Monday, April 29, 2013

الاردن: أين اختفى روبن هود؟ - بسام بدارين - القدس العربي - APRIL 29, 2013

يشيب الولدان لما نسمع في اوساط السياسيين وبعض قادة المجتمع الاردني من صمت مريب على انهيار منظومة الالتزام بالقانون والخاوات التي تفرض على المستثمرين واصحاب المصانع وفشل شبكة الاجهزة الحكومية في القيام بواجبها بايصال الخدمات لبعض المناطق او انفاذ القانون.
احد المستثمرين الكبار وجه عشرات النداءات للحاكم الاداري في منطقة يقيم فيها استثمارا ضخما بمئات الملايين، بسبب عملية الابتزاز الشرسة بالاسلحة التي يتعرض لها العاملون في مصنعه، فاضطر الرجل لحماية امواله بنفسه واستعان بمسلحين، في بداية غير محمودة لظاهرة الاعتماد على اليد والسلاح في حماية الذات.
رجل اعمال آخر استمعت له شخصيا تحدث عن خاوات يفرضها نفر من احدى مناطق الاطراف على شاحنات وسيارات الشركة التي يديرها، وشعار بعض الاهالي الذين يمارسون التعدي على القانون: ‘ادفع او نحرق شاحناتك على الطريق’.
الامر في بعض الطرق الدولية الواصلة بين المدن والمحافظات اصبح يحتاج لشرطي ورجال أمن مع كل آلية متحركة، وهو وضع جديد تماما على الاردنيين لم يسبق لهم ان عايشوه.
مدير اردني لشركة اجنبية في قطاع المياه يقسم امامي بأن الشركة تتفاعل مع دعوات المجتمع المحلي لتمديد وتوسيع شبكة المياه، لكنها من ثمانية اشهر تفشل في وضع الماكينة المخصصة لبئر عملاقة تم حفرها، لان احدا ما يأتي بالليل ويسرق الماكينة قبل تركيبها في اليوم التالي فيحرم المنطقة برمتها من المياه.
ليس سرا ان الصديق الناشط السياسي محمد خلف الحديد يلح علي منذ اكثر عام للقيام بجولة مصورة على جرائم السرقة التي تطال ‘اغطية المناهل’…بعض الاشقياء خصوصا في محيط مخيم الوحدات يحضرون في الليل ويخلعون غطاء المنهل ويبيعونه بالسوق بمبلغ لا يزيد عن 20 دولارا، علما بان ثمنه على الحكومة يزيد عن ذلك بكثير.
هل سرقة غطاء من الصلب مخصص للحفر الامتصاصية والمجاري سلوك له علاقة بالربيع العربي؟..نفس الامر ينطلق على كوابل النحاس المخصصة لتوزيع الكهرباء في محيط عمان وسحاب ومدينة الزرقاء، وكذلك كوابل مضخات المياه التابعة للمجالس البلدية.
في قطاع توزيع الكهرباء مثلا لا يدفع بعض القاطنين في الاطراف ثمن الفاتورة او تصبح عملية سرقة الكهرباء عادية ويومية، فيما توزع الكمية المسروقة على فاتورة المواطن الملتزم بالدفع.. بمعنى من يمتثل ويدفع ما عليه يدفع ايضا بدل المسروق فالعقاب لمن يدفع وليس لمن يسرق.
نشرت الصحافة المحلية خبرا عن رشاش الرصاص الآلي الذي استهدف موظفا في شركة الكهرباء حضر لقراءة العداد في مدينة المفرق فأمطره صاحب المنزل بوابل من الرصاص واصيب برصاصتين وكاد يقتل.
لاحقا اعلن رئيس الوزراء ان شركة الكهرباء الوطنية مغرقة بالديون وستتوقف عن الخدمة اذا لم ترفع الاسعار.. في ضوء الواقع يمكن ان نفهم سبب هذه الديون الان فمزارع ومصانع وورش علية القوم في الاطراف تضاء بكهرباء مسروقة ومن تهدده الحكومة برفع الاسعار هو عمليا المواطن الملتزم بالدفع عمليا.
يقول احد المسؤولين في جلسة خاصة بان 70% من مشتركي خدمات المياه في جنوب عمان لا يدفعون ما يستحق عليهم والمسألة هنا لا تتعلق بالتاكيد بمواطن ضعيف فقير، بل بحيتان يرتكبون هذه الممارسات ويسيئون للقانون ولاهلهم واقاربهم.
في بعض المناطق شرق وشمال البلاد تفشل اجهزة الحفر التابعة للسلطات المحلية بتنفيذ مشاريع الحفر في اراضي الدولة لاغراض خدمة المواطنين لان مسلحين باسم اهالي المناطق يظهرون ويهددون كل مهندس او عامل حفارة او فني صيانة، لذلك تتجاوز الكثير من المشاريع المقرة الوقت اللازم واموالها مجمدة.
يقسم احد العاملين في المطار بعمان العاصمة بان المياه التي تباع بالصهاريج لخدمات المطار هي مياه الحكومة التي تباع على الحكومة في مفارقة مضحكة، فبعض مخالفي القانون يحطمون انابيب المياه ويحولونها لملكية خاصة ويعبئون الصهاريج ويبيعونها مرة اخرى على حارة (السقايين) تمثيلا للاغنية التراثية المصرية الشهيرة (..جاي تبيع المية على حارة السئايين).
..المصيبة ان ذلك لا يحصل بصورة سرية ولا وراء ستار، بل يتحدث عنه جميع المسؤولين وفي كل المجالس وتعرفه السلطات جيدا.
انها عملية سرقة علنية لمال الدولة، وبالتالي لمال الناس يمارسها خارجون عن القانون او لصوص صغار وكبار جهارا نهارا وفم الدولة مليء بالماء لان الكثير من اللصوص الكبار لا زالوا بعيدين عن التحقيق او خلف القضبان او يتمتعون بثروات الشعب المنهوبة بالمليارات.
سمعت شخصيا من احد التجار كيف اضطر لاقفال مزرعته الضخمة لتفقيس البيض والدجاج لان بعض العاطلين عن العمل في المنطقة يهاجمون كل شاحنة تنقل المنتج ويصرون على تعيين اكثر من 50 منهم حراسا لمزرعة يسرقها من يحرسها في الواقع، علما بانها مزرعة لا تحتاج لاكثر من اربعة حراس.
الرجل ترك دجاجاته وبيضاته لاهالي المنطقة وهاجر بما تبقى لديه من مال الى دولة خليجية، اما نحو 120 موظفا من ابناء المنطقة فاصبحوا بلا عمل، بل اصبحت القرى المحيطة بلا دجاج ولا بيض في الواقع فقد اختفت السلعة وشاطت الاسعار.
من يعتدي باسم الناس والاهالي على اي تجارة او استثمار وعلى القانون يعتدي في الواقع على نفسه واهله ويؤذي الشعب وليس السلطة فقط، والتصدي لهذه الظاهرة غير ممكن الا بثورة من الشعب نفسه على كل لصوصه وقطاع الطرق من اولاده فهؤلاء مبتزون ومخالفون للقانون ولا يوجد بينهم روبن هود بنسخة اردنية يبتز الاثرياء ليطعم الفقراء.
لكن بالتاكيد يرتكب بعض المارقين هذه المخالفات لان الدولة (لم تكن صادقة) مع اهالي الاطراف فهي تتجاهلهم وتقصيهم ولا تجعلهم يتمتعون ولو ببعض الثروات التي تقام بينهم خلافا لان كذبة المناطق التنموية التي اسسها وزراء ومسؤولون على مدار عشر سنوات هدمت مصداقية الدولة عند الناس فاصبحت الحاجة ذريعة للانقضاض على كل شيء والفقر حجة لمخالفة القانون.
هذه الانفلاتات تستخدم غطاء الربيع العربي وتراخت لان عباقرة في مستوى القرار الامني والتنفيذي قبل عامين اخترعوا بعضها لصد موجة الجماهير التي تطالب بالاصلاح السياسي.
الفكرة كانت وقتها ببساطة كالتالي: لا نستطيع استعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين.. لذلك الحل بالاستعانة بالزعران والبلطجية لتأديب دعاة الاصلاح فيظهر ان المجتمع يحتك ببعضه تحت ستار التخلف.
النتيجة السريعة كانت تحول البلطجية في عمان واربد والزرقاء الى قوة غير منضبطة في الشارع تفرض الخاوات على اصحاب المحلات وتبتز الدولة والاجهزة، بل وتتحدى الجنرالات وتنظم الاجتماعات تحت ستار ‘نحن انقذنا النظام بالتالي نحن الاحق بالمكافآت والامتيازات’.
الحاكم الاداري العبقري الذي اقنع بعض البسطاء من جنوب المملكة يوما بان واجبهم الوطني يحتم عليهم التحرك الى عمان، وتحديدا دوار الداخلية لتحريره من (الفلسطينيين) الذين احتلوه.. هذا الحاكم الاداري نفسه يواجه اليوم سيلا من التظاهر المتعصب ينفذه ابطال المسرحية الذين يبحثون عن بدل لخدماتهم بعدما وفروا الحماية لدوار الداخلية الذي تظاهرعليه وقتها نخبة من خيرة ابناء العشائر الاردنية.

Wednesday, April 24, 2013

العرب في الحرب - الفعالية العسكرية للجيوش العربية بين عامي 1948 و 1991 - الجيش العربي اﻷردني - 3

حرب عام 1967

عندما بدأت الحرب بين العرب و إسرائيل عام 1967، كان قد مر على خروج البريطانيين حوالي 11 عام (بعد تعريب الجيش اﻷردني عام 1956). هذا اﻹنفصال لم يكن تام بطبيعة الحال، حيث استمر إيفاد الضباط اﻷردنيين إلى لندن لتلقي الدورات العسكرية، و أرسلت بريطانيا عدة بعثات للأردن لتقديم اﻹستشارات. و لكن بطبيعة الحال انتهى الوجود البريطاني في الشؤون اليومية و عمليات التدريب للوحدات الصغيرة. و رغم أن نظام الخدمة العسكرية الطويلة أدى لبقاء بعض من تدرب تحت مرة اﻹنجليز أو حتى حارب تحتها عام 1948، فإنهم كانوا اﻷقلية.

التراث العسكري البريطاني بقي حاضراً على أي حال. و بقي نظام التراتبية القيادية مشابه للنظام البريطاني و كذلك نظام السيطرة و التحكم. و كان تسليح الجيش في معظمه انجليزياً رغم بدء عمان في شراء معدات أمريكية مثل مدافع 155 ملم و دبابات باتون 47 و 48. و اﻷهم من ذلك أن تنظيم الجيش استمر على شكل قوات صغيرة محترفة مع مدة خدمة طويلة كما بدأها غلوب و بيك.

توازن القوى

رغم أن إسرائيل كانت أكثر عددا و عدة من اﻷردن، فإن ظروف خوضها الحرب ضد سوريا و مصر أيضاً أدت إلى وجود نوع من توازن القوى بين اﻷردن و القوات اﻹسرائيلية المواجهة له. كان للأردن حوالي 45 ألف جندي، 270 دبابة، و 200 قطعة مدفعية في الضفة الغربية. تنتظم هذه القوات في 9 ألوية (سبعة مشاة و لوائي دروع)، و عدة كتائب مستقلة. القوات الجوية اﻷردنية الصغيرة كانت تتكون من 24 طائرة هوكر هنتر، 5 طائرات F104 أمريكية لم تصل للأردن بعد. و في المقابل، نشرت اسرائيل 8 ألوية (خمسة مشاة و لواء دروع و لوائين مشاة ميكانيكيين) بمجموع 40 ألف جندي و 200 دبابة. و كانت اسرائيل تملك أكثر من 200 طائرة من بينها 72 طائرة ميراج حديثة أما الباقي فكان من طراز أقدم مثل ميستير، و سوبر ميستير، و أوراجونز، و فاوتشرس. و لكن كانت مواجهة إسرائيل الجوية مع 4 دول عربية.

كانت المعدات اﻷردنية، في المعدل، أفضل قليلاً من المعدات اﻹسرائيلية. الدبابات اﻷردنية كانت لها أفضلية واضحة على مقابلتها اﻹسرائيلية. من بين ال 270 دبابة أردنية في الضفة، 170 كانت من طراز باتون 47 و 48، الباقي كانت سنتوريون البريطانية. في مقابل ذلك، وضعت إسرائيل 50-60 سنتوريون و 50 شيرمان M4 ( المحملة بمدفع 76مم الصغير مقارنة بمدفع 105 مم الذي كانت تحمله دبابة شيرمان M51 التي كانت على جبهة سيناء). و حوالي 100 دبابة شيرمان M50 مصنوعة في فرنسا، مع مدافع 75 مم. الجيش اﻷردني امتلك مدرعات M-113 الحديثة، بينما كان اﻹسرائيليون لا يزالون يستعملون نصف مدرعة M-3 من جيل الحرب العالمية الثانية. مدفعية عمان كانت في معظمها من عيار 105 هاوزر مع بعض مدافع ال25 رطل اﻹنجليزية القديمة و بعض بطاريات مدافع 155 مم أمريكية. معظم مدفعية إسرائيل كانت من عيار 105 ملم الفرنسية الصنع. طائرتي الميراج و الهوكر هنتر المستخدمتان في سلاحي جو البلدين كانتا متقاربتان نوعا ما، حيث تفوقت الميراج في السرعة و قدرات التحليق، بينما كانت الهنتر أفضل في المناورة.

كانت للأردن عدة مميزات أخرى، أولاً: مضى على وجودهم العسكري في الضفة 19 عاماً لتحضير ساحة العمليات. و رغم عدم بذلهم جهودا مماثلة للسوريين في تحصين مواقعهم على طول الحدود، قام اﻷردنيون بمجهود كبير في بناء تحصينات دفاعية ثابته خصوصاً في القدس و نواحيها. كانت العوامل الجغرافية في مصلحة الموقف اﻷردني، حيث تقع القدس على نهاية وادي محاط بالمناطق اﻷردنية من ثلاث جهات مطلة عليها. في نفس الوقت، كانت القوات اﻷردنية في السامرة تهديداً مباشرا لتل أبيب التي تبعد أقل من 20 كم، أو تهديداً بقسم اسرائيل لنصفين لو اختاروا اﻹندفاع تجاه البحر على بعد 15-25 كم. و كان هناك مسألة ان إسرائيل ستحارب على 3 جبهات اﻷمر الذي يضطر إسرائيل إلى تقسيم سلاح الجو بدلا من تركيزه ضد عدو واحد. و رغم أن السلبية السورية على الجولان سمحت ﻹسرائيل بسحب قواتها من الجولان لضرب اﻷردن، فإن معظم القوات اﻹسرائيلية كانت متموضعة لمواجهة الجيش المصري.  و كذلك كانت معظم قدرات سلاح الجو اﻹسرائيلي موجهة لجبهات أخرى في اليوم اﻷول، باستثناء عملية تدمير القوات الجوية اﻷردنية الصغيرة.

كان للأردن على اﻷقل نقطة ضعف واحدة: ترتيبات القيادة و السيطرة. حيث لم يكن في الجيش اﻷردني تنظيم على مستوى الفرقة العسكرية بسبب مخاوف الملك حسين من ان تركيز مثل هذه القوة الكبيرة من الممكن أن يكون خطرا على الملكية. و بسبب ذلك، كان هناك مشاكل في التنسيق بين اﻷلوية العسكرية كون كل التعليمات و الطلبات يجب أن تمر من عمّان. قائد الجبهة الغربية كان يملك السيطرة الكاملة على الألوية التسعة مع عدة كتائب مستقلة، إضافة للاحتياط (وحدات مدفعية و دفاع جوي) و كل أجهزة الدعم اللوجستي. إضافة لذلك، كان للأردن هيئة قيادة عامة ضعيفة على الصعيد الشخصي و المؤسسي، و فيها كان عدد كبير من القادة مع صلاحيات غامضة و متداخلة. و بالتالي فإن كل القرارات الرئيسية يجب أن يتم الموافقة عليها من الملك، و لم تكن القيادة العليا في موقف يسمح لها بمساعدة القيادة الغربية في مهمتها عند طلب اﻷوامر.

و أخيراً، انضم اﻷردن للقيادة العربية المشتركة مع سوريا و مصر قبل بدء الحرب مباشرةً. و كشرط لقبول اﻷردن، طلب عبد الناصر أن يقبل اﻷردن جنرالاً مصرياً كقائد للقوات اﻷردنية في الحرب القادمة. كان اﻷردنيون محظوظين بأن حصلوا على الفريق أحمد رياض، و هو قائد ممتاز أبدى براعة أثناء حرب اليمن و يعتبر من أفضل مخططي العمليات في الجيش المصري. و لكن تراتبية القيادة و نظام العمليات لم يكن واضحاً سواء في الجيش العربي أو في القيادة الموحدة. و قد مال الفريق رياض لأخذ أوامره من عبد الحكيم عامر مع مشاورة الملك حسين، و من هناك كانت أوامر رياض تذهب للقيادة العليا اﻷردنية و من ثم إلى القوات. و سلطة رياض على القيادة العليا في الجيش اﻷردني بقيت غير واضحة المعالم.

اﻷهداف و الخطط
الهدف الرئيسي للأردن في الحرب كان الخروج بدون خسائر. اﻷردن لم يكن مهتما بضم أي أراضٍ تابعة ﻹسرائيل باستثناء جبل سكوبيوس في القدس. و بالتالي فإن الإستراتيجية اﻷردنية كانت دفاعية. أدركت القيادة العامة اﻷردنية أنها لا تملك القوة العددية الكافية للدفاع عن كامل أراضي الضفة الغربية، إضافة لحدود الضفة الشرقية للأردن الممتدة شمالا و جنوباً. و أرادوا بالتالي تركيز قواتهم على الجبال مع خطوط دفاع أقصر في وسط السامرة. لكن الملك شعر انه لا يستطيع دفع الثمن السياسي لهذه السياسة و ان يظهر كمن يسلم الضفة الغربية دون قتال، و بالتالي تجاوز عن نصيحة جنرالاته و امر بعمل دفاع  متقدم على حدود الضفة الغربية.

إضافة للطابع الدفاعي للاستراتيجية اﻷردنية، فقد كان هناك عنصر هجومي مهم في الخطة. حيث أراد اﻷردن عمل هجوم على الحي اليهودي في القدس في عملية سمّيت (طارق) - أخطأ الكاتب في ترجمة اﻹسم إلى نصر. فقد توقع اﻷردن احتلال إسرائيل لأجزاء واسعة من سهول الضفة بعد نهاية الحرب، و بالتالي كانت خطة هيئة اﻷركان أن يتم الهجوم شمال شرق و شمال غرب القدس للضغط على الطرق المؤدية للمدينة و من ثم حصارها. و تتضمن الخطة حصار جبل سكوبيس في الشمال الشرقي من القسم العربي للمدينة. و قد شعر اﻷردنيون أن إنهاء هذا الجيب الذي كان يبقي قوات كبيرة مثبتة أمامه ضرورة قبل التقدم لحصار المدينة.

توقّع اﻷردنيون - بشكل سليم - استراتيجية اسرائيل في محاولة اﻹستيلاء على الضفة. فقد توقّعوا أن الجيش اﻹسرائيلي سوف يقوم بهجومين رئيسيين للتطويق، واحد على القدس و اﻷخر في الشمال على محور نابلس جنين. و سوف يصاحب ذلك هجوم ثانوي - دفاعي - حول محور قلقيلية - طولكرم لدفع اﻷردنيين عن تهديد الساحل. هذه القراءة الدقيقة سمحت للأردنيين تركيز قواتهم في مواقع الهجوم اﻹسرائيلي المتوقع. و هو ما حدّد، إضافة لعملية طارق، مواقع انتشار القوات اﻷردنية في الضفة. فقد وزّعت قيادة اﻷركان 5 ألوية مشاة على الحدود. لواء عند جنين، واحد لتغطية محور طولكرم-قلقيلية، واحد لتغطية ممر اللطرون - القدس، و واحد حول القدس، و أخيرا لواء بين الخليل و القدس. و تم وضع لواء مشاة و اللواء 60  (لواء نخبة) المدرع في وادي اﻷردن بين أريحة و القدس من أجل المشاركة في العملية طارق. و في نفس السياق، تمركز لواء مشاة مع اللواء 40 (لواء نخبة) المدرع في وادي اﻷردن قرب معبر داميا من أجل دعم الدفاع عن جنين و صد أي هجوم على نابلس. و أخيراً، تم تركيز كتيبتين مدرعتين مستقلتين (الكتيبتين 12 و 10) في المقدمة لتعزيز قدرات قوات المشاة: الكتيبة 12 قرب جنين و الكتيبة 10 عند الخليل. هذا التوزيع ترك قوات المشاة ضعيفة في بعض المناطق، خصوصاً منطقة يهودا، و لكنه نجح في تجميع قوات بحجم فرقة في موقعي الهجوم اﻹسرائيلي المتوقع. و قد كانت توقعات اﻷردنيين انهم قادرون على الدفاع عن الضفة الغربية في وجه هجوم بقوة 8 -12 لواء لمدة 2-3 أسابيع. 

من جانبها كانت إسرائيل تحاول بشتى السبل عدم فتح جبهة مع اﻷردن. كانت ترغب في الحرب مع مصر فقط، و قبل بدء المعارك أرسلت عدة إرساليات سرية للأردن. و رغم إدراك هيئة اﻷركان اﻹسرائيلية و الجنرال عوزي نركيس (Uzi Narkiss) قائد المنطقة الوسطى ان انضمام اﻷردن للحرب وارد، لم يسمح لهم المساق السياسي للأحداث و ضع خطط مفصلة للمواجهة المتوقعة. حيث أرادت تل أبيب زيادة عدد اﻷلوية ضد الجبهة المصرية التي تعتبر الجبهة اﻷهم و هناك الجبهة السورية أيضاً. فإذا كان النصر على مصر سريعاً، و لم يتدخل السورييون، كان ممكن لنركيس أن يحصل على تعزيزات من الجبهة الجنوبية و الشمالية. اما مقدار الدعم و توقيته فهو في علم الغيب. و بالتالي كانت الخطة مبدأية فقط لعمل هجوم من الجنوب نحو جنين و نابلس و هجوم من الساحل ضد قلقيلية و طولكرم و هجوم محدود على القدس لتعزيز موقع جبل سكوبس و أخيرا هجوم محدود على محور اللطرون، كما توقعت عمّان بالضبط. 

التحركات اﻷولية

كان اﻷردن مستعداً بشكل جيد للهجوم اﻹسرائيلي عندما بدأ يوم 5 يونيو (حزيران). علمت المخابرات اﻷردنية بموعد الهجوم على مصر يوم 3 يونيو و مررت هذه المعلومة لمصر على الفور. إضافة لذلك ذكر الملك حسين في مذكراته انه اعتقد بأن الحرب باتت حتمية يوم 23 مايو، عندما أغلق عبد الناصر مضائق تيران. و بالتالي أمضى اﻷردن وقته في تركيز قواته في مواقعها المحددة، و بدأ في بناء التحصينات و بناء احتياطات الذخيرة. و الجزء الوحيد الذي بدا أن الأردن قد فشل في تحضيره كان سلاح الجو. حيث لم يكن لسلاح الجو اﻷردني أي ملاجئ حصينه لطائراته و تركها كلها في المفرق بدل توزيعها على أنحاء الدولة.  

في بداية يوم 5 يونيو، أبلغ ناصر و قيادة اﻷركان المصرية الملك و قيادة اﻷركان اﻷردنية أن الطيران المصري قد دمر الطيران اﻹسرائيلي و أن الجيش المصري بدأ في التقدم نحو جنوب إسرائيل. بناءاً على ذلك، طلبوا من اﻷردنيين عمل هجوم مدرع جهة النقب من أجل ملاقاة المصريين هناك. استجاب الفريق رياض و الملك لهذا الطلب. و رغم كون هذا المطلب خارج التفكير اﻹستراتيجي اﻷردني للمعركة، فإن التأكيد المصري بتدمير الطيران اﻹسرائيلي - مما ألغى تهديده على الدروع اﻷردنية، و مما يمكن الطيران اﻷردني المحدود من توفير الدعم الجوي - و أن الهجوم المصري الجنوبي يهدد بقسم اسرائيل من المنتصف أدى لموافقة الملك و الفريق رياض على هذا التعديل نحو خطط أكثر طموحاً. و رغم احتجاج بعض أعضاء قيادة اﻷركان اﻷردنية فقد رآها فرصة مناسبة لعمل عسكري أكبر مما كان مخططاً له. 

صدرت اﻷوامر بسرعة للقوات المسلحة ببدء تنفيذ العمليات المعدة سابقاً. و على طول الحدود، فتحت القوات اﻷردنية النار على أي هدف معادٍ، حتى بدون أي تنسيق أو سبب. و بدأت المدفعية اﻷردنية ضرب المدن و المواقع العسكرية اﻹسرائيلية القريبة من الحدود. أمرت الكتيبة 12 المدرعة بالهجوم على تشكيل إسرائيلي مدرع قرب الحدود، لكن الكتيبة لم تستطع تنظيم نفسها و التحرك للهجوم قبل أن يبدأ الهجوم اﻹسرائيلي. و حسب طلب المصريين، و بخلاف الخطة اﻷردنية اﻷصلية، فقد تحرك اللواء 60 لمنطقة الخليل على طريق الهجوم إلى النقب. و كذلك صدر اﻷمر للواء 40 للتحرك نحو الجنوب ليحل محل اللواء 60 لتنفيذ العملية طارق. 

استمرت محاولات اسرائيل تجنب الحرب مع اﻷردن حتى صباح 5 يونيو، و ووجه ذلك برفض من الملك. لم ينتج عن الهجوم اﻷردني شيء غير استفزاز اﻹسرائيليين. و أرسلت عمان 16 من طائراتها من طراز هوكر هنتر لهجوم يبدو انه كان يستهدف تل أبيب و مطار بن غوريون. و بسبب عدم توافر أي معلومات من الاستخبارات اﻷردنية عن القواعد الجوية اﻹسرائيلية، كان يجب على الطيارين أن يجتهدوا في إيجاد اﻷهداف. و يبدو أن اﻷردنيين قد ضلوا طريقهم حيث أنهم قصفوا منتجع نتانيا الساحلي و مطار كفار سركين المهجور. و حتى هذه الهجمات تمت تنفيذها بأسلوب سيء. حيث لم تنتج غير أضرار طفيفة في بعض مباني المطار و تدمير باص نقل مهجور. و قد أدّت هذه الغارة مع الرمايات اﻷردنية على الحدود لعمل إسرائيلي انتقامي. و في الساعة الواحدة ظهراً، و فيما كانت طائرات الهنتر تتزود بالوقود و الذخيرة تحضيرا لغارة ثانية، قصفت 8 طائرات ميراج مطار عمان الدولي و مطار المفرق، مدمرة 16 طائرة من أصل 22 و أصابت 4 بأضرار فادحة. الطائرات الباقيتان عادتا متأخرتين من الغارة اﻷولى و حاولت اﻹشتباك مع زوج من طائرات الميراج. و رغم المفاجئة و قدرات المناورة للهنتر، نجح اﻹسرائيليون في إسقاط إحداها بسرعة، بينما صمدت الطائرة اﻷخيرة - لبراعة الطيار اﻷردني - لعدة دقائق قبل سقوطها. (تذكر الحواشي ان أحد المصادر اﻹسرائيلية ادّعت سقوط طائرة إسرائيلية من طراز ميستير).

إسرائيل تقرر الحرب

كان التهديد اﻷردني للقدس، في النهاية، أهم أسباب قرار إسرائيل شن هجوم شامل للاستيلاء على الضفة. عند ظهيرة 5 يونيو، أمر الفريق رياض كتيبة من اللواء 27 (لواء اﻹمام علي) الموجودة في القدس بالسيطرة على جبل المكبر و بيت الحكومة جنوب المدينة القديمة. أراد رياض أن يؤمن هذا الموقع لمنع القوات اﻹسرائيلية في القدس من ضرب هجومه على النقب. كان منزل الحكومة يعتبر منطقة محايدة و كان خاليا من الدفاعات و نجحت القوات اﻷردنية في السيطرة عليه و على الجبل. بعدها تم الهجوم غرباً على مستوطنة رامات راحيل. و هذه المرة وضع اﻹسرائيليون عدة سرايا من المشاة للدفاع عن المنطقة. لم يتوقع اﻷردنيون وجود مقاومة، و بدأوا هجوماً مباشراً على المستوطنة و تم صدّهم بسهولة. و بعد عدّة ساعات، أذاع راديو عمّان سقوط جبل المكبّر اﻷمر الذي نفته إسرائيل. و عندما أذاع راديو عمّان سقوط جبل سكوبس بعد سقوط جبل المكبّر، رأت تل أبيب ذلك مؤشراً على ما سوف يحصل. 

و بعد الهجمات اﻷردنية و إدّعاءات راديو عمّان حول جبل سكوبس، امرت اسرائيل بالهجوم الشامل على الضفة و أسندت المهمة للفريق إيلعاد بيليد (Elad Peled) على رأس عقدة (تشكيل أسرائيلي مرن يتكون من عدّة ألوية) تتكون من لواء مدرعات، لواء مشاة ميكانيكي، و لواء مظليين سحب من الجبهة السورية للهجوم على جنين و نابلس. و تمت إضافة لواء 55 المظلي من الجبهة الجنوبية للهجوم على القدس. أراد الفريق نركيس تطويق القدس من جهتين، جهة باستخدام المظليين للهجوم من الشمال عن طريق الشيخ جرّاح و الوصول إلى جبل سكوبس و من ثم اﻹنعطاف جنوبا على مرتفع اوغسطا-فكتوريا على حدود القدس الشرقية. و يقوم اللواء 16 (عصيون) باسترجاع جبل المكبر و منزل الحكومة في الجنوب و اﻹندفاع شرقا و شمالا على حدود السور الجنوبي للبلدة القديمة. بينما يقوم اللواء الميكانيكي حاريل بالهجوم من القدس الجديدة شمالاً نحو رام الله و الاتصال مع جبل سكوبس و حصار القدس من الشمال. و يقوم لواء مشاة بالهجوم على اللطرون و دفع الاردنيين عن محور اللطرون-قلقيلية. و أخيرا يقوم لواء مشاة بمراقبة القوات اﻷردنية عند يهودا جنوب الضفة الغربية على حدود البحر الميت. 

المعارك على أطراف القدس

بدأ الصراع على القدس ظهر يوم 5 يونيو عندما شنّت كتيبة من اللواء 16، معزّزة بسرية دبابات قديمة و كثيرة اﻷعطال من طراز شيرمان، هجوما معاكسا على مركز المحافظة. قاتل اﻷردنيون بشكل سيء، حيث فشلوا في التمركز في مواضع مناسبة للدفاع عن المجمع و لم يقدروا على أكثر من مقاومة بسيطة. أثناء المعركة كانت رماية المدفعية غير دقيقة بتاتا و أصابت الطرفين. و قد تأخر التقدم اﻹسرائيلي بسبب صعوبة المرتفع مما سبب تعطل كل دبابات السرية ماعدا ثلاث و كان هجوم المشاة مجزّءا. و رغم ذلك، لم يستثمر اﻷردنيون سوء اﻷداء اﻹسرائيلي. و بقي اﻷردنيون يقاتلون في مواقعهم حتى بعد اقتحام اﻹسرائيليين المجمع. و قد هرب قائد الكتيبة عندما أدرك نتيجة المعركة و بقيت معظم قواته تقاتل بدون أي مناورة أو هجوم معاكس، و كانت هزيمتهم مسألة وقت. 

شكّل النجاح الساحق للهجوم على المقر الحكومي حافزا للكتيبة اﻹسرائيلية للهجوم على نظامين من خنادق  الجيش اﻷردني عرفا باسم (الجرس) و (السجقة) اللذان كانا يحرسان مداخل جبل المكبر الجنوبية. خندق السجقة كان يواجه الغرب و كان يستند على المجمع الحكومي ليغطي جانبه اﻷيمن (أي الشمال) و خندق الجرس يغطي جانبه اﻷيسر. و عندما سقط المجمع الحكومي بيدهم، تمكن اﻹسرائيليون من التقدم شرقاً و من ثم جنوباً ﻹحاطة خندق السجقة و الهجوم على خندق الجرس من الخلف. و كما حصل سابقاً فقد، فقد بقي اﻷردنيون في مواقعهم و قاتلوا حتى الموت، لكن دون شن هجوم مضاد أو تعديل موقعهم لمواجهة الهجوم اﻹسرائيلي من اﻷجناب و الخلف. و بالتالي تم هزيمتهم بدون أي خسائر كبيرة. و ذكر القائد المهاجم ان "في السجقة والجرس قاتل اﻷردنيون بغباء. كانت مواقع اﻹطلاق اﻷردنية سيئة التموضع، و كانوا يتوقعوننا من جهة واحدة فقط و بالتالي كنا نقاتل دائما ضد وحدة منفردة. اتينا خلف السجقة و هاجمنا الجرس من الخلف، و لم يكونوا بالذكاء الكافي ان يعيدوا تنظيم انفسهم ليوقفونا". و في النهاية تم تدمير كامل الكتيبة اﻷردنية مع خسائر طفيفة من الجانب اﻹسرائيلي. 

عند بداية الحرب، كان للأردن 7 كتائب مشاة حول القدس. و مساء 5 يونيو وصلت كتيبة أخرى من اللواء 27 مشاة. و في البداية كان التنسيق بين الكتائب صعبا بسبب تبعيتها لألوية مختلفة. و لإيقاف هذه الفوضى تم تسليم المشير عطا هزّاع (Ata Ali Haza'ah) قائد اللواء الثالث مشاة قيادة القوات اﻷردنية في القدس. كان قلق هزّاع الرئيسي هو أي هجوم اسرائيلي على الشيخ جرّاح ﻹغاثة جبل سكوبس. و امر بالتالي كتيبة من لواءه، المتواجد شمال القدس، للنزول جنوباً للاتصال مع الوحدات المدافعة عن الشيخ جرّاح. و امر الكتيبة  الجديدة التي وصلت من اللواء 27 بالحلول محل تلك الكتيبة.  و في هذه اﻷثناء أدركت عمّان اخيرا ان ادعاءات مصر بتدمير سلاح الجو اﻹسرائيلي لم تكن صحيحة. خصوصا من من كثافة الطلعات الجوية اﻹسرائيلية فوق الضفة الغربية و غياب أي وجود للطيران المصري. و بعد إدراكهم عدم وجود رتل إسرائيلي قادم من الجنوب و أن القدس الشرقية تحت الهجوم، أمر الجنرال رياض اللوائين 40 و 60 المدرعين بالرجوع ﻷماكنهم: اﻷربعين لدعم دفاعات جنين وقت الحاجة و الستين عند القدس لتنفيذ العملية طارق. 

العمليات العسكرية على طول ممر القدس

كان الهجوم اﻹسرائيلي التالي على المواقع اﻷردنية شمال القدس، على طول المرتفعات الحادة المطلة على ممر القدس. أمر الجنرال نركيس اللواء العاشر الميكانيكي بالتوجه شمالا لاحتلال تل الرادار و من ثم التوجه شرقا لتطويق خطوط الدفاعات اﻷردنية عن القدس من الجهة اليمنى. كان المرتفع القريب من تل الرادار تحت حماية كتيبة من لواء المشاة الثاني (الهاشمي) و الكتيبة التي وصلت من اللواء 27 مشاة. و قد بنى اﻷردنيون تحصينات ممتدة على طول هذه المرتفعات، بسبب إدراكهم أهمية هذا الموقع ﻷي هجوم تطويق على القدس أو اندفاع على رام الله من طرف إسرائيل. و لكنهم رأوا المرتفعات حادة جدا اﻷمر الذي يجعل صعود الإسرائيليين مستحيلا و بالتالي تركوا تلك المواضع بدفاعات طفيفة. 

هاجم اﻹسرائيليون الموقع من 5 نقاط. في بعض القواطع هجموا من جهات حصينة للجيش اﻷردني و واجهوا مشاكل كبيرة في ارتقاء المرتفعات العالية اﻹنحدار. حيث فقد اللواء العاشر دباباته العشر من طراز سنتوريون و عدّة دبابات شيرمان بسبب طبيعة الجرف و الأعطال الميكانيكية. و لكنهم في الناهية نجحوا في الوصول لنهاية المرتفع في كل من النقاط الخمسة. في البداية أطلق اﻷردنيون النيران بكثافة على القوات المهاجمة.و رغم ذلك، كان التصويب ضعيفاً و لم يؤد لغير أضرار طفيفة. و قامت الكتيبتان المدافعتان بالدفاع بقوة ضد الهجوم الأولي اﻹسرائيلي. و لكن اﻹسرائيليون كانوا دقيقي التصويب و استخدموا المناورة لتطويق المواقع المدافعة. و في عدة حالات، عندما كان اﻹسرائيليون ينجحون في اختراق النقاط اﻷردنية (حتى لو عن طريق الخطأ) كان الضباط اﻷردنيون يبادرون بالفرار. و قد أورد اﻹسرائيليون في تقاريرهم أنهم لم يأسروا أو يجدوا جثة ضابط واحد من رتبة أعلى من ملازم في هذه المعركة. هروب القادة أدى لنتائج متفاوته: بعض الوحدات انهارت و هربت، و بعضها بقيت في مواقعها تقاتل. و في كل اﻷحوال، و مثلما كان الحال في جبل المكبر، لم يقم اﻷردنيون بتصحيح مواضعهم أو شن هجومات معاكسة لمواجهة اﻹختراقات اﻹسرائيلية لخطوطهم. و بالتالي سقطت المرتفعات بسهولة و بسرعة. و سقطت الدفاعات اﻷردنية في تل الرادار خلال 20 دقيقة.  

بعد احتلال تل الرادار، بات واضحاً أن المعركة بين اللواء 10 مشاة ميكانيك اﻹسرائيلي و اللواء 60 المدرع اﻷردني باتت حتمية. حيث ادرك الطرفان  أن احتلال تل الفول شمال القدس سوف يمكن اﻷردنيين من إيقاف أي تقدم اسرائيلي شمال و شرق المدينة. و عليه، صدرت اﻷوامر لكتيبة دبابات باتون بالصعود للتل بأسرع ما يمكن و صدرت أوامر لكتيبة دبابات إسرائيلية باحتلال نفس البقعة. و بسبب طبيعة الممرات الوعرة و اﻷعطال الميكانيكية، وصل من الكتيبة الإسرائيلية صباح 6 يونيو 6 دبابات شيرمان و 10 عربات نصف مدرعة. و كان اﻹسرائيليون على علم يتحركات اللواء 60 نحو التل و قصفوا الدروع اﻷردنية مرتين أثناء الليل. مما أدى لتدمير دبابتين و عدة عربات نقل، ولكن اﻷثر اﻷهم كان تعطيل حركة الكتيبة التي لم تصل التل حتى فجر 6 يونيو. 

كان للأردنيين كل ميزة ممكنه في معركة تل الفول: في المعدات و اﻷعداد و الموقع. و رغم ذلك خسروا تلك المعركة. و صلت دبابات الباتون بعيد الفجر على التل و فتحت النيران على اﻹسرائيليين من موقع أعلى من موقعهم و أصابت عدة عربات نقل و أجبرت الباقي على اﻹنسحاب. الدبابات اﻹسرائيلية من طراز شيرمان ردت على إطلاق النار. و لكن على مسافة بعيدة نسبية أدّت إلى ارتداد طلقات مدافع ال 75 مم عن درع دبابة الباتون. استمر اﻷردنيون بالهجوم الذي كان يتقدم ببطء و تم تدمير دبابة شيرمان. و لاحظ قائد دبابة إسرائيلي أن اﻷردنيين قد أضافوا خزانات وقود على مؤخرة دباباتهم، و بدأ يطلق النار عليها من مدفع دبابته الرشاش مدمرا إحدى الدبابات. و بعد عدة محاولات نجح في تدمير أخرى مما أدى لانسحاب باقي الدبابات. وصلت باقي وحدات الكتيبة و تمركزت في قرية أسفل التل. و في نفس الوقت وصلت تعزيزات للجانب اﻹسرائيلي. و بسرية دبابات شيرمان و و سرية مشاة ميكانيكية تم الهجوم على الدروع اﻷردنية في تل الفول. معظم دبابات المتيبة اﻷردنية كانت في مواقع سليمة مع إسناد من المشاة المتموضعين في داخل مباني القرية أسفل التل، لكن اﻹسرائيلييون استخدموا جزءا من قواتهم لعمل قاعدة نيران للمشاغلة، بينما انطلق الباقي لضرب الجناح اﻷردني. و في معركة قصيرة خسر اﻷردنيون بين 4-6 دبابات و من ثم انسحبوا. بقيت القوات اﻷردنية (مشاة و دروع) في نفس مواقعها الدفاعية بدل محاولة المناورة لمواجهة اﻹسرائيليين أو حتى تعديل خطوط دفاعهم لمواجهة الهجوم من اﻷطراف. و كانت دقة تصويبهم قليلة، اﻷمر الذي أدى لوقوع خسائر طفيفة فقط في الجانب اﻹسرائيلي. [يذكر الكاتب في الحواشي ان اﻷردن يدعي أن معظم خسائره في المعركة، إضافة لكثير من معارك الضفة، كانت من الضربات الجوية. أما المصادر اﻹسرائيلية، فهي لا تذكر أية ضربة جوية لهذه المعركة. و هو يميل لتصديق الرواية اﻹسرائيلية لسببين: الرواية اﻹسرائيلية مفصلة جدا، منطقية، و تخلو من أي تناقض عكس الرواية اﻷردنية. و يخص بالذكر رواية الجنرال نركيس للأحداث و التي تذكر بدقة مواعيد الغارات الجوية اﻹسرائيلية. ثانيا: منذ حرب حزيران دأب اﻷردنيون على تصوير الطيران اﻹسرائيلي باﻷلة السحرية التي تحل كل مشكل للإسرائيليين و التي لم يكن للأردنيين أي حول أو قوة مقابلها و بالتالي كانت السبب في هزيمتهم. و بالتالي يظهر الطيران اﻹرائيلي كعامل حاسم في الرواية اﻷردنية في كثير من المعارك. و الحقيقة أن ضربات الجو اﻹسرائيلية كانت عديدة و مؤثرة، فإن الحقيقة انها كانت أقل تأثيرا بكثير من اﻹدعاءات اﻷردنية، انظر تقرير فعالية اﻷسلحة (AJTCGME) الذي استنتج أن اﻷضرار التي حدثت للدبابات العربية من الضربات الجوية كانت مضخمة بشكل كبير و انها، في الواقع، كان شبه معدومة.]


معركة اللطرون

قام اﻹسرائيليون بتجميع لواء معزز للهجوم على موقع اللطرون الذي كان مشكلة كبيرة لهم عام 1948. كان للأردنيين كتيبة في الموقع و كتيبة أخرى لحماية اﻷجناب. أراد اﻹسرائيليون عمل هجوم تمويه مكون من سرية استطلاع للواء على الجناح الجنوبي للموقع. اما باقي اللواء فكان دوره الهجوم على الجناح الشمال. بدات متيبة مدفعية ضرب المواقع اﻷردنية في الساعة الثالثة صباح السادس من يونيو. و بعدها بساعة انطلق الهجوم اﻹسرائيلي التمويهي. و رغم أن الحدة اﻹستطلاع كانت خفيفة التسليح و لم تقم بالدفع في هجومها بقوة، انهارت الوحدات اﻷردنية حول اللطرون. استسلم العديد من الجنود و هرب الباقي. قامت أعداد قليلة فقط من اﻷردنيين بالدفاع عن الموقع و سقط الموقع خلال ساعتين.  

معركة القدس

في ليلة 5-6 يونيو، هاجم اﻹسرائيليون تل الذخيرة في منطقة الشيخ جراح للاتصال مع جبل سكوبس. خلال ال19 عام من حكمهم الضفة، حّول اﻷردنيون التل إلى قلعة، مع خنادق محصنة محيطة بالتل، دزينة مرابض مموهة، و حقول ألغام. استخدموا اﻷسلوب البريطاني في الدفاع من كل الجهات، و كل المرابض كان لها مواقع رمي تتداخل مع المواضع المجاورة. كان للأردنيين كتيبة معززة من اللواء الثالث للدفاع عن الشيخ جراح و تل الذخيرة، معززة بالمدافع. بدأ الهجوم اﻹسرائيلي الساعة 2:00 صباحاً. و قام بالهجوم اللواء المظلي 55 و سرية دبابات شيرمان مدعوم بالمدفعية. كان الهجوم تنقصه الرؤية في التخطيط و عابة ضعف التحضير و تردد الضباط في اتخاذ القرارات اﻷمر الذي أبقى المظليين تحت مرمى النيران اﻷردنية (الدقيقة هذه المرة) بينما كان الضباط مترددين بين شن الهجوم في الليل أو في الصباح. 

أخيراً استلم المظليون التعليمات بالهجوم و كان الهجوم على شكل تعرض أمامي على تل الذخيرة و الشيخ جراح. كان اﻷردنيون مستعدون بشكل جيد و حاربوا بعنف. كانت نيرانهم دقيقة و أدت ﻹصابات كثيرة في الإسرائيليين أثناء عبورهم المنطقة الحرام بين اﻷلغام اﻷردنية و اﻷسلاك الشائكة. في النهاية دفع اﻹسرائيليون ووصلوا القاعدة الجنوبية لتل الذخيرة  و من هناك بدأ التقدم شمالا نحو الدفاعات اﻷردنية على سفح التل. حارب اﻷردنيون بمنتهى الشجاعة دون أدنى تراجع. و بسبب التصميم اﻷردني، و حسن التصويب، و التصميم الممتاز للخنادق، أوقعوا خسائر كبيرة في اللواء المظلي. و لكن، مرة أخرى، لم يتم تغيير مواقع القوات او اتجاه التصويب لتعزيز المواقع التي قام اﻹسرائيليين باختراقها، و لم يقوموا بأي هجوم مضاد. بل على العكس، تمسكوا بمواقعهم بعناد - حتى عندما كانت في اﻹتجاه الخاطئ للهجوم اﻹسرائيلي. إضافة لذلك، كانت المدفعية اﻷردنية فعالة فقط في الرماية على اهداف محددة مسبقا، وبالتالي كان لها تأثير عند مرور الوحدات اﻹسرائيلية في المنطقة الحرام فقط. فرق المدفيعة الصغيرة (المورتر) كانت مرنة بشكل كاف و اثبتت فعالية طوال المعركة، لكن تأثيرها محدود بسبب عدم تحرك المشاة من أماكنهم مع تطور اﻷحداث. فقط عندما بدت النهاية قريبة و حتمية قام قائد السرية اﻷردني بهجوم معاكس باﻹحتياطي الباقي. و هذا الجهد الضعيف ادى فقط لتأخير اﻹسرائيليين لفترة وجيزة سمحت للقائد باﻹنسحاب قبل أن تطوق القوات اﻹسرائيلية الهجوم. في نهاية الصباح، خسر اﻷردن تل الذخيرة و كانت خسائر اﻷردن 106 قتيل و 100 جريح، أما خسائر إسرائيل فكانت 50 قتيل و 150 جريح.  

أدى سقوط تل الذخيرة إلى تساقط المواقع اﻷردنية حول البلدة القديمة. تفككت الوحدات المدافعة عن الشيخ جراح و هربت عند مهاجمتها من المظليين اﻹسرائيليين. حيث قموا ببعض المقاومة عندما كان اﻹسرائيليون في بداية الهجوم، أي عند حقول اﻷلغام و اﻷسلاك الشائكة ثم ما لبثوا ان تركوا مواقعهم قبل أن يقترب اﻹسرائيليون منها. اندفع اﻹسرائيليون في الثغرة و اتجهوا نحو القدس الشرقية محاولين التقدم شرقا لحصار المدينة القديمة من كل بواباتها. قام بعض الجنود اﻷردنيون بجهود فردية للصمود في هذه المنطقة بينما هرب الباقي. اضطر اﻹسرائيليون للتقدم ببطء و حذر ﻹخلاء المنطقة من القناصة، و الحواجز، و الخنادق. لكن المقاومة اﻷردنية كانت فردية و غير منظمة اﻷمر الذي ادى فقط لإبطاء اﻹسرائيليين دون إيقافهم. 

مع حلول صباح 6 يونيو كانت المبادرة مع اﻹسرائيليية كليا حول القدس، و لم يكن امام الوحدات اﻷردنية فيها أكثر من تعطيل و إبطاء التقدم اﻹسرائيلي. معظم المدفعية اﻷردنية على التلال الشرقية للمدينة تم إسكاتها من الطيران اﻹسرائيلي. و بدأت القوات المظلية اﻹسرائيلية التقدم شرقا عبر الحائط الشمالي للبلدة القديمة. تمتع القناص اﻷردنيون بدقة الرمي و أحدثوا خسائر إضافة ﻹبطاء سرعة التقدم اﻹسرائيلي. جنوب المدينة القديمة هاجم اللواء 16 المواقع اﻷردنية في أبو طور، شمال جبل المكبر. الهجوم كان تعرضا أماميا سيء التنفيذ أدى لوصول القوات مجزأة امام الدفاعات اﻷردنية مما مكن اﻷردنيين من إحداث خسائر كبيرة باستخدام المدفعية و اﻷسلحة الخفيفة. و مرة أخرى فشل اﻷردنيون في إعادة تنظيم قواتهم متى ما تمكن اﻹسرائيليون من اختراق مواقعهم. حيث كان هجومهم الوحيد المضاد من أربع مقاتلين الذين لم ينجحوا رغم شجاعتهم من إيقاف اﻹسرائيليين من السيطرة على التلة. بعدها استدار المهاجمون شمالا و اخترقوا المواقع اﻷردنية المدافعة عن جبل صهيون من الخلف، حيث انهارت الدفاعات اﻷردنية و انسحبت القوات امام مناورة التطويق اﻹسرائيلية. 

لاحقاً ذلك اليوم، انضمت قوات المظليين شمال المدينة إلى كتيبة دبابات الشيرمان من اللواء العاشر ميكانيكي، و التي كانت قد احتلت تل الفول، ثم أرسلت كتيبة مشاة لاحتلال رام الله و كتيبة الدبابات للشرق للمشاركة تطويق القدس. لم تستطع الوحدات اﻷردنية شرق القدس منع الدروع اﻹسرائيلية، و في منتصف الصباح كان اللواء على بعد كيلومتر واحد من تل الذخيرة. و كانت هناك كتيبة من اللواء الثالث للمشاة متموضعة شمال تل الذخيرة تمكنت من عمل كمين للقوة اﻹسرائيلية، و بمساعدة خطأ من غارة جوية إسرائيلية دمّر دباباتين شيرمان و آلتين نصف مدرعة و أصاب دبابة بعطل. و مثل تل الذخيرة كان نظام دفاع الكتيبة دائري (مثل القنفذ) على جنوب التل. أرسل اﻹسرائيليون قوة لتثبيت اﻷردنيين في خنادقهم، و أرسلت بقية القوات مع الدبابات للشمال . و رغم تصميم الدفاع الجيد، و وفرة اﻷسلحة المضادة للدبابات، لم يكن اﻷردنيون ندا للصهاينة. حارب بعض اﻷردنيون بشراسة، و اضطر اﻹسرائيليون لإخراجهم من الخنادق بقتال قريب. و لكن كما حدثت اﻷمور سابقا، لم ينجح اﻷردنيون في شن هجوم مضاد أو إعادة توزيع قواتهم لإيقاف عمليات اﻹختراق و التطهير اﻹسرائيلية.

في نهاية يوم 6 يونيو كانت المدينة القديمة بحكم المحاصرة من القوات اﻹسرائيلية. و كان طريق اوغستا-فكتوريا هو الطريق الوحيد تحت سيطرة اﻷردنيين. كان للعميد هزاع كتيبة واحدة باقية في المدينة القديمة، و مجموع نصف كتيبة من وحدات أصغر وضعها لحماية هذا الطريق. و رغم اعتقاد هزاع ان المدينة بحكم الساقطة، فإن الملك طلب منه محاولة التمسك بالمدينة القديمة و الممر حتى وصول تعزيزات. و عند المساء أرسل اﻹسرائيليون قوة مظليين مع بعض الدبابات الشيرمان لأخذ هذا الممر و إتمام الحصار على المدينة القديمة. ضل الإسرائيليون طريقهم في الظلام، و بدل أن يصعدوا المرتفع المؤدي للممر، نزلوا إلى وادي القدرون بين المدينة القديمة و الممر حيث وقعوا في مرمى النيران اﻷردنية من جهتين. دمّر اﻷردنيون دبابتين و عدة عربات نقل (جيب) قبل أن ينسحب اﻹسرائيليون و يعيدوا تجميع قواتهم. و في نفس المساء طلبت عمان من اللواء 27 مشاة تعزيز القوات المدافعة عن القدس كما وعد الملك. و في نفس الوقت اقتربت الكتيبة الثانية من اللواء 60 من المنطقة بعد ان تم إبعادها عن مستوطنة رامات راحيل قبلها بيوم. و لكن كلا القوتين ضربتا من الطيران اﻹسرائيلي، اﻷمر الذي ادى لخسارة عدة دبابات و تشتت كلا القوتين و إمضاء الليل في إعادة التجميع. 

معارك شمال السامرة

في شمال الضفة الغربية، كانت الترتيبات اﻷردنية دفاعية بحتة. و ذلك لكبر مساحة المنطقة مقارنة بقدرة 3  ألوية زائد كتيبة مشاة و لواء زائد كتيبة مدرعة. كان يأمل اﻷردنيين في تقليل اﻷراضي التي ستتم خسارتها و منع الجيش اﻹسرائيلي من تقدم رئيسي نحو نهر اﻷردن أو نحو محور نابلس - جنين - رام الله. و بالتالي تم تمركز اللواء 25 مشاة و الكتيبة 12 مدرعة عند جنين. و تمركز اللواء اﻷول مشاة عند طولكرم و قلقيلية، و أخيرا اللواء السادس مشاة  و اﻷربعين المدرع عند جسر دامية في وادي اﻷردن. 

قرأ اﻷردن النوايا اﻹسرائيلية بصورة سليمة. حيث خطط اﻹسرائيليون لعمل مظاهرة عسكرية عند وادي بيت شيان متظاهرين بمحاولة دخول وادي اﻷردن. وفي ذات الوقت يذهب لواء أخر للمشاة من الساحل لدفع اﻷردنيين من طولكرم و قلقيلية. و أخيرا يكون الهجوم الرئيسي مكون من لواء مدرعات، لواء مشاة ميكانيكي، و لواء مشاة من المنطقة الشمالية لتدخل من الشمال إلى جنين و من بعدها نابلس. و عليه، رغم اتساع رقعة المنطقة العسكرية، كان عدد قوات الطرفين متماثلا و كان تمركز اﻷردنيين ممتازا على طول محاور التقدم اﻹسرائيلية. 

جنين

في الخامسة مساءا بدأ الهجوم اﻹسرائيلي على جنين. قام سلاح الجو اﻹسرائيلي بضربة على مواقع المدفعية اﻷردنية في وادي دوتان حيث عبرت 3 ألوية إسرائيلية نحو الضفة. قام الجنرال بيليد (Peled) بوضع قواته المدرعة شرق جنين و اتجهت جنوبا لقطع طريق جنين طوباس. و قام اللواءان اﻷخران بتطويق المدينة من الجهة الثانية: لواء المشاة دخل من شمال المدينة و اقتحم لواء المشاة الميكانيكى الدفاعات اﻷردنية الضعيفة شمال غرب المدينة جنوبا على شكل مجموعتي قتال. قام قائد القوات اﻷردنية العميد عواد محمد الخالدي بتقسيم قواته لمجموعتي قتال: كل واحدة تحوي المشاة، صائدي الدبابات و سرية دبابات باتون لصد تقدم مجموعتي المشاة الميكانيكية اﻹسرائيلي. من المرجح ان الخالدي ادرك ان حجم قواته صغير و لا يسمح له بالدفاع عن المدينة. و لكنه كان يعلم ان اللواء 40 كان يتجه شمالا نحوه بعد أن امضى الصباح متجها نحو اريحا جنوبا. و كان الخالدي يأمل في مواجهة اﻹسرائيليين في مواقع دفاعية ممتازة لتعطيل تقدمهم حتى يصل اللواء 40. 

اصطدمت إحدى مجموعتي اللواء الميكانيكي اﻹسرائيلي بقوة الصد على الجهة الشمالية من وادي دوتان. كان اﻷردنيون موزعين على 3 خطوط متقاربة عند بداية الوادي، و تشكل دبابات الباتون الخط اﻷخير. و بسبب عدم وجود طريق اخر للالتفاف حول القوة قام اﻹسرائيليون بهجومين تعرضيين، و استطاع اﻷردنيون صدهم مع إحداث خسائر في المرتين. و الجدير بالذكر انه إضافة للموقع القوي، كانت قوات الخالدي تملك ميزة ممتازة في عدم وجود أسلحة اسرائيلية قادرة على تدمير دبابة الباتون الاردنية وهي داخل خندق اﻹطلاق. لكن اﻹسرائيليين توصلوا لحيلة ذكية، حيث بدأوا بالتراجع فجر يوم 6 يونيو كما لو كانوا ينسحبون. و افترض القائد اﻷردني أن اﻹسرائيليين بدأوا يهربون، و انطلق بدباباته ليجهز عليهم. هاجمت الدبابات دون دعم مشاة لتجد اﻹسرائيليين يعودون و يبدأوا في إطلاق النار. حيث يمكنهم اﻵن من المناورة و ضرب الباتون من اﻷجناب مما أدى لخسارة اﻷردنيين لثمان من أصل 13 دبابة قبل التراجع. و قام اﻹسرائيليون بتكرير العملية و تبعهم اﻷردنيون مرة اخرى ليتكرر نفس اﻷمر مع القضاء على باقي الدبابات. و بعد هذه العملية، اندفعت القوات اﻹسرائيلية لاستكمال هجومها. دافعت المشاة و أطقم صيد الدبابات اﻷردنية بقوة و تم لهم صد الهجوم الأولي. و لكن لم يستطيعوا في النهاية صد الهجوم اﻹسرائيلي بدون دروع. 

النجاح اﻹسرائيلي في وادي دوتان أدى لكشف الدفاع اﻷردني داخل جنين. و قد بقي للواء الخالدي قوة صغيرة في المدينة، ولا أخبار عن اللواء 40 بعد. و في ليلة 5-6 يونيو، طلب الخالدي من قوته الثانية ترك موقع الصد و اﻹنسحاب لداخل جنين. مما سمح للقوتين اﻹسرائيليتيين بالإندماج معا و الهجوم على جنين من الجنوب صباح 6 يونيو. في هذه اﻷثناء كان لواء المشاة قد تقدم جنوبا و انضم للهجوم. و قاتل اﻹردنيون بقوة و أحدثوا بعض المشاكل للهجوم اﻹسرائيلي، لكن بقايا دبابات الباتون تمت هزيمتها من قبل الشيرمان و خلال نصف ساعة، كانت جنين بحكم الساقطة. و وقتها، أطلت قوات اللواء 40 على المدينة، مثل خيالة رعاة البقر في أفلام الغرب المتوحش. 

معركة تقاطع قباطيا

كان قائد اللواء 40، العميد راكان الجازي ، يحث قواته على سرعة الوصول لجنين لعمل هجوم مضاد على القوات اﻹسرائيلية. كانت هذه مهمة اللواء 40 اﻷساسية منذ بداية الحرب و قد امضى وقتا في التخطيط و تدريب قواته عليها. و عندما اقترب اللواء من الوصول يوم 5 يونيو (بعد التوجه ﻷريحا ليحل محل اللواء 60) قام الجازي بفصل سريتي دبابات و دمجهما مع سرية من الكتيبة 12 المدرعة لعمل حاجز صد على طريق جنين - طوباس. و أكملت بقية القوات سيرها نحو جنين.  

جنوب شرق المدينة، اصطدم اللواء 40 بسرية استطلاع للواء الميكانيكي اﻹسرائيلي. كانت القوة المكونة من مدرعات، سيارات جيب، و عربات نصف نقل تؤدي مهمة التقدم نحو جنين للسيطرة على تقاطع قباطيا حيث يلتقي طريقي جنين-نابلس و جنين-طوباس. بينما تقوم بقية قوة الجنرال بيليد بتطهير المدينة. قام العميد الجازي بإرسال جزء من قواته لضرب قوة اﻹستطلاع و أرسل قوة أخرى حول التلال لتحاصرها من الشرق. كانت  القوة اﻹسرائيلية أقل عددا و عدة عندما تم تطويقها. خسروا عدة عربات في المواجهة لكنهم انسحبوا نحو موقع دفاعي جيّد تمكنوا من الصمود فيه. مرة أخرى، قسم العميد الجازي قواته. و ترك بعضها لينهي القوة اﻹسرائيلية المحاصرة و استمرت بقية قواته في الهجوم على جنين. من جانبه كان الواء بيليد على علم بما يدور في الجنوب. و أرسل كتيبة شيرمان من اللواء الميكانيكي لمساعدة السرية المحاصرة. أما القوات اﻷردنية داخل جنين، و بعد سماعهم صوت المعركة في الجنوب و رؤية ذهاب الدبابات اﻹسرائيلية، قامت القوات اﻷردنية بعمل هجوم معاكس. و رغم أن الهجوم لم يشكل أي خطر على اللواء الميكانيكي، فقد أدى لتثبيت المشاة اﻹسرائيليين عند المدينة و منعهم من مرافقة دروعهم في عملية النجدة.  

علم العميد الجازي من كشافته بأن الدرع اﻹسرائيلي يتقدم نحوه. و أمر دروعه باتخاذ وضعية اﻹطلاق من اﻹختباء (Hull-down: حيث تكون الدبابة خلف مانع يعطي جزءها السفلي حتى سبطانة المدفع)، و عمل كمين على الطريق المؤدي للقوات اﻹسرائيلية المحاصرة. كانت دبابات السوبر شيرمان على مستوى منخفض من الوقود و الذخيرة و مشوا على الطريق ليصطدموا بالكمين اﻷردني المكون من 50-60 دبابة باتون. و اشتعلت المعركة التي خسر فيها اﻹسرائيليون 17 دبابة مقابل حفنة من الدبابات اﻷردنية. بدأت الدروع اﻹسرائيلية اﻹنسحاب، و أمر الجازي قواته بملاحقتها. لكن حال التدخل اﻹسرائيلي المدفعي دون مطاردة اﻷردنيين للانسحاب اﻹسرائيلي اﻷمر الذي مكنهم من إعادة التجمع و اﻹستعداد لجولة أخرى. تمت محاولة أخرى بعد عدة ساعت لتنتهي بانسحاب إسرائيلي بعد ضربة موجعة أخرى و أنقذت المدفعية اﻹنسحاب اﻹسرائيلي مرة أخرى. في ذلك المساء شن الطيران اﻹسرائيلي غارة على اللواء ادت إلى فقدان عدد قليل من الدبابات اﻷردنية، و كان اﻷهم أنها ثبتت اﻷردنيين في مواقعهم مما سمح للدروع اﻹسرائيلية بعمل حركة التفاف خلف مركز القوات اﻷردنية و تحرير كتيبة اﻹستطلاع المحاصرة و اﻹنسحاب لجنين. 

صباح يوم 7 يونيو، استكمل اﻹسرائيليون هجومهم على اللواء 40 على تقاطع قباطيا. كان الهجوم مدعوما بقصف جوي ثقيل، و استخدم اﻹسرائيليون جزءا من قواتهم المدرعة الباقية لتثبيت اللواء اﻷردني بينما تقوم القوات الباقي بمحولة تطويق اللواء من اليسار. و في النهار بدأت الضربات الجوية اﻹسرائيلية تحدث خسائر كبيرة مقارنة بالليلة السابقة. و قد انتبهت قوات الجازي للمناورة اﻹسرائيلية و قرر العميد اﻹنسحاب خوفا من التطويق. هذا اﻹنسحاب من المواقع الحصينة أدى لاندفاع اﻹسرائيليين بالهجوم مع معاونة سلاح الجو. اﻷمر الذي شتت اللواء و خسارته لحوالي نصف قوته. (في الهامش يذكر الكاتب أن هناك خلافا بين المصادر حول سر انهيار اللواء اﻷردني بهذه السرعة. تقول المصادر اﻷردنية أن السبب هو ان سلاح الطيران قد دمر الكثير من مدرعات اللواء لكن المؤلف يختلف مع هذا التفسير المستخدم في كل معركة أردنية خاسرة عام 1967. حيث يراها مجرد عامل من عدة عوامل بسبب الدراسات المسحية التي أجراها اﻷمريكيون بعد المعركة عندما استنتجوا أن معدل نجاح الضربات الجوية اﻹسرائيلية في تلك الحرب هو بين 0.5 و 0.2 لكل طائرة لكل طلعة جوية. و بالتالي لتدمير حتى 70 دبابة اردنية كان يحتاج سلاح الطيران إلى 140 غارة فردية خلال 30 دقيقة (مدة المعركة). وهو مايتطلب إما وقتا طويلا إذا افترضنا ان هناك 70 طائرة عملت غارتين. أما لو فرضنا ان هناك 140 طائرة عملت غارة واحدة فسوف يعني هذا استخدام معظم سلاح الطيران اﻹسرائيلي (حوالي 165 طائرة صالحة يوم 7 يونيو) في ضرب اللواء. بينما تجمع كل المصادر على وجود قصف جوي على كل القوات اﻷردنية المنسحبة إلى الضفة بمجموع 233 طلعة فردية. و بالتالي يبدوا ان اللواء اﻷردني وقع تحت 40-50 غارة ذلك الصباح بخسارة عدة أليات فقط لهذه الغارات. 

معركة طريق جنين-طوباس
مثلما كان مخططا، و في ليلة 5 يونيو، قام لواء الدروع من قوات بيليد بالهجوم على الهضاب شرق جنين و وصلت طريق جنين-طوباس جنوب المدينة. الغريب أن هذه القوات وصلت الطريق بعد فترة وجيزة من مرور اللواء 40 الأردني المتجه شمالا نحو جنين. و استدار اﻹسرائيليون جنوبا نجو طوباس و نابلس. و شمال طوباس وقع اﻹسرائيليون في كمين أردني احدث خسائر في قوة اﻹستكشاف التي كانت تتقدم القوة الرئيسية. لكن قوات الكمين اﻷردنية فشلت في اﻹنسجاب بعد اﻹشتباك، و ثبتهم اﻹسرائيليون بنيران المدفيعة، و طلبوا الدعم الجوي من الطيران اﻹسرائيلي و قاموا بعملية مشتركة بين الدروع و المشاة ادت للقضاء على قوة الكمين. و بعدها بقليل اصطدم اﻹسرائيليون بكتيبة من اللواء 40 و الكتيبة 12 دروع التي كان الجازي قد تركها على الطريق لحراسته. و قد وجد اﻷردنيون موقع صد ممتاز حيث يمر الطريق بمرتفعات مطلة تمنع أي مناورة التفاف من الجانب اﻹسرائيلي. و بالتالي لم يكن امام اللواء المدرع اﻹسرائيلي غير الهجوم المباشر تمكن اﻷردنيون من صده بقوة النار. لكن بسبب التحصين الجيد لدبابات السنتوريون، لم يخسر اﻹسرائيليون سوى 3 دبابات فقط. تراجع اﻹسرائيليون و أعادوا تجميع قواتهم و قاموا بهجوم ثان بعد عدة ساعات بمساعدة سلاح الطيران. لم تحدث الضربة الجوية اكثر من خسائر بسيطة و تمكنت الباتون اﻷردنية مرة أخرى من صد السنتوريون اﻹسرائيلية. 

أدرك القائد اﻹسرائيلي انه لن يستطيع فتح الطريق بهذه الكيفية. بدل ذلك انتظر حتى الساعة الواحدة من صباح يوم 7 يونيو و قام بعمل هجوم مباغت في نفس الوقت مع تنفيذ قصف مدفعي في نفس الوقت. و كما أمل اﻹسرائيليون كان الكثير من القوت المدافعة نائمين و تمت مفاجأتهم بصورة تامة. بعض اﻷردنيين هربوا بينما واجه اﻷخرون صعوبة في تجاوز الموقف مما سمح لدبابات الطليعة اﻹسرائيلية باقتحام المواقع اﻷردنية و تفجير الدبابات اﻷردنية قبل تمكنها من دخول المعركة. هرب معظم اﻷردنيون بفعل المفاجئة و تفككت القوات الباقية بسرعة. بعد تأمين الموقع قام اﻹسرائيليون بمطاردة اﻷردنيين، لكن دبابات الباتون كانت أسرع من السنتوريون و لم يستطع اﻹسرائيليون اﻹطباق على القوة المحاصرة. عند الفجر قام سلاح الجو اﻹسرائيلي بغارة على القوات المنسحبة و اوقعوا عدة إصابات في الدبابات و ناقلات الجنود اﻷردنية. 

قام اﻷردنيون بوقفتهم اﻷخيرة في نابلس. حيث قامت بقايا الكتيبة 12 المستقلة و اللواء 40 و عدة دبابات و تشكيلات التي حاربت في الضفة بالتجمع شرق نابلس. لحماية الطريق إلى وادي اﻷردن وجسري داميا و ألنبي. دخل اﻹسرائيليون نابلس دون مقاومة و أرسلوا سرية استطلاع مدرعة لاستطلاع الطريق نحو وادي اﻷردن. و هناك اصطدمت القوة اﻹسرائيلية (المكونة من عربات مدرعة) بالقوة اﻷردنية (التي احتوت حوالي 25 دبابة باتون). و عندما أدرك القائد اﻷردني أنه متفوق عدديا و نوعيا قرر الهجوم على قوة اﻹستطلاع. حافظ اﻹسرائيليون على رباطة جأشهم، و انسحبوا تكتيكيا خلف حواجز تسمح لهم بالضرب و إيقاف الهجوم اﻷردني. وصل سلاح الطيران اﻹسرائيلي بسرعة و ضرب الدبابات اﻷردنية بقوة. و تحت تأثير التعب و المعنويات المنخفضة قام اﻷردنيون بالتراجع. قامت الدبابات الإسرائيلية الخفيفة بمطاردة فلول القوات اﻷردنية و حققت إصابات ممتازة في مؤخرة الباتون الضعيفة التسليح. و بين الضربات الجوية و المطاردة اﻹسرائيلية، تم تدمير معظم القوة اﻷردنية. 

اﻹنسحاب اﻷردني

بدا وضع الجبهة سيئا لقيادة اﻷركان في عمان منذ عصر السادس من يونيو. فقد تدمرت القوة الجوية اﻷردنية، و سقطت قلعة اللطرون بسرعة، اللواء اﻷول (لواء اﻷميرة عالية)  مشاة، و المدافع عن قلقيلية و طولكرم، انهار ذلك اليوم بعد مهاجمته من لواء مشاة إسرائيلي. في القدس سقطت المواقع الحصينة في تل الذخيرة، الشيخ جراح، و تل مفتار أمام الدروع و قوات المظلية اﻹسرائيلية بينما سقط القسم الجنوبي مثل أبو طور و جبل صهيون بيدي لواء عتصيون. المدينة القديمة كانت محاصرة ما عدا مرتفع اوغسطا-فكتوريا المؤدي لطريق أريحا. و كانت جنين قد سقطت و كانت القوة الوحيدة الصامدة (حتى ذلك الوقت) هي اللواء 40 عند قباطيا. إضافة لذلك، كان الطيران اﻹسرائيلي يجعل أي دفاع منسق عن الضفة مستحيلا. حيث كانت الطائرات اﻹسرائيلية تحلق فوق وادي اﻷردن باستمرار و تدمر الأرتال العسكرية على جانبي الضفة. حيث احدثت اضطرابا في حركة اللواء 27 مشاة و كذلك اللواء 60 دروع عندما توجه لدعم الدفاع عن القدس. و كذلك ضرب الطيران بقوة اللواء 6 مشاة (لواء القادسية) اثناء حركته نحو القدس. و عليه، رغم بقاء طريق القدس أريحا بيد اﻷردن نظرياً، فإنه كان عمليا بحكم المقطوع بسبب سلاح الجو اﻹسرائيلي. 

إضافة لذلك، كانت قيادة اﻷركان في اﻷردن تعتقد أن اﻷمور أسوأ مما هي عليه فعليا في الضفة الغربية بسبب المبالغات و عدم الصدق في التقارير الميدانية. كان هناك ميل عام للقادة الميدانيين في المبالغة بحجم القوات اﻹسرائيلية التي امامهم، و بحجم و عدد الضربات الجوية التي زارتهم، و حجم خسائرهم. و يقتبس الكاتب شهادة سمير مطاوع "عامل أخر ادى لنشر اﻹحساس بالهزيمة هو المبالغة في التقارير المرسلة لقيادة اﻷركان من الضباط الميدانيين. و التي ذكرت حصول خسائر مهولة و كانت عاملا لدفع القيادة العامة على اﻹستنتاج انه لا توجد فرصة لها ﻹبقاء السيطرة على المنطقة و انهم كانوا بين خيارين: إما المقاومة اليائسة أو اﻹنسحاب بما يخفف من الخسائر غير الضرورية". و بناءا على هذه التقارير بدأت القيادة العامة تشعر ان الوضع في الضفة أصبح خاسرا منذ مساء الخامس من يونيو، و كانت التقارير الميدانية مقلقة لدرجة ان القيادة العامة استنتجت ان معدل الخسائر بالدبابات هو حوالي دبابة كل 10 دقائق (يذكر مثال ذلك في الحاشية ان قائد اللواء 60 اخبر القيادة العامة انه بقي بحوزته حوالي 6 دبابات يوم 7 يونيو بسبب الغارات الجوية، بينما الحقيقة انه كان لديه على اﻷقل كتيبة دبابات).

و لم تصل المساعدات العربية، حيث وعدت العراق و سوريا و السعودية و مصر بتقديم الإسناد وقت الحرب. و قد أرسل المصريون كتيبتي صاعقة وقت بدء المعارك، و اللتا حاولتا اختراق الحدود و القيام بعمليات تخريب للطرق و المطارات و سكك الحديد، لكن هجماتهم كانت ضعيفة و تمت اسرهم كلهم. و قام العراق بتحريك اللواء 8 مشاة ميكانيكي، كمقدمة لقوة اكبر على اﻷرجح، لكن الطيران اﻹسرائيلي قصفه بشكل مستمر على طريق مفتوح شرق اﻷردن. و الكتيبة السعودية كانت بطيئة الوصول، و لم يأت شيء من سوريا غير كلمات التشجيع. 

و كانت القشة التي قصمت ظهر البعير للأردنيين هي إدراكهم عصر 6 يونيو ان الجيش المصري تم تدميره، و عليه لم يكن من المعقول توقع مساعده منهم. اتفق الملك حسين و الجنرال رياض على أمر اﻹنسحاب العام من الضفة لتجميع القوت و تشكيل خط دفاع عن العاصمة عمان. أصدر الملك هذا اﻷمر الساعة 10:00 مساء يوم 6 يونيو. و لكن، و خلال دقائق، صدر قرار من اﻷمم المتحدة يطلب وقف إطلاق النار (ملاحظة: انعدام التنسيق الدبلوماسي هذا يمكن أن يضاف إلى كوارث هذه الحرب). و فكّر الملك أن وقف أطلاق النار بناءً على قرار اﻷمم المتحدة ممكن ان يتم تنفيذه مع بقاء المناطق التي فيها الجيش تحت السيطرة اﻷردنية، و طلب الملك من الفريق رياض إصدار اﻷوامر للقوات بالحفاظ على مواضعها حتى يدخل إطلاق النار حيز التنفيذ. لكن اﻹسرائيليين رفضوا وقف إطلاق النار و هو ما كان المسمار ألخير في نعش القوات اﻷردنية في الضفة الغربية. و بعض الوحدات لم تستلم أوامر الجنرال رياض الثانية أصلا. و بعضها استلمها بعد دفعه إلى شرق نهر اﻷردن. أما بعض الوحدات التي بدأت اﻹنسحاب بناءا على اﻷمر اﻷول و عادت بناءا على اﻷمر الثاني بعد ساعة أو أكثر، فقد وجدت اﻹسرائيليين في مواضعهم السابقة و تم تحقيق إصابات مؤلمة في القوات التي حاولت استعادة مواضعها السابقة بهجوم تعرضي مباشر. 

صباح يوم السابع من يوينو، كانت الضفة الغربية في حكم المفقودة. كانت الوحدات اﻷردنية تنفذ انسحابا شاملا نتيجة لهزائمهم أو لأوامر الملك. و كان اﻹستثنناء الوحيد هو الوحدات التي كانت تقاتل في شمال السامرة تحت إمرة الجنرال الجازي التي هزمت و بدأت انسحابها مساء ذلك اليوم، كان اﻹنسحاب فوضويا و كانت القوات اﻹسرائيلية في اعقاب الفلول و معها الطيران اﻹسرائيلي. بعض الوحدات اﻷردنية، مثل بقايا اللواء الثالث في القدس، اسنحبت بمهارة. بينما انسحبت وحدات أخرى مثل اللوائين اﻷول و 29 مشاة و الكتيبة 10 دروع بشكل فوضوي و تركوا الكثير من أسلحتهم الثقيلة اثناء هروبهم نحو النهر. و عند الظهر أمر الملك بإنسحاب كامل للقوات شرق النهر. و أخيرا في الثامنة مساء قبل وقف إطلاق نار برعاية اﻷمم المتحدة و قبلت به تل أبيب أيضا. 

في الحساب النهائي، كانت خسائر اﻷردنيين ثقيلة، و لكن اﻹسرائيليين لم يعبروا للنصر دون معاناة. كانت خسائر الأردن 6-7 ألاف قتيل و على اﻷرجح حوالي 12-20 ألف جريح. إضافة لذلك، خسرت عمان حوالي 200 دبابة - أكثر من 50 منها تركتها القوات المنسحبة - و 150 قطعة مدفعية على اﻷقل. خسر اﻹسرائيليون 302 قتيل و 1453 جريح. و خسروا حوالي 100 دبابة، و لكن على عكس اﻷردنيين، تمكن اﻹسرائيليون من إصلاح بعضها و إعادتها للخدمة. 

الفعالية العسكرية للجيش اﻷردني في حرب عام 1967

من المحتمل أن الجيش اﻷردني قد حارب أفضل من نظرائه العرب المشاركين في حرب عام 1967، و لكن ليس أفضل بكثير. و رغم شبه التوازن في العدد و العدّة، خسر اﻷردنيون بأكثر من 10 أضعاف ما خسر اﻹسرائيليون في اﻷرواح. و بشكل عام، كان أداء القوات اﻷردنية غير متماثل، أو حتى على طرفي نقيض. بعض القوات حاربت بشكل ممتاز، بينما الغالب حارب بشكل ضعيف. باﻹضافة لذلك، بعض مستويات العمليات العسكرية للجيش بشكل عام كان ضعيفا، اما بعض المستويات اﻷخرى فتم التعامل معها بشكل جيد. 

المقارنة بين أداء الجيش اﻷردني عام 1967 و أداؤه عام 1948 صادمة. من ناحية، كانت إسرائيل تملك ميزات إضافية عام 1967 مقارنة بعام 1948 و هو ما زاد من مقدار الفشل اﻷردني في هذه الحرب. بالتحديد، لم تكن تمتلك إسرائيل تمتلك سيطرة جوية مطلقة و سلاح طيران ممتاز عام 1948. و لكن كان هناك عوامل متساوية في كلا الحربين، و حتى بعض الفروقات كان من المفروض أن تميل لمصلحة اﻷردنيين أكثر. التوازن العددي كان متساويا في كلا الحربين، و لو كان هناك فارق عددي، فقد كان لمصلحة إسرائيل أكثر عام 1948. كان اﻷردن يدافع عن إقليم محصن طبيعيا في كلا الحربين (الضفة الغربية). و كذلك كانت إسرائيل مضطرة لتقسيم قواتها في كلتا الحربين، لكن عام 1967 أصبحت سيناء هي الجبهة الرئيسية بدلا من الجيش العربي عام 1948 و الذي نال حصة اﻷسد من القوة العسكرية اﻹسرائيلية. كان توازن المعدات لا يزال يميل لمصلحة اﻷردن عام 1967، و لكن ربما بشكل أقل من عام 1948 و لكن الفارق في كلا الحربين لم يكن حاسما.  

ولو وازنا كل هذه العوامل، يبقى اﻹستنتاج بأن الجيش اﻷردني قاتل بشكل أسوأ عام 1967 مقارنة بعام 1948. في حرب اﻷيام الستة، كان من المحتمل أن قيادة اﻷلوية كانت على مستوى جيد. لكن على المستوى أقل من ذلك، كانت فقط وحدات قليلة من الجيش اﻷردني تقاتل بأي تناسب مع المستوى اﻹسرائيلي. و في المحصلة، في حرب 1948، نجحت قوات تعتبر امتدادا للجيش البريطاني اﻹستعماري في الدفاع عن موقع دفاعي حصين ضد ميليشيات إسرائيلية ضعيفة التدريبب و التسليح و التنظيم لعدة أشهر. عام 1967، نفس الجيش اﻷردني في نفس المنطقة العسكرية، لكن بدون الضباط اﻹنجليز، عندما قابل جيشا حسن التدريب، وحسن التنظيم، و مع سلاح مناسب لم يصمد أكثر من 3 أيام تم تدميره بعدها. 

اﻷداء اﻹستراتيجي

كانت القيادة اﻷردنية معقولة في معظم المجالات لكنها عانت من عدة أخطاء حاسمة. خطة اﻷردن للدفاع عن الضفة الغربية كان فيها بعض عوامل القوة و بعض عوامل الضعف، لكن العوامل اﻹيجابية تجاوزت السلبية على اﻷرجح. من جهة، كانت القيادة اﻷردنية محقة انها لن تستطيع الدفاع عن كل الضفة أمام هجوم إسرائيلي رئيسي. الفكرة بان يتم مبادلة احتلال القدس الغربية مقابل أي خسائر على اﻷرض للجانب اﻹسرائيلية كانت معقولة، و العملية طارق المصممة لتنفيذ هذه اﻹستراتيجية كانت جيدة على الورق.  اﻷهم من ذلك أن القيادة العامة توقعت بشكل سليم مسار العمليات اﻹسرائيلية، اﻷمر الذي سمح لهم التركيز على صد هذا الهجوم. و بالتالي كانت كل القوات اﻷردنية موزعة بشكل سليم لصد الهجوم اﻹسرائيلي. 

من ناحية اخرى، و باستثناء القدس و الممر المجاور لها، لم يعبأ اﻷردنيون بعمل التحصينات على محاور التقدم الرئيسية. و اﻹدعاء بانه كان هناك عدد كثير جدا من هذه التحصينات - كما يفعل بعض المحللين اﻷردنيين - هو أمر خاطئ و موقف غير مسؤول. إذا كانت القيادة استطاعت تحديد محاور تقدم الجيش اﻹسرائيلي بدقة، فلماذا لم يتم تحصينها كلها؟ باﻹضافة لذلك، بعض مواقع الدفاعات اﻷردنية كانت ضعيفة و لم تكن منيعة على اﻹطلاق مما يشير إلى ضعف اهتمام القيادة العامة بهذه النقطة. و رغم انه ليس عدلا تحميل القيادة العامة مسؤولية القرار السياسي باستخدام الدفاع المتقدم عن كامل محيط الضفة، لكن بعض توزيعات القوات اﻷردنية يبقى محل شك. بالتحديد مسألة وضع اللواء 27 مشاة. حيث كان من المفروض أن يشارك بالعملية طارق - العملية الهجومية التي من المفروض أن تبدأ قبل الهجوم اﻹسرائيلي - فلماذا لم يكن متمركزا قرب القدس؟ بوضعه عند أريحا، تركته عمان مكشوفا للطيران اﻹسرائيلي كما حصل لاحقا عندما أصدرت له أوامر التحرك لتعزيز دفاعات القدس. فتم ضربه بقوة و بعض قواته لم تستطع حتى الوصول للقدس. مثل هذه المشكلة كان من الممكن حلها لو كان اللواء متمركزا هناك منذ البداية. و لم يكن هناك واجب أخر لهذا اللواء يبرر وجوده في أريحا، و قد يكون وضعه بهذا الشكل تم لسبب أمني مثلا. و حتى لو كان هذا اﻷمر، لكان من الواجب تحريكه قبل بدء اﻷعمال الحربية. خصوصا و أن الملك حسين أعلن التزامه بالحرب قبل وقت كاف لهذا اﻹجراء. و أخيرا نشير إلى أن تخطيط سلاح الجو اﻷردني للحرب مع إسرائيل كان سيئا بشكل لا يقبل أي تبرير. جمع المعلومات و اﻹستخبارات الذي تم من أجل غارات يوم 5 يونيو كان شبه غير موجود. و حتى رغم كون الضربة اﻷولى للأردنيين، فإنهم لم يقوموا بأي مجهود لتوزيع طائراتهم، مما يشير لغياب الجدية في التخطيط اﻷردني في ما يخص الطيران. 

من الصعب عمل تقييم فيما يخص المسار اﻹستراتيجي اﻷردني في أثناء المعارك، رغم ان اﻹنطباع العام ان اﻷداء كان سيئاً. و بالتحديد، انتقد العديد من المعلقين - و باﻷخص الضباط اﻷردنيين منهم - انتقدوا المهام المسندة للوائين المدرعين. و يعلن المؤلف أنه ليس مع وجهة النظر تلك. المشكلة هي ان اﻷردنيين كان لديهم قوة واحدة لتنفيذ العملية طارق: اللواء 60 المدرع. و هي الوحدة الوحيدة التي كان من الممكن إرسالها للنقب للاتصال مع الجيش المصري. بعد ما تبين عدم وجود مثل هذا الهجوم، يمكننا أن نقول أنه كان اﻷفضل لو أن قوات اللواء نفذت العملية طارق. و لكن لك يكن احد في عمان يعلم الحقيقة و لم يكن لهم أي سبب للشك في صدق المصريين. كان الجيش المصري ضخما و كان يعد عند العرب جيشا قويا و لم يكن من الصعب تصديق قرته على صد الهجوم اﻹسرائيلي و عمل هجوم معاكس للنقب. 

في هذه الحالة يكون السؤال الحقيقي هو إذا ما كان وجب على اﻷردنيين أن يصمموا على تنفيذ خطتهم و ترك القوات المصرية لتواجه مصيرها أو التضحية بخطتهم من أجل نصر عسكري أكثر تقليدية بالتعاون مع حلفاءه. من الصعب إيجاد إجابة شافية على هذا السؤال. عملية طارق كانت مصممة أساسا على مبدأ العمل الفردي حيث ارادت اﻷردن حل مشاكلها اﻹستراتجية على أساس عدم وجود مساعدة خارجية. غني عن القول أن احتلال غرب القدس لمبادلتها بأي مكاسب حققها اﻹسرائيليون في الضفة هو أستراتيجية غير مثالية، و قد لجأ لها اﻷردنيون بسبب معرفتهم بعدم قدرتهم على صد التقدم اﻹسرائيلي على طول الضفة الغربية. أي انها لم تكن الخيار المفضل، بل أقرب إلى خيار الضرورة. و لو كان هناك فعلا تقدم مصري من الجنوب لكان منطقيا للأردنيين إلغاء خططهم المتحفظة و القفز إلى استراتيجي تحقق لهم مكاسب في الحرب. لو كان هناك تقدم مصري، و كان هناك تقدم أردني من جهة بيت لحم لملاقاته، لوضع العرب اﻹسرائيليين في موقف صعب جدا و كان هناك احتمال لهزيمة الجيش اﻹسرائيلي كله. هذا الفرض يبدو ساذجا اﻵن، و لكنه لم يكن صعب التصديق في ذلك الوقت عام 1967. و في النهاية المفاضلة بين الخيارين تبدو مستحيلة و بالتالي لا نستطيع تخطيء قرار دفع اللواء 60 للنقب. 

بعد قرار عمان تحريك اللواء 60، كانت كل الخطوات التالية جيدة جدا. حيث كانت خطط القيادة العامة بعد ذلك هي صد التقدم اﻹسرائيلي ضد القدس و جنين. أولا أمروا القوات أن تتقدم نحو جبل المكبر و جبل سكوبس لتحسين الوضع التكتيكي للقوات حول القدس. و عندما اتضح ان موضوع الهجوم المصري عبر النقب كان كذبة، طلبت عمان من اللوائين المدرعين العودة لمواقعهم. و عندما بدأ الهجوم اﻹسرائيلي، امرت القيادة اللوائين 60 دروع و 27 مشاة لتعزيز القدس. و بالتحديد لصد الهجوم اﻹسرائيلي جنوبا عن طريق جبل المكبر و شمالا حول القدسن قام اللواء 60 بإرسال كتيبة لتعزيز الوضع في الجنوب و اشتبك الباقي مع القوة الميكانيكية في الشمال. بعد ذلك، حاولت القيادة العامة تحريك اللواء السادس مشاة جنوبا من شرق السامرة لتعزيز القدس. و حين ظهر للعيان ان غياب قيادة على مستوى فرقة كان يؤخر العمليات، تم تعيين الجنرال هزاعة على رأس قيادة القدس و ما حولها. و عندما هاجمت إسرائيل جنين، أمرت عمان اللواء 40 بالهجوم المضاد لغلق الثغرة. و أخيرا عندما تبين أن مصير الضفة قد حسم، تم اﻷمر باﻹنسحاب. و في كل من هذه المراحل قامت قيادة اﻷركان باﻹجراء المناسب أو حتى الرد الجيد جدا على ضوء المعطيات المتوافرة. 

من المشاكل المهمة كان أن هذه الردود كانت بطيئة، و كانت في العادة على شكل رد فعل، متأخر، بدل من التوقع و اﻹستباق. و عليه وصلت التعزيزات، على فرض أنها وصلت، بعد أن تم حسم المواجهة. و بشكل عام، كانت منظومة القيادة و السيطرة في اﻷردن بطيئة و غير مرنة و غير قادرة على مجاراة سرعة اﻹندفاع اﻹسرائيلي. و كان هناك عدة خطوات تم اتخاذها من القيادة العامة خلال الحرب كان يجب اتخاذها قبل بدء اﻷعمال القتالية. فإذا كان الملك حسين متخوفا من عمل قيادة على مستوى الفرق بشكل دائم. فلماذا لم يتم عمل مثل هذه القيادة وقت الحرب بشكل مؤقت؟ إضافة لذلك، التحضيرات لعملية طارق كان من المفروض أن تبدأ يوم 3 أو 4 يونيو عندما استلم اﻷردن تحذيرا من هجوم إسرائيلي وشيك على مصر. كان هذا إهمالا واضحا من القيادة اﻷردنية: حيث لا يستطيع المرء أن يقول أن اﻷردن كان يتجنب استفزاز اسرائيل حينما يكون اﻷردنيون يحشدون 4 ألوية قبل الحرب بأسابيع، و بالتالي حشد لوائين في أريحا كان يمكن أن يكون أقل استفزازا. 

طبعا لا يمكن توجيه اللوم كله للقيادة العليا في اﻷردن، حيث كان جزءا كبيرا من المشكلة هو عدم دقة المعلومات التي تصل لها. حيث لم تقم المخابرات الحربية بواجب جيد حول التحضير اﻹسرائيلي للحرب، الإمكانات العسكرية، طرق الفتال و مبدأ العمليات العسكرية اﻹسرائيلي. إضافة لذلك، كان للمزيج بين اﻷكاذيب المصرية، الخداع اﻹستخباري اﻹسرائيلي، و التضليل من القيادات الميدانية اﻷردنية كفيلا بحجب الصورة تماما عن القيادة اﻷردنية في عمان حتى أصبح الوضع خاسرا. 

مسألة أخيرة يجب التطرق لها في مايخص القيادة اﻹستراتيجية وهي دور الجنرال رياض. لام الكثير من اﻷردنيين و المدافعين عنهم الجنرال رياض و حملوه مسؤولية خسارة الحرب. حيث ادعوا انه لم يكن مرنا بالدرجة التي يتطلبها الموقف و كان يهمل نصائح القادة اﻷردنيين، و فشل في اقناع الملك بقراراته، و انه كان يتبع اوامر المشير عبد الحكيم عامر بدون تفكير الذي لم يكن يدري بالموقف في الضفة و كان اهتمامه منصبا على الوقف في القاهرة. و بعد فحص اﻷدلة، يتبين أ النقطة اﻷخيرة هي الوحيدة التي لها من الصحة نصيب. بداية: كل المراقبين المصريين، الغربيين، و اﻹسرائيليين يعطون الجنرال رياض علامات عالية. و التغييرات التي أقامها رياض بعد تعيينه رئيسا لهيئة اﻷركان في مصر بعد عام 1967 كانت ممتازة و مهدت المجال أمام العبور المصري الناجح عام 1973. الجنرال اسحاق رابين، قائد اﻷركان عام 1967، قال انه من افضل من كان عند المصريين من القادة. الملك حسين و المحلل تريفور دوباي Trevor Dupuy قالوا ان الجنرال رياض كان هو صاحب القول الفصل في العمليات، و انه كان يشاور الجنرالات اﻷردنيين. و في الحقيقة، ظهر من مقابلات دوباي ان الجنرال رياض هو من كان خارج نطاق دائرة اتخاذ القرار الفعلي في الجيش اﻷردني. و حسب الملك الحسين، فإن رياض كان يتوافق معه في كل القرارات الهامة. و لم توجد حالة واحدة عرف فيها ان رياض اختلف فيها مع الملك. 
و قد يكون صحيحا أن الجنرال رياض اهتم بأوامر القاهرة أكثر من زملاءه اﻷردنيين، و لكن ليس من الضرورة اعتبار ذلك خطأ.  فرياض أرسل لعمان كقائد للجبهة الشرقية. أي انه ذهب لعمان لتأكيد التنسيق بينها و القاهرة. و سواء كان في ذهنه وضع مصالح القاهرة أولا ام لا، فقد قام بتحقيق التنسيق المنشود بين العاصمتين. و كما ذكر سابقا، فإن قراره بإرسال اللواء 60 المدرع للجنوب - أكثر القرارات الذي اغضب الجنرالات اﻷردنيين - كان سيكون أفضل قرار على كافة الجبهات العربية لو صح أن الجيش المصرية كان مندفعا نحو النقب كما ادّعى عامر، و لم يكن لرياض أي سبب أن يعتقد بكذب عامر عليه. فلو كان الهجوم المصري حقيقيا، فإن التزام اﻷردن بخطته الخاصة بالعملية طارق كان سيسمح للإسرائيليين بتجميع قوات كافية لهزيمة الهجوم المصري و من ثم العودة لقتال اﻷردنيين. و لكنا إلى اليوم نستمع لعتاب المصريين و كيف انهم ادّوا لخسارة العرب الحرب، و هم محقين في ذلك. المختصر ان إجراء الجنرال رياض كان هو القرار السليم وقتها. 

اﻷداء التكتيكي
على عكس القيادة اﻹستراتيجية، أظهرت القيادة التكتيكية تراجعا واضحا عن مستواها عام 1948. هذا اﻷداء التكتيكي لم يكن متماثلا في سوئه. في بعض نواحي العمليات كان أداء الجيش اﻷردني ككل مستمرا في اﻷداء الجيد. إضافة لذلك، أظهرت اعداد صغيرة من الوحدات قدرا معقولا من الكفاءة في مستوى عام من العمليات العسكرية. 

على الجانب اﻹيجابي، استمر اﻷردنيون في إبراز مهارات عسكرية على مستوى الجندي من الطراز اﻷول. كجنود و كطيارين منفردين، استمر اﻷردنيون على ادائم الممتاز و قاموا بكل ما هو متوقع منهم بشكل عام. كان الجنود شجعان و منضبطين، مع بعض اﻹستثناءات مثل اﻹنسحاب المذعور لسرية دبابات باتون للواء 60 في منطقة تل الفول و تفكك الوحدات اﻷردنية حول تل الرادار. دقة النيران اﻷردنية كانت جيدة جدا، رغم وجود تباين في اﻷداء: حيث كان المشاة ممتازين في استخدام اﻷسلحة الفردية مع جودة اقل بالنسبة لأطقم الدبابات و المدفعية. و على نفس المنوال، بناءا على المعلومات المحدودة المتوفرة، يبدو ان طيارين اﻷردنيين كانوا على مستوى معقول في اشتباكات الجو، على عكس ما بدى من مهارات القصف البري خلال المهمة الوحيدة التي نفذت اثناء الحرب.

كان هناك تباين كبير في تماسك الوحدات اﻷردنية. في بعض الحالات تماسكت الوحدات و قاتلت في ظروف صعبة. مثال ذلك اللواء 40 المدرع و القوات المدافعة عن تل الرادار و تل مفتار و جبل ابو طور و جينين. و لكن توجد عدد من الوحدات التي انهارت بعد اشتباكات بسيطة مع اﻹسرائيليين. مثال ذلك اللوائين اﻷول و الثاني مشاة اللذان دافعا عن تقاطع طولكرم-قلقيلية و منطقة اللطرون على الترتيب. حيث استسلمت كلتا الوحدتين أو هربوا قبل حسم المعارك بوقت طويل. و بينما نفذ اللواء 40 و بعض الوحدات اﻷخرى تكتيكات القتال التراجعي على أحسن مستوى بعد امر الإنسحاب العام من الضفة، انهار اللواء 29 مشاة والكتيبة 10 مدرعة شمال الضفة بسرعة و هرب افرادهم تاركين معظم معداتهم عند وصول امر اﻹنسحاب. وعلى الرغم من انه في بعض الحالات، تبين ان بعض الضباط قد تركوا وحداتهم، فإن ذلك لم يرتبط بضعف تماسك تلك الوحدات: حيث يبدو ان العديد من الوحدات قد تماسكت و حاربت كوحدة حتى عندما هرب قادتهم. و على الرغم من استحالة التحقق من النقطة التالية، فإنه يبدو هناك بعض التمايز في الأداء بين الوحدات البدوية و الحضرية. فاللواء 40 دروع و اللواء 3 مشاة كانت كلتاهما بدوية التكوين، و كلتاهما اظهرت تماسكا ممتازا. أما الواء اﻷول، الحضري التكوين، فقد انهار مع اول محاولات جس النبض اﻹسرائيلية. و لسوء الحظ، لا يمكن التوسع في هذه الملاحظة على بقية الوحدات بسبب نقص المعلومات حول الوحدات اﻷردنية اﻷخرى. 

اﻷداء اﻷردني التكتيكي تراجع على مستوى الوحدات اﻷعلى من حظيرة أو فصيلة. و معظم هذه المشاكل يمكن نسبها لفشل على مستوى القيادة. حيث لم يكن الموضوع ان الجنود اﻷردنيين لم يكونوا يستطيعوا العمل معا، لكن كان هناك مشاكل بالنسبة لتنسيق عمل الضباط معا. و لم يبد ضباط الصف اﻷردنيين غير درجة قليلة من الخيال، و التعامل مع الظروف، أو المبادرة. و كانت الركيزة اﻷساسية لأسلوب القتال اﻷردني كان صب نيران شديدة ضد أي هجوم امامي اسرائيلي، و لكن بمجرد ما ان يخترق الهجوم الخطوط الأردنية، و يبدأ في تطهير المواقع الحصينة، تعدم القوات اﻷردنية أي استجابة. في بعض الحالات، قام اﻷردنيون بتنظيم هجومات مضادة صغيرة، لكنها كانت متأخرة. و لكن في اغلب الحالات فشل الضباط في تنظيم هجوم مضاد. بل فضَلوا البقاءفي المواقع الدفاعية دون خطوات لإعادة تموضع القوات أو شن هجمات مضادة. وعليه، حتى في معارك مثل تل الذخيرة، بطش اﻷردنيون بالقوات المظلية اﻹسرائيلية عندما قاموا بهجومهم التعرضي ضد خطوطهم الدفاعية. و لكن بمجرد ان اخترق اﻹسرائيليون الخطوط اﻷردنية و بدأوا في تطهيرها  من اﻷجناب، كانت المعركة في حكم المحسومة بسبب عدم قيام اﻷردنيين بإعادة توزيع قواتهم لصد اﻹختراقات اﻹسرائيلية. و بما يعزز هذا اﻹنطباع كان اكتشاف لجنة الرصد اﻷمريكية ان معظم الدبابات اﻷردنية التي تم تدميرها ضربت من الجانب و ليس اﻷمام. مما يشير إلى تغلب اﻹسرائيليين بالمناورات مرة تلو اﻷخرى. 

و على نفس المنوال، و استنادا على المعلومات المحدودة المتوافرة، كان الطيارون اﻷردنيون على مستوى جيد من الكفاءة في القتال الجوي، لكن لم يظهروا المهارة المطلوبة عند تنفيذ غارتهم الجوية الوحيدة. 

تماسك القوات اﻷردنية كان متباينا بشكل كبير. ففي بعض الحالات تماسكت الوحدات و قاتلت في ظروف بالغة الصعوبة. و تميزت في هذا المجال اﻷولية: الأربعين المدرع، و الوحدات المدافعة عن تل الذخيرة و المفتار، و أبو طور، و جنين. و لكن يسجل ايضا انهيار بعض الوحدات اﻷردنية تحت ضغط خفيف من اﻹسرائيليين. على سبيل المثال اللوائين اﻷول و الثاني مشاة، المدافعين عن طولكرم-قلقيلية و اللطرون على الترتيب. حيث انهار اللوائين و هرب و استسلم افرادهم قبل حسم المعارك بفترة طويلة.  وبينما قام اللواء 40 و بعض الوحدات اﻷخرى بمناورات انسحاب من الدرجة اﻷولى بعد صدور اوامر اﻹنسحاب العام، فقد انهارت وحدات اللواء العاشر المدرع و اللواء 25 مشاة و هربت تاركة الكثير من معداتها الثقيلة عندما صدر امر اﻹنسحاب. و على رغم تسجيل بعض حالات الهروب للقادة اﻷردنيين من وحداتهم، فإن هذا لم يترافق مع انهيار تلك الوحدات: فقد صمدت بعض الوحدات و تماسكت، اما بعضها اﻷخر فقد تفكك. و على الرغم انه قد يكون من المستحيل التحقق من هذا، فإنه تم ملاحظة علاقة بين تماسك الوحدات و اصول افرادها (بادية او حضر). فاللواء 40 و اللواء الثالث كلاهما بدوي و قد اظهروا قدرا ممتازا من التماسك. بينما انهار اللواء اﻷول مشاة، الحضري، عند اول تماس مع اﻹسرائيليين. و لكن من الصعب تثبيت هذه الملاحظة بسبب عدم معرفة تركيب اﻷلوية اﻷخرى في الجيش اﻷردني. 

اﻷداء التكتيكي انخفض بشكل كبير على مستوى الوحدات. بمجرد ان اصبح تنظيم الوحدات اكبر من حظيرة أو فصيل، كانت المشاكل التنظيمية و القصور في معاجتها اكبر من ان تحصى. و كانت تقارير اﻹسرائيليين ان الجيش العربي القدير قد تراجع مستواه ليلحق بباقي الجيوش العربية. و صار غير قادر على تنفيذ مناورة على مستوى فصيل، مع بقاء قدراتهم العالية في قصف المدفعية المحمولة و تنفيذ هجمات فعالة على مستوى الحظيرة محل احترام. 

و على الغالب، كانت هذه المشاكل تعود لضعف في اداء القيادات الصغرى. حيث ان الجنود اﻷردنيين لم يعزهم القدرة على العمل الجماعي، لكن ضباط الصف كان عندهم صعوبات في تنسيق القوات التي كانت تحت ايديهم. الركن اﻷساسي في اسلوب القتال اﻷردني كان في ان تطلق القوات كمية نيران كبيرة ضد اي هجوم تعرضي اسرائيلي. و لكن بمجرد ان يتم اختراق الخطوط اﻷردنية و تطهيرها، يصبح اﻷردنيون عاجزين عن القتال. و عليه، حتى في معارك مثل تل الذخيرة، حيث بطش اﻷردنيون بالمظليين اﻹسرائيليين اثناء هجومهم التعرضي على خطوطهم الدفاعية. و لكن بمجرد ان اخترق اﻹسرائيليون الدفاع اﻷردني من نقطة، و بدأ القتال لتطهير الخنادق. أصبحت المعركة في حكم المنتهية كون اﻷردنيين لم يقوموا بتغيير تمركز قواتهم و القيام بهجوم مضاد لصد الإختراق اﻹسرائيلي. و اثبت المسح اﻷمريكي للمعركة ان معظم الدروع اﻷردنية تم تدميرها من الأجناب. مما يثبت نجاح اﻹسرائيليين المرة تلو اﻷخرى في مناورة القوات اﻷردنية. 

واجهت قوات المملكة مشاكل كبيرة كلما واجهت مواقف غير متوقعة او معارك ديناميكية سائلة. كان التعاون بين مختلف افرع الجيش جيدا طالما كان القتال من مواضع الجيش الدفاعية المعدة سلفا. اما حين اصبحت المواجهة مفتوحة انهار هذا التعاون. خذ مثلا معارك وادي دوتان. عندما كان الجيش اﻹسرائيلي يهاجم مواقع دفاعية اردنية محصنة، عملت المدفعية و المشاة و فرق صائدي الدبابات إضافة للدروع اﻷردنية بشكل جيد معا و اوقفت الهجوم اﻹسرائيلي. و أول ما تظاهر اﻹسرائيليون باﻹنسحاب، انطلقت دبابات الباتون اﻷردنية خلفهم بدون مساندة. مما اتاح المجال لدبابات السوبر الشيرمان لتحطيمهم في معركة دبابات و من ثم التركيز على المشاة اﻷردنيين. كانت المدفعية اﻷردنية غير قادرة على ملاحقة تقدماﻹسرائيليين السريع في الضفة. و حتى في القدس، حيث امتلك اﻷردنيين 19 عاما للتحضير لمواضع قصف المدفعية، لم تتمكن المدفعية اﻷردنية من توفير الدعم في الوقت المناسب عندما قام اﻹسرائيلييون بخطوات غير متوقعة. ادّت الدروع اﻷردنية بشكل معقول في احسن اﻷحوال. حيث نجحت دبابات السوبر شيرمان و الشيرمان اﻹسرائليية في التغلب على الباتون اﻷردنية المرة تلو اﻷخرى. فاللواء 60 المدرع كان من المفروض - قياسا على عدته و عدده - ان يدمر اللواء 10 الميكانيكي. و بدلا من ذلك فقد هزم بسهولة. و على نفس النهج، فإن القوة الميكانيكية اﻹسرائيلية قرب جنين خدعت الكتيبة 12 المدرعة و اخرجتها من مواقعها الحصينة لتشتبك معهم في قتال متكافئ في وادي دوتان و تهزمهم بسهولة. 

اﻹستثناء الرئيسي في هذا النمط التكتيكي للجيش اﻷردني كان اللواء 40 المدرع. حيث حاربت هذه الوحدة بشكل افضل بكثير من باقي الوحدات. و لكن هذا المديح ينبغي وضعه في سياق من خلال نقطتين: رغم تميز اللواء 40 عن باقي وحدات الجيش اﻷردني، فإنه يبدو ضمن معدل اداء وحدات الجيش اﻹسرائيلي ان لم يكن اسوأ قليلا. فمثلا عند قباطيا كان لهم اﻷفضلية العددي بالضعف مقارنة مع اﻹسرائيليين، و امتلكوا الباتون 48 ضد السوبر شيرمان اﻹسرائيلية، و كذلك كان الموقع ممتاز من الناحية الدفاعية. و قد هجم اﻹسرائيليون بتعرض امامي مرتين دون اي نجاح كما كان مفروضا بسبب ميزات الطرف اﻷردني في تلك المعركة. و عند طريق جنين-طوباس، كان اللواء 40 يدافع عن موقع من شبه المستحيل اختراقه. و هنا هاجم اﻹسرائيليون بشكل مباشر مرتين دون نجاح. ولكن الخسائر اﻹسرائيلية كانت قليلة بسبب ان قوات دروعهم هذه المرة كانت مكافئة للدرع اﻷردني (حيث كانوا يستخدمون السنتوريون ثقيلة التدريع). 

اﻹستثناء الرئيسي الثاني هو ان اللواء 40 كان هو اﻹستثناء الذي اثبت القاعدو بالنسبة للجيش اﻷردني. الجنرال الجازي (يعرف عربيا باسم مشهور حديثة) كان قائدا استثنائيا: فكل ضابط غربي و أردني و اسرائيلي ذكر بأنه كان يفوق بدرجات القادة اﻷردنيين اﻷخرين في اندفاعه القتالي و المهارات التكتيكية. و قد ادى اللواء 40 بشكل جيد عندما كان تحت قيادته المباشرة. على تقاطع قباطيا، استخدم اﻷردنيون القوة النارية و المناورة لحصار القوة اﻹستطلاعية اﻹسرائيلية. وعندما تم حصار تلك القوة، فصل الجازي قواته الرئيسية و ارسلها شمالا لتنفيذ المهمة الرئيسية: الدفاع عن جنين. و قد ارسل قوات استطلاعية قامت بتنبيهه لتقدم الدروع اﻹسرائيلية، و عندها قام بترتيب قواته بوضع اﻹخفاء الجزئي (Hull-down) على تل مطر على الطريق بما يشكل موقعا ممتازا للدفاع. و عندما هجم اﻹسرائيليون تم صدهم. و قام الجازي بمحاولة ملاحقتهم للقضاء على القوات المهاجمة لكن تم منعه بالتغطية المدفعية اﻹسرائيلية. و أخيرا عندما تبين ان قواته على وشط الوقوع في الحصار و ان موقعه لم يعد من الممكن الدفاع عنه قام باﻹنساحب بالوقت المناسب قبل ان يتم حصاره و تدميره. قارن هذا اﻷداء من الطراز اﻷول مع الكتيبة اﻷخرى من اللواء نفسه على طريق طوباس جنين. و التي تم مفاجئتها من قبل اﻹسرائيليين في الليل و تم هزيمتها بدبابات السنتوريون اﻹسرائيلية رغم حصانة موقعها الدفاعي! و بالتالي بدون قيادة الجازي المباشرة، حتى وحدات اللواء 40 قاتلت بشكل سيئ. اﻷلوية اﻷردنية اﻷخرى لم تكن حتى قريبة من مستوى اﻷداء هذا. 

الخسائر اﻹسرائيلية و اﻹقدام اﻷردني

قام العديد من المؤلفين، من بينهم اسرائيليين و أردنيين، بذكر الخسائر اﻹسرائيلية في الضفة كمؤشر على تفوق الجيش العربي اﻷردني على الجيوش العربية اﻷخرى في حرب 1967. المناقشة السابقة اكدت على تفوق الجيش العربي على نظرائه في عدة نواحي، لكن أرقام الخسائر لا تعكس ذلك بشكل واضح. حيث ان فارق اﻷداء للجيش الأردني مقارنة بحلفاءه العرب ليس بفارق خسائر اﻹسرائيليين، بل هو بسبب كفاءة المشاة في المناطق المحصنة في مسرح العمليات ذاك. إضافة لبعض التكتيكات اﻹسرائيلية المشكوك في صحتها. 

خلال حرب اﻷيام الستة، كانت حوالي نصف خسائر اسرائيل من قتالها على الجبهة اﻷردنية. حيث قتل 302 جندي و جرح 1453 من اصل 812 قتيل و 3053 جريح على كل الجبهات. و لكن تجدر اﻹشارة إلى ان معظم هذه الخسائر حدثت اثناء القتال حول القدس، حيث كان هناك 195 قتيل و 1131 جريح اسرائيلي. يجدر التذكير بأن القتال من منزل لمنزل في المناطق الحضرية صعب جدا و مكلف ناحية الخسائر البشرية.  و لا يتطلب اﻷمر قدرا كبيرا من المهارة للاختباء و القنص. و كتأكيد على ذلك، تتجنب كل الجيوش القوية القتال في تلك الظروف بسبب ان هذه المناطق تحرمها من ميزات كبيرة. إضافة لذلك فإن القتال في القدس كان دمويا بشكل خاص. على سبيل المثال: الهجوم على تلة الذخيرة و حدها كلف سرية المظليين اﻹسرائيليين 17 قتيل و 42 جريح من أصل 80 مقاتل. و سرية اخرى خسرت 35 قتيل. و على العكس من ذلك في انحاء اخرى من الضفة، كانت خسائر اﻹسرائيليين قليلة. 

مساهمة سلاح الجو اﻹسرائيلي في الحرب

كان لسلاح الجو اﻹسرائيلي دورا مهما في القتال على الضفة الغربية عام 1967. و لكن لا يزال الكثير يميلون لتضخيم هذا الدور، لدرجة ان العديد من اﻷردنيين يلومون خسار الحرب على تدمير كامل سلاحهم الجوي يوم 5 حزيران و الضربات الجوية اﻹسرائيلية على قواتهم اﻷرضية في اﻷيام اللاحقة. و قد سادت هذه الرواية النسخة اﻷردنية للأحداث (حتى خطابات الملك حسين) لدرجة التلميح بوجود دعم أمريكي مما يعفي الجيش من تبعات الهزيمة العسكرية. أو حتى اﻹدعاء بأن سلاح الجو اﻹسرائيلي تدخل في معارك حاسمة (مثل تل الذخيرة) و حسمها لمصلحته، بينما يتفق القادة اﻹسرائيليون على ان الهجوم تم ليلا بدون مشاركة جوية. 

مثال اخر يوم 5 حزيران، حيث تدعي المصادر اﻷردنية ان الجيش كان تحت قصف مستمر ليلا و نهارا، بينما سجلات الطيران اﻹسرائيلي تشير ل 95 غارة على كل الجبهة:بينها 42 على وادي اﻷردن و 32 على مناطق القتال في جنين و القدس. و الحقيقة ان جيشا من 45 الف مقاتل لا يجب ان يتأثر ب 95 غارة حتى لو كانت ذات فعالية عالية. إضافة لذلك فإن معظم القوات كانت متمركزة عند القدس و جنين. 

في يومي 6 و 7 حزيران كانت الغارات اﻷرضية على الجيش حوالي 221 و 233. و لم تسجل اي غارات اخرى بعدها. و كان اكبر عدد من الغارات هو يوم 7 حزيران بعد ان كانت المعارك حول الضفة شبه محسومة.  و كان للأردن (حوالي 600) اقل حصة من ضربات سلاح الجو مقارنة بسوريا و مصر (حوالي 1000 لكل دولة).

و مدى تأثير هذه الغارات كان أيضا محل المبالغة من الطرف اﻷردني. حيث ارسلت الولايات المتحدة فريقا لتقييم ارض المعارك بعد الحرب مباشرة. و كان استنتاجهم ان دور سلاح الطيران اﻹسرائيلي في حسم المعركة كان مبالغا فيه. حيث بعد فحص حوالي 40% من الدبابات المدمرة (لكلا الطرفين) تبين ان عدد الدبابات المدمرة من الجو كان محدودا جدا. حيث ان مدافع 30 و 20 ملم الرشاشة (سلاح الهجوم اﻷرضي الرئيسي للطيران اﻹسرائيلي) كان له تأثير محدود. 8% فقط من الدروع العربية تمت إصابتها بهذا السلاح! و 3% فقط تم تدميره بهكذا ضربات. مما يشير ألا ان غالبية الدبابات العربية تم ضربها و تدميرها من اﻷرض. 

من هذا نستنتج ان سلاح الجو اﻹسرائيلي لعب دورا مهما في اﻹستيلاء على الضفة. لكنه لم يكن دورا حاسما و لا رئيسيا. و لو لم يشارك في المعارك لكانت الخسائر اﻹسرائيلية اكبر و لاستغرق اﻷمر وقتا اطول لتنفيذ المهام الحربية، لكن النتيجة ستكون نفسها. فاﻷداء التكتيكي اﻷردني كان سيئا لدرجة تدع القليل من المجال للشك بأن الحرب كانت محسومة حتى بدون تدخل سلاح الجو. ففي معارك اللطرون و تل الرادار و القدس، كانت القوات اﻷردنية قادرة فقط على الدفاع السلبي عن موقعها دون شن هجوم معاكس أو تعديل خطط الدفاع مع تغير الموقف العسكري بعد أي اختراق اسرائيلي. حيث ذكر الجنرال نركيس ان هجوم اللواء 10 ميكانيكي على الحي القديم في القدس كان من الممكن ان يكون انتحاريا لولا ضعف اﻷداء العسكري اﻷردني. و كذلك الحال بالنسبة للدروع اﻷردنية: فاللواء 60 المدرع -بدباباته الباتون 48 اﻷفضل - هزم ، و بسهولة، من قوة اصغر من دبابات الشيرمان (ليست حتى دبابة سوبر شيرمان!). و الكتيبة 12 المدرعة هزمت من القوات الإسرائيلية بمجرد ما كان مسرح العمليات متماثلا و لم يكونوا يدافعون من مواقع حصينة. حتى اللواء 40، قاتل بشكل ممتاز عندما كان تحت القيادة المباشرة لقائده الفذ مشهور حديثة الجازي. 

و الملاحظات السابقة لا تنفي الدور المهم لسلاح الجو اﻹسرائيلي في بعض المعارك، و لكن حتى في تلك المواجهات، لو لم يتم تدخل الطيران لمصلحة القوات اﻹسرائيلية، إن الأمور تبدو و كأنها ستميل لمصلحة الجيش اﻹسرائيلي. مثلا منع الطيران اﻹسرائيلي العديد من المحاولات لتعزيز القوات اﻷردنية في القدس، خصوصا من اللواء 60  المدرع و اللواء 27 مشاة و اللواء 6 مشاة يوم 6 حزيران. و لكن حتى لو دخلت تلك القوات القدس فلا يوجد ما يشير الى قدرتهم على قلب مجريات المعركة. حيث ان أبو طور، و تل الفل ، و تل الذخيرة و الشيخ جراح كانت كلها قد سقطت و كان الدفاع عن القدس مستحيلا من الناحية العسكرية. و لا يوجد ما يشير الى ان التعزيزات كانت دات قدرات قتالية اكبر من القوات المدافعة التي لم تكن تتقن تكتيك الهجوم المعاكس. و بالتالي من الصعب افتراض انهم كانوا سيقوموا بالهجوم المعاكس، و من ثم اخراج اﻹسرائيليين و من ثم تكوين خط دفاع قوي جديد. طبعا وجود القوات كان سيؤخر سقوط القدس ربما يوما أو اكثير لكن الموقف العسكري كان محسوما، بدليل ان اسرائيل كانت ترفض دعوات اﻷمم المتحدة لوقف اطلاق النار بسبب تفوقها العسكري. 

و بنفس القياس، لو لم يتدخل سلاح الجو اﻹسرائيلي في منطقة قباطيا. لكان من الممكن للواء 40 ان يصمد في ذلك الموقع أو ان ينسحب لموقع افضل في الجنوب، و لكن ذلك لم يكن ليغير نتيجة الحرب على الغالب. حيث ان لواء واحد اردنيا ليس في مقدوره ان يوقف احتلال اسرائيل للضفة الغربية. أضافة لذلك، فأن لواء بيليد المدرع كان قد تجاوز اللواء 40 و صار خلفه في منطقة طوباس و لو لم يتم دحر اللواء 40 لكان من السهل ارجاع لواء بيليد للشمال و حصار اللواء 40 بينه و بين القوات اﻹسرائيلية في جنين.

على اﻹجمال، فقد لعب الطيران اﻹسرائيلي دورا مهما، و لكنه غيرحاسم. مثل مساعدته في انهاء سلاح الجو اﻷردني و بالتالي تأمين القوات اﻹسرائيلية من ذلك الخطر. و كذلك تدمير الوحدات اﻷردنية المنسحبة و تحقيق خسائر. و كذلك اضعاف بعض الدفاعات و منع التعزيزات. ضمن هذا اﻹطار، كان نجاح سلاح الجو اﻹسرائيلي كبيرا مقارنة بالجبهات اﻷخرى. لكن عدم قدرة اﻷردنيين - حتى مع تمتعهم بمواقع حصينة - على وقف تقدم وحدات مماثلة أو اصغر حجما من وحداتهم هو ما حسم اﻷمر. 

لماذا خسر اﻷردن حرب عام 1967

كانت الخسارة اﻷردنية فادحة في حرب عام 1967. وخسارة بمثل هذا الحجم يجب ان تكون لها أسباب عديدة:
أولا اﻷسباب الثانوية:
1- أوضح اﻷسباب كان خطأ القيادة العامة في إرسال اللواء 60 مدرع جنوبا للخليل و اللواء 40 لأريحا يوم 5 حزيران بسبب المعلومات المصرية الكاذبة. رغم ان القرار كان مفهوما ضمن المعلومات المتاحة فقد حرب اﻷردن من اﻹحتياطي المدرع الوحيد لمدة 6-12 ساعة و كشفته للطيران.
2- المعلومات الكاذبة و التقديرات الخاطئة التي كانت تصل القيادة العامة من القيادة المصرية و القيادات الميدانية اﻷردنية. 
3- اسلوب القيادة و التحكم اﻷردني كان بطيئا و مركزيا و عدم وجود تشكيلات على مستوى الفرق مما اخر صدور القرارات لمواجهة التطورات و التحركات اﻹسرائيلية السريعة.
4- سلاح الطيران اﻹسرائيلي القوي. حيث منع اﻷردن من تحريك قواته بسهولة و قام بضرب القوات المدافعلة كلما بدأ الهجوم اﻹسرائيلي يتباطأ. 

كل هذه العوامل ساعدت في سرعة الإنتصار اﻹسرائيلي و قلة الخسائر اﻹسرائيلية. لكنها لم تكن عوامل حسم في الحرب. 

ثانيا، السبب الرئيسي:
العامل الرئيسي و الحاسم في هذه الحرب كان فارق القوة الكبير بين الجيشين على المستوى التكتيكي. فلم يعد الجيش اﻷردني يتمتع بقدرات جيش عام 1948 على مستوى اﻷفراد و القيادات الميدانية. و دخلت فيه كل أمراض الجيوش العربية الأخرى. حيث كانت رد فعلهم على التحركات اﻹسرائيلية سيئة و دون المستوى (هذا لو كان هناك رد اصلا). و كذلك يجب اﻹشارة إلى التحسن الكبير في قوة الجيش اﻹسرائيلي مقارنة بعصابات عام 1948. مع استثناءات قليلة، كانت الوحدات اﻹسرائيلي قادرة على هزيمة وحدات اردنية، اكبر عددا، أو افضل تسليحا، او في مواقع دفاعية افضل. و رغم لوم اﻷردنيين للجنرال عبد المنعم رياض (وهو لوم خاطئ - دعائي في غالبه) فإنهم يقرون ان فارق الأداء للوحدات كان كبيرا لدرجة ان أي جنرال اخر كان سيغير في التفاصيل، و ليس الصورة العامة. 






















  

Monday, April 22, 2013

الحركات الإسلامية ودول الخليج: فرصة لتصحيح العلاقة؟ د. عبدالوهاب الأفندي القدس العربي 23-04-2013


التوتر الذي تشهده علاقة بعض دول الخليج، خاصة دولة الإمارات العربية، مع بعض الحركات الإسلامية ستكون له عواقب مزلزلة على خريطة العالم العربي السياسية، ليس أقله لأن التحالف بين دول الخليج والحركات الإسلامية الحديثة هو الذي شكل هذه الحركات، حتى لا نقول شوه توجهاتها. وبنفس القدر فإن هذا التحالف هو الذي حسب ‘الحرب الباردة العربية’ لصالح معسكر المحافظين ضد الأنظمة الراديكالية. وعليه فإن فض هذا التحالف، فضلاً عن تحوله إلى حالة صراع، سيعني إعادة تشكيل الحركات الإسلامية من جهة، وإعادة تشكيل السياسة الخليجية من جهة أخرى، ومعها شكل العالم العربي ككل.
وقد بدأ تأثر الحركة الإسلامية الحديثة بالعامل الخليجي، والسعودي تحديداً، حتى قبل نشأتها وبالقطع قبل الحقبة النفطية، متمثلاً في التقارب بين الشيخ رشيد رضا والملك عبدالعزيز آل سعود وما نتج عنه من تحول رائد الفكر الإسلامي الحديث من منهج الإمام محمد عبده المنفتح على الحداثة إلى توجه أقرب إلى السلفية.
وقد ورث الشيخ حسن البنا هذا التوجه، ومعه الإعجاب بالملك عبدالعزيز. ونتج عن هذا مقابلة جسدت العلاقة الملتبسة بين الجماعة والمملكة. فقد طلب الشيخ البنا بحسب رواية متداولة من الملك السماح بإنشاء فرع لحركة الإخوان المسلمين في المملكة، وهو ما رفضه الملك بصورة قاطعة، قائلاً إن أهل المملكة مسلمون ولا يحتاجون لمثل هذه المنظمة. وقد كان هذا تشخيصاً صحيحاً، لأن حركة الإخوان نشأت تحديداً لمقاومة المد العلماني الذي نشأ نتيجة لسياسات التحديث التي اتبعها محمد علي وخلفاؤه ثم كرستها الحقبة الاستعمارية والهجرات الأوروبية إلى مصر، وهو أمر لم تخبره السعودية التي كانت ما تزال تعيش حقبة ما قبل الحداثة وتحكم بالشرع الإسلامي الذي يتمنى الإسلاميون بلوغه.
ولكن الحداثة أدركت المملكة فيما بعد، خاصة في حقبة الخمسينات والستينات، وبصورة هجومية شرسة، تمثلت في المد القومي واليساري الذي أغوى شباب المملكة ونخبتها، ولم يسلم منه بعض أفراد العائلة المالكة. وفي تلك الحقبة التي تساقطت فيها الممالك والنظم التقليدية تحت ضربات المد القومي واليساري في العراق ومصر واليمن وسوريا ثم ليبيا، وتزعزعت في الأردن والمغرب، واجه النظام السعودي خطراً كبيراً على وجوده، ضاعفت من خطورته الصراعات الداخلية والشك في ولاء الجيش. وقد لعبت المؤسسة الدينية وقتها دوراً محورياً في التصدي لصراعات الأسرة الحاكمة عبر دعم الملك فيصل، الذي قدم بدوره قيادة حازمة وحكيمة في تلك الأيام المضطربة.
ولكن المؤسسة التقليدية لم تكن مؤهلة لخوض ‘الحرب الباردة’ ضد الآلة الإعلامية المتطورة للنظام الناصري أو ضد أيديولوجيات الحداثة المتقدمة. لهذا السبب، استعان الملك فيصل بمفكري الحركات الإسلامية الحديثة في المعركة الإعلامية والأيديولوجية، حيث وفرت المملكة ملاذاً آمناً لضحايا الأنظمة الراديكالية في مصر وسوريا والعراق والسودان وغيرها، ووظفتهم في مجالات الإعلام والتعليم والإدارة. وقد كانت هذه صفقة فيها فائدة للطرفين، ولكنها كانت ملتبسة من أكثر من وجه. فلم يكن مسموحاً لهذه الحركات بإنشاء تنظيمات داخل المملكة، وبالأخص لم يكن مسموحاً لها باستقطاب السعوديين إلى تنظيماتها. وعليه كانت الاستعانة بالإسلاميين كأفراد لا كتنظيمات.
ولكن العلاقة بين الطرفين استمرت إيجابية رغم هذا لعدة أسباب، من أبرزها أن الملك فيصل كان أقرب في توجهاته إلى فكر الحركات الإسلامية وكان شديد التعاطف معها. إضافة إلى ذلك فإن العلاقة لم تكن ندية، لأن المملكة كانت في موضع القوة.
وقد شهدت العلاقة تحولاً أكبر بعد رحيل الملك فيصل الذي صادف الطفرة النفطية. عندها كان المد الناصري والقومي قد انحسر، وكان موقع المملكة ودول الخليج قد تعزز مع بداية ما سماه محمد حسنين هيكل الحقبة السعودية. من هنا لم تعد المملكة أو دول الخليج في حاجة للإسلاميين، خاصة وأنها كانت قد طورت مؤسساتها الإعلامية والتعليمية والإدارية، مستعينة في ذلك بكفاءات من مختلف البلدان والتوجهات (بمن في ذلك جهات علمانية أو حتى غير مسلمة). ومع ذلك فقد استنفرت المملكة الإسلاميين مرتين بعد ذلك، الأولى في حرب أفغانستان بالتحالف مع أمريكا، والثانية في الحرب الباردة الجديدة مع إيران الثورة على خلفية الحرب بين العراق وإيران. ولكن هذا الاستنفار لم يكن من موقع تحالف، بل من موقع استخدام.
تحت هذه الظروف، أصبحت العلاقة بين الطرفين غير سوية، وأثرت سلباً في توجهات الحركات الإسلامية وشوهت منظورها، خاصة في ظل الاعتماد المستمر على التمويل الخليجي وعدم السماح للحركات الإسلامية بوجود شرعي فيما عدا في الكويت والبحرين، وهناك ايضاً في تحالف مع الأسر الحاكمة له ثمنه. ولكن دول الخليج استفادت من هذه العلاقة التي حصنت أنظمتها من عواقب المد الإسلامي الذي زعزع استقرار الأنظمة الأخرى.
إلا أن تطورات أخرى قربت العلاقة من نطاق الأزمة. فمن جهة نجد أن دول الخليج تبنت في السنوات الأخيرة برامج تحديثية طموحة، ومواقف سياسية، اصطدمت في بعض الأحيان ببعض القطاعات المحافظة في تلك المجتمعات كما حدث في السعودية بعد حرب الكويت في عام 1991. وقد وصل هذا التصادم قمته في أحداث سبتمبر عام 2001، مما جعل معظم دول الخليج ترى في التيار الإسلامي عبئاً عليها بعد أن كان حليفاً ونصيراً. وقد ردت معظم الدول بإسراع وتيرة التحديث وتعميق التحالف مع الغرب والقوى الليبرالية والنأي بالنفس على القوى الإسلامية، بل معاملتها كخطر. وعندما تفجرت أحداث الربيع العربي ونتج عن ذلك تأكيد صعود التيار الإسلامي بدأت بعض الدول تشعر بأن التيارات الإسلامية تمثل كعب أخيل هذه الأنظمة، باعتبارها التيارات السياسية التي تتمتع بوجود وسند شعبي داخل البلاد، مما يؤهلها لقيادة أي تحرك شعبي للتغيير.
ولكن الملاحظ حتى الآن أن دولة الإمارات هي الوحيدة التي اتخذت خط مواجهة واضحا مع التيارات الإسلامية في الداخل والخارج، بينما توخت بقية الدول الحذر، باستثناء قطر التي احتفظت بعلاقات طيبة مع التيارات الإسلامية. ولا بد من التنويه هنا بأن خلاف دول الخليج مع الحركات الإسلامية لا ينبع من توجهاتها الإسلامية وأجندتها الدينية، لأن مجتمعات الخليج محافظة بما يفوق طموحات الحركات الإسلامية التي تتبنى أجندة ‘ليبرالية’ مقارنة بالواقع الخليجي. وإنما الحذر هو من قدرة هذه الحركات على التعبئة السياسية وإدخال الجماهير في السياسة، مما يرفع سقف المطالب تجاه الأنظمة، كما هو الحال في الكويت حالياً.
مهما يكن فإن فك الارتباط قد يكون مفيداً للطرفين لأنه يعني بداية تصحيح تشوهات مرحلة الحروب الباردة الدولية والإقليمية وما أفرزته من تحالفات غير طبيعية شوهت أجندة الحركات الإسلامية وفكرها من جهة، وعرقلت التطور السياسي الطبيعي في دول الخليج والعالم العربي عموماً. فقد كان للاعتماد الزائد على الدعم والتمويل الخليجي أثر سالب على الحركات الإسلامية، خاصة في مصر واليمن، كما كان له أثر في تقوية التيارات السلفية المحافظة على حساب الفكرة التجديدي وديناميكية هذه الحركات وتفاعلها الخلاق مع بيئتها المحلية.
وعليه فيجب أن ينظر الطرفان إلى الأزمة الحالية باعتبارها فرصة أكثر منها محنة، لأنها تفتح الباب لعلاقة جديدة قد تكون صحية أكثر. وليس من الضروري أن يكون النموذج التصادمي هو نموذج العلاقة الجديدة، لأنه أيضاً مضر بالطرفين. فليس من مصلحة أحد تجريب المجرب، واتباع سياسة ‘استئصالية’ تجاه الإسلاميين على سنة مبارك وبن علي، وقبل ذلك تركيا الكمالية، وهي سياسات لم يكتب لها النجاح، بل كانت عاملاً في انهيار الأنظمة التي اتبعتها، وهي أنظمة لم تكن محافظة مثل دول الخليج. فليس البديل هو بين احتضان واستغلال الإسلاميين أو محاربتهم، وإنما هناك بديل ثالث، هو المفارقة بإحسان.
لقد أتاح الربيع العربي فرصة أمام الحركات الإسلامية للانعتاق من ربقة علاقتها الخليجية، حيث أدى سقوط الأنظمة المعادية واستعادة الحريات، فضلاً عن تولي الإسلاميين الحكم أو مشاركتهم فيه في عدة دول، إلى انتفاء الحاجة إلى الملاجئ والدعم الخارجي. وهذ بدوره يخفف من أعباء وضرورات التناسق القسري مع السياسات الخليجية، وهو ما كان يفرض تشوهات مرهقة في مواقف الحركات. ولعلنا نشهد في ضوء هذه المتغيرات ‘الحقبة ما بعد الخليجية’ في تطور الحركات الإسلامية، وهي حقبة يصعب التنبؤ حالياً بالشكل الذي ستأخذه، وإن كان المأمول أن يكون التطور إيجابياً في العموم.

Tuesday, April 16, 2013

العرب في الحرب - الفعالية العسكرية للجيوش العربية بين عامي 1948 و 1991 - الجيش العربي اﻷردني - 2

2-1 الصدامات اﻷردنية اﻹسرائيلية بين عامي 1949 و 1966

بعد حرب فلسطين، بدأت عمان خطط تعزيز الجيش بالنوعية و العدد. و رغم سرور الملك عبدالله و القادة البريطانيون عن أداء الجيش في حرب 1948، كان هناك إدراك أن الجيش بوضعه الحالي صغير لحماية الدولة اﻷردنية الحديثة ضد المخاطر المحيطة. و في السنوات التي تلت حرب 1948، نجحت القومية العربية بإطاحة عدّة ملكيات و بالكاد فشلت في إزاحة أخرى غيرها. و كانت الجمهوريات الجديدة تكنّ القليل من المحبة للمملكة و كان من الواجب تعديل الجيش لمواجهة مثل هذه التحديات. 

هذا التوسع، على كل حال، لم يؤد إلى تكوين جيش ضخم. كان القادة البريطانيون مصرّين على عدم تقليل النوعية على حساب الكمية. و تم اﻹبقاء على نظام الخدمة الطويلة و التدريبات المستمرة مع قبول عدد أكبر من المتطوعين. و قامت عمّان بشراء المزيد من الطائرات و الدبابات لزيادة القوة النارية و قدرة الحركة. 

أظهرت الحرب السابقة أيضاً عدّة أوجه من القصور التي حاول الجيش تلافيها في السنوات التالية. و خصوصاً في مجال دعم العمليات و الصيانة التي كانت حلقات ضعيفة في عمليات الجيش. جيث كان الجيش يعتمد على بريطانيا في الخدمات المساندة و كذلك التغطية الجوية و سلاح اﻹشارة و الوحدات الهندسية. و عندما سحبت بريطانيا قوتها من فلسطين أثناء الحرب، اضطر اﻷردنيون لتدبير أمورهم بالخبرات الموجودة في عانوا من نقص الكفاءات في هذه المجالات. 

و على مختلف الجوانب، قام اﻷردنيون و البريطانيون بمحاولة علاج هذه النواقص و توسيع الجيش و تحديثه. في عام 1950 اسست عمّان مدرسة للضبّاط و تم فيها برامج للتدريب للتقنيين و مختصي العمليات اللوجستية. و عام 1951 تم تأسيس سلاح الطيران اﻷردني باستخدام عدد محدود من الطائرات البريطانية القديمة نسبياً. و كان العمل في الجيش وظيفة مرغوبة بين مختلف القطاعات في الخمسينات و الستينات بسبب المكانة العالية لها و الحوافز اﻹقتصادية. حتى اضطر بعض الراغبين لتقديم رشاوي للانضمام. و ازداد عدد الجيش من 12000 في تسع كتائب مشاة إلى 55000 جندي في تسع ألوية مشاة، و لوائين مدرعين، و خمس كتائب مستقلة للمشاة و الدبابات عام 1967.

هذه الجهود أدّت إلى مشاكل من نوعية جديدة. بداية، قام غلوب باستقطاب قطاعات مدنية من الشعب لها خبرة و ألفة باﻷلات الحديثة و هم في غالبيتهم من سكان الضفة الغربية و اللاجئين الفلسطينيين. و تعارض ذلك مع العلاقات القوية بين الهاشمين وبدو شرق اﻷردن. و كذلك كانت هناك شكوك في ولاء الفلسطينيين للعرش الهاشمي كذلك بسبب نوازع الفلسطينيين القوية لاستعادة موطنهم، اﻷمر الذي لم يكن على سلّم أولويات اﻷردن. و بالتالي تمّت مقاومة جهود غلوب في هذا المجال و تم حصر التعيينات بين الفلسطينيين في أضيق نطاق. و في النهاية تركز التعيينات من غرب النهر على الخدمات اللوجستية و الهندسة و المواصلات و الطب. و تم حصرهم في 4 ألوية مشاة غرب النهر. بينما تمركزت اﻷلوية الخمسة اﻷخرى (و معها لوائي المدرعات) في شرق النهر.أي بين الفلسطينيين و العاصمة. و تمت مراقبة الضباط الفلسطينيين باستمرار و نادرا ما تم السماح بوصولهم لرتبة قائد كتيبة، و لو حدث أن تم، فهو محصور في سلاح الخدمات المشار لها سابقاً.

المشكلة الثانية كانت في عدم ملئ شواغر الضباط (صغار الرتب) المستحدثة بسبب توسع الجيش. و كان رد عمّان هو التعاقد مع المزيد من الضباط البريطانيين و وصل عددهم إلى نصف عدد الضباط في كل الجيش. وهو إجراء رءاه الكاتب ضروريا لضمان توفر عدد كاف من الضباط لتدريب وحدات الجيش و أفراده الجدد. لكن هذا أدى لتبرم بين الضباط اﻷردنيين الذين اعتقدوا بوجوب إعطائهم اﻷولوية في الترقيات و التعيينات الجديدة.

هذه التذمرات ادّت في النهاية لإخراج البريطانيين من الجيش اﻷردني في مارس 1956. و رغم وجود خلافات بين الملك حسين و الجنرال غلوب، إلا أن سبب التعريب هو الروح القومية التي كانت سائدة في الشرق اﻷوسط و كذلك تذمرات الضباط اﻷردنيين. حيث كان يرى اﻷردنيون هذا الوجود البريطاني دليل استمرار الخضوع للامبريالية البريطانية و كذلك أن ولاء هؤلاء الضباط هو على اﻷقل مزدوج بين لندن و عمّان، كما أثبتت الحرب السابقة. و كذلك أن الضباط الأردنيين الصغار رأوا في الوجود البريطاني عائقاً أمام حصولهم على الترقيات للمناصب العليا، و بالتالي كان من مصلحتهم مغادرة غلوب و رفاقه.

هذا الخروج أدى لمشكلة جدبدة للقيادة: حيث كان عدد الضباط الوطنيين الصالحين لملئ الشواغر قليل جداً. و كان من الممكن ملئ الشواغر العليا بشكل ما. أما الفراغ الكبير في القيادات الصغرى فقد كان معضلة تم التغلب عليها بترقية العديد ممن لم يكونوا على مستوى هذه الترقيات حسب المعايير القديمة التي ذهبت مع ذهاب البريطانيين.

العمليات العسكري
إضافة لما سبق من تحديات و مشاكل، لم تنقطع المواجهات بين الأردنيين و الفلسطينيين و اﻹسرائيليين. حيث لم تنقطع اﻷسباب لكل طرف للإغارة على قرى و مواقع الطرف اﻷخر. و قد كان اﻷداء اﻹسرائيلي في البداية ضعيفاً اﻷمر الذي حذا بتل أبيب إنشاء الوحدة 101 تحت امرة الرائد شارون. و تم توسيع هذه الوحدة بضمها لكتيبة المظليات و تأسيس الكتيبة 202d. و قامت قوات شارون بتغيير المعادلة العسكرية بشكل كامل. و أدت إلى تعزيز الوجود العسكري اﻷردني على الحدود باستمرار اﻷمر الذي كان ينذر بتصعيد اﻹشتباكات دائماً. أهم هذه اﻹشتباكات حصلت عام 1956 عند قرية قلقيلية.

معركة قلقيلية:
في سبتمبر و أكتوبر 1956 قامت مجموعة من الفدائيين بعدة هجمات على الجانب اﻹسرائيلي من منطقة قلقيليا خلّفت 9  قتلى إسرائيليين. و قرّرت اسرائيل الرد باستخدام اللواء 202d. هدف العملية هو القيادة العسكرية في منطقة قلقيلية. تقع المنطقة حوالي 20كم شمال شرق تل أبيب. كانت المنطقة ضمن مسؤولية الكتيبة التاسعة مشاة، و هناك كتيبة أخرى موجودة في عزون (Azzun) على مسافة عدة أميال متى تطلب اﻷمر تدخلاً عسكرياً.

في العاشر من أكتوبر بدأ شارون عمليته، و سط محدّدات سياسية غير معهودة حتى لا تهدد العملية المفاوضات الجارية بين إسرائيل و بريطانيا و فرنسا لشن العدوان الثلاثي على مصر. كانت خطة شارون هي ارسال قوة صد على طريق عزّون - قلقيلية، و قوة أخرى تقوم بمحاصرة تلة زوفين (Zuffin) المطلة على طريق عزّون، و قوة ثالثة تقوم بإخراج القوات المدافعة عن جنوب قلقيليا، و تقوم قوة رابعة تقوم بالسيطرة على مقر القادة اﻷردني و تدميره. و لكن القيادة السياسية رفضت واجب السيطرة على تلة زوفين و الهجوم على جنوب المدينة و خشي أن تظهر هذه الواجبات العملية بحجم عسكري كبير يصعد بالمواجهة.

أدّت هذه اﻹعتبارات إلى تحويل الغارة إلى معركة صغيرة. عندما اندفعت قوات شارون شرقاً نحو قلقيلية، فتحت السرية اﻷردنية الموجودة جنوب المدينة النار عليها. و رغم عدم خروج تلك القوات من مواضعها الحصينة لعمل هجوم مضاد لمنع القوات الغازية من احتلال قيادة المنطقة، فإن نيرانها كانت دقيقة و أدّت لتأخير التقدم اﻹسرائيلي بسبب تغطية جناح القوات المهاجمة. و في تلك اﻷثناء، تحرك اﻹحتياطي المتمثل في الكتيبة التاسعة على طريق عزون - قلقيلية و وقعوا في الكمين الذي نصبته لهم القوة اﻷولي المرابطة على هذا الطريق و التي ردّتهم بخسائر كبيرة. التعزيزات اﻷردنية كانت أكبر حجما بكثير من قوة الصد، و هو مادفع القوات الإسرائيلية للتراجع على نفس الطريق و عمل كمين أخر. تجمع اﻷردنيون مرة أخرى و اندفعوا على نفس الطريق ليقعوا في الكمين الثاني. و بعد التراجع الثاني، تمت إعادة تجميع القوات و اﻹندفاع لمرة ثالثة و الوقوع في كمين اخر. و بعد الضربة الموجعة الثالثة، قرر القائد الأردني نشر جزء من قواته على شمال الطريق لمحاولة تطويق القوة اﻹسرائيلية. و من الغير الواضح انه قام بذلك كمحاولة تطويق أو لأنه يأس من رد الهجوم و أراد توزيع قواته لمنع العدو من التفكير باﻹندفاع شرقا نحو الضفة.

بغض النظر عن الغرض و راء هذه الخطوة، قلبت اﻷمور الموازين لصالح الكتيبة التاسعة. في هذه اﻷثناء كان الجهد الرئيسي للقوة اﻹسرائيلية قد أتم تدمير مقر القيادة العسكرية و بدأوا باﻹنسحاب. و كجزء من خطة اﻹنسحاب، أمرت القوة الصغيرة التي تقطع طريق عزون-قلقيلية باﻹنسحاب شمالا ( و ليس غربا) نحو مستوطنة أيال. اﻷمر الذي ادى لوقوعهم بين براثن جناح القوات اﻷردنية. فاجأ اﻷردنيون اﻹسرائيليين و ألحقوا بهم عددا لا بأس به من اﻹصابات. و عند هذه النقطة، ادرك القائد الميداني اﻷردني انه امسك بقوة اسرائيلية صغيرة مع أفضلية له فقام بتثبيت القوم اﻹسرائيلية باستخدام قوته النارية، و أرسل قوة صغيرة لاحتلال تلة زوفين و قطع طريق التراجع على اﻹسرائيليين نحو الغرب. و عندما حاول اﻹسرائيليون التراجع من الغرب وقعوا في الكمين. اضطر شارون في النهاية لطلب اﻹسناد المدفعي و إرسال قوة صغيرة من العربات المدرعة لتشق طريقها نحو الوحدة المحاصرة بعد خسارة مدرعة واحدة. و في المحصلة خسر اﻹسرائيليون 18 قتيلا و 60 جريحا و خسر اﻷردنيون بين 120 و 300 بين قتيل و جريح.

معركة السموع

استمرت الغارات عبر الحدود اﻷردنية اﻹسرائيلية طوال الخمسينات و الستينات. كانت الهجمات الفلسطينية مصدر إحباط ﻹسرائيل، و كانت الغارات اﻹسرائيلية مصدر إحراج للأردن.  عام 1964، و بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، ازدادت الهجمات الفلسطينية و ازداد الرد اﻹسرائيلي ضراوة. و في منتصف الستينات بدأ اﻷردن مصمماً على تدمير أي قوات إسرائيلية مغيرة و تم زيادة عدد القوات في الضفة الغربية لهذا الغرض.

في الثاني عشر من نوفمبر 1966، اصطدمت سيارة تحمل دورية عسكرية اسرائيلية بلغم قرب الحدود اﻷردنية و قتل في الحادث 3 جنود و جرح ستة أخرون. في مطلع فجر اليوم التالي شن اﻹسرائيليون هجوم كبيراً ضد بلدة السموع المجاورة. أرسل اﻹسرائيليون كتيبة مظليين مع سرية دبابات خفيفة (AMX13) لتدمير محطة البوليس و مراكز الحكومة و الفدائيين في البلدة.  تم إرسال جزء من القوة (سرية مظليين و فصيلة دبابات) لعمل كمين على الطريق الرئيسي من الخليل حيث يتمركز لواء المشاة 29 (حطين). عندما علم اﻷردنيون بالهجوم أرسلوا حوالي كتيبة من ذلك اللواء لضرب اﻹسرائيليين.

الهجوم اﻷردني تحول لفوضى. بدايةً، كانت التقارير القادمة من السموع مرتبكة و أدّت بأن يعتقد قائد اللواء بأن الهجوم ليس على السموع، بل على منطقة حدودية بقرب مستوطنة ياتر(Yattir). ثم كان خطأ قائد الكتيبة في استكشاف الطريق أمامه. و أدّى هذين الخطأين في وقوع كل الكتيبة (وهي على سيارات النقل) في الكمين اﻹسرائيلي على طريق الخليل. دمّر اﻹسرائيليون 15 شاحنة نقل من أصل 28 قبل أن يتراجع اﻷردنيون. و رغم هذه الضربة، فقد أعاد اﻷردنيون الهجوم على القوة بالتزامن مع ضربة جوية من سلاح الجو اﻷردني. و رغم التفوق العددي، فقد فشل اﻷردنيون في تحضير هجوم مناسب على الدبابات اﻹسرائيلية و تم الهجوم مباشرة على المواقع اﻹسرائيلية. و قد فشل الهجوم بسرعة و بصورة سيئة, و لم يكن اﻹسرائيليون مهتمين بمطاردة الكتيبة و تركوها تنسحب. و قد خسر اﻷردنيون 21 قتيلاً و 37 جريحاً مقبل قتيل واحد للاسرائيليين، و قد كان قائد الكتيبة المهاجمة، و عشرة جرحى.

في تلك اﻷثناء أرسلت إسرائيل طائرتي ميراج لاعتراض طائرات هوكر هنتر اﻷردنية اﻷربع. و يرجح الكاتب فرار إحدى الطائرات اﻷردنية فيما اشتبكت اﻹثنتان مع الطائرات الباقية. و قد تمكن طيار أردني من ملاحقة إحدى الطائرات اﻹسرائيلية قبل أن ينقلب الدور عليه و يصبح هو المطارد. و قد استمرت المطاردة لمدة 8 دقائق قبل إسقاط الطائرة اﻷردنية. و هذه هي أطول معركة بين طائرتين في تاريخ الطيران اﻹسرائيلي و هي ضعف المعدل العام لمثل هذه المواجهات. و قد أشاد اﻹسرائيليون بقدرات هذه المجموعة من الطيارين  اﻷردنيين و اعتبروهم أفضل بكثير من نظرائهم المصريين و السوريين. ملاحظة: اسم الطيار هو موفق السلطي.

الفعالية العسكرية اﻷردنية في معركتي قلقيلية و السموع

سيكون من غير الحكيم استنباط الكثير من اﻹستنتاجات من معركتين صغيرتين وقعتا على مدار 10 سنوات. و رغم ذلك، يبدو ظاهراً بروز نمط معين سوف يترسخ في حرب 1967.

قاتل اﻷردنيون ببسالة، و لكن ليس بحنكة في قلقيلية. فمن جهة كانت استجابتهم سريعة و تمكنت الوحدة المدافعة من ضرب القوات اﻹسرائيلية بنيران دقيقة أخرت الهجوم و ضايقت القوات المهاجمة. أما اقوات المساندة فقد اندفعت في عمل هجوم معادٍ، و كلها إجراءات سليمة.

و من الجهة اﻷخرى، فإن السرية المدافعة جنوب قلقيلية فشلت في عمل هجوم مضاد نحو الجناح اﻹسرائيلي المكشوف أو عمل أي مجهود للخروج من مواقعهم للاشتباك مع المهاجمين بما يمنعهم من تحقيق أهدافهم القتالية. و هذا فشل يحسب على قائد السرية في أخذ المبادرة و التفكير في رد على التحركات اﻹسرائيلية. و بشكل مشابه، فشل قائد اﻹحتياط (على اﻷرجح قائد الكتيبة) في استكشاف طريقه و بالتالي وقعوا ضحية كمين إسرائيلي. و لم يكتف بذلك، بل أعاد الكرة مرتين بدل أن يصحح الخطأ بإرسال من ستكشف العدو أمامه، دون أن يبذل جهدا في محاصرة أجناب العدو أو حتى حماية أجنابه. و اخيراً بعد الوقوع في 3 كمائن من قوة إسرائيلية صغير (50 جندي مقارنة ب 300 للجيش اﻷردني) قام بإرسال حركة تطويق، رغم عدم معرفة الدافع وراء ذلك، و تغير اتجاه العركة لمصلحة اﻷردنيين عندما وقع اﻹسرائيليون في مرمى نارهم. في هذه المرحلة أظهر القائد اﻷردني روح المبادرة عن طريق سحق القوة اﻹسرائيلية التي دخلت مواقع جناحه و أرسل جهده الرئيسي تجاهها. و أرسل قوة أخرى لصد طريق انسحابها غرباً. اﻷمر الذي اوقع خسائر ثقيلة (بالمعايير اﻹسرائيلية). انعدام روح المبادرة في القوات الموجودة جنوب قلقيلية و سوء تصرف قوات النجدة أول اﻷمر سمح للهجوم الرئيس بتحقيق هدفه و إلحاق خسائر أكبر في اﻷردنيين.

معركة السموع كانت أقصر، و لكن الجانب اﻷردني أدى بشكل أسوأ بكثير من المعركة السابقة. في هذه المعركة كان رد الفعل اﻷردني متخلفا عن مستوى اﻷحداث منذ البداية عن طريق التقارير الميدانية الخاطئة. و مثلما حدث في معركة قلقيلية، قفزت القوات على سياراتها و توجهت لمكان الهجوم دون قوات استكشاف أو حراسات متقدمة لتقع في الكمين اﻹسرائيلي. و على رغم الشجاعة التي أبداها اﻷردنيون، و درجة ممتازة من التماسك للوحدات المقاتلة في إعادة التجمع و الهجوم بعد كل ضربة قاسية، فقد أبدوا القليل من المهارة في تنفيذ هجماتهم. و حتى عند إضافة واقعة وجود دبابات خفيفة ضمن القوة المهاجمة، فإن القوة اﻷردنية المهاجمة كان لها تفوق عددي كبير (كتيبة مشاة أردنية مقابل سرية مظليين إسرائيليين و فصيلة دبابات) مما يمكنها من التغلب على القوة اﻹسرائيلية المشكلة للكمين أو إجبارهم على التراجع بعمل محاولة تطويق لموقع الكمين. و كان من المفروض أن تتمكن الوحدات اﻷردنية المضادة للدبابات من هزيمة بضع دبابات إسرائيلية بسهولة حيث كانت أسلحة الكتف كافية ضد دبابات  AMX-13 ذات الدرع الخفيف. بدل ذلك، كان الهجوم ضعيفا و غير فعّال. كان الجزء الوحيد المثير للإعجاب من الجانب اﻷردني هو اداء سلاح الطيران الذي مدحه الجانب اﻹسرائيلي.

هاتان المعركتان تقترحان انحداراً في القدرات العسكرية اﻷردنية بين 1948 (أو 1956) و 1967. مرة أخرى، هذه المعارك كانت نماذج صغيرة قد لا تصلح للقياس، لكنها تبدو منسجمة مع سياق اوسع. في قلقيلية أدى اﻷردنيون بشكل جيد، بعض عناصر العمليات كانت ممتازة، و بعضها سيئ. و نقدر أنهم ادوا بنفس مستوى عام 1948 أو أسوأ قليلاً. في السموع، كان اﻷداء سيئاً. و رغم تداخل بعض الظروف مثل استخدام اﻹسرائيليين للدبابات، و كانوا هم المبادريين و ووجهوا اﻷردنيين من موقع دفاعي. إضافة ألى أن القوة اﻷردنية المشتركة كانت صغيرة و لعلها كانت من الوحدات السيئة في الجيش أصلاً. و في الحقيقة فإن لواء حطين في حرب 1967 كان واحدا من أسوأ اﻷلوية في الجيش اﻷردني. و رغم كل ذلك، فقد كان اﻷداء في هذه المعركة أسوأ من أي عملية عسكري عام 1948، حيث لا يستطيع المرء أن يشير إلى أي وحدة من قوات غلوب تصرفت بمثل هذا اﻹهمال على مستوى العمليات العسكرية. و بالنتيجة، و رغم الظروف، فإن معركة السموع تشير إلى تراجع في مستوى عمليات الجيش اﻷردني كما سنلاحظ في حرب عام 1967.