Saturday, May 30, 2009

الأفعى احمد حسن الزعبي

قرأت ذات مرة انه من أغرب طرق اصطياد الأفاعي وأسهلها في الصحراء..أن تدهن كيس ملح بقليل من السمن وترميه قرب بيت الأفعى..عندئذٍ ستغريها الرائحة..فتبتلع الكيس..وما ان تستمرىء طعم السمن..حتى يقتلها عطش الملح وشمس الصحراء ..فيتفسخ جلدها وتسقط واهيةً..

اسرائيل تلك '' الأفعى المتوسطية'' لن تنفعها قوتها ما دامت تحكمها غريزتها ..سميّة التطرف تحرك اسطوانية جسدها نحو الهاوية ،هي لا تؤرقنا..حرابنا اقسى من رأسها..وصبرنا أطول من ذيلها الرخو المستعار..نعرفها جيداً..ونتعامل معها جيداً..بيننا وبينها قصاص قديم..فلا يخيفنا أبداً تبدّل جلدها، ولا يرعبنا فحيح الخوف او الضعف ..كلما خلعت جلدا عتيقا خطفته الريح الى قمامة التاريخ ..وكلما لمعت بثوب جديد..تمعنا به وقلنا انه يناسب اقدامنا أكثر..

القوة التي تحكمها غريزة..مثل حصن قد يقوّضه حجر واحد..عظيمة لكنها زائلة، ضخمة لكنها فارغة..اسرائيل إذا ما أغرتها رائحة التوسّع.. وابتلعت حقوق الشعوب ، فلا بد ان يقتلها عطش الأمن،وشمس المقاومة..عندها سيتفسّخ جلدها المهتّك بالقروح وستسقط واهيةَ...

نسيت ان أقول أن أبناء الصحراء ، كانوا يقومون بعد اصطياد الأفعى بقطع لسانها..واستخدامه طعماً للغربان والضُبّان..وكذلك سنفعل بلسان عضو الكنيست ''أريه الداد''..إن لزم الأمر..

أربعة بورتريهات وكاريكاتور! خيري منصور

تروي اليزابث درو حكاية رسام ظلّ يرسم شجرة يوميا حتى تحوّل هو الى شجرة، وهذا الحلول ليس صوفيا، كما انه ليس أورفيّا بحيث تناسخت أرواح كائنات منها الثرثار ومنها الصامت، لكن الشجر ايضا يثرثر من خلال خضرته وحفيفه، لهذا لم يجد بيكاسو ذات يوم وبعد ان فرغ من رسم تجريدية خضراء ما يقوله سوى انه مشى طويلا في الحقول حتى اصابت التخمة عينيه، فبكى دموعا خضراء، وقد لا تليق عبارة تصفية الحسابات بالفنون ومنها الرسم، رغم ان المسألة لا تخلو من ذلك، فلكل فنان عدو يبتكره منذ الطفولة ان لم يجده متحققا في الواقع، هذا العدو قد يكون معلما صارما او أمّاً قاسية من طراز امهات رامبو وميلر وشوبنهاور فهذا الاخير كان يقول لأمه وهي كاتبة متواضعة ان التاريخ سوف يذكرها لأنها مقترنة به كأم فقط.. أما ميلر فكانت امه تسخر من كتابته وتقول له بأنه يصنع فاصولياء من الطين، ومنذ زمن راودتني فكرة الرسم باللغة، لكن ليس على طريقة الراحل نزار قباني في ديوانه 'الرسم بالكلمات'، لأنني تعلمت من سيمونيدس ان الموسيقى رسم ناطق والرسم موسيقى صامتة، وبين هذين الشاطئين تتحرك امواج ودوامات كثيرة ....
ان البورتريه كما أعنيه هنا ليس شخصية روائية تبحث عن مؤلف، على غرار شخصيات بيراندلو في مسرحيته 'ست شخصيات تبحث عن مؤلف'، انه مقاربة سايكلوجية بقدر ما هي اجتماعية لأشخاص صاغتهم ظروف استثنائية، منها فائض الفقر ومحاصيله من الشقاء، والمهارة في فن التأقلم الحربائي بحثا عن النجاة، ومنها الفشل المتكرر الذي لم يعثر على مشجب من الذرائع المقنعة للآخرين.
والبورتريه الأول، لشخص يشبه الى حد بعيد احد أبطال ديستويفسكي، الذي كان يتذرع بمرض امه وعنايته بها كي يبرر كسله اولا، ومن ثم فشله في مهنة الكتابة، هذا الكائن لم يعش في القرن التاسع عشر ولم تتجمد عروقه في سيبيريا، عاش على الشاطىء الشرقي للبحر المتوسط وحلم وهو صبي بعدة مهن، كانت كلها مستقاة وبالتالي متقمصّة من افلام سينمائية في مرحلة الأبيض والأسود، كان يشاهد المحامي الوسيم العاشق فيتقمصه على الفور، واذا شاهد بعد ذلك طبيبا او مهندسا او صحافيا يسرع الى تقمصه لعدة ايام، واحيانا كان يروي لأصحابه ممن لم يشاهدوا تلك الافلام حكايات هو بطلها وكل ما يفعله هو تغيير اسماء البطلات، ولم يستطع طيلة مرحلة المراهقة ان يفوز بعلاقة واحدة مع طالبة او ابنة جيران او حتى خادمة، لهذا اعترف ذات يوم بأنه كان يدفع للبغايا أجرا مضاعفا كي يستجبن له اذا ناداهنّ باسماء نساء اخريات، هذا الكائن نصف ذكر وليس نصف انثى، لأنه أدمن ابتكار اناثه من صلبه الذكوري، وهو نصف شاذ ايضا لأن ميوله غير الطبيعية توقفت عند طور العذراء، بمعنى آخر لم يتحول الانحراف النفسي الى انحراف عضوي، لهذا بقي الاشتباك على أشدّه بين نصف الذكر ونصف الانثى، وقد حاول ان يجمع عدة انصاف دفعة واحدة، حتى على الصعيد المهني، فهو نصف صحافي ونصف معلم ونصف تاجر، وبأبسط القواعد الحسابية فإن هذه الانصاف لا تقبل الجمع، بل تبقى انصافا متباعدة ...
البورتريه الثاني لنصف امرأة، قررت منذ طفولتها الذكورية المحاصرة بأعراف صارمة ان تتعهد الغلام الذي ولد من صلبها، والذي حملت به من غير رجل فهي اشبه بنوع من الأفاعي ذات التكوين الجنسي المزدوج والمكتفي بذاته.
هي نصف رجل عندما يتطلب الامر استدعاء الاحتياطي الذكوري لوظيفة او نشاط سياسي، ونصف امرأة اذا أيقظت نرجسيّتها الهاجعة اشارة او كلمة او حتى ايماءة، ونادرا، بل من المتعذّر، ان يجتمع النصفان في بنطال واحد، وهذا النمط من الشيزوفرينيا يتجاوز التعريفات الكلاسيكية لازدواجية الشخصية لأنه خاضع للوعي، ومحسوب بدقّة، وتتوزع الأدوار تبعا لمتطلبات واقعية . قالت مرة لإحدى صديقاتها انها تحسد النساء اللواتي يحملن اسماء تقبل ان تكون لذكور واناث مثل جهاد وصباح، لأن هذا يسهل عليها العزف على وترين معا، واذا كان نصف الرجل يتعاطى ذاته على المستوى الجسدي ولا يحتاج الى طرف آخر لتحقيق رغبة ما فإن نصف المرأة ايضا تفعل ذلك ولها علاقة بذاتها فقط .
نصف الرجل يغار من المرأة لأسباب معينة، ونصف المرأة تغار ايضا من الرجال، لأن الأمر ليس محسوما لدى الطرفين، والتبسيط الجنسوي لهذه لكائنات يحرمها من الغنى والتنوع والعمق، لأنها اذا صنّفت بالشذوذ فذلك على المستوى السايكولوجي الممنوع من الترجمة العضوية .

'''

البورتريه الثالث لشبه مثقف، لا يعي أنه هو النقيض الفعلي للمثقف وليس الانسان العادي، حتى لو كان جاهلا، لا يرى هذا الكائن من المثقف غير القرائن المصاحبة له سواء على صعيد اللباس والاكسسوارات وطريقة الكلام والافراط في مسرحة ملامح الوجه، او حركة الاصابع، او على صعيد اصطناع الحيرة والتهجم والضيق بكل ما تقع عليه العين، ولا تشكل القراءة أي بعد في تكوين هذا الشبيه، لأن ما يلتقطه من المقاهي وكلمات الناشرين على الأغلفة يكفي ولو لبضع دقائق من ثرثرة المقاهي، او حتى لمقالة من مئة كلمة، غير قابلة للتكرار كبيضة الديك، واذا تجاوز زمن الثرثرة او السجال ربع ساعة فقط يتذرّع هذا الشبيه بالحاجة الى الذهاب الى اي مكان، حتى لو كان الحمام مثلا، فالمؤونة التي اعدت لا تكفي اكثر من هذا الوقت، اما آراء هذا الشبيه بالمثقفين من مختلف المستويات والاتجاهات فهي خلاصة لأدبيات النميمة في مجتمع تفتك به البطالة، فيأكل الناس فيه لحم بعضهم احياء وموتى... ومن هذه الآراء التي اصبحت مستعملة حدّ التهرؤ ومحفوظة عن ظهر قلب او قلم، ان من يحقق قدرا من النجاح في مجاله لا بد ان تكون هناك مطية قد حملته الى هذا المرتفع، ولا يتردد الشبيه في ابتكار القصص خصوصا ذات الايحاء الجنسي لتفسير نجاح كاتبة او كاتب، فالكاتبة لا بد ان يكون لها عشيق مجهول يكتب لها او يعيد صياغة ما تكتب على الأقل، واذا عزّت الابتكارات الجنسية فإن السياسة وقاموسها الهجائي المتوارث خمسة عشر قرنا تقدم البديل، فالمثقف الذي يحلق ذقنه بانتظام ويستحمّ ويعتني بنفسه بحيث لا تكون له رائحة نعجة أو ضبع هو يميني، وبورجوازي متعفن، لأن الشبيه يحتكر اليسار كله قدر تقديم هذا الاحتكار مبررات للفشل. وهو ايضا عدمي وعبثي يردد ثلاث او اربع مقولات لسارتر او كامو او كيركيغارد، رغم ان هؤلاء تجاوزوا عدميتهم الأصيلة بإعطاء حياتهم معنى، وكانوا اخلاقيين اكثر من خصومهم التقليديين الذين وصفوهم بالهلستية والتسيّب وانعطاب البوصلة الاخلاقية، ولا يعرف هذا الشبيه ان الحرية لدى من يدّعي الانتساب الى سلالتهم الوجودية هي ان لا يفعل المرء ما يريد وليس العكس.
وحين احتلت باريس لم يدر سارتر او كامو او اراغون ظهورهم ليقولوا بأن الوجود لا معنى له، بل استبدلوا اقلامهم بالبنادق، واحيانا حوّلوا الاقلام الى بنادق كما حدث في منشورات منتصف الليل وافتتاحيات جريدة 'كومبا'!
ولقد تساءل سارتر مثلا كيف يمكن لمثقف ان ينام ولو ساعة واحدة بلا كوابيس اذا كانت بلاده محتلة، وهويتها مستباحة او منتهكة، العدمي الشبيه يبحث عن ذريعة ثقافية كي تتحول الى ورقة توت تستر عورته كلص او أفّاق او سمسار متجول.

'''

البورتريه الرابع، الثوري تائب، تقاضى ثمن هذه التوبة، وتحول الى واعظ بالواقعية، وهو كما يتجسد في الشيوعي الذي حوّل الاعتذار عن الماركسية الى نمط انتاج في الحرب الباردة، فهو الطبال الذي لم تتحدث عنه السيدة سوزان مؤلفة كتاب 'من يدفع للزمار'، ومن المعروف ان الحرب الباردة قدمت سوقا سوداء، وما هو أشبه بالبورصة تحددت فيها التسعيرات لمن عاد اليهم الرشد وأعلنوا الفطام بل الختان المتأخر عن موعده عشرين عاما على الاقل، وهذا الكائن الذي زحف باتجاه اللمبو من جحيم الشيوعية الى الفردوس الارضي كما قدمته الرأسمالية في ذروة توحشها لم يمكث عند ذلك الهامش طويلا، بل كان بانتظار فيزا الدخول الى الملكوت الاخضر لا بلون غاباته او عشبه كما صوره والت ويتمان، بل بورقة الدولار.
والثوري التائب قد يكون شاعرا او روائيا او مجرد ناشط سياسي، احس في الثلث الاول من الطريق بانعدام الماء والزاد وحتى الرفيق كما قال ازرا باوند، لهذا كان العود بالنسبة اليه هو الأحمد، ونادرا، ونادرا ما كان تبديل الجلد واجراء جراحة لاستئصال الوشم تلبية لهاجس نقد الذات بالمعنى الذي اشار اليه جورج لوكاتش الذي اعتذر بعد التحول او بمعنى ادق بعد النضج عن مقالة شهيرة كتبها عن الشاعر طاغور.
ان ما يقابل نمط الانتاج الاسيوي نمط انتاج ثقافي آخر، له صلة ايضا بدولة الاستبداد وتجليات المسألة الشرقية ثقافيا.. والتحول من مثقف ذي مزاعم واطروحات راديكالية الى عسس اعلامي في الاسبارطات الحديثة شكل نمط انتاج تزاوج فيه الرّيع مع فساد الضمير، ما دام المعيار المقترح من بنات افكار جحا، ومن موروث النقائض الاموية، والسيرة الشعرية للحطيئة واحفاده!

'''

الكاريكاتور في بعده المقاوم، سفّه الديكتاتور وسعى بوسائله الى تقزيم مردة من ثلج او زَبَد .... هنا أرسمه لمثقف استولد بالانبوب الايديولوجي او الصقت له السلطة ساقين من الخشب وادخلت الى حنجرته آلة تصدر صوتا يشبه الصهيل لاخفاء موائه وفحيحه.
له اذن اكبر من اذن الفيل وعين اصغر من عين فيل طفل، مطلوب منه الاصغاء فقط لأن شهيقه زفير وزفيره شهيق، ولا مانع لديه ان يباعد بين جثتين كي ينام اذا استبد به نعاس القيلولة الذئبية.

Friday, May 29, 2009

لا مرشح عربيا لليونسكو د. عبدالوهاب الأفندي

(1) هناك فارق مهم بين أن يعتذر إنسان لقوم أساء إليهم بعد صحوة ضمير، خاصة حين لا يكون للمعتذر منهم سلطان على من اعتذر، وبين أن يعتذر لقوم يطلب رضاهم ويخشى بأسهم. في الحالة الأولى يكون هذا اعترافاً نبيلاً بالخطأ، وفي الثانية يكون تزلفاً ونفاقاً ومذلة.
(2) اعتذار وزير الثقافة المصري فاروق حسني المنشور هذا الأسبوع في صحيفة لوموند الفرنسية عن تصريحات له صدرت العام الماضي عن استعداده لحرق أي كتب عبرية توجد في مكتبات مصرية يندرج في الباب الثاني. فالرجل يعتقد، مثل رئيسه الأسبق السادات، أن الأمر كله بيد إسرائيل، وأن التزلف إلى القوم هو الطريق الأقصر إلى بغيته في الوصول إلى أمانة اليونسكو التي ترشح لها، خاصة بعد أن أثار اللوبي اليهودي قضية 'معاداته للسامية' على خلفية تلك التصريحات.
(3) وبادئ ذي بدء لا بد أن نسجل بأن تلك التصريحات تستحق بالفعل الاعتذار عنها، ليس لأنها تنم عن تعصب ضد اليهود، بل لأنها تنم عن غباء مفرط، خاصة حين تصدر عن وزير 'ثقافة'. فالكتب، بأي لغة صدرت ومن أي مصدر جاءت، هي مصادر علم لا ينبغي أن ترفض لأن من يتضرر من الجهل هو من يرفضها. ومثل هذه التصريحات لا تليق بمدير مخابرات، ناهيك عن وزير مسؤوليته رعاية الثقافة ونشرها.
(4) وهذا هو بيت القصيد. ذلك أن وزراء الثقافة في الأنظمة الدكتاتورية لا تكون مهمتهم نشر الثقافة، وإنما خنقها، لأن نشر الثقافة والعلم يقوض بالضرورة أسس النظام الدكتاتوري. وقد أبلى فاروق حسني أحسن البلاء في موقعه هذا مما شجع حاكم مصر على استبقائه في موقعه قرابة عقدين من الزمان، رغم الانتقادات الحادة لأدائه والتي تأتي أساساً من المثقفين والعاملين في حقل الثقافة، كأن أرض الكنانة عقمت فلم تنجب سواه. ولا شك أن هذا يعود لأنه أحسن الطاعة والتزلف وإنجاز مهمة تدجين الثقافة لصالح النظام.
(5) فاروق حسني أراد على ما يبدو أن يستخدم مهاراته في التزلف التي أجادها خلال حياته العملية الحافلة لكي يكسب رضا من يظن أن بيدهم أمره. ولكن هنا يكمن الخطأ القاتل. فالبيئة التي يريد حسني أن يدخل للتنافس فيها تختلف تماماً وبصورة جذرية عن تلك التي اعتاد التعامل معها. فحيث عمل حسني كان بإمكانه أن يدوس بحذائه على كل ما له علاقة بالثقافة والمثقفين، ومع ذلك يبقى في منصبه لأنه يعرف كيف يتعامل مع من بيده الأمر. أما في الساحة التي ندب نفسه لها فإن العكس هو الصحيح، إذ أن احترام الثقافة والمثقفين هو الأساس.
(6) لا أريد أن أستعيد هنا السجال الذي دار على صفحات 'القدس العربي' بيني وبين المرشح العربي السابق لليونسكو الدكتور غازي القصيبي حيث اتهمني بأنني أصبحت 'محامي الشيطان' لأنني قلت إن فرصه في الانتخاب لأمانة اليونسكو معدومة، ولكن الحيثيات هي نفسها. فالحكام العرب يخلطون بين دورهم
كـ 'حلفاء' للغرب، يؤدون خدمات قذرة في مجالات التعذيب والقمع وبين أن يكونوا مؤهلين للجلوس على مائدة الكبار على قدم المساواة.
(7) وهناك عقبة أكبر في مجال الثقافة، لأن هذا مجال لا يملك السياسيون فيه نفس الحرية التي يملكونها في التعامل مع الملفات الخارجية. فبإمكان وزارات الخارجية وأجهزة المخابرات عقد صفقات لايعرف الشعب عنها الكثير مع دول يعتقد الجميع أنها فاسدة. ولكن هذه الحرية غير متاحة في المجالات الثقافية، حيث لم يكن من المتصور أن ينتخب لأمانة اليونسكو شخص من دولة لا يسمح للمرأة فيها بقيادة السيارة، أو دولة يعتقل فيها من يترشح للرئاسة بتهم مفبركة.
(8) هناك مشاكل أخرى أكبر تواجه فاروق حسني في محاولته لارتقاء مرتقى اليونسكو، لا تتعلق فقط بتعامله المستنكر مع الثقافة والمثقفين في بلده، بل أيضاً بطريقة إدارته لوزارة الثقافة ومؤسساتها باعتبارها ضيعة خاصة، وما أشيع عن خلطه بين الخاص والعام في موقعه. ووضع شخص مثل هذا على رأس مؤسسة دولية تعادل ميزانيتها مئات المرات ميزانية وزارته ليس مما سيتحمس له الدبلوماسيون الدوليون.
(9) مهما يكن فإن فاروق حسني لا يمكن اعتباره مرشحاً مصرياً، ناهيك عن أن يكون مرشحاً عربياً. فهو مرفوض من غالبية مثقفي مصر. ولعل ترشيحه لليونسكو هو أيضاً محاولة للتخلص كما رشح عمرو موسى من قبل لأمانة الجامعة العربية لإبعاده من الحكومة. ولكن حتى لو كان يمثل مصر الرسمية فإنه لا يمثل العرب، لأن مصر الرسمية التي تطرد المتعاطفين الأوروبيين مع سكان معسكر الاعتقال الإسرائيلي-المصري الكبير في غزة لا تمت للإنسانية بسبب، ناهيك عن أن تمثل العرب.
(10) من هذا المنطلق فإنه حتى لو نجح حسني في الوصول إلى أمانة اليونسكو وهو احتمال بعيد جداً- فإنه لن ينفع العرب، بل قد يسبب العار والحرج لهم، كما فعل من قبل سلفه في أمانة الأمم المتحدة الذي أصبح أول أمين عام يطرد من منصبه بسبب أدائه المخجل. وهذا آخر ما نحتاج له بعد أن أصبحت سمعة العرب في الحضيض عند أنفسهم قبل غيرهم.

Monday, May 25, 2009

رقباء عمّان صبحي حديدي

انتصر القضاء الأردني للناشر والكاتب فتحي البس، في الشكوى التي رفعتها دائرة المطبوعات والنشر الحكومية ضدّ كتابه 'إنثيال الذاكرة: هذا ما حصل'، الذي كان قد مُنع من التوزيع فور صدوره، في أيلول (سبتمبر) السنة الماضية. وخلص القاضي نذير شحادة إلى أنّ الكتاب لم يخالف قانون المطبوعات، ومؤلفه بريء من سلسلة التهم التي ساقها الإدعاء. والمرء، بعد تحية هذا القرار المشرّف، يأمل أن يكون قرار مماثل هو مآل الدعوى التي رفعها مفتي الأردن ضدّ الشاعر الشاب إسلام سمحان ومجموعته الواعدة 'برشاقة ظلّ'، بتهمة الإساءة لأرباب الشرائع وإهانة الشعور الديني.
والحال أنّ لائحة 'مآثر' هذه الدائرة في المنع والمقاضاة لا تتزايد في العدد والنطاق (من الأدب، إلى السياسة، إلى السيرة...)، فحسب؛ بل هي تتفاقم من حيث اعتماد آلة تأويل تكاد تشبه المقصلة، وعدّة تأثيم جاهزة أبداً لإنتاج وإعادة إنتاج مختلف الإتهامات مسبقة الصنع. وإلى جانب قضية موسى حوامدة، في مجموعته 'شجري أعلى'؛ وابراهيم نصر الله في أعماله الشعرية، طبعة 2006 (لأنّ الرقيب كان قد سكت، أو تغافل، عن طبعات سابقة لنصوص تعود إلى سنة 1984!)؛ وطاهر رياض، في مجموعته الجديدة 'لا ينطق عن الهوى'... هنالك قضايا منع أو مصادرة بحقّ أعمال مثل 'بالعربي الفصيح' للكاتب الأردني شاكر النابلسي؛ و'حصّة آدم من النار' للشاعر السعودي زياد عبد الكريم السالم؛ و'فانيليا سمراء'، للقاصة المغربية منى وفيق؛ و'الدين والدهماء والدم'، للكاتب الفلسطيني صقر أبو فخر؛ و'انتحار دولة'، للصحافي الأردني موفق محادين؛ و'من الحزب إلى السجن'، للسياسي الأردني المخضرم ضافي الجمعاني (نزيل سجن المزّة السوري، طيلة 23 عاماً).
وذات يوم، قبل قرابة عقد، شاء الرقيب الأردني منع العدد المزدوج 55 ـ 56 من فصلية 'الكرمل'، وكان مكرّساً للذكرى الخمسين للنكبة، واحتوى موادّ حساسة بعضها كتبه إسرائيليون من مجموعة 'المؤرّخين الجدد'، ممّن قدّموا ويواصلون تقديم قراءات مختلفة لحقائق الإتصالات والصفقات والمناورات العربية والدولية أثناء حرب 1948. وكان مفهوماً أن يكون هذا هو السبب الوجيه الذي اتكأ عليه الرقيب، لولا أنه أدرج في حيثيات المنع دراسة عن نزار قباني، انطوت على اقتباسات من شعره رأى الرقيب أنها (كما تناهى للراحل محمود درويش، آنذاك) تخدش الحياء العامّ!
وبالطبع، الرقابة الأردنية ليست أفظع من الرقابات العربية الأخرى، معظمها إنْ لم يكن جلّها. غير أنّ هذا البلد خاض تجربة مثيرة في إطلاق الحريات الصحافية، أثمرت حقبة لامعة حقاً، أو هي تستحق هذه الصفة بالقياس إلى نظائرها من أحقاب عربية يتيمة. وهذا، في الأساس، هو السبب الذي يجعل سلوك الرقيب الأردني شاذاً، مستغرباً، وباعثاً على الحزن. وقبل أيام كان التقرير السنوي حول الحريات الصحافية في البلدان العربية لعام 2008، الذي أعدّه 'مركزعمّان لدراسات حقوق الإنسان'، قد وضع الأردن في مرتبة 'الحرّية النسبية'، أي في مستوى وسط بين دول عالية الترتيب مثل لبنان والإمارات، وأخرى متدنية مثل سورية وليبيا.
وقبل أشهر كان الصديق والزميل أمجد ناصر قد أشار، في هذه الزاوية، إلى جانب بالغ الخطورة حول ملفّ الرقابة الأردنية، أسماه 'منع الشارع'، اعتبره أشدّ مضاضة لأنه 'ذلك التحريض الذي تمارسه قوى في الشارع السياسي والاجتماعي الأردني ضدّ حرّية التعبير، خصوصاً ما يتعلق بفهمها للدين'. ولعلّي أضيف طرازاً ثالثاً من الرقابة، تمارسه الصحف ذاتها هذه المرّة، لاعتبارات لا تتصل بشبهة انتهاك المحرّم، السياسي أو الديني أو الأخلاقي، بل انسياقاً خلف عصبوية عمياء تُعلي نرجسية الصحيفة فوق الحدود الدنيا لأخلاقيات المهنة.
ولسوف أضرب مثالاً وقع لي مؤخراً مع صحيفة 'الغد' الأردنية، حين استكثر عليّ التحرير حقّ الردّ البسيط، الذي أحسب أنّ قانون المطبوعات الأردني يكفله، من جهة؛ كما كنت، من جهة ثانية، أنتظر أن يكون مكفولاً بصفة خاصة في هذه الصحيفة بالذات، التي يتحمس لها عدد من أصدقائنا في الأردن، لأنها 'رفعت سقف النشر'. والحكاية أنّ مراسل 'الغد' كان قد نسب إليّ كلاماً حول قصيدة النثر، في منتهى السخف والسطحية والضحالة والركاكة، فاقتضى بالتالي أن أرسل تنويهاً وجيزاً أنفي فيه أن تكون تلك الفقرة البائسة قد صدرت عنّي، جملة وتفصيلاً. ولقد وعدني محرّر الصفحة أن ينشر الردّ، فلم يفعل؛ وأكد لي مسؤول القسم، في اليوم التالي، أنه غادر الصحيفة والتنويه قيد النشر، فلم يصْدُق؛ وأمّا المراسل ذاته فقد تبيّن أنه الوحيد الأكيد بينهم، لأنه بشّرني بأنّ التنويه لن يرى النور!
لم ألجأ إلى رئيس التحرير بالطبع، رغم معرفتي الشخصية به، إذْ قدّرت أنّ الأمر بلغ لتوّه مستوى محزناً ينبغي أن أتوقف عنده، سيّما وقد اتضحت بعض طبائع أخلاق النشر السائدة في الصحيفة، وانكشفت حدود 'السقف' الذي ترفعه! فإذا كان هذا المطبخ التحريري ـ وهم 'شباب' كما قيل لي، وفيهم الفلسطيني والسوري، قبل الأردني ـ يستسهل بلوغ ذلك الدرك في الإستخفاف بحقّ بسيط تكفله القوانين، ثمّ حجبه على نحو مبتذل يمسخ مراقَب الأمس إلى مراقِب اليوم، فما نفع الصعود إلى أعلى في هرم المسؤولية؟ وهل يجوز لنا، والحال هذه، أن نعترض على أفعال الرقيب الرسمي وحده، الذي قد يندى جبينه خجلاً إزاء ما يفعل الرقباء المتطوّعون؟

Tuesday, May 19, 2009

رحلة نيويورك - عمر خليفة Alquds Alarabi 5/19/2009

على مدى السنتين الأخيرتين، شكلت لي رحلات الملكية الأردنية بين عمان ونيويورك مصدرا لمواقف ومفاجآت غير متوقعة، في مكان يحرمك عادة من نعمة الاختيار: اختيار شركائك في المقعد الذي تجلس فيه، اختيار شكل المضيف أو المضيفة الذين يمرون بجانبك حين تشتهي ولا تشتهي، اختيار اللحظة التي تنام فيها، واللحظة التي تصحو فيها، واختيار نوع الطعام الذي ترغبه. قد تفوتك وجبة الطعام إذا اختار النوم أن يهبط عليك قبل دقائق من تقديمه، وقد تصحو فجأة على شخير مسافر يشبه شخير من حرم النوم عشرين عاما. قد تجلس على مقعد يميل بك إلى الخلف كلما أسندت عليه ظهرك، وإذا كان المسافر الذي خلفك فتاة جميلة فإنها قد تظن أن ميلان الكرسي نحوها محاولة سخيفة وغير حضارية لاستهلال حديث معها. لكن الشيء الوحيد الذي يمكن أن تختاره هو التلصص على المسافرين وأشكالهم، قصصهم، أصواتهم، وكل ما يمكن أن يمنحك الوقت متعة تأمله. بين أرض عمان وأرض نيويورك، تصبح السماء مسرحا مفروضا على الجميع، ممثلوه هم ذاتهم المتفرجون عليه، في مسرحية تدفع لها أكثر مما تدفع لخمسين مسرحية في مسارح برودواي الشهيرة، لكنها، في الوقت ذاته، مسرحية بلا نص، بلا مخرج، سوى الوقت الذي يخترق الجميع.
لكن رحلتي الأخيرة من عمان إلى نيويورك، يوم الخميس 22/1، قدمت أقصى ما قد وصلت إليه مسرحياتي في السماء جنونا. وحتى أكون منصفا، فقد منحتني الملكية الأردنية، منذ اللحظة الأولى، مكانة خاصة بتقديمها لي مقعدا لا يجاوره إنسان أو حيوان، مما عنى أن بإمكاني أن أمد قدميّ وقتما أشاء، وأن أتجبّد، وأشخر بلا خوف، وأذهب إلى الحمام دون الحاجة إلى استئذان الركاب الذين بجانبي بأن يفسحوا لي الطريق قليلا. لاحظت حين جلست أنني محاط برجال من كل جانب، اثنان منهما ـ الذي أمامي والذي يجلس في وسط الطائرة ـ عجوزان، وشابان آخران يجلسان في مقعد يشكل زاوية متقابلة بالرأس مع زاوية مقعدي ـ إذا سمح لي باستخدام مصطلحات الرياضيات هنا. وحدتي المتوقعة إذن في الساعات القادمة فرضت علي أن أخرج روايتين كنت قد اشتريتهما في عمان، تحضيرا لمشوار طويل من القراءة. كانت الساعة تقارب الثانية عشرة ظهرا، مما عنى أن النوم مستبعد إلى حد كبير. إحدى مضيفات الطائرة ـ وهي ليست أردنية، وكأن الأردن عاجز عن توفير العمل لأهله حتى في السماء ـ لاحظت أنني أحمل غيتارا، فعلقت ضاحكة ـ بلا استئذان ـ 'بدك تعزفلنا؟' لم أكن، في تلك اللحظة بالذات، في مزاج يسمح لي بتأمل جمالها أو مزاحها، لذلك ابتسمت صامتا وجلست في مقعدي.
مرت ساعات الرحلة الأولى بلا تواصل إنساني ملاحظ سوى خلال وجبة الغداء التي قدمها لي مضيف ـ أردني هذه المرة، مما يقتضي أن أصحح ملاحظتي السابقة لتصبح أن الأردن يحرم نساءه من العمل في السماء، لا رجاله. بعد عدة ساعات غلب النوم معظم المسافرين، لكن جمال الرواية التي كنت أقرأها منعني من مشاركتهم. فجأة توقفت قريبا من مقعدي المضيفة الجميلة تلك حين لاحظت أنني أقرأ، وكأنه فعل مستغرب أو مشين، لتسألني، بلا استئذان أيضا إن كنت أرغب في الحديث معها ـ مع أنني، والحق يقال، كنت أرغب-: 'شو عم تقرأ'؟ قلبت الكتاب إلى غلافه لأريها العنوان، ثم قرأته لها 'صخب ونساء وكاتب مغمور.' كنت أتمنى أن تكون صديقتنا هذه محبة للأدب حتى يثيرها العنوان الجذاب، لكن طريقة نظرتها إلي بعد سماعها العنوان أوحت بغير ذلك تماما. أحسست، وهي تقول لي 'شو؟' أنها تظنني مجنونا أو معتوها. رغبت بداية أن أحدثها عن الرواية الفاتنة التي كتبها العراقي علي بدر، لكنني، قبل أن أقع في مطبات قد لا تحمد عقباها، سألتها إن كانت تحب قراءة الأدب. 'مو كتير' قالت لي. شعرت للحظة أن 'مو كتير' تلك هي إجابة دبلوماسية معناها 'لا، أبدا.' تحدثنا لدقائق قبل أن ترجع إلى عملها، وأنا أشعر أن اللقاء الأول معها لم يكن موفقا أبدا، والذنب كله يقع على علي بدر الذي كان عليه أن يختار عنوانا أقل غموضا ربما.
في منتصف الرحلة شعرت أن من اللازم علي أن أقول مرحبا لأحد الشابين القريبين من مقعدي، خصوصا أن عيوننا كانت قد تقابلت كثيرا حتى تلك اللحظة. تعارفنا، وفهمت منه أنه يعمل في مطعم يملكه في ولاية أوهايو، وأنه لا يحمل شهادة، وأن الشاب الذي بجانبه هو أخوه الذي يأتي أمريكا لأول مرة. سعدت كثيرا بالحديث معه بداية، وكان واضحا عليه اللطف والبساطة، أخبرته أنني طالب في أمريكا، لكنني، لأسباب سيتم شرحها، كنت أتمنى أن لا يسألني ماذا أدرس. بدأ يقول 'في أي ولاية؟' أجبت ـ وأنا أتمنى في سري ألا يكمل الأسئلة ـ 'نيويورك'
- في أي جامعة؟
- كولومبيا. (أرجوك لا تكمل، تمنيت)
لكن اللحظة الحاسمة اقتربت
- شو بتدرس
- دكتوراه (مشان الله لا تسأل اكثر)
- دكتوراه في شو؟
هنا صمتّ للحظات. كان توضيح ما أدرسه في أمريكا مسألة شاقة بالنسبة لي، خصوصا لمن يعرف أنني درست الأدب العربي في الأردن من قبل. المسألة لا علاقة لها بثقافة الذي يسألني، لكن مجرد معرفة أن شخصا ما درس ماجستير أدب عربي ثم ذهب لأمريكا لإكمال الدكتوراه تثير التساؤل فعلا. أتذكر أنني قبل أن أسافر إلى أمريكا ذهبت مع والدي إلى طبيب يعرفه لإجراء فحوصات تطلبها السفارة الأمريكية. بارك لي الدكتور فكرة أنني ذاهب لدراسة الدكتوراه، ثم سألني ماذا سأدرس.
- 'عربي' قال له والدي.
' - شو يا خوي' قال الدكتور، بنبرة تحمل معها استغرابا واستهزاء في الوقت ذاته. أخبرني صديق لي يدرس دكتوراه في علم الأديان في كندا، بعد أن كان قد درس الشريعة الإسلامية في الأردن، أنه ذهب إلى سوبرماركت عربي ليشتري حاجيات، وهناك سأله الشباب عن طبيعة دراسته، ثم، بجملة واحدة مختصرة، حللوا له موقفهم العميق منه 'شو هادا مسخرة.'
على كل حال، كان أمامي ثلاث خيارات لأجيب أخانا في الطائرة. إما أن أقول: دكتوراه عربي، أو دراسات الشرق الأوسط، أو أدب مقارن (والأجوبة كلها صحيحة). لكنني، للاختصار، قلت: دكتوراه أدب. لكنه أجابني بسرعة: 'شو يعني شو بتعمل؟' وكان سؤالا منطقيا أيضا. شرحت سريعا ما أفعله، وأنهينا المحادثة بسلام. فجأة، بعد عدة دقائق، بدأت بسماع أغنية 'يا سعد' لعمر العبدلات تصدح من مكان ما بجانبي. تلفتّ مندهشا إلى مصدر الصوت، لأرى صديقنا ذاته متمددا على مقعده، واضعا جهازاً خلوياً في حضنه، وهو يستمع إلى أغاني تنطلق منه. فركت عينيّ لأتأكد من حقيقة المشهد الذي أمامي، وأن هذا الرجل فعلا يستمع إلى موسيقى في الطائرة دون أن يضع سماعات في أذنيه، لكن المشهد كان حقيقيا. كان الصوت عاليا إلى درجة تكفي ليسمعها الركاب في المقاعد العشرين الذين حوله، لكنهم، مثلي أنا، لم يبدوا اعتراضا. أحسست للحظات أنني سعيد بمدى القدرة التي يحملها هذا الشاب على ازدراء كل الأعراف التي تحكم سلوك الركاب في الطائرة، وأخذت أنتظر معرفة ما ستكون الأغنية اللاحقة.
لكن المفاجأة الأكثر إدهاشا جاءت من شقيق ذلك الشاب، الجديد كما يبدو على ركوب الطائرة. في ساعة لا أتذكرها تماما رأيته واقفا متجها إلى الحمام، ليعود بعد دقيقتين إلى مقعده. ثم في مشهد سريالي يشبه أفلام لويس بونويل، بدأت أشم بقايا رائحة دخان تنبعث من مقعده. أكرر: دخان. شعرت برغبة في الانفجار ضحكا، لكنني أمسكت نفسي، ورأيت أن عليّ الذهاب إلى الحمام ذاته لمعاينة آثار الجريمة. ترددت بداية، خوفا مثلا من صدفة أن يدخل الحمام بعدي أحد الركاب أو المضيفين، وهي صدفة قد تعني اتهامهم لي بأنني مصدر الدخان ذاك. لكنني استجمعت شجاعتي، ودخلت الحمام، لأرى أنه أصبح مكرهة صحية، مملوءا بدخان يغطي اللوحة التي كتب عليها أن عقوبة التدخين في الطائرة تصل إلى غرامة مالية كبيرة. ضحكت كما لم أضحك من قبل، وتأكدت من أن الحمام لا يحمل أي جهاز حساس لدخان السجائر، ودهشت ثانية من هذه الجرأة التي لا أملك نصفها.
بدأت أشعر أن هذه الرحلة ممتعة ومختلفة إلى حد كبير، لكن المسرحية لم تكن قد انتهت بعد. قبل حوالي ساعتين من وصولنا، وزّع علينا مضيفو الطائرة الأوراق التي نسأل فيها عن طبيعة رحلتنا، وعنواننا في أمريكا، وأوراق الجمارك، وما إلى ذلك. حين أخرجت قلمي وبدأت الإجابة سريعا لاحظت أن العجوزين أمامي وجانبي بدآ ينظران إليّ. فهمت ساعتها أنهما يطلبان المساعدة، أنهيت كتابة أوراقي، وكأي شاب لطيف طلبت من أحد الرجلين أن يعطيني أوراقه. كان رجلا في الستين من عمره، يعرف القراءة والكتابة، لكن عنده سؤالا أو سؤالين. طلب مني الرجل أن أتأكد من أنه كتب عنوانه صحيحا بالانكليزية، وحين أخبرته عن وجود أخطاء، قلت له أن عليه طلب ورقة إضافية من المضيفين، لكنه أجابني أنها معه. في المرة الثانية لاحظت أيضا وجود أخطاء، ووجود أوراق إضافية مع ذلك الرجل، لا ورقة واحدة. ما اتضح لي عندها هو أنه كان قد طلب نسخا ربما بعدد الأخطاء التي توقع أن يخطئها. وحتى لا يبدو أنني أتعالى عليه وعلى أخطائه، فإنني، حين اكتشفت خطأ في أوراقي، طلبت منه واحدة من نسخه الزائدة الكثيرة، فأعطانيها سعيدا.
القصة الأكثر إدهاشا جاءت من الرجل الآخر الذي يجلس في منتصف الطائرة. كان إلى جانبه ما عرفت بعدها أنهما زوجته وابنته، وكانوا جميعا يعيشون في بروكلين/نيويورك، ولا يعرف أي منهم الكتابة بالانكليزية. بدون أن ينطق بحرف، مد لي الرجل الورقة وجواز سفره وهويته الأمريكية، وكأنه يقول لي 'شوف شغلك'. بعد أن أنهيت الكتابة أرجعتها له، ليقدم لي ورقة زوجته هذه المرة، ثم ابنته في المرة الثالثة. شعرت بأنني موظف في دائرة الجوازات والأحوال المدنية، وحين اكتشفت نقصا في أوراق ابنته قررت أن أبدأ حديثا معه، فاخترت أن أبدأ بالانكليزية. نظر إليَّ الرجل فاتحا فمه، لأكتشف أنه لا يعرفها. تحولت إلى العربية، وسألته بعض الأسئلة، لكنه أجابني بهمهمات لم أفهمها. رغبت في الصراخ وتحطيم كل شيء أمامي. أردت أن أسأله إن كان يتكلم أي لغة لعينة في هذا العالم، لكن وجهه كان لغة بحد ذاته، كان ناطقا بتعب وألم لا تتحمله الحروف التي اخترعها الإنسان. خالطني شعور بالشفقة والرثاء، وهززت له رأسي. كان عربيا بالطبع، لكنه لم يفهم علي، ولم أفهم عليه. وحتى يكتمل العبث، طلبت منه هوية ابنته ثانية، لأنقل منها معلومات إلى الورقة، فأعطاني هويته، قلت له هوية ابنته، فأعطاني هوية زوجته. رغبت في الوقوف والبدء برقص يشبه رقصة زوربا في الفيلم الشهير، لكنني أمسكت نفسي، وأشرت بيدي إلى ابنته، ففهم المراد. أنهيت ملء الأوراق، ونظرت حولي لأرى إن كان ثمة مآسٍ أخرى في انتظاري.
وصلنا نيويورك دون أن يكتشف أحد قصة الدخان تلك، ودون أن تفهم المضيفة الجميلة معنى أن يجتمع الصخب والنساء والكاتب المغمور في كتاب واحد. لكنني كنت قد ملأت دفتري بملاحظات عن كل ما شاهدته، وهي لعنة تصيب من تصبح الكتابة وسيلته الوحيدة للبحث عن تفسير للأشياء. المفارقة أنني دونت ملاحظاتي في إحدى الأوراق الزائدة التي أخذتها من العجوز، وكتبت فيها رؤوس أقلام عن أحداث رحلتي حتى لا أنساها. كنت أرغب في طلب سيجارة من الرفيق المدخن، حتى أشعره بأنني عرفت ما حدث. لكنني مضيت وحيدا، أبحث عن أرض تحملني، لأخبرها عن السماء التي تتركنا، كما هي عادتها دائما، بلا معنى.
طالب فلسطيني/جامعة كولومبيا
نيويورك

Saturday, May 9, 2009

حرف وثلاث نقاط! خيري منصور القدس العربي 5/9/2009


النقطة الاولى على هذا الحرف الأصمّ هي لرينر ماريا ريلكة، الشاعر الالماني الذي قال عنه الفيلسوف مارتن هايدجر ما يبقى يؤسسه الشعراء. وكان هذا الفيلسوف قد اعترف بالفضل للشاعر الميتافيزيكي الذي قال بأننا نغادر الوجود قبل ان نتقن عادة الحياة وان الموت هو البذرة التي تولد مع الجنين وفي جذر كل شيء حيّ، وليس هذا هو المقصود بنقطة ريلكة على الحرف، انه شيء آخر، لخّصه الشاعر بعبارة مشحونة بالاسى والرواقية معا، عندما قال 'كل من يقترب مني يغتني ويهجرني'. وللأمانة فإن أول من لفت انتباهي الى هذه العبارة هو الشاعر فوزي كريم، عندما جعلها مصباحا على عتبة احدى قصائده، ولا بد ان الشاعر الذي استوقفته العبارة، أحس ذات يوم بأن الاخرين سريعو الاقتراب، ولكنهم بطيئون في الهجران، ليس فقط بحثا عن مزيد من الاغتناء بل لأن الفرار في مثل هذه المواقف يقترن به احساس بالإثم، لكنه احساس سرعان ما يتبدد كالخجل تماما، لأن الانسان مفطور بالسليقة على التّسويغ وسرعة التأقلم. لهذا فإن المرايا مضللة لمن يدمن التحديق اليها، فهو يكبر في السّن وتتغير ملامحه وتظهر الاخاديد في وجهه بالنسبة للآخرين، الذين لا يرونه يوميا ولا يشاركونه التحديق الى مراياه !
انها ثلاث خطوات... على التوالي اقتراب فاغتناء فهجران، لكن ريلكة ليس كشاعر معنيا بالتحليل السايكولوجي لهذا الهجران، فهو ككل الشعراء العظام يقطر رحيق خبرته في صور بالغة العمق وقابلة لتأويلات لا حصر لها....
تفسيرنا لهذا الهجران بعد الاغتناء هو ببساطة كون المقترب الذي يشكو اساسا من فراغ روحي عميق، ومن رغبة في تحقيق الذات من خلال عوامل خارجية، يخشى الافتضاح، خصوصا عندما يتورط في محاكاة النموذج الذي اجتذبه، فالاعجاب بالآخر ان لم يكن على مستوى ولو في الحد الأدنى من النديّة يتحول الى عاطفة سلبية، لأن كل مشبّه يذكّرنا بالمشبه به، وكل صورة تذكرنا بالأصل، بحيث لا يكتمل غياب الاصل الا اذا كانت هناك صورة شائهة تذكرنا به، فالنقيض العضوي والحقيقي لأي شيء هو ما يماثله ويقلده وبالتالي يكون على شاكلته بمعزل عن المكونات الأصلية والجوهر ..
ما قاله الشاعر ريلكة رواه مثقفون فرنسيون ومن امريكا اللاتينية عن ازرا باوند، حيث قال أحدهم ان كل من اقتربوا من الرجل واغتنوا هجروه، وما من واحد منهم لم يطعنه عندما أزفت الفرصة، لهذا فإن ' بروتوسات ' ازرا باوند وأمثاله أنكى من بروتوس في مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير، وفي رواية 'شيء من الخوف' التي تحولت الى فيلم سينمائي عربي شهير يقترب أحد الشخوص الذين يعانون من تجوّف في بناء الذات من البطل عتريس، ويعجب به، ثم يتقمّصه لكنه ما إن يضبط عتريس مع زوجته حتى يصاب بالجنون بعد ان يدرك بأن هناك عتريسا واحدا من لحم ودم، وان من يتقمصه هو مجرد ظل او صدى !
ان حياتنا اليومية خارج النصوص تعج بأمثلة من هذا الطراز، فثمة كائنات فقيرة المناعة ورخوة في كينونتها، لهذا فهي سريعة التأثر، وهاملتية الى اقصى الحدود في ترددها وخوفها من اتخاذ اي قرار حاسم ! وما قاله الشاعر العربي أعلمّه الرماية كل يوم... لا يخرج عن هذا السياق فما ان يشتد ساعد الظلّ او التابع حتى يرمي من علّمه الرماية، وذلك أمر مفهوم من الناحية السايكولوجية، لأن التابع لا يريد أي قرينة تذكّره او تذكّر الناس من حوله بالأصل الذي ينسج بمنواله، ويقتفيه واخيرا يتقمصه !
أما الحكمة المأثورة القائلة اتقّ شرّ من احسنت اليه، فيندر ان نجد لها مرادفا في الثقافات الأخرى، وان كانت العبارة التي اطلقها يوليوس قيصر في وجه بروتوس هي الاقرب اليها، لهذا قلت ذات يوم ساخرا بأنني أصدق ما يقال عن أصل شكسبير بأنه عربي.. فقط من أجل تلك العبارة التي ولدت من (اتق شر من احسنت اليه) !

'''

النقطة الثانية على هذا الحرف هي ما أراد جان جينيه ايصاله عبر مسرحية الخادمتان، حيث ينتهي مشهد الاعجاب والتقمص الى الكراهية وأخيرا الشروع في قتل النموذج، لكن ذكاء جينيه وخبرته النفسية جعلته يحرم الخادمة من تحقيق هذا الثأر، لأنها ادركت عبر المؤلف بالطبع ان سيدتها ومخدومتها التي تقمصتها واصبحت ترتدي ثيابها وتستخدم ادوات التجميل الخاصة بها ومراياها قد اصبحت في داخلها تماما لهذا لا سبيل الى قتل السيدة الا بانتحار الخادمة، لأن السيدة لم تعد خارجها !
ان تأويلات مسرحية جينيه تشمل السياسة ايضا، فمن يولدون في ظلال زعماء ذوي نفوذ يبدأ لديهم الحلم بالحلول مكانهم، وقد تكون الانقلابات العسكرية خير مثال لهذا، وهناك مسرحية لألبير كامو تناولت هذا الموضوع بمهارة مثقف خذلته السياسة هي مسرحية 'العادلون'، فالذي يأتي بعد الطاغية ويعد الناس بالاصلاح، سرعان ما يصبح الأسوأ مما يستدعي الحنين الى سابقه .
في جميع بلدان العالم تتكررهذه الظاهرة، وان بدرجات متفاوتة، وثمة أنماط من المعارضات السياسية اذا اتيح لها ان تستحوذ على السلطة تصبح اسوأ بكثير ممن انقلبت عليهم، لأنها تكرر أفعالهم وتضيف اليها ما تشعر بأنه يخصها ضد تكرار التجربة .
بالعودة الى جان جينيه، نجد ان الافراد الذين تجتذبهم نماذج بعينها وتأسرهم بحيث تفقدهم الحول والقوة، ما إن تشتد سواعدهم حتى يبدأون بالرماية، والهدف الأول الذي يجري التدريب عليه سرا هو المعلم، ولا تبعد هذه الأمثلة كثيرا عمّا يسميه فرويد جريمة قتل الأب، فالأب هنا ليس مجرد رب العائلة، انه النموذج المحلوم بالاحتلال مكانته ودوره سواء كان قائدا او شاعرا او من اي مجال آخر، فالمعنى يتجاوز ثنائية الآباء والأبناء في بعدها العضوي، وما يكتب احيانا عن ضيق الاجيال الشابة برموز الأدب وعلاماته الفارقة ينتمي الى جريمة قتل الاب، رغم ان ثقافتنا العربية التي لم تفرز علماء نفس من طراز فرويد أفرزت جرائم قتل اخرى على صعيد رمزي، منها جريمة قتل الأخ وجريمة قتل الابن واخيرا جريمة قتل الزميل، اضافة الى جريمة ابادية قد تشمل العائلة كلّها !

'''

النقطة الثالثة على هذا الحرف ليس لها مرجعية معرفية محددة، فهي مبثوثة في حياتنا لكن شدة الألفة تعمينا عن رؤيتها، انها الضّيق النفسي الذي يشعر به الانسان النكرة او من يعتقد بأنه كذلك، بالرغم من أن الشهرة بكل تجلياتها ومغناطيسها هي مجرد وهم، وما ان يحقق الانسان قدرا منها حتى يشعر بالحصار، خصوصا اذا كان ذا شجن أصيل، وهواجس نابعة من قلق وجودي عميق، وفي احدى قصص المنفى والملكوت لألبير كامو يضطر كاتب الى ان يبني لنفسه قفصا كبيرا فوق شجرة كي يحقق العزلة التي كلما حقق شيئا منها استبيحت، ومفهوم العزلة هنا ليس بالمعنى التقليدي، انها عزلة برديائيفية بامتياز، لأن برديائيف كان أفضل من فرق بين العزل والانعزال، اما البير كامو فقد اراد بمفهوم العزلة الاقامة في لحم الوجود ذاته، اي ان يكون المرء وحيدا بقدر ما يكون الجميع، لهذا ادان كامو البشرية كلها اذا تعاملت مع سجين في اقصى العالم لأنها لا تسمع انينه، وهو المعنى ذاته الذي كتب عنه الشاعر الاسباني لوركا، عندما تحدث عن أنين حمامة جريحة أخطأتها رصاصة الصيّاد .
ان الفارق الجوهري بين فنان يحدق الى اعماقه وبالتالي الى أعماق الناس جميعا وبين فنان يتجه الى خارجه، يتجلى في المنتج الفني لكلا الاثنين، فالاول يستقرىء ذاته اولا، والثاني يحتاج الى ما يرتطم به كي يتأكد من أنه موجود، تماما كما هو الرجل الطائر في أحد براهين ابن سينا على وجود النفس وبالتالي خلودها، وهي التي هبطت كما قال من السماء الأرفع، زرقاء ذات تمنّع .
ان الفنان ليس صياد مفارقات، فهو أشبه بالنورس الذي يضرب به المثل في الرشاقة الفائقة لأنه يصطاد السمكة قبل ان يراها . ولاستكمال النقطة الثالثة، او الأقنوم الأخير في هذه التداعيات، لا بد من ربط ما بين التقمص والعزلة الطوعية، فالعزلة قد تكون وقاية من الانجذاب الكاذب، ومن خادمة جان جينيه التي انتهى بها الاعجاب الى الكراهية، لهذا تشتد العزلة عندما يستشري الوباء وتصبح العدوى أسهل من الشهيق والزفير .

'''

لقد دفع اورفيوس ثمن فضوله الوحشي عندما التفت الى حبيبته وهي تتبعه من العالم السفلي، وبذلك اخلّ بشرط سادة ذلك العالم الذين أتاحوا له ان يهبط الى حبيبته الميتة كي يعيدها الى العالم، وقد تكون اسطورته احد تجليات مفهوم الخطيئة .
لكن المثقف الذي أغواه الانجذاب الى نموذج ما بالتقمص، لا يملك حتى هذا الفضول او هذه الخطيئة البريئة، لأنه أشبه بإناء يتشكل بما يسكب فيه... ويبدو ان النقاط قد ضلّت الطريق الى الحروف، فأصبحت الأبجدية كلها صمّاء ولا يدري المرء عمّ يتحدث هؤلاء الذين حوّلوا العالم الى شبه عالم والكتابة الى شبه كتابة واخيراً الجملة الكونية كلها الى شبه جملة غير مفيدة على الاطلاق !

Thursday, May 7, 2009

عزمي بشارة يكتب: مزالق إثارة الإعجاب وطلب الاعتراف الجزيرة 5/8/2009

تعلمنا من فلاسفة التنوير الأسكتلندي المغمور منهم والمشهور من فيرغسون وحتى آدم سميث أن دوافع مثل رغبة الفرد باعتراف الآخرين به ورغبته أن يكون محبوبا من جهة، والحسد وحب التملك من جهة أخرى، هي دوافع إنسانية طبيعية لها فضل أساسي في بناء المجتمعات والعلاقات الاجتماعية.

كنا بغرور الشباب نستسخف تفسير أي شيء بهذه الدوافع البسيطة في مراحل بحثنا عن الأيديولوجيات والصراع الطبقي والمصالح. ولكن التجربة علمتنا أن ندرك كم تحرك هذه الدوافع مهما بدت لنا عادية وصغيرة أمورا كبرى في السياسة والثقافة والعلم، وحتى في النشاط الاقتصادي، وذلك حال ولوج التطور الإنساني مرحلة الفردية.

فقوة العادي لا تضاهيه قوة اجتماعية أخرى. وتفسير المجتمع والتاريخ ليس حكرا على الطبقات الكبرى والأيديولوجيات وأنماط الإنتاج وغيرها. ولا بد من أخذ عوامل كثيرة أخرى بعين الاعتبار: سعي الأفراد للحصول على الاعتراف هو مثال، والهوية وإنتاج الهوية الجماعية مثال آخر.. كل ذلك دون التقليل من أهمية عوامل مثل تطور قوى الإنتاج وغيرها.

ولكن أي نفساني مبتدئ سوف يوافق على أن دوافع طلب الاعتراف وإثارة الإعجاب ورغبة الإنسان في أن يكون محبوبا على طبيعته، قد تتحول إلى مؤشر لعصاب خطير، وقد تعبِّر عن عقد نقص حادة إذا تجاوزت العادي و"الطبيعي" وأصبحت نزعة استحواذية مفرطة. فقد تؤدي إلى تشوهات في الشخصية تصل حد الذهان، وإلى تشويهات كبرى عند كبتها وإخفائها تصل حد العنف.

ما الغرض من هذه المقدمة؟ نجدها ضرورية. وسوف تتضح ضرورتها للقارئ لفهم الموضوع.

إذا صح ما ندعي أعلاه بالنسبة للأفراد كأمر طبيعي، فإن زرع الرغبة بالاعتراف وإثارة الإعجاب في الجماعات البشرية هو جهد غير طبيعي منذ البداية. لأنه يفترض أن الجماعة فرد له عقل وشعور ودافع، وأنه يرغب من الآخر الجماعي اعترافا وإعجابا. فيشوه نفسه والآخرين أيضا، إذ يعامل شعبا بأكمله أو حضارة برمتها وكأنها فرد متفوق.

وهذه مقاربة تؤدي إلى ضياع كامل. فعلاقة الثقافات هي إما علاقة بين تصورات وصور رائجة عنها (وصناعة الصور صناعة. ومثل أية صناعة لديها أدوات إنتاج ودوافع منافسة وربح).. أو هي علاقة بين أفراد متفاوتين. وقد يكون الفرد المنتمي لثقافة تعتبر متأخرة متفوقا على الآتي من ثقافة تعتبر متطورة، والعكس صحيح.

ويدعو التسليم بأن الأفراد يمثلون "ثقافة دونية" تبحث عن اعتراف الثقافة الأخرى تُعتَبَر متفوقة كافةَ أفراد تلك الثقافة للتصرف كأنهم أبناء عرق الأسياد مقابل أفرادٍ ربما يفوقونهم علما وثقافة وكفاءة. وعندما تُزرَع عقدة النقص هذه من قبل من يوهمون شعوبهم بأنها تعاني من "نقص" أو "عاهة" مقابل شعوب أخرى "سليمة" و"معافاة"، فإنهم يدعونها لسلوكٍ دونيّ مقابل أفراد الشعوب المفترضة متطورة أو متقدمة. فيجري التعامل مع أي تافه أو أخرق أو متخلف من الشعب الآخر كأنه عبقري حتى تثبت حماقته، وكعالِم حتى يثبت جهله. في حين أنه يجري التعامل مع الفرد القادم المتحدر مما يعتبر ثقافة متخلفة كأنه غبي حتى يثبت ذكاؤه، وكجاهل حتى يثبت علمه.

أما في السياسة فتدفع هذه الديناميكية لمواقف مضحكة مثل اعتبار أي أوروبي أو أميركي بغض النظر عن تسيسه كأنه هو الرأي العام العالمي (وهو بذاته كيان وهمي) المتجسد في شخص ينبغي كسبه أو إثارة إعجابه، بالإقناع العقلي أو بالتظاهر والتجمّل.

تتعدد آليات البحث عن الإعجاب والاعتراف وإثارة استحسان أي غربي أو غربية بالتقليد والتظاهر أو بتعالي الفرد الباحث عن الإعجاب على ثقافته، أو بادعاء أنه أقلية فيها وغيرها من آليات التمسكن وإثارة الإعجاب. وتنتهي جميعها إلى تقليد "المتفوق" دون إبداع، وإلى نفخ "ايجو" المتفوق المفترض ومسايرة غروره، وتكريس منزلته الوهمية كمتوفق في مقابل متخلفين. هنا يتحول الشعور بالدونية والنقص تجاه الآخر والتفوق تجاه الذات إلى عائق أمام تطور الثقافة ذاتها، وإلى حجز مسار التطور الإبداعي الخاص بها.

وفي مقابل نزعات استشراقية مقلوبة تعتبر "الغرب" برمته وحدة صماء في حالة صراع مع وحدات صماء أخرى هي الثقافة العربية أو الشرقية أو الإسلامية، تدور في السياسة العربية نزعات كثيرة حول محور إثارة إعجاب الغرب. وقد اخترنا ثلاثا منها.

أ- النظام العربي الذي يحاول إثارة إعجاب صانع القرار الأميركي أو الأوروبي فينتهي إلى جلب احتقاره له. وهو يفعل ذلك بطرق تستثير فيه، فيما عدا الشعور التافه بالتفوق، شعورا قويا بالسخرية: إما لأن طالبي الإعجاب يحاولون الظهور بمظهر الأرستقراطي الراقي الإنجليزي في عهد تثير فيه الأرستقراطية الإنجليزية ضحك أبنائها وشعبها بلهجتها وإيماءاتها الجسدية المتكلفة وطقوسها السخيفة، فيبدو المسؤولون العرب من أبناء العشائر والعساكر مثلما يقول المثل العامي عندنا كـ"الذاهبين للحج والناس راجعة"، أو لأنهم يسخرون من شعوبهم ويتعالون عليها فيدّعون أمام المسؤولين الأوروبيين والأميركيين أن شعوبهم متخلفة ولا ينفع معها سوى القوة، أو لأنهم يدعون الأصالة مظهرا وذلك عبر تكرار أشكال من الفولكور الاستشراقي وتقليد صورتهم في الغرب بدلا عن ثقافتهم الأصيلة، أو عبر استخدام كم هائل من الأقمشة يتدثرون بها بادعاء أنها زي شعبي أصيل.. وغير ذلك من الحركات الغريبة.

ويتبنى البعض هذه الوسائل نفسها أحيانا لتحدي "الغرب". وكان يحيرني دائما لماذا يأتي كل زعيم عربي مستهدف أو ملاحق من قبل الدول الغربية بحركات غريبة مثل الرقص أو إطلاق النار أمام العموم أو تغيير زي في كل منطقة يزورها وغيرها من الحركات التي تستخدم مرة لإثارة الإعجاب ومرة للتحدي.

ب- دفع الشعوب للاعتقاد بأن الغرب يعاديها لأن صورتها في الغرب سيئة. دون الأخذ بعين الاعتبار أن المصالح والمواقف تنتج الصورة وليس العكس في كثير من الحالات. هكذا يبدو أن المشكلة هي صورتنا في الإعلام، وأن صورة إسرائيل الإيجابية هي التي تساعدها، وأن على العرب أن يبذلوا جهدا لتحسين صورتهم في الغرب.

صحيح أن الإعلام والثقافة الغربية وهوليود بشكل خاص تنتج صورة العدو للعربي وأن لهذا تأثيرا كبيرا على الرأي العام في تلك الدول فيكرس ويجذّر سياسات عنصرية. ولكن الرد لا يكون بتحسين صورة العرب عبر جهد يبذلونه لإثارة الإعجاب والاعتراف، بل بفضح عنصرية هذه الثقافة وآليات الكذب والتشويه التي يتم بواسطتها إنتاج صورة العربي والمسلم بهذا الشكل.

إن الآلية التي تجعل هؤلاء ينتجون صورة أفضل هي تغيير مواقفهم، وليس إثارة إعجابهم وبذل العرب جهدا لتحسين صورتهم، أو بالاستماتة لإثبات "أننا مثلهم". إن أي جهد يبذله العرب للتظاهر أنهم "مثلهم" لن يجعلهم "مثلهم"، بل سوف يكرس حالة الدونية والسعي لنيل الرضا. في حين توضع بيد الطرف الآخر السلطة للحكم، هل بذل العرب جهدا كافيا أم لا؟ هل صاروا "مثلنا" أم لا؟ إذا صحت مسألة تحسين الصورة فإن من يجب أن يحسن صورته هو ذلك الذي استعمر الآخر واضطهده وقسم بلاده.

ج- الخلط بين مطلب الاعتراف بالحقوق وطلب الاعتراف بالهوية، وبين مطلب العدالة وطلب الاعتراف "بنا" أو بـ"ممثلينا"..
ونحن نود أن نخصص القسم الثالث من هذا المقال لهذه النقطة الأخيرة:
إن أيّ صراع على العدالة والحقوق إن كان بشأن الحريات أو بشأن المساواة مرشح إلى أن يخلط بين الاعتراف بالحق والاعتراف بالهوية، ثم في مرحلة أخرى بين الاعتراف بالجماعة والهوية والاعتراف بممثليها.

وذلك لأن النضال المنظم يقاد بواسطة قيادة مثقفة أو مسيسة أو قادرة على طرح مطالب الناس وخوض وتنظيم المعركة أيضا. وقد تتحدر هذه من الفئات المسحوقة نفسها أو من خارجها. لا يهم. فقد ثبت أن القيادات عموما معرضة للارتباك بين الاعتراف بالحقوق التي انتدبت للدفاع عنها وبين الاعتراف بها كقيادة وقبولها كطرف شرعي في اللعبة السياسية الداخلية، أو الاعتراف بها ككيان سياسي يتم التفاوض معه، في حالة حركات التحرر مثلا.

وطبعا لا بد من الاعتراف بالقيادة في حالة التفاوض. ولكن هذا تحصيل حاصل للاعتراف بالحقوق، وليس شرطا مطلوبا توفره قبل الاعتراف بالحقوق. فإذا تحقق نصر في المعركة يصبح الاعتراف بالقيادة تحصيل حاصل لغرض تطبيق وتنفيذ الحقوق المترتبة عن هذا الإنجاز. أما إذا طالت المعركة ولم يتحقق الإنجاز المرجو أو إذا ضعفت القيادة، فإنها تصبح معرَّضة لعملية مقايضة بين الحقوق وبين الاعتراف بها. ويصبح الاعتراف بها هو الهدف، ليتبين فيما بعد أن هذا الاعتراف لم يكن إنجازا بل جاء على حساب الحقوق، وبدلا منها. للاعتراف هنا ثمن، هو التنازل عن السبب الذي دعا لوجود هذه القيادة أصلا.

يف يمكن تشخيص الحالة؟ بسهولة. يمكن تشخيص القيادة التي عزمت على المقايضة بدقة لا تقبل الشك. فمثل هذه القيادة تقوم بالأمور التالية:

أ- تنظِّم الكفاح المسلح بهدف الازعاج وليس الانتصار، وبشكل يجبر الطرف الآخر على الاعتراف بأن مصدر الازعاج هو أيضا القادر على إيقاف الازعاج. هنا يصبح التنظيم القاعدي السري البعيد المدى غير مهم، بل يجري تهميشه. فليس المطلوب كفاح مسلح منظم بنفس طويل، بل بضع عمليات.

والمهم في هذه الحالة هو القدرة المستمرة على تنفيذ عمليات، ولو كان ذلك دون أثر تراكمي ودون إستراتيجية، اللهم سوى رسالة للخصم. مفادها: إذا أردت الهدوء فيجب أن تتكلم مع القيادة.

ب- إلحاح مستمر على المجتمع الدولي ومن داخل المجتمع الدولي أن حل المشاكل يتطلب الاعتراف بهذه القيادة بجهد يفوق الإلحاح على الاعتراف بحقوق الشعب أو على ضرورة زوال الاحتلال، أو حق العودة، أو ضرورة الاعتراف بقيم مثل المساواة بين البشر ورفض العنصرية الصهيونية وغيرها.. ويتبين أن الحقوق ليست أهدافا فعلا، بل هي أوراق للمساومة لغرض الاعتراف بالقيادة.

ج- محاولات للإثبات أن هذه القيادة قادرة على فرض النظام. وتكتشف الشعوب لاحقا أن القيادة التي استشهد أبناؤها في الدفاع عنها لأن حقوقهم مرتبطة بها، سوف تفرض الأمن والنظام بآليات أعنف من المحتل ذاته.

د- تستميت القيادة نفسها التي تهاجم الخصم إلى حد إثارة نزعة عنصرية ضده أحيانا وهي تحاول أن تثير إعجاب واستحسان أي وفد أجنبي لا يفاوضها بل يوجه لها الأسئلة كأنه يحقق معها، أو تذوب إعجابا في أول جلسة مع أول وفد يأتيها من ذلك الطرف.

ولا أقصد هنا تيارا فلسطينيا أو عربيا بعينه، بقدر ما أرى أن الجميع مرشح للوقوع في مثل هذا المنزلق إذا لم يحصن نفسه، وإذا لم يحصنه جمهوره.

يبقى الذي عاش في ظل الثقافة المضطهِدة وعرفها عن قرب ورفضها، وحاول التفوق عليها ونبذها تضامنا مع المضطهَد مشدوها وهو يراقب أن الكثيرين من ممثلي المضطَهَدين يحاولون أن يجدوا قبولا عند أولئك الذين أدار هو لهم ظهره.

Monday, May 4, 2009

في معنى الطائفية؟ الياس خوري القدس العربي 5/4/2009

دار نقاش طويل بين المؤرخين اللبنانيين، حول جذور الدولة الوطنية اللبنانية. ثم رسا ما يشبه الافتراض المسيطر، وهو ان جذر الدولة الوطنية يعود الى امارة فخرالدين المعني الثاني. لكن اصحاب هذا الافتراض تناسوا ان امارة فخرالدين امتدت الى فلسطين، وانها كانت تشبه امارات واقطاعات نشأت في صلب الدولة العثمانية، وسعت الى توسيع استقلاليتها.
النقاش حول جذر الدولة الوطنية، وضرورة تأسيسه على قاعدة طموحات محلية، جاء كنتيجة للشكل الذي تأسست فيه دولة لبنان الكبير عام 1920، التي تحولت عام 1926 الى الجمهورية اللبنانية. فالذي اعلن تأسيس دولة لبنان كان الجنرال الفرنسي غورو، والدولة تأسست على اشلاء المملكة الفيصلية، التي سُحقت في ميسلون.
غير ان مصير لبنان لم يكن مشابها لمصير الدويلات في سورية التي اعلنها الفرنسيون، فدويلات دمشق وحلب والعلويين والدروز تلاشت وذابت في سورية، بينما استعصت دولة لبنان الكبير على الذوبان، رغم معارضة اغلبية سكان المدن الثلاث الرئيسية لها: بيروت وطرابلس وصيدا.
وهذا ما اعطى السؤال عن الجذر التاريخي للوطنية اللبنانية شرعيته، وسمح لبعض المؤرخين باعتبار الامارة المعنية نقطة انطلاق ممكنة.
لكن ما فات الجميع ان لبنان الصغير الذي تمتع بحكم ذاتي في حماية الدول الاوروبية، لم ينشأ الا بعد حرب اهلية مدمرة في جبل لبنان، انتهت الى تأسيس اول نظام سياسي تستند شرعيته الى الطوائف الدينية. فتألف مجلس ادارة على اساس المحاصصة الطائفية، يساعد المتصرف العثماني في ادارة شؤون الجبل.
لم تكن المتصرفية صيغة قابلة للحياة، ميناؤها كان بيروت، وهي عاصمة ولاية عثمانية تحمل الاسم نفسه، وغذاؤها يعتمد على قمح سهلي البقاع وحوران، الواقعين خارجها. وربما كان تأسيس المتصرفية، وفقرها المدقع احد اسباب نزيف الهجرة الى الأمريكتين، وهو نزيف سوف يستمر، ويحول الأكثرية المسيحية في لبنان الى اقلية.
الافتراض المنطقي ان جذر لبنان يعود الى الحرب الأهلية الطائفية، اي ان شرعية الوجود اللبناني، التي سمحت لدولة لبنان الكبير بالبقاء وعدم الذوبان هي شبح الحرب الأهلية.
وطن مدين بشرعية وجوده الى الحرب الأهلية، لذا لم يكن من المستبعد ان تلعب الطائفية دورا معاكسا. فالدور التأسيسي في زمن الانتداب سوف يتحول دورا تدميريا في مرحلة الاستقلال السياسي.
والغريب ان الوعي اللبناني للخطر الطائفي لم يتجاوز المستوى اللفظي. فالدعوات الى الغاء الطائفية، على السنة افراد الطبقة الحاكمة، كانت تترجم ترسيخا للبنى الطائفية في الواقع السياسي، بحيث نجح اللبنانيون في تحويل قضية كبرى كقضية المقاومة الفلسطينية الى جزء من الصراعات الطائفية على السلطة، وتابعوا الأمر بعد الخروج الفلسطيني، محولين قضية مقاومة الاحتلال الاسرائيلي الى جزء من لعبة توازنات السلطة.
لذا لم يكن انهيار مشروع 'انتفاضة الاستقلال'، عام 2005، التي اخرجت الجيش السوري من لبنان، سوى مسألة وقت، وذلك بسبب قراءة الانتفاضة طائفيا، مما ابعد عنها طائفة كاملة، وجعل مشروعها مستحيلا.
هذه هي مأساة الوطنية اللبنانية، انها معادلة ناقصة دائما، لأن الطوائف لا تنشئ اوطانا، بل تستخدم الخطاب الوطني من اجل تأكيد نفوذها في السلطة.
الولادة كانت سببا للموت، او لما يمكن ان نسميه الاحتضار الطويل. فلبنان منذ انفجار حربه الأهلية، ومنذ ذلك التصريح الشهير الذي ربط فيه مؤسس حزب الكتائب بين الكيان والنظام، وهو يؤكد ان كيانه هو نظامه، وان استمرار الكيان مرهون باستمرا النظام الطائفي.
لا شك في ان من وضع بروتوكولات تأسيس المتصرفية، كان يؤسس لنظام الحرب الأهلية المستمرة. لكن تحويل هذا النظام الى حالة دائمة، تم لسببين:
سبب اقليمي، يعود الى فشل الحركة القومية العربية في تقديم بديل حديث وعلماني لنظام الملل العثماني. ومما زاد في العجز مصادرة العسكريتاريا العربية للسلطة، وتأسيس انظمة الإستبداد، التي ساهمت في تحويل حلم الحداثة الى كابوس.
وسبب داخلي، تتحمل مسؤوليته النخب اللبنانية، التي لم تعر النضال ضد الطائفية ما يستحقه من اهتمام، بل انها انخرطت في صراعات هذه البنى تحت شعارات ثورية او قومية، متجاهلة ان لبنان لا يمكن ان يصير وطنا، في ظل النظام الطائفي، بل سيبقى ساحة تمتطي فيها القوى الاقليمية والدولية الطوائف اللبنانية، وتحولها ادوات لصراعاتها.
وهذا ما بدأ يتفشى للأسف الشديد في المنطقة العربية. اذ بدل ان تكون التجربة اللبنانية المرة درسا يتعظ منه المشرق، اذا بالمشرق الغارق في ظلام العجز، يتلبنن بمعنى ما، ويخلق لنفسه مشاكل طائفية، لا يعلم احد كيف يمكن الخروج منها.
في الماضي اعطت الطائفية لبنان شرعيته، وهي تقوم اليوم بقتله، او تمهد لإلحاقه من جديد بنظام الإستبداد العربي. وهنا تقع احدى مفارقات التاريخ، الذي يعلمنا ان الخطأ لا يستمر الا بمزيد من الخطأ.