No comments:
Post a Comment