Sunday, February 16, 2014

العرب في الحرب - الفعالية العسكرية للجيوش العربية بين عامي 1948 و 1991 - الجيش العربي اﻷردني - 4 - معركة الكرامة

بعد كارثة حزيران 1967 ادرك قادة الجيش اﻷردني ان عليهم اخذ العبر مما حصل و تصحيح مشاكلهم السابقة. احد اهم اﻹستنتاجات من تلك الحرب كان معاناة الجانب اﻷردني من (نزوع ثقافي تجاه خداع الذات). و لتصحيح المشكلة قامت القيادة العليا بتعديل نظم التدريب لتعزيز صدقية التقارير الميدانية قبل كل شيء. و ربما بسبب ادراكهم صعوبة الحصول على تقييم ذاتي موضوعي، احضرت عمان فريقا من الضباط الباكستانيين  لعمل تقرير ما بعد المعركة و لعمل توصيات لكيفية اصلاح الجيش العربي اﻷردني بشكل شامل. 

و بناءا على هذه المراجعة الخارجية، قام اﻷردن بعدد من التغييرات في القوات المسلحة:
1- تم تأسيس وحدات على مستوى الفرق.
2- تم ترشيق القيادات العليا و تم الغاء المناصب المتكررة.
3- تم تعزيز سلطات قيادة اﻷركان.
4- تم اضافة سرية رابعة لكل كتيبة و إضافة كتيبة رابعة لكل لواء لتعزيز قدرات الصمود التكتيكي.
5- تم تجديد المناهج التدريبية لتركز على المبادرة، اﻹستقلال في القرار، و العمليات المشتركة بين اﻷسلحة المختلفة.
6- تم وضع خطط لبناء سلاح جو اكبر و احدث يركز على الصد الجوي و على القصف اﻷرضي.

خط سير المعركة

لم يكن الأردنيون وحدهم من تعلم درسا من حرب 1967. بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب الأيام الستة، استنتج الفلسطينيون ان عليهم الإعتماد على انفسهم اذا ارادوا استرجاع اراضيهم. بدأ الفدائيون بمهاجمة اسرائيل مرة اخرى بمعدل اعلى و بشدة اكبر مما قبل الحرب. و قد منع المصريون و السوريون - اللذان لا يزالان يشعرون بقدر الضربة العسكرية الإسرائيلية من الحرب السابقة من القيام بهجمات من حدودهم. و بسبب العدد الكبير من الفلسطينيين في اراضيه، لم يكن الأردن في موقف يسمح له بمنع عمليات الفدائيين من اراضيه و صار الأردن القاعدة الرئيسية للعمل الفدائي. و من جانبهم، اعاد الإسرائيليون العمل بسياسة الإنتقام ضد الفلسطينيين و ضد الأردن. و بدوره، قام الجيش الإردني بإعادة تنظيم نفسه لمنع اسرائيل من اختراق سيادة اراضيه.

كان الكثير من اﻷنشطة الفدائية ينطلق من قاعدة تم تأسيسها في منطقة الكرامة قريبا من جسر ألينبي على الحدود. و منذ 14 مارس 1968 بدأت المخابرات اﻷردنية تلتقط اشارات عن عمل عسكري اسرائيلي تجاه البلدة. بدأت و حدات الجيش اﻹسرائيلي تتجمع عند جسري الينبي و داميا و لاحظ اﻷردنيون وجود تجمعين لضباط اسرائيليين كبار في المنطقتين. و ردا على ذلك حرّكت عمان الفرقة اﻷولى مشاة و تم اتخاذ المواقع الدفاعية قريب الجسرين و حول المخيم الفلسطيني في بلدة الكرامة. بحلول يوم 20 مارس تعرفت المخابرات اﻷردنية على وجود القوات اﻹسرائيلية التالية:
1- اللواء السابع مشاة.
2- اللواء 60 مدرع.
3- اللواء 35 مظليات.
4- اللواء 80 مشاة.
5- كتيبة مهندسين.
6- خمس كتائب مدفعية.

كانت كل هذه الكتائب متمركزة بين جسري الينبي و داميا. و بسبب هذا العدد الكبير من القوات (حوالي نصف القوات التي دخلت الضفة) و الحالة السيئة للجيش اﻷردني بعد اقل من عام على حرب 1967. خشيت القيادة اﻷردنية ان يكون اﻹسرائيليون يعدون العدة لاحتلال عمان.

اتخذت الفرقة الأولى مشاة مواقعها على الجسرين، و حول البلدات الممتدة بينهم وعلى سفوح الضفة الشرقية لنهر اﻷردن. تم الحاق اللواء 60 المدرع (الذي تم اعادة تشكيله و لكن بقي ناقصا بسبب خسائر حرب 1967) بفرقة المشاة. و تم توزيع بعض وحدات اللواء مع المشاة لمنح قوة تدريع اكبر للمشاة. و اضاف الجيش معظم سياراته المدرعة، و اسلحته المضادة للدروع، و مدفعيته لقوات الفرقة لتعزيز قدراتها. و صار القوات المدافعة تمتلك 105 دبابات باتون و 88 قطعه مدفعية. توزعت المشاة عند مداخل جسر الينبي و جسر داميا و جسر الملك عبد الله جنوب جسر الينبي. و كل وحدة مشاة كان معها سرية دبابات. و معظم الدبابات الباقية و وحدات المدفعية تركزت بشكل مشرف على بلدة الكرامة.

كان اﻹسرائيليون يحضرون فعلا لعمل هجومي على الكرامة. لكن قواتهم و طوحاتهم لم تكن بخطورة التصورات اﻷردنية. فقد وضع اﻹسرائيلين:

1- تشكيل اقل من لواء دروع
2- لواء مشاة
3- كتيبة مهندسين
4- 5 كتائب مدفعية
5- كتيبة مظليين.

 تم تقسيم القوات اﻹسرائيلية ﻷربع قوات، كل واحدة تنفذ مهمة محددة:
1- اكبر القوات مهمتها عبور جسر الينبي و التقدم نحو الكرامة من الجنوب.
2- القوة الثانية تبعد القوات اﻷردنية على جسر داميا و تتقدم نحو الكرامة من الشمال. بهدف حصار الفدائيين.
3-انزال المظليين على بلدة الكرامة.
4- القوة الرابعة تعمل هجوما تمويهيا على جسر الملك عبد الله في الجنوب لهدفين: سحب بعض القوات اﻷردنية المدافعة عن الكرامة و حماية جناح الهجوم الرئيسي الداخل من جسر الينبي.




لليوم من الصعب التيقن بدقة من مدى اهداف الجيش اﻹسرائيلي من هذا الهجوم. كونهم ارادو تدمير المعسكري الفلسطيني في الكرامة و اسر و قتل الفدائيين امر مؤكد. لكن من الغير الواضح حتى اليوم هو المدى الذي ارادوا فيه مواجهة الجيش اﻷردني. من شبه المؤكد ان اﻹسرائيليين كانوا يعلمون بوجود الفرقة اﻷولى مشاة حول البلدة، مما يظهر انهم ارادوا قتال الجيش اﻷردني و تأديبه.

فجر 21 مارس، قامت القوات اﻷربعة اﻹسرائيلية بهجومها بنفس التوقيت بدون اي تحضير بقصف مدفعي او جوي. شمالا تم دفع الجيش اﻷردني و قام المهندسون اﻹسرائيليون ببناء جسر عائم. و لكن عندما عبر اﻹسرائيليون الجسر العائم و استداروا جنوبا لضرب الكرامة اصطدموا بكتيبة مشاة اردنية معززة بالدروع و المدفعية و اسلحة مضادة للدبابات. طلب اﻹسرائيليون الدعم الجوي لكن سلاح الجو اﻹسرائيلي لم يستطع ضرب المواقع اﻷردنية المحصنة بشكل مؤثر، و صمد اﻷردنيون في مواقعهم. و لم يناور اﻷردنيون خارج مواقعهم الدفاعية للحصول على اي ميزة تكتيكية خلال المعركة لكنهم نجحوا في ايقاف عدة هجمات بالتعرض المباشر من اﻹسرائيليين. أما اقصى جنوب ارض المعركة فقد فشلت القوات التمويهية حتى في العبور نحو الحدو اﻷردنية عبر جسر الملك عبدالله رغم المحاولات المتكررة و الدعم اﻹسرائيلي الجوي. و هناك كانت المواقع اﻷردنية معدة بشكل و مكان مناسب لتوجيه قوة نارية كبيرة على منطقة الجسر نفسها مما ادى لعجز اﻹسرائيليين عن التقدم من ذلك المحور.

اكثر المحاور نجاحا للجانب اﻹسرائيلي كان محور الهجوم الرئيسي صوب الكرامة. فقدت هبطت القوات المظلية (المسقطة عبر الحوامات) على البلدة اولا و بدأت تطهير المعسكر الفلسطيني. و قد تمكن الجهد اﻹسرائيلي الرئيسي من اختراق الدفاع الأردني حول جسر الينبي و اﻹنتشار. و قامت بقية القوات المظلية مع بعض الدروع انطلقت شمالا لمساندة قوات المظليين في الهجوم على المعسكر الفلسطيني. حارب الفلسطينيون بقوة و شارك معهم المشاة اﻷردنيون مع اسناد مدفعي من المرتفعات المحيطة . و رغم هذه المقاومة الشديدة، فلم يستطيعوا منع اﻹسرائيليين من تدمير معظم المعسكر و اجبار ياسر عرفات على المغادرة و اسر و قتل معظم المدافعين الفلسطينيين. و قامت وحدة صغيرة من الدروع و المظليين بعمل مواقع صد جنوبا لحماية الجناح اﻷيمن من الهجوم الرئيسي اﻹسرائيلي  من اي هجوم قد يقوم به لواء المشاة اﻷردني المقابل لجسر الملك عبدالله (بعد فشل الهجوم على جسر الملك عبدالله الذي كان مخصص لتلك المهمة). ارسل اﻷردنيون بعض الدروع من تلك الناحية لكن كلا الطرفين لم يدفع بقوة لاختراق خطوط الدفاع الخاصة بالطرف الثاني من هذه الناحية.

قامت قوة اسرائيلية اكبر من الدروع و المشاة بالتقدم شرقا لقطع طريق السلط-جسر الينبي. و كان التشكيل اﻷساسي للواء المدرع 60 متمركز على شكل احتياط على هذا الطريق، و اندلع  قتال بين الطرفين عندما رغبت القوات اﻷردنية بالمشاركة في المعركة الجارية في بلدة الكرامة. و في معركة شديدة، خسر اﻷردنيون 8 دبابات باتون دون اي خسائر من الطرف اﻹسرائيلي. و تراجعت القوات اﻷردنية نحو التلال، حيث تحصنوا هناك و استمروا في قصف القوات اﻹسرائيلية المتمركزة اسفلهم. و رد اﻹسرائيليون بقصف جوي على القوات المتحصنة في المرتفعات و لكنه كان قليل التأثير على دقة و حجم النيران اﻷردنية.

في نهاية اليوم، اكتفى الطرفان من القتال. و انسحب اﻹسرائيليون مع اسراهم الفلسطينيين و لم يقم اﻷردنيون بملاحقتهم. و قام الطرفان بإعلان انتصارهم في المعركة. حيث ادعى اﻹسرائيليون ان قواتهم حققت هدفها بتدمير مخيم الكرامة، بينما ادعى اﻷردنيون انهم احدثوا خسائر كبيرة بالجيش اﻹسرائيلي و منعهوم من الهجوم على العاصمة عمان. خسر اﻹسرائيليون 28 قتيل و 69 جريح إضافة ل 4 دبابات و 3 ناقلات و مدرعتان و طائرة اسقطتها المدافع اﻷردنية المضادة للجو. تم تعطيل 24 دبابة اسرائيلية و لكن تمكن اﻹسرائيليون من جرها غرب النهر و اصلاحها. خسر الفلسطينيون 100 قتيل و 100 جريح و حوالي 120-150 اسير. خسر اﻷردنيون 61 قتيل و 108 جريح و 13 دبابة مدمرة و 20 معطلة و 39 عربة مختلفة تم تدميرها او تعطيلها.

اداء الجيش اﻷردني في معركة الكرامة:
المستوى اﻹستراتيجي:
1- على الرغم من وجود قليل من الشك ان نوايا الجانب اﻹسرائيلي في التقدم نحو عمان، فإن اداء الجيش اﻷردني - على ما يبدو - قد فاجأ الجانب اﻹسرائيلي. و من المرجح ان اﻹسرائيليين لم يتوقعوا عدد القوات التي كانت امامهم و لا شدة مقاومتها . و رغم استطاعة اﻹسرائيليين تدمير معسكر الكرامة و قتل و اسر معظم من كان فيه، فأنهم لم يحدثوا مقدار الضرر الذي ارادوه بالجانب اﻷردني. و لو كان من اهدافهم تأديب الجيش اﻷردني في ذلك اليوم، فقد خاب املهم بالتأكيد.

2- القيادة اﻷردنية على المستوى اﻹستراتيجي كانت جيدة جدا، و ربما يعكس ذلك التغييرات التي اجرتها عمان في اعقاب حرب 1967. على المستوى اﻹستراتيجي، كانت اﻹستخبارات الحربية جيدة جدا برصد الحشد اﻹسرائيلي و توقع مكان الهجوم. و لو كان توقعهم بان عمان هي هدف الهجوم النهائي مبالغا فيه، فإنه احسن خطأ ممكن ان ترتكبه اي استخبارات عسكرية: فهو ما جعل الجيش اكثر من مستعد للمعركة بدل ان يكون مستوى اﻹستعداد و الحشد اقل من اللازم. كانت القيادة العسكرية اﻹستراتيجية على مستوى الحدث بتحريك فرقة المشاة نحو الكرامة و تعزيزها بالدروع و المدفعية و مضادات الدبابات.

3- مستوى التحصينات اﻷردنية و ترتيبها حوال الكرامة كانت جيدة جدا. و اظهرت تحسنا عن تحصينات اﻷردن في الضفة الغربية عام 1967. و كانت القوات اﻷردنية موزعة بشكل يغلق كل محاور التقدم ، و تغطي نيرانها كل نقاط اﻹلتحام. و في غالب الوقت حرص المخطط اﻷردني على توفر ميزات الموقع، و التحصين، والقدرات النارية الكثيفة إضافة للمانع الجغرافي الممتاز كلما واجهوا اﻹسرائيليين.

على المستوى التكتيكي:  
لا يمكن عمل استنتاجات بشكل عام على اﻹصلاحات اﻷردنية على اﻷداء التكيتيكي اﻷردني في هذه المعركة، لكن ما اظهرت لك يكن مشجعا جدا:
1- كانت المدفعية دقيقة لكنها معظمها من جداول معدة سلفا و بالتالي من الصعب ايجاد اي تقدم مقارنة بحرب 1967 التي شملت رماية بنفس التكتيك.
2- كلما تواجهت الدروع من الجانبين - و هذه مواجهات كانت تقريبا متعادلة باﻷنواع و الأعداد - كانت النتيجة اما نصر اسرائيلي او تعادل على احسن حال، و هو ما كان يصب في مصلحة اﻹسرائيليين في منع الدروع اﻷردنية من اﻹقتراب من القوات المظلية الموجودة في الكرامة. في الهجوم الرئيسي للواء 60 المدرع القادم من السلط، تم صد اﻷردنيين بدون صعوبة من قبل اﻹسرائيليين. و الوحدات المدرعة كانت في غالبها سلبية، حيث لم تقم الدروع اﻷردنية بعمل هجوم مضاد حتى على المستوى المصغر على اي من القوات اﻹسرائيلية المهجامة باستثناء الهجوم الرئيسي. و بقيت معظم الدروع اﻷردنية في مخابئها و على المرتفعات تضرب من بعد بدل اﻹشتباك مع اﻹسرائيليين.