تروي اليزابث درو حكاية رسام ظلّ يرسم شجرة يوميا حتى تحوّل هو الى شجرة، وهذا الحلول ليس صوفيا، كما انه ليس أورفيّا بحيث تناسخت أرواح كائنات منها الثرثار ومنها الصامت، لكن الشجر ايضا يثرثر من خلال خضرته وحفيفه، لهذا لم يجد بيكاسو ذات يوم وبعد ان فرغ من رسم تجريدية خضراء ما يقوله سوى انه مشى طويلا في الحقول حتى اصابت التخمة عينيه، فبكى دموعا خضراء، وقد لا تليق عبارة تصفية الحسابات بالفنون ومنها الرسم، رغم ان المسألة لا تخلو من ذلك، فلكل فنان عدو يبتكره منذ الطفولة ان لم يجده متحققا في الواقع، هذا العدو قد يكون معلما صارما او أمّاً قاسية من طراز امهات رامبو وميلر وشوبنهاور فهذا الاخير كان يقول لأمه وهي كاتبة متواضعة ان التاريخ سوف يذكرها لأنها مقترنة به كأم فقط.. أما ميلر فكانت امه تسخر من كتابته وتقول له بأنه يصنع فاصولياء من الطين، ومنذ زمن راودتني فكرة الرسم باللغة، لكن ليس على طريقة الراحل نزار قباني في ديوانه 'الرسم بالكلمات'، لأنني تعلمت من سيمونيدس ان الموسيقى رسم ناطق والرسم موسيقى صامتة، وبين هذين الشاطئين تتحرك امواج ودوامات كثيرة ....
ان البورتريه كما أعنيه هنا ليس شخصية روائية تبحث عن مؤلف، على غرار شخصيات بيراندلو في مسرحيته 'ست شخصيات تبحث عن مؤلف'، انه مقاربة سايكلوجية بقدر ما هي اجتماعية لأشخاص صاغتهم ظروف استثنائية، منها فائض الفقر ومحاصيله من الشقاء، والمهارة في فن التأقلم الحربائي بحثا عن النجاة، ومنها الفشل المتكرر الذي لم يعثر على مشجب من الذرائع المقنعة للآخرين.
والبورتريه الأول، لشخص يشبه الى حد بعيد احد أبطال ديستويفسكي، الذي كان يتذرع بمرض امه وعنايته بها كي يبرر كسله اولا، ومن ثم فشله في مهنة الكتابة، هذا الكائن لم يعش في القرن التاسع عشر ولم تتجمد عروقه في سيبيريا، عاش على الشاطىء الشرقي للبحر المتوسط وحلم وهو صبي بعدة مهن، كانت كلها مستقاة وبالتالي متقمصّة من افلام سينمائية في مرحلة الأبيض والأسود، كان يشاهد المحامي الوسيم العاشق فيتقمصه على الفور، واذا شاهد بعد ذلك طبيبا او مهندسا او صحافيا يسرع الى تقمصه لعدة ايام، واحيانا كان يروي لأصحابه ممن لم يشاهدوا تلك الافلام حكايات هو بطلها وكل ما يفعله هو تغيير اسماء البطلات، ولم يستطع طيلة مرحلة المراهقة ان يفوز بعلاقة واحدة مع طالبة او ابنة جيران او حتى خادمة، لهذا اعترف ذات يوم بأنه كان يدفع للبغايا أجرا مضاعفا كي يستجبن له اذا ناداهنّ باسماء نساء اخريات، هذا الكائن نصف ذكر وليس نصف انثى، لأنه أدمن ابتكار اناثه من صلبه الذكوري، وهو نصف شاذ ايضا لأن ميوله غير الطبيعية توقفت عند طور العذراء، بمعنى آخر لم يتحول الانحراف النفسي الى انحراف عضوي، لهذا بقي الاشتباك على أشدّه بين نصف الذكر ونصف الانثى، وقد حاول ان يجمع عدة انصاف دفعة واحدة، حتى على الصعيد المهني، فهو نصف صحافي ونصف معلم ونصف تاجر، وبأبسط القواعد الحسابية فإن هذه الانصاف لا تقبل الجمع، بل تبقى انصافا متباعدة ...
البورتريه الثاني لنصف امرأة، قررت منذ طفولتها الذكورية المحاصرة بأعراف صارمة ان تتعهد الغلام الذي ولد من صلبها، والذي حملت به من غير رجل فهي اشبه بنوع من الأفاعي ذات التكوين الجنسي المزدوج والمكتفي بذاته.
هي نصف رجل عندما يتطلب الامر استدعاء الاحتياطي الذكوري لوظيفة او نشاط سياسي، ونصف امرأة اذا أيقظت نرجسيّتها الهاجعة اشارة او كلمة او حتى ايماءة، ونادرا، بل من المتعذّر، ان يجتمع النصفان في بنطال واحد، وهذا النمط من الشيزوفرينيا يتجاوز التعريفات الكلاسيكية لازدواجية الشخصية لأنه خاضع للوعي، ومحسوب بدقّة، وتتوزع الأدوار تبعا لمتطلبات واقعية . قالت مرة لإحدى صديقاتها انها تحسد النساء اللواتي يحملن اسماء تقبل ان تكون لذكور واناث مثل جهاد وصباح، لأن هذا يسهل عليها العزف على وترين معا، واذا كان نصف الرجل يتعاطى ذاته على المستوى الجسدي ولا يحتاج الى طرف آخر لتحقيق رغبة ما فإن نصف المرأة ايضا تفعل ذلك ولها علاقة بذاتها فقط .
نصف الرجل يغار من المرأة لأسباب معينة، ونصف المرأة تغار ايضا من الرجال، لأن الأمر ليس محسوما لدى الطرفين، والتبسيط الجنسوي لهذه لكائنات يحرمها من الغنى والتنوع والعمق، لأنها اذا صنّفت بالشذوذ فذلك على المستوى السايكولوجي الممنوع من الترجمة العضوية .
'''
البورتريه الثالث لشبه مثقف، لا يعي أنه هو النقيض الفعلي للمثقف وليس الانسان العادي، حتى لو كان جاهلا، لا يرى هذا الكائن من المثقف غير القرائن المصاحبة له سواء على صعيد اللباس والاكسسوارات وطريقة الكلام والافراط في مسرحة ملامح الوجه، او حركة الاصابع، او على صعيد اصطناع الحيرة والتهجم والضيق بكل ما تقع عليه العين، ولا تشكل القراءة أي بعد في تكوين هذا الشبيه، لأن ما يلتقطه من المقاهي وكلمات الناشرين على الأغلفة يكفي ولو لبضع دقائق من ثرثرة المقاهي، او حتى لمقالة من مئة كلمة، غير قابلة للتكرار كبيضة الديك، واذا تجاوز زمن الثرثرة او السجال ربع ساعة فقط يتذرّع هذا الشبيه بالحاجة الى الذهاب الى اي مكان، حتى لو كان الحمام مثلا، فالمؤونة التي اعدت لا تكفي اكثر من هذا الوقت، اما آراء هذا الشبيه بالمثقفين من مختلف المستويات والاتجاهات فهي خلاصة لأدبيات النميمة في مجتمع تفتك به البطالة، فيأكل الناس فيه لحم بعضهم احياء وموتى... ومن هذه الآراء التي اصبحت مستعملة حدّ التهرؤ ومحفوظة عن ظهر قلب او قلم، ان من يحقق قدرا من النجاح في مجاله لا بد ان تكون هناك مطية قد حملته الى هذا المرتفع، ولا يتردد الشبيه في ابتكار القصص خصوصا ذات الايحاء الجنسي لتفسير نجاح كاتبة او كاتب، فالكاتبة لا بد ان يكون لها عشيق مجهول يكتب لها او يعيد صياغة ما تكتب على الأقل، واذا عزّت الابتكارات الجنسية فإن السياسة وقاموسها الهجائي المتوارث خمسة عشر قرنا تقدم البديل، فالمثقف الذي يحلق ذقنه بانتظام ويستحمّ ويعتني بنفسه بحيث لا تكون له رائحة نعجة أو ضبع هو يميني، وبورجوازي متعفن، لأن الشبيه يحتكر اليسار كله قدر تقديم هذا الاحتكار مبررات للفشل. وهو ايضا عدمي وعبثي يردد ثلاث او اربع مقولات لسارتر او كامو او كيركيغارد، رغم ان هؤلاء تجاوزوا عدميتهم الأصيلة بإعطاء حياتهم معنى، وكانوا اخلاقيين اكثر من خصومهم التقليديين الذين وصفوهم بالهلستية والتسيّب وانعطاب البوصلة الاخلاقية، ولا يعرف هذا الشبيه ان الحرية لدى من يدّعي الانتساب الى سلالتهم الوجودية هي ان لا يفعل المرء ما يريد وليس العكس.
وحين احتلت باريس لم يدر سارتر او كامو او اراغون ظهورهم ليقولوا بأن الوجود لا معنى له، بل استبدلوا اقلامهم بالبنادق، واحيانا حوّلوا الاقلام الى بنادق كما حدث في منشورات منتصف الليل وافتتاحيات جريدة 'كومبا'!
ولقد تساءل سارتر مثلا كيف يمكن لمثقف ان ينام ولو ساعة واحدة بلا كوابيس اذا كانت بلاده محتلة، وهويتها مستباحة او منتهكة، العدمي الشبيه يبحث عن ذريعة ثقافية كي تتحول الى ورقة توت تستر عورته كلص او أفّاق او سمسار متجول.
'''
البورتريه الرابع، الثوري تائب، تقاضى ثمن هذه التوبة، وتحول الى واعظ بالواقعية، وهو كما يتجسد في الشيوعي الذي حوّل الاعتذار عن الماركسية الى نمط انتاج في الحرب الباردة، فهو الطبال الذي لم تتحدث عنه السيدة سوزان مؤلفة كتاب 'من يدفع للزمار'، ومن المعروف ان الحرب الباردة قدمت سوقا سوداء، وما هو أشبه بالبورصة تحددت فيها التسعيرات لمن عاد اليهم الرشد وأعلنوا الفطام بل الختان المتأخر عن موعده عشرين عاما على الاقل، وهذا الكائن الذي زحف باتجاه اللمبو من جحيم الشيوعية الى الفردوس الارضي كما قدمته الرأسمالية في ذروة توحشها لم يمكث عند ذلك الهامش طويلا، بل كان بانتظار فيزا الدخول الى الملكوت الاخضر لا بلون غاباته او عشبه كما صوره والت ويتمان، بل بورقة الدولار.
والثوري التائب قد يكون شاعرا او روائيا او مجرد ناشط سياسي، احس في الثلث الاول من الطريق بانعدام الماء والزاد وحتى الرفيق كما قال ازرا باوند، لهذا كان العود بالنسبة اليه هو الأحمد، ونادرا، ونادرا ما كان تبديل الجلد واجراء جراحة لاستئصال الوشم تلبية لهاجس نقد الذات بالمعنى الذي اشار اليه جورج لوكاتش الذي اعتذر بعد التحول او بمعنى ادق بعد النضج عن مقالة شهيرة كتبها عن الشاعر طاغور.
ان ما يقابل نمط الانتاج الاسيوي نمط انتاج ثقافي آخر، له صلة ايضا بدولة الاستبداد وتجليات المسألة الشرقية ثقافيا.. والتحول من مثقف ذي مزاعم واطروحات راديكالية الى عسس اعلامي في الاسبارطات الحديثة شكل نمط انتاج تزاوج فيه الرّيع مع فساد الضمير، ما دام المعيار المقترح من بنات افكار جحا، ومن موروث النقائض الاموية، والسيرة الشعرية للحطيئة واحفاده!
'''
الكاريكاتور في بعده المقاوم، سفّه الديكتاتور وسعى بوسائله الى تقزيم مردة من ثلج او زَبَد .... هنا أرسمه لمثقف استولد بالانبوب الايديولوجي او الصقت له السلطة ساقين من الخشب وادخلت الى حنجرته آلة تصدر صوتا يشبه الصهيل لاخفاء موائه وفحيحه.
له اذن اكبر من اذن الفيل وعين اصغر من عين فيل طفل، مطلوب منه الاصغاء فقط لأن شهيقه زفير وزفيره شهيق، ولا مانع لديه ان يباعد بين جثتين كي ينام اذا استبد به نعاس القيلولة الذئبية.
ان البورتريه كما أعنيه هنا ليس شخصية روائية تبحث عن مؤلف، على غرار شخصيات بيراندلو في مسرحيته 'ست شخصيات تبحث عن مؤلف'، انه مقاربة سايكلوجية بقدر ما هي اجتماعية لأشخاص صاغتهم ظروف استثنائية، منها فائض الفقر ومحاصيله من الشقاء، والمهارة في فن التأقلم الحربائي بحثا عن النجاة، ومنها الفشل المتكرر الذي لم يعثر على مشجب من الذرائع المقنعة للآخرين.
والبورتريه الأول، لشخص يشبه الى حد بعيد احد أبطال ديستويفسكي، الذي كان يتذرع بمرض امه وعنايته بها كي يبرر كسله اولا، ومن ثم فشله في مهنة الكتابة، هذا الكائن لم يعش في القرن التاسع عشر ولم تتجمد عروقه في سيبيريا، عاش على الشاطىء الشرقي للبحر المتوسط وحلم وهو صبي بعدة مهن، كانت كلها مستقاة وبالتالي متقمصّة من افلام سينمائية في مرحلة الأبيض والأسود، كان يشاهد المحامي الوسيم العاشق فيتقمصه على الفور، واذا شاهد بعد ذلك طبيبا او مهندسا او صحافيا يسرع الى تقمصه لعدة ايام، واحيانا كان يروي لأصحابه ممن لم يشاهدوا تلك الافلام حكايات هو بطلها وكل ما يفعله هو تغيير اسماء البطلات، ولم يستطع طيلة مرحلة المراهقة ان يفوز بعلاقة واحدة مع طالبة او ابنة جيران او حتى خادمة، لهذا اعترف ذات يوم بأنه كان يدفع للبغايا أجرا مضاعفا كي يستجبن له اذا ناداهنّ باسماء نساء اخريات، هذا الكائن نصف ذكر وليس نصف انثى، لأنه أدمن ابتكار اناثه من صلبه الذكوري، وهو نصف شاذ ايضا لأن ميوله غير الطبيعية توقفت عند طور العذراء، بمعنى آخر لم يتحول الانحراف النفسي الى انحراف عضوي، لهذا بقي الاشتباك على أشدّه بين نصف الذكر ونصف الانثى، وقد حاول ان يجمع عدة انصاف دفعة واحدة، حتى على الصعيد المهني، فهو نصف صحافي ونصف معلم ونصف تاجر، وبأبسط القواعد الحسابية فإن هذه الانصاف لا تقبل الجمع، بل تبقى انصافا متباعدة ...
البورتريه الثاني لنصف امرأة، قررت منذ طفولتها الذكورية المحاصرة بأعراف صارمة ان تتعهد الغلام الذي ولد من صلبها، والذي حملت به من غير رجل فهي اشبه بنوع من الأفاعي ذات التكوين الجنسي المزدوج والمكتفي بذاته.
هي نصف رجل عندما يتطلب الامر استدعاء الاحتياطي الذكوري لوظيفة او نشاط سياسي، ونصف امرأة اذا أيقظت نرجسيّتها الهاجعة اشارة او كلمة او حتى ايماءة، ونادرا، بل من المتعذّر، ان يجتمع النصفان في بنطال واحد، وهذا النمط من الشيزوفرينيا يتجاوز التعريفات الكلاسيكية لازدواجية الشخصية لأنه خاضع للوعي، ومحسوب بدقّة، وتتوزع الأدوار تبعا لمتطلبات واقعية . قالت مرة لإحدى صديقاتها انها تحسد النساء اللواتي يحملن اسماء تقبل ان تكون لذكور واناث مثل جهاد وصباح، لأن هذا يسهل عليها العزف على وترين معا، واذا كان نصف الرجل يتعاطى ذاته على المستوى الجسدي ولا يحتاج الى طرف آخر لتحقيق رغبة ما فإن نصف المرأة ايضا تفعل ذلك ولها علاقة بذاتها فقط .
نصف الرجل يغار من المرأة لأسباب معينة، ونصف المرأة تغار ايضا من الرجال، لأن الأمر ليس محسوما لدى الطرفين، والتبسيط الجنسوي لهذه لكائنات يحرمها من الغنى والتنوع والعمق، لأنها اذا صنّفت بالشذوذ فذلك على المستوى السايكولوجي الممنوع من الترجمة العضوية .
'''
البورتريه الثالث لشبه مثقف، لا يعي أنه هو النقيض الفعلي للمثقف وليس الانسان العادي، حتى لو كان جاهلا، لا يرى هذا الكائن من المثقف غير القرائن المصاحبة له سواء على صعيد اللباس والاكسسوارات وطريقة الكلام والافراط في مسرحة ملامح الوجه، او حركة الاصابع، او على صعيد اصطناع الحيرة والتهجم والضيق بكل ما تقع عليه العين، ولا تشكل القراءة أي بعد في تكوين هذا الشبيه، لأن ما يلتقطه من المقاهي وكلمات الناشرين على الأغلفة يكفي ولو لبضع دقائق من ثرثرة المقاهي، او حتى لمقالة من مئة كلمة، غير قابلة للتكرار كبيضة الديك، واذا تجاوز زمن الثرثرة او السجال ربع ساعة فقط يتذرّع هذا الشبيه بالحاجة الى الذهاب الى اي مكان، حتى لو كان الحمام مثلا، فالمؤونة التي اعدت لا تكفي اكثر من هذا الوقت، اما آراء هذا الشبيه بالمثقفين من مختلف المستويات والاتجاهات فهي خلاصة لأدبيات النميمة في مجتمع تفتك به البطالة، فيأكل الناس فيه لحم بعضهم احياء وموتى... ومن هذه الآراء التي اصبحت مستعملة حدّ التهرؤ ومحفوظة عن ظهر قلب او قلم، ان من يحقق قدرا من النجاح في مجاله لا بد ان تكون هناك مطية قد حملته الى هذا المرتفع، ولا يتردد الشبيه في ابتكار القصص خصوصا ذات الايحاء الجنسي لتفسير نجاح كاتبة او كاتب، فالكاتبة لا بد ان يكون لها عشيق مجهول يكتب لها او يعيد صياغة ما تكتب على الأقل، واذا عزّت الابتكارات الجنسية فإن السياسة وقاموسها الهجائي المتوارث خمسة عشر قرنا تقدم البديل، فالمثقف الذي يحلق ذقنه بانتظام ويستحمّ ويعتني بنفسه بحيث لا تكون له رائحة نعجة أو ضبع هو يميني، وبورجوازي متعفن، لأن الشبيه يحتكر اليسار كله قدر تقديم هذا الاحتكار مبررات للفشل. وهو ايضا عدمي وعبثي يردد ثلاث او اربع مقولات لسارتر او كامو او كيركيغارد، رغم ان هؤلاء تجاوزوا عدميتهم الأصيلة بإعطاء حياتهم معنى، وكانوا اخلاقيين اكثر من خصومهم التقليديين الذين وصفوهم بالهلستية والتسيّب وانعطاب البوصلة الاخلاقية، ولا يعرف هذا الشبيه ان الحرية لدى من يدّعي الانتساب الى سلالتهم الوجودية هي ان لا يفعل المرء ما يريد وليس العكس.
وحين احتلت باريس لم يدر سارتر او كامو او اراغون ظهورهم ليقولوا بأن الوجود لا معنى له، بل استبدلوا اقلامهم بالبنادق، واحيانا حوّلوا الاقلام الى بنادق كما حدث في منشورات منتصف الليل وافتتاحيات جريدة 'كومبا'!
ولقد تساءل سارتر مثلا كيف يمكن لمثقف ان ينام ولو ساعة واحدة بلا كوابيس اذا كانت بلاده محتلة، وهويتها مستباحة او منتهكة، العدمي الشبيه يبحث عن ذريعة ثقافية كي تتحول الى ورقة توت تستر عورته كلص او أفّاق او سمسار متجول.
'''
البورتريه الرابع، الثوري تائب، تقاضى ثمن هذه التوبة، وتحول الى واعظ بالواقعية، وهو كما يتجسد في الشيوعي الذي حوّل الاعتذار عن الماركسية الى نمط انتاج في الحرب الباردة، فهو الطبال الذي لم تتحدث عنه السيدة سوزان مؤلفة كتاب 'من يدفع للزمار'، ومن المعروف ان الحرب الباردة قدمت سوقا سوداء، وما هو أشبه بالبورصة تحددت فيها التسعيرات لمن عاد اليهم الرشد وأعلنوا الفطام بل الختان المتأخر عن موعده عشرين عاما على الاقل، وهذا الكائن الذي زحف باتجاه اللمبو من جحيم الشيوعية الى الفردوس الارضي كما قدمته الرأسمالية في ذروة توحشها لم يمكث عند ذلك الهامش طويلا، بل كان بانتظار فيزا الدخول الى الملكوت الاخضر لا بلون غاباته او عشبه كما صوره والت ويتمان، بل بورقة الدولار.
والثوري التائب قد يكون شاعرا او روائيا او مجرد ناشط سياسي، احس في الثلث الاول من الطريق بانعدام الماء والزاد وحتى الرفيق كما قال ازرا باوند، لهذا كان العود بالنسبة اليه هو الأحمد، ونادرا، ونادرا ما كان تبديل الجلد واجراء جراحة لاستئصال الوشم تلبية لهاجس نقد الذات بالمعنى الذي اشار اليه جورج لوكاتش الذي اعتذر بعد التحول او بمعنى ادق بعد النضج عن مقالة شهيرة كتبها عن الشاعر طاغور.
ان ما يقابل نمط الانتاج الاسيوي نمط انتاج ثقافي آخر، له صلة ايضا بدولة الاستبداد وتجليات المسألة الشرقية ثقافيا.. والتحول من مثقف ذي مزاعم واطروحات راديكالية الى عسس اعلامي في الاسبارطات الحديثة شكل نمط انتاج تزاوج فيه الرّيع مع فساد الضمير، ما دام المعيار المقترح من بنات افكار جحا، ومن موروث النقائض الاموية، والسيرة الشعرية للحطيئة واحفاده!
'''
الكاريكاتور في بعده المقاوم، سفّه الديكتاتور وسعى بوسائله الى تقزيم مردة من ثلج او زَبَد .... هنا أرسمه لمثقف استولد بالانبوب الايديولوجي او الصقت له السلطة ساقين من الخشب وادخلت الى حنجرته آلة تصدر صوتا يشبه الصهيل لاخفاء موائه وفحيحه.
له اذن اكبر من اذن الفيل وعين اصغر من عين فيل طفل، مطلوب منه الاصغاء فقط لأن شهيقه زفير وزفيره شهيق، ولا مانع لديه ان يباعد بين جثتين كي ينام اذا استبد به نعاس القيلولة الذئبية.
No comments:
Post a Comment