Saturday, November 19, 2016

تقرير الجيش الامريكي عن غزو العراق عام 2003

رغم ان غزو العراق بدأ يوم 17 مارس عام 2003، فان الاعداد لهذه الحرب بدأ - بشكل او بأخر - بعد اخر يوم من حرب الخليج الثانية اي الاول من مارس عام 1991.  حيث كان الغزو اخر فصل من الانشغال الامريكي بملف الشرق الاوسط على الصعيد العسكري و الدبلوماسي و الاقتصادي. و هو ما شمل استصدار قرارات الامم المتحدة حول العقوبات الاقتصادية، و مناطق الحظر الجوي، و حماية الاكراد و كذلك معاقبة خرق العراق لحظر الطيران. 

و قد كان دأب القيادة الامريكية الحفاظ على وجود عسكري في المنطقة بشكل يردع اي نوايا عدوانية للعراق تجاه دول الخليج. و كذلك ابقاء القدرة على بناء قوة عسكرية كبيرة استعدادا لأي مواجهة مستقبلية. و رغم الفشل الامريكي في فتح الجبهة الشمالية عبر تركيا و كذلك حشد التعاون من حلف الناتو. فان غزو العراق ما كان ليتم بدون التحضيرات التي تمت طوال السنوات التي سبقته. و قد تم تقسيم العمل العسكري و الخطوات التالية له الى 4 مراحل ستعرض بتفصيل اكبر في الحلقات التالية:

المرحلة الاولى: الاعداد.

 و يشمل هذا تأمين الدعم الاقليمي و الدولي للغزو. الضغط على عوامل مقاومة النظام العراقي. تأمين الاتصالات لساحة المعركة و تأمين النقل الجوي. تأمين التصدي للصواريخ بعيدة المدى و ﻷسلحة الدمار الشامل. اعلان التعبئة و نقل و حشد القوات الامريكية على الارض. باختصار كان هدف هذه المرحلة تحييد القوات العراقية.

المرحلة الثانية: تشكيل ساحة المعركة.

و في هذه المرحلة يتم وضع القوات بشكل يسمح لها بالقتال المستدام و فتح جبهة كاملة. و تشمل عمليات تدمير بنية القيادة و السيطرة للجيش العراقي و السيطرة على مفاتيح ساحة القتال.

المرحلة الثالثة: الحسم العسكري.
و تشمل هذه المرحلة العمليات الجوية، الهجوم الارضي من الجنوب، و الاندفاع نحو بغداد. و انتهت المرحلة باسقاط حكم البعث و صدام حسين بعد سقوط بغداد.

المرحلة الرابعة:  ما بعد العمليات القتالية:
و تشمل هذه المرحلة التحول من النمط القتالي لنمط فرض الاستقرار. و تشمل اعادة الامن و مشاريع اعادة الاعمار. و من الجدير بالذكر انه تم التحول للمرحلة الرابعة في اي منطقة تم تحريرها بدون انتظار انتهاء العمليات العسكرية في جميع انحاء الدولة. و كان كان النجاح في التحول لتلك المرحلة عاملا حاسما في نجاح الحملة. و تطلب مرونة و مبادرة فائقة من قبل القوات و القيادة.


---------------------------------------

 بشكل عام، كان استنباط الدروس من النجاح او الفشل عملا دؤوبا للجيش الامريكي فيما يخص تكتيكات الحرب و استراتيجيتها. فبعد نجاح الاسلوب الغربي في حرب 1967 نجد ان اسرائيل تلقت صفعة قاسية بعد اقل من 5 سنوات من مصر و سوريا. الامر الذي سبب قلقا كبيرا للأمريكان الذين كان عليهم عبء الدفاع عن اوروبا بوجه جيوش سوفيتية تتبع نفس التكتيكات المصرية السورية. و كان هناك عمل دؤوب طوال السبعينات و الثمانينات لاعادة بناء اسلوب القتال الامريكي بما يستطيع تجاوز هذه المدرسة. و قد اظهرت حرب الخليج نجاح هذى المسعى الامريكي باستخدام 5 نظم رئيسية:
1- دبابة الابرامز - M1
2- مدرعة البرادلي - M2
3- القاذف المتعدد الفوهات
4- نظام باتريوت
5- طائرة الاباتشي - H64


بمجرد انتهاء عاصفة الصحراء. بدأ الجيش الامريكي في اعادة ترتيب اوراقه حسب دروس تلك الحرب. و كان من اهم تلك الدروس ان تلك الحرب فتحت الموجة الثالثة في نمط الحروب: الحروب المعلوماتية. و بدأت فرق كاملة في الجيش الامريكي تصبح غاية في الترابط المعلوماتي (سميت تلك القوات القوة 21). و كانت النظرية ان زيادة الربط المعلوماتي بين القوات سيزيد من سرعة تنفيذ المهمات و بالتالي زيادة قوتها و قدرتها على الصمود. و اصبح امام كل قائد لوحة الكترونية تظهر اماكن قواته و تموضعها و اي رسائل من تلك القوات.


و مع هذا كان نجاح منظومة التعاون الجوي الارضي التي تم التدرب عليها بمئات المعارك الافتراضية في معسكر فورت اروين في كاليفورنيا. و قد لاحظ الكثير من جنود عاصفة الصحراء ان مستوى الامتحانات و التدريبات التي خاضوها كان اعلى من مستوى قوات الحرس الجمهوري التي قاتلتهم فيما بعد.

و في وجه نجاح هذه النظم الخمسة الكبيرة. تغيرت التحديات المفروضة على الجيش الامريكي على الصعيد الاقتصادي (خفض ميزانية الجيش بعد حرب الخليج) و السياسي (تغير الخارطة الامنية و المتطلبات الملحقة بها من حروب الجيوش لحروب المليشيات و لحفظ النظام) و الاستراتيجي (تفكك الاتحاد السوفياتي)

و في عام 1992 تم تشكيل وحدة قيادة لعمليات التدريب على الاساليب المعلوماتية الحديثة. و بالتدريج بدأ تدريب الكوادر الامريكية على هذا الاسلوب من الحرب. و توجهت تلك الوحدة للكويت عام 2002 للاشراف على تدريب القوات الامريكية هناك تحسبا لتطور الموقف. و تم اكمال مبدأ العمليات المشتركة في الجيش و تم اعادة تدريب كل القوات و تحديث انظمة التدريب لتعكس هذا التفكير.




 ----------------------------------------
الجو السياسي المحيط بالحرب

طرأ تغييران سياسيان بعد عاصفة الصحراء كان لهما تأثير كبير على اعداد الجيش الامريكي:

خارجيا: تغيرت طبيعة الصراعات التي شاركت فيها القوات الامريكية بعد حرب عام 1991. حيث كان الانخراط الامريكي في الصومال و هاييتي و رواندا و البلقان و جنوب و وسط امريكا مختلفا تمام الاختلاف عن حرب تقليدية مع جيش كبير كالجيش العراقي.

داخليا: توقع الشعب الامريكي بعد هزيمة العدو الاكبر (السوفيات) و العراق ان تسود فترة من السلام. و تبع ذلك تخفيضات حادة في ميزانية الجيش الامريكي بشكل اجبره على تغيير اسلوب العمل و التدريب و تكتيكات القتال (ﻷنجاز المزيد بالقليل). بالمحصلة تم تسريح اكثر من 280 الف جندي خلال 1992 و 1993 لينخفض تعداد الجيش الامريكي لنصف مليون. و تم تصعيد العميد تومي فرانكس ليقود مهمة الدراسات و الابحاث حول كيفية تطوير الجيش الامريكي لحقبة ما بعد الحرب الباردة. حيث كان يرأس خلية دراسات لاستخلاص دروس حرب عاصفة الصحراء و تميز عن اقرانه في تلك الفترة. و كانت توصياته ان الجيش يحتاج تحديث تصوره للامور التالية:

1- قوات التدخل السريع
2- المناورة البرية (مشاة و دروع)
3- الضرب الناري
4- التحكم في ساحة المعركة
5- الدعم اللوجستي

الجيش الامريكي يدخل عصر الديجيتال: القوة 21

اقتنعت قيادة الجيش الامريكي بأهمية ربط وحدات الجيش معلوماتيا ببعضها البعض. و كان الفرض السائد ان الوحدات القتالي التي ترى العدو و ترى القوات الصديقة و هي على اتصال معلوماتي دائم بها ستكون اكثر سرعة في ايقاع العمليات القتالية. و تم تجهيز دبابة ابرامز M1A2 بشاشة تتيح لكل دبابة في السرية رؤية الدبابات الثلاث الاخرى و ارسال رسائل نصية لها. و تم تجربة النظام عام 1993 و رغم اعطاله الكبيرة حاز على حماس طاقم التجربة. و كان سعر الاضافة الرخيص و القدرة على دمجه مع الانظمة الموجودة حافزا ممتازا. اضافة لذلك شارك الجيش في خطط وزارة الدفاع في عمل شبكة معلوماتية سرية SIPRNET تشبة شبكة الويب WWW حيث يتم من خلالها تبادل المعلومات السرية بحرية بين مختلف مستويات القوات.

عمليات الصومال و رواندا و هايتي و البلقان - الدروس المستفادة:

 رغم الانطباع الاعلامي السيء عن عملية (أعادة الامل Restore Hope) في الصومال 1993، و التي لخصتها صور القتلى من الجنود الامريكان المسحولين. فقد كان للعملية اصداء ايجابية في دوائر صنع القرار في الجيش الامريكي. فخلال وجود لما يقرب السنة على ارض الصومال، لم يحصل الا معركة واحدة مع الخصم. و كان الجانب الانساني في العملية العسكرية ناجحا بشكل ساحق. و تعلم الجيش دروسا مهمة في التواجد على ساحة لا يعرف خلفيتها الثقافية. اضافة الا مواجهة التغيرات في البنية التسليحية و تكتيك القتال للخصم. و كان من اهم الدروس هو اهمية تحول القوة الموجودة على الارض من قوة اغاثة لقوة قتال بسرعة كبيرة في حال دعت الضرورة لذلك.

تلت تلك العملية عملية (اعادة الديموقراطية Restore Democtracy) في هاييتي عام 1994. حيث عملت قوات امريكية على حفظ الامن في شوارع المدن الكبيرة اثناء المرحلة الانتقالية. و استفاد الجيش الكثير من خبرات حرب الشوارع في التعامل مع المدن العراقية بعدها بعقد من الزمان.

و في نفس العام شكلت عملية رواندا مظهر اخر لمرونة الجيش في ترتيب التدخل حسب الموقف. فأول القوات الواصلة هناك كانت وحدة لتنقية المياه للسكان المحليين بقيادة ملازم انثى، بدل ان تكون وحدة مدرعات كما كان سياق التدريب السابق. و هذا ايضا درس سيتم اللجو له في التواجد على ارض العراق لاحقا.

حرب البلقان التي بدأ التدخل الامريكي فيها عام 1995 مثلت تجربة اخرى مهمة. حيث كانت اول نزاع عرقي-ديني يتدخل فيه الجيش الامريكي منذ الحرب العالمية الاولى بشكل مطول. و مثل النجاح الدبلوماسي في تهيئة قبول معظم اطراف الصراع و عدم فرض اي موعد للانسحاب من قبل الادارة الامريكية فرصة للجيش الامريكي ان يمضي 8 سنوات - بدون خسارة اي جندي - في تطوير اسلوب ادارة مناطق متنازعة عرقيا. و طور الجيش الامريكي اسلوب الضرب المتدرج و الصغير التأثير بدل الضربة الساحقة في التعامل مع قوات العدو حسب ما تطلب الحاجة.

في حرب كوسوفو عام 1999 التي حسمتها القوة الجوية. كان هناك دروس ممتازة من دمج المهام الجوية و الارضية. و قد تم تطبيق تلك الدروس على الساحة العراقية.

في عام 1997 بدأت الفرقة الرابعة مشاة تدريباتها و تجاربها للوصول الى اول تشكيل رقمي جاهز للقتال. و حصلوا على هذه الاجازة لكل اطقمها و معداتها عام 2001. حيث اصبحت كل معدة مثل الابرامز و مدافع الهاوزر تحمل شاشة رقمية و قادرة على ارسال و استقبال المعلومات.

و قام الجيش في التسعينات ايضا بتعديل اسلوب التدريب ليصبح مشتركا بين مختلف الاسلحة. و صار للبحرية عقيدة تعكس فرض القوة على البر - بعد ان كانت مقصورة على البحار و كذلك الحال بالنسبة لسلاح الجو.


=============================================

تطور الدعم اللوجستي:

قامت البحرية و سلاح الجو بتوسيع قدراتهما في الانتشار الاستراتيجي بشكل ساعد الجيش على تطبيق رؤيته في سرعة نشر القوات حسب التحديات. و تشمل هذه الانظمة البحرية التالية:

1-  8 سفت نقل سريع قادرة على الابحار بسرعة 33 عقدة (اي ان الزمن المستغرق من سواحل امريكا الشرقية الى هو 6 ايام و الى الخليج العربي عبر قناة السويس 18 يوما فقط. و كل سفينة قادرة على حمل معدات كتيبة مدرعة. اي ان الثمان سفن قادرة على حمل معدات فرقة دروع كاملة للجيش الامريكي!

2- تم اضافة 20 سفينة نقل جديدة للاسطول الامريكي قادرة على نقل 58 دبابة و 48 الية مجنزرة اخرى ضمن قوة عمل متنقلة و كذلك 900 شاحنة و عربة مدولبة! و تعمل بسرعة 24 عقدة في الساعة.

3- تم اضافة سفن قادرة على تنزيل القوات و المعدات في المياه الضحلة. و هذه حلت مشكلة كبيرة للسفن الكبيرة التي تحتاج مياه عميقة و موانئ كبيرة. و واحدة من هذه السفن قادرة على السير بسرعة 40 عقدة و تحمل 350 جندي بمعداتهم و عليها منصة للطائرات المروحية و تستطيع افراغ حمولتها بعشرين دقيقة. و السفينة الواحدة تقوم بحمولة تساوي حمولة 23 طائرة نقل استراتيجي C-17.

4- طائرات النقل C-17 القادرة على النقل الاستراتيجي (دبابة واحدة ابرامز او 105 جندي مجهز) و انزالهم في المناطق الامامية. او حتى الانزال المظلي. و الاسطول الجوي الامريكي يملك 134 طائرة من هذا الطراز من ضمنها 14 للعمليات الخاصة.

5- مع وجود 60% من الجيش على القارة الامريكية. حرصت القيادة على وضع مخزون كبير من المعدات في قواعد امامية (عددها 7: 2 في وسط اوروبا، واحدة في ايطاليا، واحدة في كوريا، 2 في جنوب شرق اسيا و واحدة عائمة!). ليسهل عملية نقل المعدات.

6-  يوجد لدى مشاة البحرية 16 سفينة انزال. كل واحدة قادرة على ادامة 17000 جندي لمدة شهر. سواء في مياه عميقة او ضحلة باستخدام سفن مساعدة.

----------------------

و بدون اي سابق انذار, دخل الجيش الامريكي معمعة الحرب على الارهاب. حيث تم ترجمة رؤية الرئيس الامريكي بعيد احداث سبتمبر 2011 الى عقيدة تقوم على الردع المبكر و حتى المسبق و هزيمة العدو بشكل حاسم. و رغم ان هذا التغير في الرؤية الاستراتيجية ينسجم مع الجيش الامريكي الجديد الغير مكتمل بعد. فإن ساحة افغانستان كانت اسوأ ساحة يمكن تخيلها لتجربة التقنيات الجديدة. فهي من ابعد النقاط التي من الممكن تخيلها عن قارة امريكا اضافة الى سوء العلاقات مع الباكستان و ايران. و البلاد بالكاد تحوي بنية تحتية. و طالبات هي ميليشيا مسلحة انسحبت من اي مواجهة الى اسلوب الكر و الفر. و رغم ذلك فقد نجح الجيش في ترجمة تصوراته الى قوة تدخل سريع قادرة على الحسم العسكري و بعدها التحول لإعادة الاعمار و بالعكس بسرعة و بشكل مستدام. و هو ما سيتم تجربته مرة اخرى في العراق.

توجت العمليات في افغانستان بانتصار "سريع" خلال اسابيع بعد اخلاء طالبان لقندهار اخر معاقلهم بعد شهرين من القتال. و لكن كان نجاح معظم قيادات طالبان في الهرب بسبب فشل قوات التحالف المحلية من سد منافذ الهرب في منطقة تورا بور. بدأ وصول القوات الامريكية الثقيلة (الفرقة العاشرة الجبلية و الفرقتان 82 و 101 المجوقلتان) في شهر فبراير من 2002. و قد كشفت العملية عن ضعف التنسيق الجوي الارضي (كان الدعم الجوي يصل متأخرا احيانا) و كذلك عن وجود ثغرات بين التشكيلات المقاتلة سمحت للعدو باستغلالها للانسحاب. 



================================


 منذ نهاية عاصفة الصحراء. تركز الوجود الامريكي في المنطقة على الاستراتيجية الدفاعية. لردع العراق من جهة و تطمين دولة الكويت و باقي دول الخليج من جهة اخرى. و كان الوجود يتركز على قوات من مستوى كتائب على الحدود و كذلك القيام بمناورات بشكل مستمر مع قوات الدول الخليجية. و استخدمت هذه القوات و المناورات الكثير من المعدات التي كانت موجودة في القواعد الامريكية القريبة (مثل معسكر الدوحة في الكويت). و شكل استخدام هذه الاسلحة و ادامتها فرصة جيدة لابقاء المعدات جاهزة و صالحة للقتال فورا. و هي نفس المعدات التي استخدمت في الحرب القادمة. اضافة الى ان تدوير القوات المشاركة في المناورات اكسب عددا كبيرا من القوات خبرة جيدة في قتال الصحراء و كذلك في عادات و طباع اهل البلاد.

و كانت الخطط الامريكية تفترض ان الهجوم الامريكي سينطلق من الكويت و السعودية.  و مع توالي الدورات التدريبية في الكويت. كان يتم تحسين مرافق تدريب الجنود هناك. و تم انشاء مجمع العديرية للرماية في الكويت. و بعد احداث سبتمبر، حصل تغير في الاستراتيجية العسكرية الامريكية بأن افترضت ان الجيش الامريكي هو من سيهاجم اولا. بدل ان يكون في موقع الدفاع امام هجوم عراقي محتمل.

العامل الاخر المفاجئ كان عدم رغبة السعودية في انطلاق الهجوم من اراضيها. مما اضطر الجيش الامريكي الثالث لبناء قواعد كافية لاستيعاب قوات كبيرة العدد. و قد تم بناء 3 معسكرات: فرجينيا و نيويورك و و بنسلفانيا (اسماء الولايات الثلاث التي ضربت في سبتمبر). و قرر الجيش بناء مدرج جوي له في الكويت يتتسع ل 250 مروحية و توسيع انابيب النفط و الموانئ لتكون قادرة على خدمة حشد القوات و بناء مساكن ل 15000 الف جندي في عرفجان. و صارت عمليات البناء و التوسيع الاولوية الاولى للجيش الثالث الامريكي و بكلفة 550 مليون دولار.

و من الجدير بالذكر ان الحكومة الكويتية ابدت مساعدة و حماس شديد لمساعدة الامريكان في هذه المشاريع. بل ان شركة النفط الكويتية قامت بمد كل انابيب النفط من المصافئ الى شمال الكويت على حسابها بينما دفع الامريكان ثمن المضخات. و تم اثناء البناء ارسال 130 طلب للجانب الكويتي و لم يتم رفض اي طلب منها.

الخارطة ادناه توضح توزع المعسكرات الرئيسية للجيش الامريكي في الكويت قبيل الغزو











و تم تحريك الكثير من كتائب النقل في القيادة الاوروبية و المركزية. مثلا كتيبة النقل العاشرة التي كانت موجودة في اوروبا تم ارسالها للكويت. و تم استخدام 3 من موانئ الكويت بالترتيب التالي:

ميناء شويخ: لحاويات الشحن
ميناء الشعيبة: نقطة التفريغ الرئيسيية للمعدات الثقيلة.
ميناء البحرية الكويتية: تفريغ الذخائر.

الجدير بالذكر ان كل القوات و الافراد تم تدريبهم على بروتوكول التعامل مع هجوم كيماوي. و تم تزويدهم بالتجهيزات المطلوبة للتعامل مع الحالة.

عمليات النقل الجوي:

قامت الكويت بتخصيص جزء من مطارها الدولي لعمليات الجيش الامريكي. حيث كان الجنود القادمون من الجو لا يمرون عبر اجراءات السفر التابعة للحكومة الكويتية في مبنى المطار. بل يتم ادخالهم البلاد بشكل رسمي عن طريق معسكر اقيم داخل المطار (سمي معسكر الذئب WOLF). و تعامل المعسكر مع حوالي 200 الف جندي و 85 الف طن من المعدات.

=================

تطور الخطط

مع مرور الوقت بدءا من عام 2001 كان هناك تطور في التصور الاستراتيجي للحرب كل بضعة شهور، و عقب كل تعديل كان يتم تغيير الخطط على مستوى اركان الفيالق و بعدها تغيير التدريبات.

نوفمبر 2001: الهجوم بفيلق واحد فقط بشكل محدود على العراق.

يناير 2002: فيلق واحد يتقدم للسيطرة على حقول النفط.

ابريل 2002: الهجوم المتزامن بفيلقين (واحد من الشمال و الاخر من الجنوب) لتطويق بغداد.

يوليو 2002: الهجوم بفيلقين بالتتابع. واحد يطوق بغداد و الاخر بدخل بغداد للسيطرة عليها.

ديسمبر 2003: الهجوم بفيلقين متزامنين لاسقاط النظام و احتلال بغداد.


عند النقاش حول الخطط الاساسية توجد وجهتا نظر حول عدد القوات التي بجب وضعها في ساحة المعركة. حيث توجد تقاليد عريقة في التفكير الامريكي حول تركيز قوات ضخمة (مثلما حصل في حرب عام 1991). و هناك مدرسة تدعو لقوات رشيقة العدد. و هو ما دعت له نظرية المفاجأة للعدو. وكان هناك خيار ثالث هجين بين المدرستين: حشد صغير و بعدها زيادة اعداد القوات بسرعة.

و في النهاية حدد الدبلوماسية الامريكية ان احتمال الهجوم على العراق صار مرتفعا بعد ان كان محتملا فقط. و بالتالي اختفت اي عوامل للمفاجأة الاستراتيجية. و تم التركيز على عمل حشود كافية لفرض المطالب الامريكية سلما ان امكن او بالحرب. و تم عمل حشود كافية لبدء عمل عسكري و لكن ليس بالعدد الكامل. بل سيتم دفع المزيد من القوات تباعا.


رغم عدم التفاؤل بسقوط سريع للنظام بمجرد بدء الحرب. كان هناك امل من قبل المخطط الامريكي ان يخلق ظروفا تسمح بمثل هذا السقوط عن طريق دمج ضربة مكثفة من صواريخ توماهوك، مع غارات جوية مكثفة، هجوم بري، و حرب اعلامية سيجع النظام ينهار سريع او يصبح على شفا الانهيار.

------------------------

استراتيجية الهجوم:

اتفق الجنرال فرانكس و الجنرال ماكيرنان على ان خط سير الحملة البرية يجب ان يتجنب الممر بين نهري الفرات و دجلة. فهذه المنطقة ستكون اكثر المناطق تحصينا. و كذلك تاريخيا كان مصير اي غزو من الجنوب عبر هذا الممر الفشل (مثلا الحملة البريطانية اثناء الحرب العالمية الاولى و التي انتهت بحصار الانجليز في الكوت). و كان هناك قلق من ان يلجأ صدام الى استراتيجية اغراق المنطقة بالماء لتعطيل حركة القوات. اضافة الى ان المنطقة تحوي تجمعات بشرية كبيرة مما قد يشكل مشكلة للقوات في حال وقوع خسائر بشرية. اضافة الى ان الهجوم من الكويت فقط سيكون عبئا كبيرا على موانيئ و مطارات البلد من الناحية اللوجستية.

درس المخططون محاور اخرى للتقدم من ناحية تركيا او الاردن. و كان كلا المحورين صعبا و لكنه غير مستحيل من ناحية العمليات. لكن كانت توجد عوائق سياسية واضحة من حكومتي البلدين. حيث كان هناك قيود على حجم القوات و المواد التي يمكن ارسالها عبر البلدين لخوض الحرب.

و مع دخول صيف عام 2002 بدأت الخطة تستقر على الهجوم من الجنوب حتى الوصول لبغداد و حصارها و حصار تكريت ان دعت الضرورة لاسقاط النظام العراقي. و تحويل العمل العسكري بعدها لعملية امنية. و يتم هذا بالتعاون مع القوات الخاصة و سلاح الجو (بلغ عدد الطائرات في الحملة حوالي 1800 طائرة).

و تم التنسيق مع القوات الكردية في الشمال ان تناوش الجيش العراقي و ان تتقدم ناحية تكريت من جال تشتيت الجهد العراقي. و تم ايضا التخطيط لارسال قوات على الارض غرب العراق لحماية الاردن و تركيا و اسرائيل من اي تهديد عراقي - خصوصا الصواريخ البالستية.

------------------------

سيناريو معركة بغداد: التحضير لحرب الشوارع

مع تطور نقاش حول خطط الحرب، بدأ موضوع حرب الشوارع يطرح نفسه بشكل متزايد. فالنظام المركزي في بغداد، و هي مدينة يسكنها 5 مليون نسمة. و غير بغداد توجد حوالي 40 مدينة عراقية تشكل اهداف مهمة للحملة. و كان التمييز الاساسي هو ان المدن في العراق بشكل عام لا تحتوي مبان اطول من 5 طوابق. و لكن التوسع العمراني افقي بشكل كبير.

كان هناك قلق من حرب الشوارع، بسبب ارتفاع احتمال الاصابات المدنية و بين الجنود. و بدأت مشاريع التدريب لتعديل تكتيكات القوات لخوض هذا القتال. و لم تحصل تمارين لمشاريع لوجود قوات بشكل كبير في المدن العراقية. و كانت التجربة الوحيدة القريبة من القوات الامريكية هي تجربة الروس في غروزني. و لكن الحل الروسي الذي ادى لتسوية مدينة غروزني بالارض غير مقبول.

و كان هناك تأثر واضح بكتابات الدكتور روجر سبيلر Roger Spiller المنشورة تحت عنوان الزوايا الحادة Sharp Corner. حيث قام بدراسة لعمليات اجتياح المدن الكبيرة و حصارها منذ ايام سرجون العظيم الى الاجتياح الروسي لغروزني. و كان الاستنتاج الرئيسي من الدراسة - التي مولت من ادارة حرب المدن في الجيش الامريكي - انه من الممكن تجنب تدمير المدن الكبيرة لو تم ضرب مراكز القوى الاساسية بشكل دقيق (نفس النظرية التي خاضت على اساسها قوات التحالف الجوية عاصفة الصحراء، بدون نجاح حاسم - راجع السلسلة السابقة عن عاصفة الصحراء). و عليه بدأ دراسة الاهداف التي من الممكن ضربها بدقة بشكل يجنب القوات القتال من بيت لبيت. و تسارعت الدراسات و الابحاث المنشورة عن الجيش في هذا الاتجاه و تم عمل دليل ميداني للقوات حول اساليب القتال في المدن تحت الاسماء التالية: FM-3-06.11
الخاص بالجيش و كذلك FM-3-06 الخاص بالجيش و الجوية و البحرية.

بدأت المناورات التدريبية لتنفيذ الخطط في سبتمبر 2002. حيث تم تنفيذ تمرين (ضربة النصر) في بولندا و لمدة شهر كامل و شارك فيه الفيلق الخامس. و بعدها تمرين (الجندي المحظوظ) في مدينة الكويت. و بعدها التمرين السنوي المعروف باسم (النظرة الداخلية). و هذا التمرين السنوي اكتسب شهرة خاصة كونه كان نفس التمرين الذي جرته القوات الامريكية عام 1990 و تم فيه مناقشة و دراسة فرض غزو العراق للكويت قبل حصوله بأشهر. و لكن هذه المرة كانت الاجواء مختلفة، فقد بات محتملا جدا وقوع المواجهة.

تم اختتام جولة التدريبات في المانيا بين نهاية يناير و بداية فبراير 2003. و تم التركيز على التعاون بين قيادات مختلف الاسلحة من مستوى الفيلق الى اللواء. و تم تمثيل الطرف العراقي بالمحاكيات الحاسوبية. و في نفس الوقت تم اجراء تمرين في مجال الدعم اللوجستي و تم اكتشاف بضعة مشاكل متوقعة و تم وضع حلول لها. و تم بعدها عمل دورة لاختبار تكتيكات حرب المدن الجديدة. 

اما بالنسبة للجنود. فبمجرد وصولهم ﻷرض الكويت تم توزيعهم في قواعد عسكرية و بدأت تمرينات مكثفة لمدة 3 اشهر في العراء و بالذخيرة الحية. و كان وجود احتياط كبير من المعدات و الذخيرة خير معين على هذا النهج التدريبي الشاق الهادف لرفع الجهوزية قبل ساعة الصفر.

و في نفس الوقت حرص الجيش قدر الامكان على استخدام احدث المعدات التي تم تجربتها. و كان من اهمها البلدوزر العملاق D9 المحصن من الاسلحة الفردية و القذائف الكتفية. حيث تم الاستفادة من تجربة الجيش الاسرائيلي في هذا المجال مع الفلسطينيين و تم شراء 12 من هذه البلدوزرات للفيلق الخامس. و قد كان هناك رد فعل ايجابي جدا من الكتائب الهندسة التي استخدمتها في الحرب.

كذلك كثف الجيش من جهودة لادخال منظومة القيادة و السيطرة عصر الاتصال الفضائي. حيث لغاية عام 2002 كانت منظومة الاتصال للقوات على الارض هي الموجات الراديوية بمدى لا يزيد عن 40 كم. 

---

حفظ الامن و اسرى الحرب

كان من الفرضيات الاساسية في خطة الغزو ان الجيش العراقي لن يقاوم. وعكست كل تقارير الاستخبارات العسكرية ان ارقام استسلام و اسر الجنود العراقيين ستكون قريبة من ارقام عام 1991. و قد انعكس هذا على حجم الحشد العسكري الامريكي للحملة و كذلك على الترتيبات الامنية.

توقعات الطرف الامريكي:
الجيش العراقي النظامي (مشاة): نسبة الجهوزية القتالية 65%
الجيش العراقي النظامي (مشاة ميكانيك): 75%
الجيش العراقي النظامي (دروع): 80%
الحرس الجمهوري و الحرس الجمهوري الخاص: 90%

توقعات اسر القوات:
الجيش النظامي: 50% اسرى
الحرس الجمهوري: 20% اسرى
الحرس الجمهوري الخاص: 10% اسرى

تقدير القوات التي سيتم اسرها:
 اثناء التقدم نحو المراكز الحضرية: 49000 - 57000 مقاتل
اثناء اجتياح المدن: 31000 - 35000 مقاتل
 في حال انهيار النظام بشكل مبكر: 16000 - 18200

و تم بناء تصور ﻷعداد الشرطة العسكرية المطلوبة للتعامل مع هذه الاعداد. و لكن مع بداية الحرب كان تعداد كوادر الشرطة العسكرية في الجيش الامريكي اقل من الخطة بسبب متطلبات ساحة الحرب الثانية في افغانستان. مما قد يشكل عامل تأخير للعمليات العسكرية. حيث كانت الخطة ابقاء الاسرى مع القوات المهاجمة و من ثم تسليمهم للشرطة العسكرية خلال 24 ساعة على الاكثر. و تم تخصص وحدات اخرى كقوات شرطة عسكرية و لكن تم تساهل في شرط تسليم الاسرى للشرطة العسكرية خلال يوم واحد حسب توافر الكوادر. و تم تشكيل خلية استلام اسرى تشمل كادر طبي و قضائي تعمل بشكل متنقل حسب الحاجة.

الاستعداد للأسوأ

حسب الخبرة التاريخية بالحرب السابقة، لم يستبعد المخطط الامريكي ان يقوم العراق باحراق ابار النفط في الجنوب مثلما فعل في الكويت. و كان هذا العمل سيتسبب بكارثة اقتصادية و بيئية على العراق تمتد لسنوات طوال. و عليه تم اعلام بالجيش بضرورة التحضير لاحتمال الحاجة للقيام باعمال اطفاء للابار المحترقة و كذلك وضع سيناريو لاحتلال المنطقة بشكل مبكر لو اظهر العراقيون عزمهم على اشعال الابار.

و تم ايكال هذه المهمة لكتيبة هندسية مع بعض المتعاقدين الاجانب ممكن كان لهم خبرة في التعامل مع ابار الكويت المشتعلة عما 1991 و ما بعد. و كانت المهام تتمثل في اطفاء اي حرائق، اغلاق الابار النفطية ذات الضغط العالي لو لزم الامر بصورة سليمة. التعامل مع اي انسياب للنفط و تحضير المنشأت لتسليمها للطرف العراقي بعد الحرب.

و اثناء الحرب تبين ان الطرف العراقي اشعل النار ب 7 ابار و قام بفتح بئرين اخرين لتسكب النفط و تم التعامل مع هذه الاحداث بسهولة. و لم تسجل اي عمليات تخريب مهمة لمنشات النفط في الشمال. و يسجل هذه النجاح لعوامل منها سرعة التقدم الامريكي نحو منطقة الحقول، و كذلك حرفية المهندسين العراقيين الذين حرصوا على اغلاق الابار النفطية بشكل سليم قبل انسحابهم و كذلك قاموا بلحام ابواب المنشات بشكل منع عمليات النهب.

الجيش العراقي الحر

بدأ الامريكان التفكير في تدريب مواطنين عراقيين على السلاح بداية من عام 1998 من اجل دعم جهود المعارضة العراقية لاسقاط النظام. و بحلول عام 2002 تم اقرار تدريب لغاية 5000 عراقي على السلاح لدعم جهود الغزو. و تم اسناد المهمة لجهاز التعبئة و التدريب في الجيش الامريكي و كان عمل مركز التدريب في المجر. و تم ارسال عدد لا يزيد عن المئات للكويت قبل الغزو و دخلوا مع القوات الامريكية للعمل كمترجمين و لتقييم الوثائق التي يستولي عليها الجيش و للتفاوض مع السلطات المحلية لتسهيل عمل الجيش.

 
بدء العمليات القتالية:


في السادس عشر من مارس 2003 اعلن الرئيس الامريكي عن بدء عملية حرية العراق Operation Iraqi Freedom OIF. و تبع ذلك اصدار انذار نهائي للرئيس العراقي يوم 17 لمدة 48 ساعة. و هو ما شكل نهاية ل 12 عاما من لعبة القط و الفأر بين العراق و المجتمع الدولي بخصوص تنفيذ قرارات مجلس الامن. و قد كان حشد القوة الامريكية في الكويت و الخليج كافيا ﻷن يصدر الرئيس مثل هذا الانذار النهائي.

و قد تطرق بوش للأهداف الاستراتيجية للعملية في خطابات عدة و قد تم حصرها ب:
1- انشاء دولة ديمقراطية مزدهرة في العراق
2- ان لا يشكل العراق تهديدا لجيرانه

و كانت الخطوة الاولى هي ازالة نظام الرئيس العراقي صدام حسين. و كان هذا يقتضي التقدم نحو بغداد - مركز الثقل السياسي لحزب البعث - من الكويت. و كان المعيق الاول هو الستار الرملي الموجود على الحدود العراقية الكويتية. و خلال 3 ايام نجح التحالف باختراق الحاجز و بالتوغل و المناورة لتأمين منطقة الرميلة النفطية و بعدها بدأ التقدم نحو قلب العراق.

و كانت البداية حتى قبل ذلك الوقت عندما وجه الرئيس الامريكي قواته لاغتنام فرصة لتسديد ضربة قاصمة للنظام من خلال استهداف قيادته في اجتماع على مستوى مرتفع يوم 19 الشهر. اضافة لتلك الضربة كانت هناك تقارير استخبارية ان العراق بدأ يقوم بتدمير اباره النفطية مما جعل القيادة المركزية تقرر بدء الهجوم البري قبل ساعة الصفر ب 24 ساعة.

و خلال الايام التالية كانت الغارات الجوية تسير بمعدل 1500 - 2000 غارة في اليوم. و نصف هذه الغارات كانت للدعم الارضي و باتصال مباشر من القوات على الارض. و تم اطلاق 600 صاروخ كروز. و كان الاستهداف لمراكز القيادة في العراق، الدفاع الجوي، بطاريات المدفيعة، و اي مراكز يشتبه في انها تحوي صواريخ ارض - ارض. و كانت قمة القصف الجوي الاستراتيجي في ليلة الصدمة و الرعب (ليلة 21-22 مارس) و بعدها بدأ الجهد الجوي يتحول في مجمله الى الدعم الجوي للتقدم الامريكي على الارض.




و نجد من هذا الرسم ان الفيلق الخامس سيكون مسرح عملياته غرب نهر الفرات.

بداية الحرب شهدت اندفاع الفيلق الخامس جنوب العراق عن طريق الفرقة الثالثة مشاة. تضمنت مهام هذه الفرقة بين يومي 20-23 مارس الواجبات التالية:

اختراق الحاجز الترابي الحدودي الذي اقامه الامريكان لتعطيل اي هجوم عراقي و الان يجب عليهم هم ان يخترقوه اثناء الليل و بعرض 10 كم.

الاندفاع نحو قاعدة الطليل الجوية: و كان الهدف التالي هو الاندفاع 140 كم و تأمين قاعدة الناصرية للتموين و لهبوط الطيران للقفزات اللاحقة. و بذلك تصبح القوات الامريكي على اعتاب الناصرية (اول المدن العراقية الكبيرة على الطريق) و بالتالي يمكن دراسة ردود افعال الشعب و الجنود العراقيين. و تم طلب تأمين الجسر على الطريق السريع رقم واحد الذي يمر فوق الفرات شمال غرب المدينة و ضرب الفرقة 11 مشاة العراقية الموجودة هناك. و حسب الخطة قامت الفرقة بتأمين ذلك المدخل و ترك احتلال المدينة للمارينز.

عزل السماوة:  و تم ذلك بارسال مشاة ميكانيك الفرقة مسافة 210 كم شمال الحدود الكويتية لبدء الاشتباك مع القوات العراقية المدافعة عن السماوة. و كان هذا الاشتباك (و مثله في ام قصر و البصرة) جرس انذار للقوات الامريكية ان ليس كل العراقيين يرونهم كمحررين لبلادهم مخلصين لهم.

 ====

اسوأ الايام

يمكن اعتبار يوم 23 مارس من اسوأ ايام الحملة العسكرية في عملية تحرير العراق. فقد اشتبكت قوات المناورة الامريكية مع الخصم العراقي على طول الجبهة من السماوة و حتى الفاو. و اختفى اثر المفاجأة التكتيكية على الطرف العراقية و بدأت دفاعاته تستجيب للهجوم الامريكية و تصمد وتبادل النيران. و كان العراقيون يقاتلون بتصميم للدفاع عن مواضعهم و كذلك كانت مواكب التموين الامريكية دائما تحت ضربات الكمائن العراقية. من اخطاء ذلك اليوم تدمير طائرة تورنيدو بواسطة صاروخ باتريوت امريكي و مقتل طاقمها.  و كذلك خسارة وحدة Tarawa لحوالي 18 جندي و جرح العديد من عناصرها في قتال عنيف في الناصرية.

و في صباح ذلك اليوم ايضا وقعت السرية 507 صيانة في كمين عراقي الناصرية. و بين الساعة 7 و 830 صباحا تعرضت السرية لنيران عراقية مركزة ادت لمقتل 11 جندي و اسر 7 و جرح تسعة. و من اشهر الاسرى الجندية جيسيكا لينش التي تم فك اسرها لاحقا.

و اختتم اليوم بغارة من الفوج 11 طائرات مروحية ضد فرقة المدينة قرب كربلاء. حيث فقد الفوج طائرتين مروحيتين (احداها من نيران معادية) و اسر طائرين و سجل ان كل طائرة عادت من تلك الغارة كان فيها ثقوب. و الاسوأ ان فرقة المدينة بالكاد تأثرت بالغارة. و عليه نجح تكتيك الدفاع الجوي في هذه الحالة في اعطاب تكتيك امريكي مهم و هو الضرب في العمق.

كان المزاج السائد في غرفة العمليات صعبا. و قال احد المخططين انهم كانوا يظنون ان القتال على بغداد سيكون صعبا. لكن ان يكون الوضع بمثل هذه الصعوبة قبل الوصول لبغداد، فما هو المتوقع عند المواجهة الكبرى؟

===

الدعم و الاسناد

فيما تتقدم قوات الفيلق الخامس نحو بغداد، كانت قوات المارينز مع اسناد بريطاني تنجح في عمل انزال بري نحو البصرة و تأمين حقول النفط. و نجح المارينز في تأمين ميناء ام قصر و بدأت كاسحات الالغام البريطانية البحرية تنظف المنطقة تحضيرا ﻷيصال المساعدات الانسانية. و قام الانجليز بقطع كل طرق الامداد عن البصرة لاحكام الحصار. و في الغرب قامت وحدة مهام خاصة - غرب بتقليل اخطار الصواريخ العراقية على جيران العراق و قامت وحدة المهام الخاصة - شمال بالتعاون مع البشمركة بادامة الضغط على القوات العراقي في الشمال. و كانت السيطرة الجوية مفتاحا لقدرة الحلفاء على المناورة بالقوات دون اي قلق.

الخمسة ايام التالية لهذا التقدم تأثرت بشكل كبير بتأخر ايصال الدعم اللوجستي. و سبب ذلك هو عمق التوغل للفيلق الخامس (400 كم) و كذلك عدم اكمال الاستعداد لساعة الصفر بسبب تقديم الرئيس الامريكي لها بسبب الهدف الفرصة.

الهدف الفرصة و بدء العمليات

مع بدء يوم الهجوم في 19 مارس، بدأت القوات المهاجمة بتهيئة و تشكيل مسرح العمليات. و تم هذا بوجبة قصف مركزة من طائرات الشبح و صواريخ توماهيوك بهدف قتل الهدف الفرصة. و تشير التقارير الاعلامية الى ان هذه الضربة كانت بناء على تقرير استخباري غير موثوق وصل الرئيس الامريكي و اراد الرئيس استغلال فرصة لن تتكرر ثانية لحسم الحرب. و رغم فشل الضربة فقد كانت ارهاصة بدء العمليات البرية. و كانت مجمل العمليات البرية هي تحضيرية (مثل هدم الساتر الترابي، رصد العدو، تقييم حالة ابار النفط و المطارات القريبة و الاستعداد لاحتلالها). و في الشمال كان هناك قتال مشاغلة بين الاكراد و الجيش العراقي.


--

كان الحفاظ على الثروة العراقية النفطية من التخريب من اهداف الحملة الاستراتيجية كما اشرنا سابقا. و في يوم 19 مارس بدأ فريق الاستخبارات العسكرية في معسكر الدوحة في الكويت يلاحظ تغيرا في نمط عمليات المنشئات النفطية العراقية في الجنوب. فقد توقف تدفق النفط و تم تغيير الشعلات بشعلات اخرى تمويهية من قبل الجانب العراقي للتمويه على ان المنشئات العراقية لا تزال تعمل. تم ارسال تقرير مباشر للجنرال فرانكس الذي تشاور مع قيادة العلميات البرية و الجوية حول تبكير موعد الهجوم ب 24 ساعة. و افقت العمليات البرية و لكن العمليات الجوية اعلنت عدم قدرتها على تبكير الموعد. و امر فرانكس بتنفيذ الهجوم البري ب 24 ساعة ابكر من الموعد المحدد. و تم الاستيلاء على المنشئات النفطية العراقية المجاورة للحدود سليمة.

و كان تشكيل هذا الفريق الاستخباري من 40 محلل مسألة حرجة و تطلبت تدريبا طويلا في مختلف جوانب الاستخبارات العسكرية. و بعد اكتشاف جهل اعضاء الفريق باسلوب عمل المنشئات النفطية تم ارسالهم لخبراء من الصناعة النفطية لتعزيز قدراتهم في مجال رصد العمليات النفطية. و هذا ما اعطى مردود ايجابي يوم 19 مارس. حيث اظهرت الصورة الجوية  من طائرات الدرون ان ارتفاع عمود النار في المنشئات النفطية العراقية كان بين 20 و 100 متر. و هو اعلى من الرقم المعتاد اثناء التشغيل الطبيعي. و خلال 30 دقيقة كان التقرير امام مسؤول الخلية و بعدها اكده خبير نفطي مدني. و عليه جرى تقديم موعد هجوم 60 الف من المارينز 24 ساعة.

و قد كان موعد بدء الهجومين البري و الجو محور الكثير من النقاشات و الدراسات في قيادة الاركان. و بعد بدء الدراسات حوال 16 يوم من الغارات الجوية تسبق العمل البري، مع بقاء احتمال تقدم محدود لتأمين النفط مطروحا. بدأ الفارق بين الهجوم الجوي و الهجوم البري يتقلص حتى صار الهجوم البري يتبع ضربة افتتاح جوي ب 16 ساعة. و بسبب الظرف الاستخباراتي الطارئ انقلب الحال و بدأ الهجوم البري حتى قبل القصف الجوي التمهيدي بيومين. و من حسنات هذا ان اي ضربة جوية ستعطي العراق وقتا لبدء تخريب منشئاته النفطية قبل وصول الجيش الامريكي. و بسبب ان نفط الجنوب يولد للخزينة العراقية حوالي 50 مليون دولار يوميا. كان التقدير الاستخباراتي الامريكي ان العراق سينتظر حتى اخر لحظة قبل تعطيل المنشئات النفطية. خصوصا قبل التيقن من حصول الهجوم الامريكي البري.

و قد كان تركيز الطرف الامريكي على المفاجأة كبيرا من خلال بدء العمل الجوي مباشرة بعد جولة قصيرة من القصف الجوي - مقارنة ب 40 يوما من الضرب اثناء حرب الخليج. و اعتقد الامريكيون ان هذا الخداع على المستوى الاستراتيجي سيكون كفيلا بارباك المخطط العراقي الذي سيكون مستعدا لسيناريو مشابه لحرب 1991. و عليه تم مقارنة تقديم موعد الهجوم البري على موعد القصف الافتتاحي بحركة الخطاف في الحرب السابقة.

المفاجأة الثانية في الحرب كانت بدء المعركة بينما فقط ربع القوات - فرقة مشاة واحدة (الثالثة) من اصل 4 - جاهز للقتال. فقد كانت بقية القوات لا تزال تتدفق لساحة المعركة و تبدء التجهيز للقتال. و عليه اندفعت الفرقة 101 المجوقلة لمرابض الفرقة الثالثة عندما اندفعت نحو الخط الدفاعي العراقي على الحدود. بينما كانت الفرقة الاولى دروع في قواعدها تستلم سلاحها. اما الفرقة الرابعة مشاة فكانت تنتظر سلاحها المشحون عبر سفن تمر عبر المتوسط!

و عليه نجد حجم القرار الذي اتخذه فرانكس بتقديم موعد العمليات البرية قبل اكتمال حشد قواته و موازنة ذلك مع الاهداف العملياتية و الفرص و المخاطر التي يتيحها هذا القرار.  و طبعا كان لهذا القرار تداعيات لوجتسية كبيرة من خلال صعوبة تأمين المعدات و متابعتها و مشاكل في الصيانة و الاتصال.

و تضمنت العلميات ارسال رسائل راديو و القاء المناشير على الجنود العراقيين تدعوهم لعدم تخريب منشئات بلادهم. و تم تأمين المنشئات العراقية النفطية في الجنوب و رصيف الشحن في ميناء البكر. و بعد دراسة المنشئات تأكد المحللون ان ما شاهدوه كان فعلا محاولة تخريب للمنشئات العراقية. و لكن مستوى التفخيخ كان ضعيفا بشكل فتح الاحتمالات امام تيقن العراقيين ان الهجوم البري لا يزال بعيدا او ان المهندسين لم يريدوا تدمير المنشئات فقاموا بمجهود رمزي في هذا المجال. عموما من اصل اكثر من الف بئر تم اشعال 9 قبل التدخل الامريكي و كان من السهل اطفاء النار و استعادة العمليات خلال شهر ابريل.

-------------------------------------------

الرد العراقي - الصواريخ التكتيكية و الباتريوت

قامت القيادة 32 - الخاصة بالدفاع الجوي و الصاروخي - بنشر شبكة واسعة للتصدي للتهديد الصاروخي العراقي قبيل الحرب. عند بداية الحرب كان يوجد في ساحة المعارك المفترضة حوالي 32 نظام باتريوت للدفاع الجوي. 27 منها للولايات المتحدة و 5 لباقي اعضاء التحالف.  انتشرت هذه البطاريات في السعودية، الكويت، الاردن، قطر، البحرين. و تم نشر بطاريات اضافية في تركيا و اسرائيل.

اطلق العراق مجموع 17 صاروخ تكتيكي باليستي اثناء الحرب البرية. بدأها في الساعة 12:24 يوم 20 مارس تم اطلاق صاروخ ابابيل - 100 من البصرة و كان متجها نحو منطقة تجمع الفرقة المجوقلة 101. و كانت المنطقة تحوي 4000 جندي و 100 مروحية. كان الاطلاق موافقا ﻷسلوب عمل الجيش العراقي في الحرب السابقة. حيث كان يتم الاطلاق في الليل، و ذلك لتخفيف احتمالات الرصد و كذلك بسبب كون الحرارة و الرياح اكثر ملائمة لنشر العوامل الكيميائية (في حال قرار تنفيذ هجوم كيميائي). تم رصد الاطلاق مباشرة من خلال نظام AEGIS الموجود على السفينة Higgins المتموضعة على شواطئ الكويت و بالتالي منح الدفاع الجوي 90 ثانية لرد الفعل. و تم تدمير الصاروخ من احدى 3 بطاريات شكلت الخط الدفاعي الاول للقوات الامريكية. و تم تكرار الضرب الصاروخي العراقي 4 مرات اخرى خلال اليوم الاول. الصاروخ الثاني تم صده على مسافة 5 كم من معسكر الدوحة في الكويت. و لم يتم اعتراض الثلاث صواريخ الاخيرة بسبب اتجاهها للبحر.

---
 حالة الطرق

كانت تضاريس الاراضي العراقية صعبة فيما يخص التنقل و الجانب العملياتي، فبمجرد اجتياز الساتر الرملي كان على القوات الامريكية السير على رمال ناعمة بعمق حوالي 0.7 الى 1 متر. و بعدها يتم الوصول للحوض النهري المليء بقنوات الري و المنازل و المزارع. و كانت المباني التي لا تتجاوز 3 طوابق منتشرة بشكل يعيق الرؤية و الحركة. الطرق الرئيسية بشكل عام كانت موازية لحركة النهر. اما الشوارع الفرعية فكانت على درجة مختلفة من مواصفات البناء و جودة الصيانة و احيانا كانت تخالف الخرائط في اتجاهات السير. و عليه كانت الوحدات العسكرية مجبرة على التزام شبكة الطرق الرئيسية ما امكن.


-----

توزيع الجيش العراقي

كانت الخطة الدفاعية العراقية تركز على وادي دجلة و الفرات. و بالتحديد حماية الطرق السريعة 1 و 6 و 7 و ضواحي بغداد. و كان التوزيع العراقي للجهد يعكس توقعهم ان يكون محور الهجوم الامريكي الطريق السريع رقم 6 الذي يمر من خلال ام قصر. و كان جنرالات العراق يخططون للدفاع من العمق في تلك المنطقة مع توزيع قواتهم داخل المنشأت النفطية لسترها من الضربات الجوية. و كان هناك قوات اخرى موزعة للدفاع عن التجمعات السكنية الرئيسية و الطرق المهمة.

و للدفاع عن القطر، حشد العراقيون 17 فرقة جيش و 6 حرس جمهوري الافضل تدريبا. و في بغداد كان هناك 15000 جندي من الحرس الجمهوري الخاص للدفاع عن اهم منشات المدينة و ضبط السكان. و اضافة لذلك كانت توجد قوات ميليشا مثل فدائيين صدام و ميليشيا حزب البعث. لم يكن للجيش العراقي اي قوات بحرية او جوية تذكر عقب حرب عام 1991 و لكن كانت توجد بعض الطائرات المروحية المناسبة للمهمات القتالية. و نلاحظ ايضا انخفاض الدبابات بحوالي 50% (2200 بدلا اكثر من 5000) و كذلك الحال للمدرعات (2400 مقارنة ب 5000 في عاصفة الصحراء) اما عدد قطع المدفعية فزادت من 3000 الى 4000!







يوم 19 مارس كان تحشد القوات العراقية كالتالي:
من الجنوب للشمال على طول شرق حوض دجلة و الفرات (الخط السريع رقم )6 تم حشد 7 فرق
الفرقة 51 ميكانيك عند الزبير
الفرقة السادسة دروع شمال البصرة
الفرقة 18 مشاة عند القرنة
الفرقة 14 مشاة بين القرنة و العمارة
الفرقة العاشرة دروع عند العمارة
فرقة بغداد حرس جمهوري عند الكوت

غرب الفرات (الطريق السريع رقم 8) كان الحشد كاتالي:
اللواء 704 من الفرقة 18 مشاة عند الرميلة مع قطعات من لوائين دروع و مشاة ميكانيك من الجيش
الفرقة 11 دافعت عن الناصرية و السماوة من الجنوب

القوات الغير نظامية:
فدائيين صدام
قوات القدس
ميليشيا البعث
قوات الاستخبارات
اسود صدام

و هذه القوات كان ينقصها التدريب الجيد و تم التخطيط لاستخدامها في حرب العصابات حسب التوزيع التالي:
2000 مقاتل في البصر
12000- 14000 مقاتل عند النجف
2000-3000 مقاتل في كربلاء

و كان هناك تواجد ﻷفراد غير عراقيين دخلوا البلاد بتسهيل من سلطات بغداد للقتال. و كان هذا خارج حسابات و تخطيط الجيش الامريكي. و كان هناك كميات جيدة من الذخيرة و الايحاء الاعلامي برغبة بغداد في تحويل الحرب الى معارك شعبية.

مشاكل الهجوم

نجح الجيش الامريكي في تحقيق المفاجأة التكتيكية و العملياتية عن طريق بدء الهجومين الجوي و البري قبل استكمال الاستعدادات على الارض و بدون حملة تمهيد جوي مناسبة. و بسبب هذه المفاجأة و السرعة الشديدة في التقدم كان الجيش العراقي عاجزا عن مجاراة الاندفاع الامريكي.

و لكن لا توجد خطة بدون جوانب سلبية. و الطرف العراقي كان عنده بعض المفاجآت ايضا. مثلا خاب توقع الجيش الامريكي ان تحصل حملة انشقاقات هائلة من قبل الجنود (كما حصل عام 1991). و افراد الجيش لم يستسلموا و لم يقاوموا بكل ضراوة. و بدل الاستلام للطرف الامريكي ببساطة ذاب الجنود العراقيون بين المدنيين. و من الغير واضح ان كان هذا جزءا من خطة العراقيين للحفاظ على جنودهم او انه ببساطة خيار الجنود بعد اتضاح الصورة و ردا على الحرب النفسية للطرف الامريكي.

المفاجأة الاكبر كانت التهديد الذي مثله فدائو صدام و القوات الاخرى الغير رسمية للجيش الامريكي. و رغم ان حسابات الجيش تضمن وجود هذه القوات. الا ان شراستهم في القتال و استبسالهم فيه كان خارج كل التوقعات. و هجمات هذه القوات لم تعطل تقدم الجيش الامريكي نحو بغداد. لكنها عطلت سير العمليات في الناصرية و السماوة و حققت اول خسائر كبيرة للطرف الامريكي يوم 23 مارس. حيث تبين للجيش الامريكي ان احتلال العراق لن يكون بالسهولة او بدون مقاومة من الطرف العراقي. و الاسوا ان العراقيين اختاروا مجابهة التفوق الامريكي بوسائل تحيد هذا التفوق.

اما الصواريخ العراقية التكتيكية فلم تشكل اي تهديد على الطرف الامريكي. حيث كان الباتريوت فعال بنسبة 100% في التصدي للضربات العراقية مما حيد اي تهديد باستخدام اسلحة الدمار الشامل.

########################################

 بدء التقدم البري: اختراق الدفاعات الحدودي

كانت المهمة الاولى للجيش الامريكي وقت بدء المعركة هي اختراق الحواجز الدفاعية التي اقامها الامريكان لحماية الكويت في التسعينات من اي اجتياح بري عراقي اخر و بعدها اختراق الحاجز الحدودي العراقي. هذان الحاجزان يمثلان نظام اعاقة بري بعمق 10 كم و على طول الحدود. و كان الحاجز يشمل سواتر ترابية، اسلاك شائكة مكهربة، و خنادق لصيد الدبابات.

عملية الاختراق هذه تقسم الى 4 مراحل:

1- تسوية الساتر الرملي و العوائق الاخرى
2- تدمير القوات العراقية المجاورة (اغلبها على شكل نقاط مراقبة)
3- عمل طرق نقل امنة من خلال الحواجر المعادية
4- تأمين قوات الهجوم اثناء مرورها داخل العراق

تم تخطيط فتح 8 ممرات امنة عبر الحدود بالتنسيق مع الكويتيين. و رغم ان الجيش الامريكي تدرب بشكل جيد على كيفية انجاز المهمة على نموذج طبق الاصل، لكن تقديم موعد الهجوم ادى لبعض الارباك. فقد كان مخططا ان يكون امام القوات الهندسية بين يوم او اثنين قبل فتح الممرات، تم تغيير الامر بمجرد وصول القوات الهندسية بأن تبدأ عملية الفتح. كان دور الطرف الامريكي هو تزويد الكويتيين - الذين طلبوا القيام بالعمل قبل بدء الحرب تحت غطاء الصيانة - بالحماية و التوجيه فيما يقوم الكويتيون بفتح الساتر الترابي و ردم خندق الدبابات بالتراب. تم اقرار ان تسير الاليات المجنزرة على هذا الطريق بينما تسير الاليات المدولبة على الجسر المتحرك الذي تم اقامته بجانبه. و كانت مع السلاح الهندسي قوات شرطة عسكرية لتوجيه الاليات من الفرقة القتالية و ترتيب دخولها من اجل حصر تركيز قيادة اركان الفرقة على التخطيط للمواجهة العسكرية. و كانت الخطة ان يتم ابقاء ممرين فقط من اصل 8 بعد مرور الفرقة.

كان من ضمن خطة العبور ان يتم الاشتباك و ضرب كل ابراج المراقبة العراقية و القوات الجوالة على الحدود لحرمان الجيش من الانذار المبكر و الكشف. و هو ما تم بضرب جميع المواقع في نفس الوقت.

صفحة 148









رافع عملية التوغل خلال الدفاعات الكويتية قصف مدفعي من 5 كتائب مدفعية. اطلقت 458 طلقة على 11 موقع عراقي. و تم معاونة المدفعية بطائرات الهيليكوبتر و راجمات الصواريخ. و تم القاء المنشورات على القوات العراقية في تلك المنطقة لكن بتأثير ضعيف. فعكس حرب الخليج لم يكن هناك حملة قصف مطول على الجيش العراقي. و من سخرية القدر ان احد صناديق المنشورات انزلق من طائرة امريكية و نزل بكامل حمولته على رأس جندي عراقي و قتله، و بالتالي قد تكون اول خسائر الطرف العراقي هو من هذا العمل الغير قتالي! عموما كان عد الجنود الذين استسلموا للفرقة الثالثة مشاة 2600 شخص. اما اغلب من تركوا الجبهة فقد عادوا لبيوتهم.

تشكيل ساحة المعركة المتصلة بالخرق الحدودي

اضافة الى استخدام المدفعية في استهدام مراكز و دوريات الحدود العراقية اثناء الاختراق، كان اهتمام قيادة اركان الجيش الامريكي بالفرقة 11 مشاة العراقية القريبة من قاعدة الطليل الجوية. حيث كانت هذه الفرقة هي اقرب الفرق العراقية لنقاط خرق الحدود المحددة. و لمواجهة هذا التهديد طلب الجنرال والاس من كتيبة المروحيات الهجومية تدمير مدفعية الفرقة و دباباتها قرب الطليل و الناصرية.

كانت هذه الكتيبة تكون من 42 مروحية اباتشي AH-64 (نفس العدد من طراز A و D) و تم تعزيزها ب 18 مروحية اخرى من نفس الطراز من كتيبة جوية رقم 1-227 التابعة للفرقة الاولى دروع. و كانت هذه الكتيبة من المروحيات هي ذراع الفيلق الخامس الضاربة خلف خطوط العدو و اسلوبه في تدمير دروع الجيش العراقي قبل ان تدخل في مواجهة مع القطعات الارضية. و كان تدمير دروع الفرقة 11 مشاة العراقية كفيلا بتوفير مجال واسع للمناورة للفرقة الثالثة مشاة الامريكية و يؤمن جناحها الشرقي.

خرجت الكتيبة الجوية في الموعد المحدد للهجوم، يرافقها مروحيتان من طراز بلاك هوك  UH-60 L لتأمين السيطرة و القيادة الجوية و اي عمليات انقاذ. و كان يرافق الكتيبة ايضا طائرتا تزويد بالوقود. و بمجرد الدخول في المجال الجوي العراقي، اعلنت طائرات البلاك هوك و الارضاع الجوي عن مدى رؤيا معدوم بسبب الغبار. و لم تفلح حتى المناظير الليلية في حل هذه المشكلة.  و رغم ان طائرات الاباتشي كانت قادرة على التحليق باستخدام المناظير الحرارية الا ان المهمة تم الغاؤها بسبب مشاكل الرؤيا لطائرات القيادة والسيطرة و التزويد بالوقود.  و بالتالي صار لزاما على الفرقة الثالثة مشاة التقدم بدون دعم جوي.

تأمين الخطوط:

بموازاة الاعمال التحضيرية المذكورة اعلاه، بدأت اعمال فتح خطوط الحركة الثمانية بشكل متوازي لضمان ايصال اكبر قوة نارية ممكنة للعدو بسرعة. و الجدير بالذكر ان الكتائب الهندسية تدربت على مهمتها 19 يوما متواصلة قبل الحرب. و اثناء الاعمال الهندسية كانت قوات الفرقة كلها في وضع القتال. و كان هناك تركيز على الحذر من اي هجوم كيماوي عراقي. فبمجرد صدور انذار باطلاق الجيش العراقي لصواريخه (و قد حصل هذا 5 مرات في اليوم الاول) كان الجنود يسرعون في ارتداء اقنعة الوقاية و الذهاب للخنادق. و كانت الوحدات الكيميائية تحصل على تقارير عن مكان ضرب انفجار الصاروخ في الهواء  (بفعال الباتريوت) و من ثم يتم حساب سرعة الرياح لتقدير خطر التعرض ﻷي عامل كيماوي.

في الساعة التاسعة مساءا قامت كتائب مدفعية عيار 155 مم بقصف مراكز المراقبة الحدودية العراقية لمدة 20 دقيقة. و بعدها تقدمت القوات للاشتباك مع اي قوات عراقية موجودة. و قتل 7 جنود عراقيين في هذه المعركة. وكانت محصلة عمليات اختراق الحدود تدمير 3 مراكز  رصد، 4 دبابات، 3 مدرعات و 5 شاحنات نقل. و تم عمل حزام بعمق 10كم لتأمين نقاط العبور و التحضير لتقدم مراكز اعادة التزويد بالوقود و القوات الثقيلة. نفس الحال تكرر مع فريق العمل الثاني الذي فتح الممرات الاربعة الاخرى.

مرور القوات بعد فتح الممرات

واجهت قوات الفيلق الخامس مشاكل تكتيكية اثناء المرور بالمعابر الثمانية. فلتم تكن تلك المعابر كلها بمواصفات تجعل المرور من خلالها سهلا. فتمرير 10000 مركبة هي عماد الفيلق طرح مشاكل في الترتيب. اضافة الى طول طابور المرور جعل بعض العربات خارج نطاق موجات FM للاتصال. و استغرق الامر يومان حتى تمر هذه العربات كلها. و لكن الاهم هو ان فرقة المشاة الثالثة تكاملت و وصلت مرحلة العمل القتالي عند قاعدة الطليل على بعد 100 كم خلال 24 ساعة. و كان غريبا ان 3 عربات نقل ثقيل سارت مع احدى الفرق. وغرزت هذه العربات عشرات المرات اثناء المرور في الصحراء.


الفرقة المجوقلة تعزز مدى عملياتها

بموازاة عبور الفرقة الثالثة مشاة، بدأت الفرقة 101 المجوقلة تنفيذ اعمال التحضير لدورها في الهجوم. و هذا التشكيل الجوي يعتمد على التقدم العميق داخل مناطق العدو بمئات الحوامات المعملة بالجنود و العتاد المدرع بما يشكل ذراعا ضاربا للجيش الامريكي يمكنه من انزال فرقة مشاة داخل العمق المعادي. و كان هدف هذه الفرقة هو الوصول لجنوب بغداد و مدينة كربلاء و بالتالي تحتاج تحضير منطقتين لتعبئة الوقود حتى تصل المروحيات لذلك المدى.


كما يوضح الشكل المجاور، يتم تحقيق هذا المدى العملياتي الكبير عن طريق انشاء 3 محطات توقف و تزويد:

1- مركز تموين سريع RPR (و يطلق عليه كوديا اسم اكسون EXXON)
2- منطقة تموين و تذخير متقدمة FARP (و يطلق عليه كوديا اسم شيل SHELL)
3- منطقة عمليات متقدمة FOB الخامسة




تأسيس منطقتي اكسون و شيل سوف يمكن مروحيات الفرقة من الوصول الى كربلاء و ضواحي بغداد الجنوبية كما اسلفنا. و تم تحضير 4 طائرات شينوك لتعمل كمراكز وقود متنقلة - كل بسعة 800 جالون - لتزويد المروحيات OH-58D ذات المدى القصير بواسطة الارضاع الجوي حتى تصل لنقطة شيل و تقوم بتأمينها من الجو قبل بدء انشاء الخزانات و المستودعات.




بعد التأمين الجوي اندفع الطاقم الارضي الخاص بمحطة EXXON عبر الحدود يوم 20 مارس. و استغرق الفريق 16 ساعة لقطع مسافة 200 كم داخل العراق. و تم تأسيس 12 نقطة تزويد وقود في الموقع و نصب المحطات خلال 3 ساعات و نصف. و خلال العملية العسكرية تم انشاء العديد من هذه المراكز بحيث تغطي المروحيات الامريكية جميع انحاء العراق. انظر الشكل.




و لتأمين الطائرات، تم احضار 136 جندي مشاة و تدريبهن ليعملوا على المدفع الرشاش الملحق بالطائرة. و كل جندي تم دريبه 40 ساعة ليصبح قادرا على القيام بهذه المهمة.


الهجوم شمال قاعدة الطليل الجوية



بدأت قوات من الفرقة الثالثة مشاة بتجاوز الحدود العراقية و التقدم شمالا. و استمر التقدم دون اي اتصال مع الجيش العراقي لغاية الليل. و بمجرد حلول الظلام تم اشغال الانارات و التقدم - و هو ضد كل الاعراف العسكرية. الكتيبة الاولى تقدمت نحو قاعدة الجلالة الجوية جنوب قاعدة الطليل. اما الكتيبة الثالثة فهاجمت الفرقة 11 جيش عراقي المدافعة عن قاعدة الطليل عند الناصرية و تغلبت عليها و سيطرت على القاعدة و على الطريق السريع رقم 1. 


القتال داخل قاعدة الطليل الجوية

تقع قاعدة الطليل جنوب غرب مدينة الطليل و بالقرب من الناصرية عند انعطاف الطريق السريع رقم واحد. و بالتالي كانت السيطرة على هذه القاعدة الجوية ستفتح هذا الطريق الحيوي للتقدم شمالا. و كذلك سيساعد في تعزيز الخداع ان محور الهجوم الرئيسي سيكون شرق نهر الفرات. 

اسند قائد الفيلق الخامس هذه المهمة للفرقة الثالثة مشاة بقيادة العقيد بلونت Blount و الذي بدوره اسند المهمة للواء الثالث دروع لاحتلال القاعدة و تحويلها لمركز دعم لوجستي لاسناد الفيلق اثناء تقدمه شمالا. و السيطرة على القاعدة ستمكن الطرف الامريكي من قطع الطريقين السريعين 1 و 28 من بلدة الطليل. و بعد احتلال القاعدة سيتم تسليمها لقوة المارينز و اكمال التقدم شمالا. الاسم الكودي للقاعدة الجوية كان firebird و الاسم الكودي للجسر شمال الطليل فوق الفرات كان Clay و الاسم الكودي لنقاط الدفاع شمال الطليل كان Liberty.








قبل الهجوم من الاراضي الكويتية كانت تقديرات الطرف الامريكي للقوة العراقية متباينة بين دفاع منظم و عميق و بين دفاع سينهار عند اول معركة. حول الهدف فايربيرد كان الدفاع يتكون من قوات من الفرقة 11 مشاة للجيش العراقي. و تم تركيز ثلاثة الوية من الفرقة العراقية شرق و شمال شرق الناصرية للدفاع عن المدينة بدل الدفاع عن القاعدة الجوية. و رصد ايضا وجود كتيبة 21 دبابات و قوات فدائيي صدام. تقارير الاستخبارات لم تصف الدفاع عن المنطقة بالصلب. قوات استطلاع ارسلت قبل بدء الحرب افادت بالتالي:
1- الجسر عبر الفرات - الهدف كلاي - تحميه سرية مشاة
2- سرية دبابات تي-55 تتواجد داخل القاعدة الجوية
3- كتيبة مشاة شمال شرق القاعدة الجوي - الهدف فايربيرد - للدفاع عنها من اي تقدم جهة الجنوب
4- مركبات متنوعة عدد 25 داخل القاعدة الجوية



التقدم نحو الاهداف


عند وصول طلائع قوات اللواء الثالث كانت مؤخرة الركب لاتزال عند الحدود العراقية الكويتية. و بدون اي راحة تقريبا تم احتلال الاهداف الاولية بدون استكمال الحشد بسبب صغر حجم القوة العراقية عند الهدف Barrow. و على صعيد الهجوم على مستوى المدينة امر قائد الفرقة بالهجوم بالقوات المتوفرة بعد استراحة لساعة. حيث ستكون خطة الهجوم بالتقدم على المطار من الجنوب و الشمال الشرقي. و بعدها تقوم قوة اخرى مدرعة بالتقدم شمالا للوصول للجسر على نهر الفرات (الهدف Clay). و كانت المرحلة الاخيرة تشمل الهجوم على القاعدة الجوية بعد الحصار. و كان هناك نقاش بين القيادات الصغرى حول ضرورة ان لا يكون الهجوم على القاعدة الجوية عنيفا بشكل يجبر العراقيين على القتال. بل يجب السماح لهم بالاستسلام.

الفرقة الثالثة مشاة وفرت اسناد جوي من الكتيبة الرابعة الهجومية الجوية، حيث هاجمت مروحياتها الاهداف بشكل استباقي قبل تقدم الكتيبة الثالثة. و تم تدمير بطارية سام من نوع SA-6 و دبابتين و ستة مدرعات. كانت الخسائر في الهجوم الجوي طفيفة: اصيب ملاح واحد من الاسلحة الفردية التي اطلقها العراقيون نحو المروحيات. و لم تكن الاسلحة الكتفية المضادة التي استخدمها العراقيون ذات فعالية.

صفحة 158 

 
صفحة 157