Wednesday, August 19, 2015

تحليل اداء الجيش العراقي في العصر الحديث - خسارة الفاو عام 1986

ليلة 10-11 فبراير، شن الايرانيون هجوما على شبه جزيرة الفاو العراقية. حيث عبرت قوات المشاة الايرانية شط العرب و اقتحمت شبه الجزيرة، و قد كان تقدير العراق ان ايران لا تملك وسائل عبور مائية كافية لهجوم من هذا الحجم. و كانت قوات الجيش الشعبية هي الموجودة في الفاو وقت الهجوم و انهارت هذه القوات منذ اول تماس مع العدو. و ارسل الايرانيون تعزيزات كبيرة نحو الفاو و قاموا بالاندفاع نحو ام قصر و البصرة.

تحت تأثير الصدمة و الرعب، دفعت بغداد بقواتها للجنوب باكبر سرعة ممكنة. و فشلت عدة هجمات مرتدة بشكل ذريع. و رغم ان طبيعة الارض اللينة تمنع حرية الحركة للدروع، فقد اصرت بغداد على استخدام القوات المردعة في الهجوم المرتد بسبب افتقارها لتشكيلات المشاة الكفؤة. و كان الهجوم بالدروع مع اسناد محدود من المشاة مما سهل ضرب الدبابات من قبل مروحيات الكوبرا و من قبل فرق صائدي الدبابات الايرانية. و لجأ العراق لسلاح الجو بدون اي تأثير كون القوات الايرانية اغلبها من المشاة التي لا تشكل اي اهداف قيمة لسلاح الجو. و لم تنجح محاولات الطيران العراقي بضرب الجسور الايرانية بسبب تعمد الايرانيين التنقل بالليل، و خسر العراق ما بين 20-25 طائرة في هذه المعارك. و اخيرا ارسلت بغداد افضل قوات المشاة للمعركة: قوات الحرس الجمهوري و القوات الخاصة و التي نجحت اخيرا في ايقاف الايرانيين على اعتاب ام قصر.

يوم 22 فبراير شن العراق هجوما كبيرا لاستعادة الفاو. و كان حجم الهجوم العراقي 3 فرق. قاد كل فرقة قيادات عسكرية تعد من افضل ما كان لدى الجيش العراقي (مع حفظ الالقاب و الرتب):
1- هشام الفخري
2- ماهر عبد الرشيد
3- سعدي الجبوري

رمى العراقيون كل ما لديهم في هذا الهجوم، و خصص سلاح الجو 200 طلعة اسناد قريب في اليوم اضافة للقصف المدفعي الكبير و استخدام الكيماوي. و لكن 3 اسابيع من القتال الشديد لم تؤد لنتيجة. و حتى و حدات النخبة في سلاح المشاة العراقي كان اداؤها ضعيفا و كان الاعتماد على القوة النارية للمدفعية و لسلاح الدروع العراقي. طبيعة ساحة المعركة اجبرت الدبابات على البقاء على الطريق الرئيسية، و حتى في المناطق الصلبة كان العراقيون مترددين في المناورة بالدروع. و كان العراقيون يأملون بالاندفاع التعرضي المباشر في وجه الدفاع الايراني القوي المزود باسلحة مضادة للدروع. و فشل العراقيون في اخماد فرق صيد الدبابات الايرانية سواء بالمدفعية (التي عابها الدقة و البطء في اعادة التوجيه) او بنيران المشاة التي لم تقم بدور الاسناد للدروع بالشكل المناسب. خسر العراقيون من 8-10 الاف مقاتل و 20-25 طائرة حربية و كان معدل الخسائر في الحرس الجمهوري 30%.

كانت نتيجة خسارة الفاو كبيرة على الجانب العراقي و رصدت النقاط الثلاث التالية:

1- رفعت بغداد اي قيد على القيادة العسكرية، تم اعطاؤهم كامل الحرية في شؤون الحرب من تخطيط و تحديد اهداف الى شؤون العمليات. و كان هذا الرتم بدأ بعد انسحابات عام 1982.

2- ادركت القيادة العسكرية العراقية ان الجيش العراقي يفتقد لقوات مشاة قادرة على تنفيذ واجبات هجومية بشكل كفؤ. حيث فشل العراقيون في استغلال تفوق كاسح في النيران في معارك عديدة لهذا السبب.

3- ادرك صدام حسين ان الحرب مع ايران لن تحسم بدون ضربة قاصمة للجيش الايراني، وانه يحب عليه الاعداد لدور هجومي قوي يجبر طهران على قبول وقف اطلاق النار.

و عليه تم البدء في بناء قوات مشاة عراقية على اعلى مستوى من التدريب، و استقر الرأي على توسيع الحرس الجمهوري العراقي لهذه الغاية. حيث كان قوام الحرس المميز تدريبا و تسليحا حوالي لوائين عام 1980 و صار العدد 6 الوية عام 1985 ليضاف لها بعد عامين فيلق من 3 فرق - حوالي 18 لواء. اضافة لعدة الوية قوات خاصة. و كان التعيين هذه المرة يركز على الكفاءة اكثر من الولاء و تم ادخال طلاب الجامعات في التجنيد و ادخالهم هذه القوة الجديدة و تم انتقاء افضل الكفاءات من الجيش لملئ الشواغر في الحرس الجمهوري. و تم سحب هذه التشكيلات من ساحة القتال كلما سمح الظرف - الى جانب الفرق 3 و 6 و  10 دروع و الفرقتين الاولى و الثالثة مشاة ميكانيك التي تعد من احسن فرق الجيش - الى معسكرات التدريب لرفع السوية القتالية سواء العمليات المشتركة او تكتيكات الهجوم. و صار بامكان التشكيلات عمل مناورات على مستوى الفيلق (مثلما حصل في تحرير الفاو و حصل في حرب 1991).

درس اخر تعلمته قيادة الاركان العراقية، انه للحصول على افضل النتائج، يجب على قيادة الاركان كتابة امر التنفيذ بادق التفاصيل و ان لا يترك الا مجال ضيق للقيادة الميدانية للاجتهاد (و هو نفس المبدأ المصري في حرب 1973 و ما تلاها). و بعد كتابة العمليات بادق التفاصيل، كانت تسلم للقوات للتدرب عليها بشكل مستمر لأسابيع. و كان التدريب يستمر اكثر من 12 ساعة كل يوم. حتى حفظت كل الفرقة تفاصيل المناورة من اصغر جندي لاكبر قائد.

المصدر :كينيث بولاك - العرب في الحرب